الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل جعل القانون المدني العراقي بموجب المادة (146/1) تعديل العقد بمقتضى القانون مقدما على التراضي ؟

سالم روضان الموسوي

2022 / 12 / 30
دراسات وابحاث قانونية


أشار احد الباحثين الأفاضل في القانون المدني الدكتور على حسين الزاملي إلى ان القانون المدني العراقي قد جعل من تعديل العقد بمقتضى القانون هو الأساس و بإرادة الطرفين هو الاستثناء، وعلى وفق قوله الاتي "ان المادة (146الفقرة " من القانون المدني العراقي التي يكون فيها التعديل بمقتضى القانون بصورة أساسية واستثناءً للإرادة)[1]، ويستطرد بقوله بان هذا خلاف ما نصت عليه القوانين المقارنة التي جعلت للإرادة دور أساس في التعديل والاستثناء للقانون، ومنها القانون الفرنسي في المادة 1193 التي حلت محل المادة 1134 من القانون المدني الفرنسي بموجب مرسوم التعديل لعام 2016 التي جاء فيها الاتي (لا يجوز تعديل العقود او نقضها الا بالرضا المتبادل لأطرافها او للأسباب التي يقررها القانون)[2]، وكذلك القانون المدني المصري في المادة (147/1) التي جاء فيها الاتي (العقد شريعة المتعاقدين ، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها القانون)، ولان الإشارة قد وردت في رسالة دكتوراه تميزت برصانتها وقيمتها العالية، واعتبرها احد أساتذة القانون المدني في مصر الدكتور المرحوم محسن عبدالحميد البيه بانها رسالة متميزة جداً، وانها تناولت عنواناً غير شائع في الاستعمال، ويحسب للباحث (الدكتور علي الزاملي) بانه انتبه اليه وجمع كل ما يتعلق بعنوان العقد المُعَّدِل في نظرية متكاملة، ثم اكد الدكتور محسن البيه على ان ذلك بحد ذاته نوعاً خاصاً من التجديد والابتكار، وانها من الرسائل النادرة والمتميزة[3]، لذلك لابد من محاكمتها علمياً وفقهياً على كل ما يرد فيها حتى لو عن عبارة وردت استطراداً او عرضاً، وحيث ان الرأي المشار اليه لم يتكرر في طياتها وإنما ورد يتيماً في (الصفحة 10) فقط ، بل على العكس أشار إلى تساوي القانون العراقي مع القوانين المقارنة من حيث اعتماد سلطان الإرادة باعتباره الأصل والقانون هو الاستثناء(صفحة 133) ، عند عرض تكوين العقد المعدل بإرادة أطرافه في الفصل الثاني من الباب الثاني من الرسالة وسيكون العرض على وفق الاتي:.

1. عند الرجوع إلى نص المادة (146/1) من القانون المدني العراقي نجد إنها قد جعلت تعديل العقد أما بمقتضى القانون او بالتراضي (إرادة الطرفين) وعلى وفق النص الاتي (ذا نفذ العقد كان لازما ولا يجوز لاحد العاقدين الرجوع عنه ولا تعديله إلا بمقتضى نص في القانون او بالتراضي.) ومن منطوق النص أعلاه فانه منح حق التعديل للطرفين وكذلك للقانون ولم يستثني أيً منهما، ولم يرد فيه ما يفيد تقديم الأول واعتباره الأصل وتأخير الثاني واعتباره الاستثناء، لكن قد يكون الباحث اعتبر ان النص عند تقديمه عبارة التعديل بمقتضى القانون على التراضي بمثابة اعتبار المتقدم اصل والمتأخر استثناء، لأنه قاسً الأمر على ان نص المادة (1193) من القانون المدني الفرنسي جعل حق التعديل بإرادة ورضا الطرفين متقدم على التعديل بمقتضى القانون، ويكون الأصل للرضا والاستثناء هو للقانون، وكذلك قياساً على ما ورد في المادة (147/1) من القانون المدني المصري التي قدمت إرادة الطرفين ورضاهم على مقتضى القانون (الأسباب التي يقررها القانون) .

2. عند النظر بنظرة مقارنة للنصوص الثلاثة (الفرنسي والمصري والعراقي) فإنها قد حددت حق تعديل العقد للأطراف برضاهم وكذلك بمقتضى القانون ان توفرت الأسباب القانونية، ولم يرد فيها أي عبارة لبيان من هو الأصل ومن هو الاستثناء، حتى وان اختلف المتقدم على المتأخر فيما بين النصوص أعلاه.

3. ان قواعد تفسير النصوص القانونية تؤكد بان صيغة النص يقصد بها التعبير بالألفاظ عن الصور الذهنية وهي المعاني، فاللفظ هو القالب الذي يتجسد فيه المعنى المراد إيصاله[4]، ومن أهم الوسائل الرئيسية المباشرة لاستخراج الحكم من النص هو الاستعانة بمنطوق النص وهيئته التركيبية ، وهو ما يسمى بدلالة المنطوق[5]، وحيث ان المادة (146/1) من القانون المدني حينما أشارت الى حق تعديل العقد وأقرنته بطريقين (مقتضى القانون او التراضي) فإنها قد ربطت بين هاتين الطريقتين بحرف العطف (أو) ومعنى الحرف عند أهل اللغة هو (كلمة لا تدل على معنى في نفسها، وإنما تدل على معنى في غيرها، بعد وضعها في جملة، دلالة خالية من الزمن)[6] وتدل (أو) العاطفة على أحد الشيئين أو الأشياء وعلى التخيير إذا وقعت بعد طلب، فإذا اختار المخاطب أحد الأمرين لم يحق له تجاوزه، فصار الآخر محظورا وامتنع الجمع بينهما، إلا ان الأول لا يمثل الأصل والثاني استثناء وإنما كلاهما بذات القوة والمركز[7]، وفي النصوص القانونية المقارنة (الفرنسي والمصري) نجد أيضاً ان المشرع استعمل حرف العطف (او) بين (التراضي والأسباب القانونية) وعلى وفق ما ورد في المادة 1193 من القانون المدني الفرنسي والمادة (147/1) من القانون المدني المصري.

4. ان تطبيقات القضاء العراقي تؤكد على ان النص الوارد في المادة (146/1) مدني ليس فيه اصل واستثناء، وإنما كلا السبيلين متاحين لأطراف العقد ولهم الخيار باتباع احدهم، ومن هذه التطبيقات قرار محكمة التمييز الاتحادية العدد 397/الهيئة الموسعة المدنية/2017 في 18/1/2017، الذي جاء فيه (وقد ثبت لمحكمة الاستئناف بأن الفقرة (خامساً) من العقد الأصلي قد الغيت بكافة فقراتها والمتعلقة بخدمات البنية التحتية وإنجازها من ماء ومجاري واتصالات وطرق ومدارس وكهرباء وذلك بموجب ملحق العقد المؤرخ 4/6/2014، وبعد تعديل العقد الاستثماري بسبب تقليص الموازنة وعدم توافر السيولة المالية اللازمة لتنفيذ مشاريع البنى التحتية للمشروع وحسبما هو ثابت من إجابة مجلس محافظة البصرة فان هذا ان صح لا يرتد على شركة المدعية ولا ينال من الاتفاق المبرم بينهما في 4/6/2014)

5. عند الرجوع إلى الأعمال التحضيرية لنص المادة (146/1) من القانون المدني وجد ان لجنة كتابة القانون المدني قد وافقت على النص أعلاه بصيغته الحالية ولا تقصد التفضيل بين الوسيلتين، وما يؤكد ذلك ما جاء في احدى الملاحظات التي ابدأها رئيس اللجنة الدكتور عبدالرزاق السنهوري بقوله الاتي (يكون من المستحسن ان يتقرر كقاعدة عامة ان العقد النافذ يكون في الوقت ذاته لازماً الا اذا قرر القانون حق فسخه او حق تعديله لاحد من العاقدين، وحق الفسخ هذا تدخل فيه الخيارات التي أقرها المشروع إلا اذا تراضى الطرفان على الإقالة او التعديل)[8] ومن خلال ما تقدم فان غاية كاتب النص تهدف إلى ان التراضي هو اصل الخيار باستثناء بعض النصوص الواردة في القانون والتي منحت احد الطرفين حق الفسخ دون التعديل مثل المواد (810،861، 868، 885، 890) من القانون المدني.

الخلاصة: أرى ان القانون العراقي لم يجعل تعديل العقد بمقتضى القانون هو الأصل وبإرادة الطرفين هو الاستثناء، وإنما ساوى بينهما وجاز اتباع أيً منهما، كما انه يتفق مع النصوص القانونية المقارنة (الفرنسي والمصري) بهذا الاتجاه.

سالم روضان الموسوي

قاضٍ متقاعد



الهوامش==============

[1] الدكتور علي حسين الزاملي ـ النظام القانون للعقد المُعَّدِل دراسة مقارنة ـ رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق في جامعة المنصورة في مصر عام 2022 ـ ص10

[2] نقلا عن الترجمة العربية للدكتور محمد قاسم حسن ـ منشورات الحلبي الحقوقية

[3] نقلا عن الرسالة علاه واقتباساً من تقديم الدكتور محسن البيه لها باعتباره المشرف على كتابتها ورئيس لجنة المناقشة التي أجازتها

[4] الدكتور محمد شريف احمد ـ نظرية تفسير النصوص المدنية ـ مطبعة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ـ طبعة عام 1979 ـ ص 56

[5] الدكتور محمد شريف احمد ـ مرجع سابق ـ ص64

[6] محمد سامي صالح الطويل ـ دلالة حروف العطف وأثرها في اختلاف الفقهاء ـ رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية الفلسطينية عام 2009 منشورة في الانترنيت ـ ص10

[7] محمد سامي صالح الطويل ـ مرجع سابق ـ ص74

[8] الأعمال التحضيرية للقانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 اعداد (ضياء شيا خطاب ، إبراهيم المشاهدي ، عبدالمجيد الجنابي، عبدالعزيز الحساني ، غازي ابراهيم الجنابي) ـ منشورات مكتبة السنهوري في بغداد ـ طبعة بيروت محدثة بإشراف غازي الجنابي عام 2022 ـ ج 1 ـ ص177








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة


.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل




.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟