الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة جيريمي بنثام النفعية وعلاقتها بالليبرالية

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2022 / 12 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تستمر النفعية كما صيغت في كتابات جيريمي بنثام (1748-1832) في مساءلة الفلاسفة، كما لفتت انتباه اثنين من كبار المفسرين للتغييرات السياسية في القرنين التاسع عشر والعشرين، وهما إيلي هاليفي وميشيل فوكو.
بالنسبة إلى النفعية، التي يقدمها بنثام على أنها "عقيدة السعادة الكبرى لأكبر عدد"، والتي تستند إلى الفكرة المزدوجة القائلة بأن كل فرد هو أفضل حكم لمصالحه الخاصة وأن لكل فرد قدرة متطابقة على السعادة، سلطت الضوء على التوترات التي ابتليت بها الليبرالية منذ القرن التاسع عشر وما زالت تناقش على نطاق واسع حتى يومنا هذا.
بالنسبة لإيلي هاليفي، كانت النفعية أحد العناصر التي فسرت الأشكال المحددة التي اتخذتها تاريخيًا الليبرالية الأنجلو ساكسونية، وهي عنصر أساسي في الحداثة الاقتصادية والسياسية.
إن التحليل المقدم في الأجزاء الثلاثة من كتاب "تشكيل الراديكالية الفلسفية"، التي كُتبت في غضون القرنين التاسع عشر والعشرين والتي شكلت إعادة إصدارها في منتصف التسعينيات حدثا هاما، أكدت على المساهمة المتميزة للنظرية التفعية في التاريخ السياسي لبريطانيا العظمى.
باعتبارها في آن واحد ديمقراطية وذات نزعة تجارية حرة، تستند الليبراليةعلى ركيزتين نظريتين: العقلانية والفردية، اللتين اكتسى نظر بنثام فيهما خاصة جدا بين خلفائه. إن البدء من المصالح الفردية لفهم المجتمع السياسي يجعل من الممكن إما النظر إلى السياسة على أنها مساحة تنسجم فيها المصالح بشكل طبيعي مع بعضها البعض، أو الدعوة إلى تنفيذ الوسائل السياسية لمواءمة المصالح المتباينة.
ومع ذلك، يبدو أن تصنيف بنثام في خانة الليبراليين يمثل إشكالية من عدة نواحٍ، ولم يكن هاليفي مخطئا عندما قال إننا لا نجد لدى فيلسوف وستمنستر عدم الثقة في الدولة المركزية وذات السيادة التي أصبحت، منذ مونتسكيو، جزء من البرنامج الليبرالي.
يطرح هاليفي المشكلة عبر هذه الكلمات: "إن النظرية النفعية ليست فقط، وربما لا تكون في الأساس، مذهبا ليبراليل: فهي لا تزال عقيدة سلطوية تتطلب التدخل الواعي والعلمي من الحكومة بطريقة ما من أجل تحقيق الانسجام بين المصالح. بمرور الوقت، تحول بنثام، الذي كان في شبابه تابعًا لنظرية "الاستبداد المستنير"، إلى الرأي الديمقراطي؛ لكنه، قفز على نحو ما، بكلتي قدميه، على نظرية الحكومة الأرستقراطية، والحكومة المختلطة، والضوابط والتوازنات، وعلى النظرية القائلة بأن السياسة يجب أن تهدف إلى منح الأفراد حق الاقتراع عن طريق إضعاف السيادة وتقسيمها قدر الإمكان".
في هذا النص، يشير هاليفي أيضا إلى معارضة بنثام المستمرة لمذاهب حقوق الإنسان والمفردات المرتبطة بها. لهذه الأسباب، لم تكن ليبرالية بنثام بديهية، وفي القرن العشرين قادت منظرين متنوعين مثل فريدريك هايك وجون راولز إلى إبعاد أنفسهم عن   النفعية.
من جهته، وضع ميشيل فوكو قراءته لبثام أيضًا في إطار تحليل الحداثة الليبرالية. لكنه، بخلاف هاليفي، رفض اعتبار "الاستبداد المستنير" لبنثام حالة شاذة وأظهر كيف أن صعود النموذج الليبرالي ترافق مع زيادة في السيطرة على الأجساد من خلال السياسة الحيوية. نحن ندرك جيدا التطورات التي خصصها فوكو للسجن الشامل الذي تخيله بنثام في الفصل الثالث من كتاب "المراقبة والمعاقبة - ولادة السجن"، الذي نُشر عام 1975. في السنوات التالية، عبر دروسه في الكوليج دي فرانس، عاد مرة أخرى ليطور هذا الحدس، عندما كان يدرس "الطريقة النفعية" لليبرالية ويعارضها مع حقوق الإنسان ضمن نفس التيار.
ومع ذلك، يختلف بنثام هاليفي وفوكو في كثير من النواحي عنه في نصوصهما المتاحة للباحثين اليوم. في الواقع، كان كلاهما لا يزال يعتمد بشدة على الطبعة الفيكتورية لأعمال الفيلسوف، التي ظهرت عام 1843 تحت إشراف السير جون بورينج (1792-1872)، أحد دعاة التجارة الحرة في أوروبا في بداية عهد فيكتوريا.
اعتمد هاليفي وفوكو إلى حد كبير على هذه الطبعة، حتى لو كان من الضروري الاعتراف لهاليفي بميزة كونه من أوائل من اكتشفوا الكنز الثمين للمخطوطات الأصلية، وبالتالي لم يكن يعتمد فقط على الخيارات التحريرية لـبورينغ. سلطت النسخة المرجعية الجديدة المنشورة تحت إشراف فيليب سكوفيلد ضمن مشروع بنثام بجامعة كوليدج لندن منذ حوالي ثلاثين عاما، الضوء على نصوص غير منشورة، لا سيما تلك التي تناولت الدين والتشريع. كما وعدت طبعة جديدة لنصوص بنثام الاقتصادية، التي لا يزال تفكيرها في هذا المجال غير معروف جيدا، بإحراز تقدم آخر في السنوات القادمة.
كان لقراء اللغة الفرنسية فقط إمكانية الوصول منذ عشر سنوات إلى مجموعة تم تجديدها بالكامل عن طريق الترجمة.
طيلة ما يقرب من قرنين من الزمان، كانت الإصدارات التي جمعها إتيان دومون في بداية القرن التاسع عشر هي الإصدارات الوحيدة المتاحة. ويمكن للباحث الآن الرجوع إلى "مقدمة مبادئ الأخلاق والتشريع"، المترجمة تحت رعاية مركز بنثام، والتي لم تكن متاحة حتى الآن باللغة الفرنسية، بالإضافة إلى عدد معين من النصوص القصيرة: حول الحرية السياسية، والأخلاق الجنسية، والأنطولوجيا وتنظيم المعارف.
كدليل على هذا الإحياء، مكّن عملان رئيسيان مؤخرا القراء الناطقين بالفرنسية من تقييم مساهمة النفعية في تاريخ الأفكار السياسية.
في "الإنسان الاقتصادي. بحث عن جذور النيوليبرالية"، يعيد كريستيان لافال، مقتفيا أثر فوكو، لافال صياغة مسألة دور النفعية في الفكر السياسي في العصر الحديث والمعاصر، ويرى في الفردية المنهجية لبينثام تعبيرا عن أحد مساوئ المجتمع الليبرالي الغربي.
يقول لافال: "إن المشكلة المطروحة على الغرب والعالم وهو عرضة للتغريب هي ما يلي: كيف كان من الممكن التفكير في عالم اجتماعي مثل عالمنا يكون فيه بمثابة قوانين التفضيل الذي يمنحه كل شخص لنفسه، الفائدة التي يحفزها للحفاظ على العلاقات مع الآخرين، والمنفعة التي يمثلها للآخرين؟ ما هي أنماط التفكير، وأنواع التوقع، ووسائل رفض الاعتراضات التي جعلت من الممكن فرض هذه الطريقة المتناقضة للغاية في الرؤية، والتي أدخلت في جسد المجتمعات ذاتهه هذا المنطق الذي يبدو أننا جميعا منخرطون فيه قبل كل شيء، كيف كان من الممكن التفكير وتنظيم حكومة لعالم اجتماعي مكون من كائنات تدعي الشرعية الكاملة لإطاعة مصالحها الخاصة أولا قبل المصلحة الجماعية؟
الأمر الذي يمكن اعتباره بسهولة، فيما يتعلق بالأخلاق الاجتماعية الأخرى، إعادة تقييم القيم على أسس مغايرة ".
يعترف كريستيان لافال في الفلسفة النفعية بمصفوفة المجتمع الليبرالي الذي لا يزال يشكل حتى اليوم أفقا سياسيا. في نهاية مسار أعقب صعود جدلية المصلحة والفائدة في فكر الأنوار الأوروبي، جعل من بنثام "منظِّرا رائدا ورمزيا" لـ "الحكومة الجديدة"، و دعا إلى الخروج من نموذج اجتماعي واقتصادي وسياسي قائم على تصور أناني للطبيعة البشرية من خلال إعادة تقييم قوة المشترك، ضدا على المصلحة الفردية.
يختلف تحليل كاثرين أودارد، التي ساهمت بشكل كبير في جعل التقليد النفعي الأنجلو ساكسوني معروفا في فرنسا، مختلفًا. في كتابها "مختارات تاريخية ونقدية من الليبرالية"، شددت على "العلاقة المعقدة بين النفعية والليبرالية".
في الآونة الأخيرة، أكدت في جوابها على السؤال: ما هي الليبرالية؟ على أن "النفعية كانت مركزية في تطور الليبرالية، التي أثرت فيها بعمق وأعادت توجيهها " على وجه الخصوص من خلال انتقاد قيمها التأسيسية مثل حقوق الإنسان وفصل السلطات، ما سمح بالانتقال من من "ليبرالية الحرية" إلى "ليبرالية السعادة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير عن ضربة إسرائيلية ضد إيران وغموض حول التفاصيل | الأخب


.. إيران وإسرائيل .. توتر ثم تصعيد-محسوب- • فرانس 24 / FRANCE 2




.. بعد هجوم أصفهان: هل انتهت جولة -المواجهة المباشرة- الحالية ب


.. لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا




.. نار بين #إيران و #إسرائيل..فهل تزود #واشنطن إسرائيل بالقنبلة