الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بصدد التفاؤل ب (خليجي البصرة)

صوت الانتفاضة

2022 / 12 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


يذكر لالاند في موسوعته الفلسفية مصطلح "تفاؤل"، عازيا الى الفيلسوف الألماني ليبنتز 1646-1716 انتشار هذا المصطلح، فهو الذي قال ان هذا العالم الراهن هو أفضل واسعد العوالم الممكنة، ويقال ان الفيلسوف الفرنسي فولتير 1694-1778 سخر من فلسفة ليبنتز بشكل كبير خصوصا في روايته كانديد او التفاؤل، وفي قصيدته "كارثة لشبونة".

من التعريفات التي يذكرها لالاند في موسوعته ان التفاؤل هو "حالة ذهنية لمن يتوقع ان يجري هذا الحدث كما يرام"، او "اغلاق العيون عمدا عن الشر عموما، لإعفاء النفس من مكافحته"، هذه التعريفات تجدها مكررة في كتب التنمية البشرية، وخطباء المسارح، الذين ينتشرون كلما ازدادت الالام البشرية من فقر ومرض وعوز وتفاوت طبقي صارخ، فتسمع كلمات "ابتسم للحياة" او "الحياة هبة الله فلا تضيعها" او "انت لست نتاج ظروفك انما نتاج قراراتك" او "لا تدع أحد يسرق حلمك" الخ هذا الهٌراء، الذي يحقنون به البشرية كمخدر، والذي يكسبون من خلاله ملايين الدولارات.

مقبلون هذه الأيام على بطولة الخليج 25، والتي ستقام في البصرة، هنا ظهر الكثير من المتفائلين، الذين ملئوا الدنيا بالحديث عن "الوطنية" وان هذا "بلدكم" ولازم "تساندوه وتدعموه"، و "العراق ماله غير ابناءه"، و "مالكم علاقة بالحكومة" و "لازم يرجع العراق"؛ وهذه الحملة هي في جزء منها حملة سلطة الإسلام السياسي، التي تحاول قدر الإمكان "تنظيف بشرتها" الوسخة جدا، لكن دون فائدة، فعشرين عاما من النتانة والقذارة لا يمكن ان تتطهر في دورة رياضية.

البصرة، ثاني أكبر مدينة في العراق، بوابته على الخليج ومنفذه الوحيد، ذات الثلاث ملايين نسمة او أكثر، تغفو على شط العرب، الذي اخذ بالتناقص والاضمحلال، فقد اكلته الملوحة، ونخيله مات، والباقي منه ينازع الحياة، شط العرب الذي وصفه الرحالة والمستكشفون في القرن التاسع عشر ب "فينيسيا الأقاليم الاستوائية" فقد كانت الطبيعة خلابة، اليوم هو يعاني سكرات الموت.

البصرة، مدينة الأنهار الكثيرة، تعاني العطش ويقتلها الظمأ، فقد جفت تلك الأنهر والقنوات الفرعية، وأضحت مبازل او قنوات تصريف مياه المجاري؛ لا مياه صالحة للشرب او حتى مياه كافية للزراعة، فقد تقلصت مساحاتها الزراعية كثيرا، والناس هناك تشتري الماء الصالح للشرب او ما يطلق عليه "مي ارو".

البصرة، مدينة منتفضة على قوى الإسلام السياسي الحاكم، فهي تعاني الفقر والعوز والفاقة والبطالة، منذ 2003 والقوى الإسلامية تتقاتل عليها، فهي "ام الثروة"، والذي يستحوذ عليها فهو قد وضع يده على "كل الثروة"، لكن هذه القوى الإسلامية توصلت الى حل بتقاسم حصص النهب.

البصرة، أكثر مدينة عانت من الحروب، فأرضها اليوم هي خزان كبير لنفايات الحروب والالغام، ونسبة مرضى السرطان في البصرة هي النسبة الأكبر في العراق –أكثر من 190 إصابة شهريا-، بسبب قنابل اليورانيوم المنضب التي القتها الدولة الديموقراطية الأولى في العالم "اميركا"، وبسبب التلوث البيئي الذي تسببه الشركات العالمية المستخرجة للنفط.

لكن ماذا تعني بطولة خليجي 25؟ انها لا تعني شيئا ابدا للناس، سواء كانوا في البصرة او باقي مدن العراق؛ فالبلد يعاني الامرين من سلطة الإسلام السياسي النهابة، وعمليات التجميل هذه سوف لن تجدي نفعا، فالبصرة سوف تبقى مدينة فقيرة، كالحة، دون أدني خدمات، وستبقى البطالة منتشرة، وسيبقى مرض السرطان يحصد أرواح الناس هناك، وستبقى عصابات الإسلام السياسي تنهب بثرواتها.

القضية لا تتعلق بصورة ملعب جميل كان بوابة كبرى لعمليات نهب، ولا بحديقة ستترك حالما يذهب الوافدون؛ ترى من زار الحيانية والمعقل والابلة؟ من رأى الجمهورية والجمعيات والفاو؟ من شاهد الگرمة والگرنة والدير والزريجي؟ انها مناطق البؤس والفقر.

فولتير سخر من فلسفة التفاؤل، بعد ان رأى الجوع والمرض والاغتصاب والموت في روايته كانديد، وبعد ان حط رحاله في إسطنبول، قال لصديقه جملته الشهيرة "هيا بنا نزرع حديقتنا"، ويقال انها رمزية الابتعاد عن السياسة والأوضاع العامة، ولسنا من دعاتها ابدا، ولن نكون؛ لكن لا تفاؤل ابدا بوجود قوى الإسلام السياسي والقومي.
طارق فتحي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد كيف تحولت رحلة فلسطينيين لشمال غزة إلى كابوس


.. قتلوها وهي نائمة.. غضب في العراق بعد مقتل التيكتوكر -فيروز أ




.. دخول أول دفعة من المساعدات الإنسانية إلى خانيونس جنوبي قطاع


.. على وقع التصعيد مع إسرائيل .. طهران تراجع عقيدتها النووية |#




.. هل تتخلى حركة حماس عن سلاحها والتبعية لطهران وتلتحق بمعسكر ا