الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تنتظر الصحافة القومية في مصر رصاصة الرحمة ؟

محمد أبو زيد

2006 / 10 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن اعتصام أكثر من 150 صحافيا من مؤسسة دار التحرير للصحافة والطباعة والنشر، ثالث أكبر المؤسسات صحافية مصرية التي تمتلكها الدولة إلا القشة التي قصمت ظهر البعير في حال الصحافة القومية المصرية ، فت جزءا من المسكوت عنه في هذه المؤسسات العتيدة ، وأعادت فتح ملفات عديدة تم إغلاقها من حوالي عام بعد أن تمت تغييرات القيادات الصحافية القديمة والتي ظلت أكثر من ربع قرن على مقاعدها ، وسط اتهامات بالفساد واستغلال الأموال العامة ، وتكبيد المؤسسات الصحافية خسائر فادحة ، غير أن هذه الملفات عادت لتفتح بقوة خاصة وأن تغييرا لم يحدث .
فقبل عام تقريبا كانت ثمة ثورة حقيقية مكتومة بدأت تتنفس في الصحف القومية بعد أن ظلت قياداتها أكثر من ربع قرن ، في الوقت الذي ظل الفساد ينخر فيها ، ورويدا رويدا بدأ ت تكشف قضايا فساد المسئولين عنها ، وتربحهم ، وملايينهم في مقابل خسائر الجرائد بالملايين ، كان الفساد ينخر في هذه المؤسسات من الداخل ، ما بين عمالة مكدسة، وتراجع مهني ، وضعف في الأجور ، ومنع الصحافيين الشباب من الترقي وفقدانها لمصداقيتها لدى قارئها وهو الأهم في ظل ظهور جرائد مستقلة جديدة استطاعت أن تنافس بقوة وتسحب البساط من تحت هذه الصحف القومية ،ثم جاءت التغييرات الصحافية لتأتـي بقيادات شابة، لتسكت الثورة الحبيسة قليلا انتظارا لما تسفر عنه الأيام القادمة، وسط دعاوى بإعطاء فرصة للقيادات الجديدة ، ولكن بعد مرور عام عادت الثورة مجددا ،خاصة مع ازدياد تردي الأوضاع ، وزيادة الفساد ، وعدم تغير أي شيء ،فما زالت الأوضاع رغم مرور عام كما هي ولم يكن الاعتصام الذي وقع في مؤسسة التحرير القومية التي تملك صحيفتين يوميتين " الجمهورية ، والمساء " إلا البداية سبقتها بعض المناوشات في جريدة الجمهورية ، أزمة الجمهورية بدأت عندما أعلن محمد أبو الحديد رئيس مجلس إدارة دار التحرير أن المؤسسة منيت بخسائر مالية بلغت 77 مليون جنيه مصري ، وقررت تمديد العمل لرؤساء تحرير بعض الإصدارات الصحافية دون العرض على أعضاء مجلس إدارة المؤسسة، كما قرر صرف مكافأة لنفسه بلغت 100 ألف جنيه، و20 ألف جنيه لكل عضو بمجلس الإدارة البالغ عددهم 13 عضوا، وبذلك يكون إجمالي المكافآت 360 ألف جنيه ، شيء من هذا يحدث في كل مؤسسة قومية ،وبغض النظر عن صحة هذا من عدمه ، فالصحافة القومية تعاني من مشاكل كثيرة ، يرى البعض أنها تنتظر شيئا ، إما رصاصة الرحمة ،أو قبلة الحياة .

ويعتقد سعد هجرس مدير تحرير جريدة العالم اليوم ، أن شيئا لم يتغير في الصحف القومية رغم مرور أكثر من عام على تغيير قيادات هذه الصحف القومية ، ويقول ، في دار التحرير حدث تغير لأن هناك شفافية ،ولكن هذا لا يكفي ،ولا يكفي أن يكون رئيس مجلسي الإدارة نظيف اليد ، هو يحتاج إلى أكثر من ذلك ،إلى إعادة النظر في أصول المؤسسة وفي كيفية أدائها ،وإعادة النظر في الديون الموجودة عليها وإعادة النظر في كل الإصدارات ، وما يجب إيقافه أو تحديثه ،ويرى هجرس ضرورة حدوث ثورة إدارية وصحافية ، وثورة في أجور المحررين ،ولا يجد هجرس فارقا بين الإصلاح الاقتصادي ومضاعفة أجور المحررين ، واستمرار الأوضاع بهذا الشكل ، ويقول " إن هذا الكلام ينطبق على كل المؤسسات القومية ، مؤسسات الشمال الغنية " الأهرام ، والأخبار ، والجمهورية " ، ومؤسسات الجنوب الفقيرة " التعاون ، والشعب "
وقال هجرس " لقد تقدمنا بدراسات تفصيلية في مؤتمر نقابة الصحافيين ،وقدمنا اقتراحات كثيرة يمكن أن تصلح الأوضاع ،لكن الحكومة ما زالت متمسكة بأن تختار رؤساء للمؤسسات الصحافية على أساس الولاء السياسي وتترك المؤسسات بهذا الوضع بحيث لا تغرق ، ولكنها تنهض ،وأن تظل دائما معتمدة على الحكومة تزودها بقبلة الحياة ، وتقتلها برصاصة الرحمة.
ويؤكد هجرس أن استمرار الحال من المحال ،واستمرار الأوضاع الهشة أصبح غير ممكنا ،ويذكر هجرس بنشأة المؤسسات القومية، حيث كان لها أب وأم ،أما الأب فهو الحزب السياسي الواحد ،وأما الأم فهي سياسة التأميم، الوضع اختلف الآن فالأب مات وتم استبداله وأصبحت هناك أحزاب متعددة ، والأم انتهت وتحولت الدولة إلى سياسة الخصخصة ، وهكذا أصبحت الصحافة القومية بلا أب ولا أم ، وأخشى أن أقول بلا مستقبل أيضا ، وهذا أيضا يطرح في رأيه ضرورة إعادة النظر في مستقبل المؤسسات الصحافية القومية ، والتي يرى أن البديل بالنسبة لها ليس هو الخصخصة، ولكن هناك حلول عدة .
أمراض الصحافة القومية تتعدد في رأي هجرس ، على رأسها تأتي أوضاع العمال والصحافيين ،ولكن الأساس في كل هذه الأمور ، هو الحفاظ على ثلاثة دعائم ، أولاها المهنة وتقاليدها ، وإعادة الاعتبار إليها بعد أن تعرضت في ربع القرن الماضي إلى الإهدار الكامل وأصبحت القيمة لاعتبارات مسخ الجوخ والنفاق في ظل سيطرة بارونات الصحافة بالمخالفة الصريحة للقانون ،ثاني الدعائم هو الحفاظ على المال العام ،فبعد 25 عاما من النهب ،أثر ذلك بالسلب على المهنة ،واستشرى الفساد وتحولت إلى عزب ،ووصلنا إلى وضع غريب أننا أمام مؤسسات مفلسة و بارونات صحافة يمتلكون الملايين، بل المليارات بينما الأغلبية من الصحافيين أوضاعهم المالية متردية ، ومرتباتهم تافهة .
ثالث الدعائم التي يلفت إليها هجرس هي أن تكون أهمية الإصلاح ليست مسألة متعلقة بمهنة الصحافة وإنما لها علاقة بحرية الصحافة ،وهي قلب الإصلاح السياسي والدستوري الذي تنشده الأمة والوطن في الوقت الراهن ،ومنها يجب إعادة هيكلة الأوضاع في المؤسسات بصورة جذرية ،ولعل ما شهدته الجمهورية والأهرام التي بها ثورة ضد الفساد جرس إنذار ،لأنه أصبح من الخطأ الكبير إبقاء هذه المؤسسات مغلقة ومسكوتا عنها .
سعد هجرس الذي يعد أيضا من أبناء مؤسسة دار التحرير علق على الاعتصام الأخير قائلا بأنه يجب الاعتراف في البداية بأن محمد أبو الحديد من أفضل الصحافيين المصريين وهو كشخص ممتاز نظيف اليد وصاحب ضمير فضلا عن انه من الكفاءات المهنية الممتازة كما أنه شخص ديموقراطي إذ سمح بمثل هذه الاعتصامات ، ولم ينكل بهم مثل سابقه ، ولم يلجأ إلى سلطته الإدارية ولا إلى أجهزة الأمن لقمع المعتصمين كما كان يفعل سابقه . وقال هجرس إن القرار الصادر والذي أثار هذه الزوبعة كما قرأت من الناحية القانونية مستوف ،ولكن ليس فيه مواءمة ،وكنت أتمنى عليه وعلى أعضاء مجلس الإدارة أن يتحلوا بنظرة أكثر بعدا ،فهم حققوا أرباحا هذا العام ، لكن المؤسسة ترث إرثا كبيرا من الخسائر ، فلا يجب هنا أن يخصصوا مكافآت لأن المؤسسة لم تسترد عافيتها بعد من الخسائر السابقة .
ويعلق هجرس على الاعتصام بأنه حق ديموقراطي للعاملين ومن هذه الزاوية يجب الاهتمام به ،والذين شاركوا فيه عددهم يقل عن 200 في مؤسسة عددها أضعاف مضاعفة لهذا العدد وبالتالي فهم لا يمثلون رأي غالبية العاملين في المؤسسة ، ولو أن وجهة نظرهم صحيحة فهم فشلوا في إقناع زملائهم بالانضمام لهم ،ولكن في كل الأحوال هو جرس إنذار مهم لمجلس الإدارة لواحدة من أهم مجالس الإدارات أن تعيد النظر وأن تكون لديها مواءمات ، لكن الأهم في هذا الموضوع في رأيه أنه يتجاوز دار التحرير ، وكصحافي أرى ـ والكلام ما زال لهجرس ـ أن هذا الأمر يدق جرس الإنذار وأن الصحف القومية تحتاج إلى إعادة هيكلة كاملة ،وإعادة النظر في طريقة المكية والإدارة ، وضرورة إعادة النظر في أجور العاملين والمحررين وكافة الجوانب الأخرى ،ومعالجة الأوضاع التي تركتها الإدارات السابقة ،وهي إدارات لم تساءل عن جرائمها التي ارتكبتها في حق هذه المؤسسات وتحتاج إلى وقفة معها ، وما حدث استمرار لمسلسل الانتهاز بهذه المؤسسات .
ومن جهته فإن محمد أبو الحديد رئيس مجلس إدارة دار التحرير يقول أن الاتهامات الموجهة له غير صحيحة، وأنه لم يخصص لنفسه 150 ألف جنيها مكافأة ، مؤكدا أنه يحارب الفساد منذ تولى المؤسسة ، وقال أن هناك من يتربص به ، وأضاف أبو الحديد " عندما توليت كان لدى رئيس مجلس الإدارة السابق 8 سيارات فأبقيت سيارة واحدة ، وكان لديه طاقم حراسة وطباخين وسفرجية في بيته على حساب المؤسسة صرفتهم جميعا وأبقيت مرافقا واحدا ، وكان لديه 20 هاتفا جوالا وزعتها جميعا على الصحافيين بالمؤسسة وأبقيت لي واحدا فقط وكان مجموع المكافآت التي يحصل عليها خلال الشهر لا يقل رسميا عن نصف مليون جنيه ، وبورق أرسلته للجهاز المركزي للمحاسبات تنازلت عنها ، وعينت بها 9 صحافيين شبان أمضوا تحت التمرين 9 سنين " .
وحول قصة الاعتصام قال أبوالحديد " أن مجلس الإدارة اجتمع يوم 13 / 9 /2006 لاستعراض ميزانية السنة المالية المنتهية لتحويلها للجهاز المركزي للمحاسبات ،وكانت عبارة عن شقين الشق الأول هو النشاط التجاري للمؤسسة وكسبت خلاله المؤسسة 3.8 ملايين جنيه مقابل خسائر في الميزانية السابقة التي هي آخر ميزانية لمجلس الإدارة القديم عشرة مليون جنيه ، والشق الثاني من الميزانية يقول إن المؤسسة خسائرها الإجمالية 76 مليون جنيه وهي عبارة عن 66 مليون جنيه خسائر مرحلة من الإدارة السابقة بالإضافة إلى عشرة مليون جنيه فوائد قروض بنكية ، فقلنا نركز على الجانب الإيجابي ، لأن العاملين بالمؤسسة كسبوا هذا العام،والخسائر تخص ميزانية قديمة ،حتى يشعروا أنهم حققوا شيئا يستحقون عليه التقدير ، فأخذنا قرارين بالإجماع الأول هو صرف 1500 جنيه لكل فرد في المؤسسة بمناسبة شهر رمضان ، وهو ما يعني إجمالا 6 ملايين جنيه لأن العاملين عددهم 4 آلاف ، وصرف مكافأة ميزانية لأعضاء مجلس الإدارة قدرها 20 ألفا لكل عضو بما فيهم رئيس مجلس الإدارة ،وهذه المكافأة ليست بدعة وإنما تقدم سنويا وبنفس المبلغ ، وفي مؤسستي الأخبار والأهرام المكافآت أكبر ،وهي معروفة قانونا باسم " مكافأة ميزانية " ، وبعد هذا الاجتماع خرج أحد أعضاء مجلس الإدارة كان قد عوقب على اعتدائه على زميل له في حضور رئيس تحرير جريدة الجمهورية الذي أحاله للتحقق وخصم عشرة أيام منه ،وهو ما أثار حفيظته فخرج بعد الاجتماع يدعي أنه كان معترضا على قرار مكافأة مجالس الإدارة ،وبدأ يحرض بعض زملائه الصحافيين " .
ويقول أبو الحديد " التقيت أعضاء الجمعية العمومية ساعة كاملة في مكتبي ، وقلت أننا قبل أن نكافئ أعضاء مجلس الإدارة قررنا مكافأة كل عامل في المؤسسة ،ومجموع مكافآت أعضاء المجلس وعددهم 13 يساوي ثمن صفحتي إعلانات في الجريدة بالسعر الرسمي ، وأضاف أبو الحديد " أنا لم أمانع في أن يعبروا عن رأيهم بهذا الشكل ، وداخل أسوار المؤسسة لأنه من حق أي مجموعة الاختلاف والتعبير عن رأيها " .
ومن جهته يعتقد خالد السرجاني الصحافي بالأهرام ومحرر صفحة أحوال الصحافة المصرية في جريدة الدستور المعارضة " إن الثورة التي بدأت بجريدة الجمهورية ستتفاعل أكثر في الأيام القادمة في بقية المؤسسات القومية ،فهذه المؤسسات تغلي من الداخل على حد تعبيره ، فالعام الأول على تغيير القيادات مضى لكن الفساد ما زال ساريا وواضحا ،وأعضاء مجالس الإدارات يسربون معلومات لزملائهم عن الوضع الحالي وأن المؤسسات تدار لمصلحة عدد محدود من الأفراد ، وما حدث في الجمهورية هو بداية التصدي للفساد ،وسيحدث في اعتقاده أعنف منذلك ، معتبرا أن السبب في هذا هو ضعف نقابة الصحافيين التي لم تتخذ موقفا .
وحول رأيه في اعتصام جريدة الجمهورية ، يقول السرجاني أن أبو الحديد عندما تولى منصبه قام بعمل ثورة في المؤسسات الصحافية عندما رفض أخذ المرتب وهو بعشرات الآلاف كل شهر ، ثم كتب مقالا عن الوضع المالي المتردي للمؤسسة التي يرأس مجلس إدارتها ، لكنه الآن يعطي مكافآت لمن لا يستحقون في الوقت الذي لم يصرف فيه أي عامل في المؤسسة مكافأة بمناسبة شهر رمضان .
ويقول السرجاني أنه رغم مرور أكثر من عام على تغيير قيادات الصحف فلم يحدث تغيير بعد لأنه ما زال حتى هذه اللحظة قانون المد للمسئولين فوق ال65 عاما وإعطائهم مناصب مستمرا بالمخالفة ،وهو ما يجور على حق الأجيال الجديدة في تقلد المناصب ، ويقضي على أجيال كاملة في الصحافة المصرية، وهو إن أكد شيئا فإنما يؤكد توغل الفساد في مؤسسة الصحافة القومية المصرية ،وأنها أصبحت أقوى من أن يتصدى لها أحد .
ويرى السرجاني أن أهم وأول الملفات التي يجب فتحها في الصحف القومية هو ملف الفساد ، وملف الملكية ،وملف المؤسسات التي تخسر ،بينما مسئولوها يحققون الملايين كل عام في مؤسسات لا تحقق مكاسب .
ويعدد السرجاني أطراف المشكلة بداية من اللوائح الجائرة التي تعطي عمولات عن كل شيء للإدارة ، وهو مخالف لأي قوانين ، إلى عدم وجود أي محاسبة مالية لأعضاء مجلس الإدارة والصحف القومية من قبل مجلس الشورى المالك لهذه الصحف قانونا، حتى تقارير الجهار المركزي للمحاسبات التي تؤكد أن وضع هذه المؤسسات الحالي سيء ، لا يتم التعامل معها بجدية .
ويطالب السرجاني بضرورة البحث عن الإصدارات والملاحق الخاسرة وإغلاقها لأنها تكبد هذه المؤسسات خسائر فادحة ، أو على الأقل يتم إسنادها لآخرين ، فكيف يستمر رئيس تحرير جريدة يحقق خسائر للمؤسسة ويخفض توزيع الجريدة، وكيف يستمر ملحق الأهرام التعليمي في الصدور وهو يحقق خسائر لمؤسسة الأهرام تتجاوز ال12 مليون جنيه كل عام على حد تعبيره .
ويقول السرجاني أن الملاحق الخاسرة المستمرة كثيرة ، بداية من ملحق السيارات ، إلى الملحق التعليمي في الأهرام ، إلى ملحقي استوديو ودموع الندم في الجمهورية ،كما يطالب بضرورة محاسبة أعضاء مجالس الإدارات ورؤساء التحرير بشكل دوري كل 6 شهور عن طريق مجلس الشورى حتى يعرفوا أن ثمة رقابة عليهم.
ويعتقد محمد أمين المصري الكاتب الصحافي بالأهرام ، أن عددا كبيرا من الصحافيين ما زالوا يعيشون في عهد القمع الذي مورس عليهم في العهود الماضية مع أن هناك رؤساء تحرير يحاولون أ، يرفعوا يرفعوا من شأن جرائدهم ، خاصة وأن الوضع تغير بعد الفصل بين وظيفتي رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة مؤكدا أن رؤساء التحرير الحالي يحاولون تجاوز الأخطاء السابقة
ويعلق على اعتصام جريدة الجمهورية بقوله أن أبو الحديد من حقه أن يخصص مكافآت ، لأنه حقق أرباحا ، مؤكدا أن الذين تظاهروا ضده حملوه خسائر وديون عهود سابقة عليه لا ذنب له فيها .
ويطالب محمد أمين المصري بعمل محاكمات صورية لرؤساء تحرير الصحف السابقة سمير رجب ،وإبراهيم نافع وإبراهيم سعدة، خاصة وأنهم كبدوا مؤسسات خسائر فادحة ، كما تجب مساءلتهم عن الفساد الذي تم في عهدهم ، عن مكاسبهم ، وقصورهم ، وكل ما يثور حولهم ،وقال أن هذا هو دور نقابة الصحافيين غير أنها أضعف من أن تقوم بهذا ، مطالبا بألا نحاسب القيادات الجديدة على أخطاء القيادات القديمة وأن نعطيهم فرصة من الوقت للتغيير .
أبرز مشاكل الصحف القومية التي يرصدها أمينالمصري هي المرتبات ، ويقول نشعر أن هناك فجوة كبيرة بيننا وبين الإعلانات ،فكيف لصحفي بحكم السن والخبرة والعطاء يأخذ مرتبا محدودا ، ويقول جميع مرتباتنا لا تكفينا،والدخل لا يتواءم مع طبيعة العمل .
ثاني مشكلات الصحف القومية في رأيه ،هو الصراع بين التحرير والإعلانات ، وكل قسم يرى أنه هو الذي من حقه أن يقود الجريدة ،ويريد أن يفرض رأيه فيها ، رغم أنه من المعروف أن المادة التحريرية هي التي تجلب الإعلانات ، وليس العكس ، كما أن من آفة الصحف القومية التكدس العمالي بها ، ففي القسم الذي يحتاج 5 صحافيين ،نجد 15 صحافيا وهو ما يؤثر سلبا على العمل ، فالعشرة الإضافيين لا يعملون شيئا لكنهم يقاسمون الخمسة الباقين المكافآت المخصصة للقسم وهو ما يجعل المكافآت ضئيلة .
ولا يرى المصري أن كون الجرائد القومية حكومية عيبا فيها ، فهو يقول أن الصحف الحكومية تلتزم بما يقوله الوزير لكنها لا تلتزم بما يقوله الواقع ،ولكن حين تعرض الصحف القومية لمشكلة فإنها تكون أوقع من الصحف الأخرى .
ولا يبدو أمين المصري راضيا عن الصحافة القومية ، ويقول " كان يمكن أن نكون أفضل ، وأن نوكن في المقدمة بحكم التاريخ والخبرات ،الصحف المستقلة الجديدة الآن تسير بمحاذاتنا ، مع أنه كان يجب أن نسبقها بحكم التجربة والتاريخ والعمالة " .
ويقول يحيي قلاش سكرتير عام نقابة الصحافيين أنه من حيث المبدأ ،فلم تقترن التغييرات التي حدثت منذ عام بتغيير في أحوال وأوضاع الصحافيين ،وهذا معناه أن التغيير لم يحدث بعد ،وإن لم تكن مجالس الإدارات والجمعيات العمومية للمؤسسات الصحافية فاعلة وشريكة في اتخاذ القرارات فإن التغيير لم يحدث بعد ،وإن لم يكن هناك مالك حقيقي يراقب ويتابع ما يحدث في هذه المؤسسات ، ويكون صاحب سلطة وسلطان ،فالوضع الحالي سيكون امتدادا للوضع السابق في ظل غياب المالك أو وجود مالك وهمي فإن الواقع الحالي سيعيد إنتاج ما أفرزه الوضع السابق .
ويرجو يحيي قلاش ألا نصل بعد عام كامل إلى نتيجة مؤداها أنه بعد 25 عاما من انتظار التغيير لم يحدث التغيير ،وعندما يكون كل الناس لديهم الأمل في التغيير ،ولكن عندما يأتي لا يشعر به أحد ، فهذا سيفرز في رأيه صدامات داخل هذه المؤسسات ،خاصة وأن مستقبل آلاف العاملين بهذه المؤسسات وبها مصالحهم ،والناس تعلم من هم متربصون بهذه المؤسسات ومن يحاولون حل مشاكلها ،ومن يسعون لإظهارها بشكل يبرز ضرورة التخلص منها .
وأكد قلاش أن نقابة الصحافيين لها دور في علاج أمراض الصحافة القومية ، وقال أنها خصصت في مؤتمرها العام الخامس ، والذي ينتظر أن يعقد أواخر هذا العام ،حول هذا الملف ، وحول مستقبل المؤسسات الصحافية القومية .


مسيرة «القومية».. من التأميم إلى الدعوة للخصخصة

* الصحافة القومية في مصر هي ابنة لثورة يوليو 1952، ورغم أنها يطلق عليها قومية إلا أنها ذات توجه حكومي خالص، وهي مملوكة لمجلس الشورى ويشرف عليها المجلس الأعلى للصحافة التابعة له، وتنقسم الصحف، أو المؤسسات القومية في مصر إلى قسمين، المؤسسات الغنية وهي «الأخبار» و«الأهرام» و«الجمهورية» وهي الأهم لأنها تصدر عنها صحف يومية هي الأكثر شهرة، والمؤسسات الأقل غنى وهي التعاون ودار الشعب وروزاليوسف ودار الهلال، ورغم أن عمر بعض هذه المؤسسات يفوق عمر الثورة نفسها إلا أن تأميمها في الستينيات هو ما جعلها مملوكة للدولة حين أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قراراً بتاريخ 24 مايو (آيار) سنة 1956 بتحويل ملكية صحف دور الأهرام والهلال وأخبار اليوم وروز اليوسف إلى الاتحاد القومي ونص القرار على أنه لا يجوز اصدار صحيفة إلا بترخيص من الاتحاد القومي، كما لا يجوز لأي شخص أن يعمل في الصحافة إلا بترخيص من الاتحاد.

وأكبر المؤسسات القومية المصرية وأشهرها مؤسسة الأهرام، ويصدر عنها عدد كبير من المطبوعات، أهمها جريدة «الأهرام»، وجريدة «الأهرام المسائي»، وعدد من المجلات الأسبوعية والشهرية مثل «الشباب» و«نصف الدنيا» و«الأهرام العربي»، و«الأهرام الاقتصادي» و«الأهرام الرياضي»، و«علاء الدين» و«الديموقراطية»، و«احوال مصرية»، وقد عاصرت الاهرام ثلاثة قرون فقد ولدت في الإسكندرية على يد بشارة وسليم تقلا في شارع البورصة المتفرع من ميدان المنشية، يوم السبت (15 من رجب 1293هـ ـ 5 من أغسطس 1876) وقد بدأت «الأهرام» الصدور أسبوعيا بأربع صفحات يبلغ طول الصفحة 43 سم وعرضها 30 سم وأفسحت صفحاتها لمقالات الإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني. وقد توقفت «الأهرام» عن الصدور يوم الخميس 30 ديسمبر 1880 أي بعد 232 أسبوعا من صدورها بسبب مقال بعنوان ظلم الفلاح هاجم الخديوي إسماعيل. وقد انتقلت «الأهرام» إلى القاهرة لاول مرة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1899 بعد الحرب العالمية الأولى وزادت من صفحاتها وأنشأت أول شبكة مراسلين لها في أنحاء العالم وأفسحت صفحاتها للشعراء مثل خليل مطران واحمد شوقي وحافظ إبراهيم. وقد تعاقب على رئاستها عدد كبير من الصحافيين هم سليم تقلا وبشارة تقلا وخليل مطران وداود بركات واحمد الصاوي وعزيز مرزا وحسنين هيكل وعلي أمين واحمد بهاء الدين ويوسف السباعي وعلي حمدي الجمال وإبراهيم نافع وأخيرا أسامة سرايا، وقد خطت «الأهرام» منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، تحت رئاسة تحرير هيكل خطوات واسعة في تدعيم وجودها كصحيفة قومية تعبر إلى حد كبير عن رأي الدولة، بعد عملية تأميم الصحافة وإلحاق ملكيتها بالدولة، ومن ثم كان البعض يتلمس رأي وموقف الدولة المصرية من خلال صفحات الأهرام. ثاني أكبر المؤسسات الصحافية اليومية المصرية هي مؤسسة أخبار اليوم، وقد أسسها الأخوان مصطفى وعلي أمين عام (1944) قبل ثورة يوليو (تموز)، واعتبرت وقتها فتحا في عالم الصحافة حيث اعتمدت على نوعية مختلفة عن الصحافة المحافظة في الاهرام، وهي الصحافة الحريفة، لكن الصحيفة لم تسلم أيضا من التأميم وأصبحت حكومية في مرحلة تأميم الصحف المصرية، غير أنها احتفظت بمذاقها الخاص، ويصدر عن مؤسسة أخبار اليوم صحيفتان هما «أخبار اليوم»، و«الأخبار» اليومية، ومجلة «بلبل للأطفال»، وجرائد «أخبار الحوادث» و«أخبار النجوم» و«أخبار الأدب»، وقد رأس تحريرها إبراهيم سعدة لمدة ربع قرن، حتى خلفه مؤخرا ممتاز القط في التغييرات الأخيرة .

أما مؤسسة التحرير فهي الابنة المخلصة للثورة فقد نشأت في كنفها عام 1953 بعد الثورة بعام واحد، ورأسها الرئيس المصري الراحل أنور السادت قبل أن يصبح رئيسا بالطبع، وكانت على الدوام هي اللسان الحكومي الذي يعبر عنه وينقل أخباره، وتعبر مطبوعات دار التحرير عن نوعية الصحافة الشعبية التي تركز على الكرة والحوادث والأخبار المحلية، ويصدر عنها جريدتان يوميتان هما «الجمهورية» و«المساء» ومجلات أسبوعية هي «حريتاي»، و«عقيدتي»، و«شاشتي»، غيرها.

ورغم أن الصحف القومية كانت صحفا خاصة إلا أنه بعد مرور أكثر من أربعين عاما على تأميمها، تتعالى الصيحات مطالبة بأعادة خصخصتها، وبيعها، حتى تستطيع أن تفك من أسر الحكومة خاصة مع تزايد الفساد داخلها وتردي الأوضاع المالية والمهنية وتراجع توزيعها أمام الصحف المستقلة الناشئة بشكل كبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم