الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جذور تراجع الثقافة الوطنية في العراق

محمد رضا عباس

2022 / 12 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


ببساطة ,ان الوطنية تعني حب الفرد للوطن والتفاني من اجله , وبذلك تتضمن الوطنية الدفاع بالمال والروح من اجل حماية الوطن من أي اعتداءات خارجية , احترام المواطن قوانين ونظم الدولة , مشاركة المواطن في حملات التوعية الثقافية , محو الامية , درء خطر الفيضانات , مكافحة الأوبئة , وتنظيف الشوارع . انها تشمل احترام المواطن إشارات المرور , احترام موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين داخل وخارج مؤسساتهم , وعدم التجاوز على ممتلكات الدولة .
الوطنية تعني أيضا احترام المواطن لأخيه المواطن , وتفاني موظف الدولة لوظيفته . تعني ان يكون الطبيب رحيما على مراجعيه , المعلم يحترم ويعطف على طلابه , المهندس امين في حساباته الهندسية ومواد البناء , استثمار عامل البناء ساعات عمله بإخلاص , موظف الدولة يحترم مراجعيه وعدم وضع العراقيل امام انجاز معاملاتهم , اخلاص ميكانيكي السيارات في عمله وان لا يحمل صاحبها تكاليف مصطنعة , الجار يحترم جاره , و ان يكون البائع صادق في تعامله مع زبائنه , بدن غش .
وحتى يكون المواطن وطنيا يحب بلده وناسه , على الحكومة الوقوف على ما يحتاجه المواطن وان تحترم حقوقه مثل توفير الخدمات العامة له من الكهرباء , الماء الصالح للشرب, الصحة والتعليم , طرق مبلطة, حدائق وملاعب أطفال , مجاري مياه, الامن , وفرص عمل للعاطلين . هذه الحقوق بدء يخسرها المواطن العراقي منذ ان استلمت الحكومات القومية زمام الحكم في العراق , أي منذ انقلاب عام 1963, ولكن كان اشدها عندما استلم حزب البعث السلطة عام 1968.
هذا الحزب , حزب البعث, وضع مصلحة الحزب فوق مصلحة الوطن , فكان أي قرار حكومي لا يصدر الا بعد التأكد ان القرار يزيد من عدد المنتمين له . فاصبح خريج طالب مرحلة الثانوية لا يحق له الدخول الى الجامعة بدون الانضمام الى حزب البعث, ولا يمكن لخريج ثانوية او جامعة الحصول على وظيفة حكومية بدون الانتماء الى الحزب . ازدادت ضغوط حزب البعث على المواطن العراقي حتى شمل موظفي الدولة القدامى فرض الانضمام الى الحزب , فيما ادخل الى الحزب الالاف من الذين اجبروا دخول برنامج محو الامية , حتى وصل الامر ان لا يستطع مواطن الانتقال من مدينة الى مدينة أخرى بدون تزكية حزبية . لقد وصل الامر ان يضطر المواطن العراقي الى الانضمام الى حزب البعث من اجل عدم مطاردته من الأجهزة الأمنية والرفاق الحزبيين .وفي الاخر رفع الحزب شعار " العراقيون بعثيون وان لم ينتموا" وبذلك فرض الحزب حكم الإعدام على العراقيين , لأنه اصدر سابقا قانون يعاقب بالموت لكل من ينتمي الى حزب غير حزب البعث . ام الذين لم ينضموا الى الحزب فكان مصيرهم الهرب من العراق او الموت المحقق , وهكذا ترك حزب العث اكثر من 300 مقبرة جماعية تتناثر على ارض العراق .
مع كل هذه الانتهاكات لحقوق الانسان , بدء الاقتصاد الوطني العراقي بالتراجع على اثر حرب العراق مع ايران , احتلال دولة الكويت الشقيقة , والحصار العالمي على العراق . وبينما رمت الحروب فواجع لا تحصى عددها على العراقيين , ما يقارب المليون بين شهيد وجريح ومعوق , جاء الحصار العالمي لتجويع العراقيين , فكان ضحية الحصار الجميع , فمن كان غنيا اصبح فقيرا , ومن كان فقيرا اصبح معدما . غابت فرص العمل فيما وصل التضخم المالي الأعلى في تاريخ الشرق الأوسط وعلى اثره اصبح الراتب الشهري لموظف الدولة لا يكفي لإطعام عائلة من خمس نفرات لمدة يومين , مما اضطر الإباء والامهات العمل وجبتين واضطر الإبناء التسرب من المدارس من اجل البحث عن عمل يساعد ذويهم . في هذا الوقت وصل دخل المواطن العراقي السنوي لا يساوي دخل فلاح في قرية هندية .
جاع المواطن العراقي وتلاشت معه الوطنية , فما معنى للوطنية في بلد لا يستطع توفير الملتزمات الضرورية لعيش مواطنيه وضياع الأمان ؟ وفوق ذلك يرى المواطن البائس الفقير ان قصور صدام حسين , قصور الشعب , تزداد عددا ومساحة . وفي الوقت الذي لا يستطع المواطن شراء دواء بسيط لطفله , يقوم رفاق الحزب بجميع ذهب النساء لا لأجل بناء مستوصف او دار رعاية للأيتام وانما من اجل إقامة تمثال لصدام من الذهب الخالص .
جاء تغيير 2003 وكان الامل معقودا بان يرجع العراق الى عافيته وازدهاره ويعود الناس الى لملمة احوالهم والبدء بحياة جديدة بغير خوف او احزان . ولكن الخوف والاحزان زادت , وزادت كثيرا . لقد جاء الاحتلال وجاء معه الإرهاب الاعمى الذي لم يعفي احد من ارهابه ولم يعفي يوم جليل ولا مكان مقدس . دخل الإرهاب أولا , باسم محاربة المحتل وتحول بمرور الزمن من اجل قتل المتعاونين مع المحتل وأخيرا تحول الى قتل الرافضة والذي تتوج بتفجير صحن الامامين الحسن العسكري وعلي الهادي في سامراء , لتبدئ حرب طائفية بين سنة وشيعة ذهب ضحيتها الاف من كلا الطرفين.
في هذه الاثناء , بدء الموظف الحكومي بعدم الالتزام بالدوام الرسمي بحجة الخوف من الإرهاب واصبح نقل معاملة مواطن من غرفة الى غرفة أخرى لا يمكن بدون رشوة , وانتقلت عدوى الرشاوى الى اعلى المناصب في الدولة العراقية حتى رشح بان مناصب الدولة الكبرى أصبحت تحت المزاد لمن يدفع للمنصب اعلى الأسعار . ولما خرجت أصوات تدعو بان العراق لا يمكن ادارته الا من قبل جميع الأطراف , قام أصحاب الشأن بتقسيم وظائف الدولة العسكرية على أساس الاثنية والطائفية , واصبح ما للمكون الكردي لا يجوز للمكون الشيعي والسني , وما للشيعي لا يجوز للكردي والسني , اصبحت هناك دوائر حكومية مغلقة لكل مكون , ومن هذا الباب دخلت علينا المحاصصة الحزبية .
وعندما تتقاسم المذهبية والاثنية قيادة البلاد , تضعف البلاد وتضيع هيبة الدولة ويصبح المواطن حر بعدم احترام قوانينها , خاصة وانه يسمع كل يوم عن اخبار الفساد المالي والإداري الذي ضرب بأطناب البلاد , وأصبحت السرقات بملايين الدولارات ولا محاسب , وبنفس الوقت تقلصت الخدمات الحكومية و ازدادت رداءتها , ونقسم الشعب العراقي بين فقير معدم وغني مترف . وطالما وان القانون اصبح لا يعمل به او يكلف المواطن المال والوقت , التجئ المواطن الى عشيرته لحل مشاكله مع الاخرين , وهكذا انتعشت العشيرة واصبح لها صوت يخيف الدولة من غضبها , حيث اصبح لها سلاح خفيف ومتوسط وحتى يقال عنه ثقيل , واصبح أبناء العشيرة المنفلتين خطر يهدد أطباء المستشفيات , المعلمين وأساتذة الجامعات , وموظفي الدولة .
مع كل هذه السلبيات , فان الاعلام العراقي الرسمي وغير الرسمي لم يتبنى برامج تعيد روح الوطنية الى المواطن العراقي . بل , الحقيقة المرة ان الاعلام العراقي اصبح عاملا سلبيا في السياسة العراقية , لأنه يمول من قبل الأحزاب والكتل السياسية , وبذلك اصبح الاعلام منبرا للتهجم و البحث عن عثرات الجهة الأخرى . واصبح من النادر ان يظهر برنامج من على الفضائيات الكثيرة في العراق يتحدث عن مخاطر الثقافة العشائرية او القومية او المذهبية .
ما هو الحل ؟
الدكتور محمد الغريفي في مقالة له تحت عنوان " إشكاليات الثقافة الشعبية في الازمة العراقية وحلولها , وفر لنا بعض الحلول المعقولة , وأتمنى على الاعلام العراقي تبنيها وهي :
1. تنمية الهوية الوطنية , أي وضع الهوية الوطنية فوق الهوية الاثنية او المذهبية او الدينية.
2. تقليص الثقافة العشائرية , بمعنى ان تكون وظيفة العشيرة حفظ الانساب وصلة الرحم وترك تدخلها في شؤون من اختصاص الدولة .
3. السيطرة على القومية , ترك العنصرية ومحاربة مثيري النعرات القومية .
4. السيطرة على الطائفية, ترك الصراعات المذهبية بسبب اختلاف في الاجتهاد.
5. نشر التعايش السلمي , أي قبول التعددية وعدم إعطاء الحصانة لمروجي الفتن على اختلاف أنواعها.
6. نشر الوعي السياسي, معرفة المواطن شؤون بلاده واختيار الرجل المناسب في المكان المناسب.
7. نشر ثقافة عمل الخير واحترام الكبير والعطف على الصغير ومحاربة كل ما يفسد المجتمع .
اعلم جدا , ان ما عدده الدكتور الغريفي من نقاط , يضاف لها محاربة الفساد الإداري والمالي و توفير الخدمات للمواطن العراقي , ليس من السهل العمل عليها و تحقيق نجاح سريع لها , ولكنها ليست مستحيلة التحقيق اذا ما اتفق الفرقاء السياسيين في البلد تبنيها والعمل عليها . ان النجاح في تحقيقها بالحقيقة لا يخدم المواطن والمجتمع فحسب , وانما يخدم الطبقة السياسية التي تقود البلاد , لان كلما نظم المجتمع العراقي . كلما زادت هيبة الدولة في الداخل والخارج , وزاد حب الوطن في قلب المواطن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. امتعاض واعتراض وغرامات.. ما رأي الشارع العراقي بنظام المخالف


.. عبد الله حمدوك: لا حل عسكريا للحرب في السودان ويجب توحيد الم




.. إسرائيل أبلغت دول المنطقة بأن استقرارها لن يتعرض للخطر جراء


.. توقعات أميركية.. تل أبيب تسعى لضرب إيران دون التسبب بحرب شا




.. إبراهيم رئيسي: أي استهداف لمصالح إيران سيقابل برد شديد وواسع