الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


*-الكوغار- Cougar و الكَباب!

لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)

2022 / 12 / 31
الادب والفن


* سردية واقعية من الحياة:
كتبها : لخضر خلفاوي
… بعد نزولي من القطار مقهور النفسية و محبط ، استمرّ هو نحو محطاته المقبلة و نزل من نزل و ركب من ركب .. بعدما تذكّرت أنّي جوعان جدّا ، كوني لم أتناول شيئا مُذ الصبح و الليل يكاد ينطبق و يلبس النهار بعد الخامسة مساءًا، توجهت إلى أقرب مطعم تركي للكباب ( الشوارمة) بالقرب من محطة القطارات ، كنتُ أشعرُ بانهيار كل قواي أحاول شدّ تعبي و أرقي من ذيلهما .. دخلت مطعما أتردد عليه من زمن و طلبت ما راق لي و انزويتُ في ركن حيث طاولة تبعد عن ضجيج الزبائن و أصوات الطلبيات و الأحاديث المتضاربة فيما بينها كأنك في البورصة بلغطها و صراخها ! بينما أنا انتظر "كبابي " لاحظت دخول زبونة فرنسية حيث تقدمت من عمال المطعم التركي و هي كلها لباقة و تغنج و واضح عليها أريحتها في التعامل مع عمّال المحلّ … شيء ما يقول لي أنّي أعرف هذه المرأة .. لكن أين و كيف و متى لا أدري !؟. -ما مرّيتُ به من يومي و ما أصاب مخي و ذهني من أمراض تنكّسية صعّب علي التذكّر و كيف لهذا الشكل من النساء ليس غريبا على ذاكرتي !… و أنا انتظر جاهزية أُكلتي ، كانت تلك المرأة بهندام عصري و متزامن مع المرحلة و الموضا لا تتوقف عن التذلّل و التغنّج و التودّد المُشفّر في بعضه و الواضح في بعضه الآخر !… كانت ترمق ثلاثة العاملين واحدا واحدا ، كبيرهم المختص في تقطيع لحمة الشوارمة من محورها المثبت المعدني تسعره نار الطهو و أوسطهم كهلا خمسيني الذي يقوم بتجهيز مسلتزمات الأكل قبل أن يُقطّع لحم الشوارمة من جذعه المعدني و صغيرهم ذلك الشاب الوسيم العشريني … لكنها كانت بنظرات مُترصّدة و رامقة شبه متسمرة باتجاه ذلك الشاب اليافع الذي كان منشغلا باستلام و تحصيل المال من الزبائن أو بتحضير الطلبيات في أكياس بلاستيكية للزبائن الذي يفضلون الانصراف المغادرون بأكلهم و لا يودون الجلوس في القاعة . كانت تنظر له كما ينظر المتروك في صحراء قاحلة و أدركه العطش الشديد .. تطارده بالنظرات و الابتسامات كلما ارتطم نظره بنظراتها ؛ لكنه كان منشغلا من جهة و متجاهلا و ربما مغرورا بشبابه و حسن خليقته !!.. لم تتعب في ملاحقته و هي واقفة تنتظر الدور و جاهزية طلبيتها .. بينما بدأتُ أنا في التهام أكلي الذي وضع على طاولتي و أعصر ذاكرتي علّني استدرك سبب شعوري بأنّي أعرف هذه ال " الكوغار " *Cougar … كعادتي و هذا طبعي أنّي بطيء في الأكل كثير الشرود … فجأة حضرني اسمها و تعافت ذاكرتي المخرّبة في تلك اللحظات ! "ايزابيل"! Isabelle , نعم إنها ايزابيل المرأة "الكوغار" التي تشتغل بمصلحة الأحوال الشخصية للمدينة المجاورة لمدينتي حيث إقامتي . و تذكّرت صديقي " انطوني " بُرتغالي الأصل ذات يوم ، ذات عام ، حدث و أن كنّا جالسين معا في ساحة مقهى ساحة السوق نتبادل أطراف الحديث و مرّت إيزابيل بمحاذاة طاولتنا عابرة الشارع و هي تتمايل بمشيتها و بجسمها الرشيق النحيف و تقذف بسرية تامة نظراتها صوب بعض الرجال المارّين أو الجلوس ! لمسني " أنطونيو " على كتفي و راح مازحا معي ، عزيزي : أنظرها ! أنظر " ايزابيل " كم هي شقية و مشاغبة في مشيتها الماكرة ، إن هذه ( الكوغار) أكيد عندها حاجة مستعجلة و لا تستطيع الصبر و عليها أن توقع برجل من العابرين أو الجالسين الموجودين في مجال مرورها و هي تمشي ببطء كما المنقّبة عن شيء ثمين و هي لا تحبس تلطفها و تذلّلها و تغنّجها! -ههههههة و ما شأني بها يا عزيزي ! هل امرأتك هذه هي "إسكورت " escort -girl (مرافقة -مناسبات ) من تلك المرافقات المحترفات اللائي انتشرن هذه الأعوام كما الفطريات في الفضاء ، بحيث يرافقن الرجال لسهرات عمل و مناسبات مختلفة و ينتهين في السرير بمقابل مالي حسب مدة بقائها مع الزبون و التسعيرة متفق عليه مسبقا من خلال المواقع الألكترونية التي توظفهن ؟! ضحك " أنطونيو " من ردة فعلي : لا .. لا يا صديقي ! إنها موظفة في البلدية ، لكنها اختارت نظام خاص لعلاقاتها بالرجال ، لا يستقرّ معها أحد ! هي عازبة هذه ( الكوغار) التي تجاوزت الأربعين و مهووسة بالرجال الأصغر منها سنّا …تمضي أوقات راحتها و عطلها في اصطياد الرجال الشباب و الأقل منها سنا تمضي معهم أوقاتها و تستمتع معهم و بهم و هكذا ! -حقّاً!؟ تساءلتُ . أجاب نعم ، و ما بك تتعجّب من كلامي .. Isabelle هذه لقد التهمت بين فخذيها مئات الكيلومترات من القضبان اليافعة اليانعة و مازالت لم تتعب بعد و تطلب المزيد ! أطلقت ضحكة مدوية دون أن أشعرُ ، و سألته فجأة و مالك تشير عليها لي !؟ و مادخلي أنا بها !؟ -مهلا ! مهلا ! يا صديقي فقط أردت ممازحتك أيها الجاد ! أجاب أنطونيو على تعجباتي من مزاحه الذي استفزه مرور ( إيزابيل )… و استمرينا في حديث آخر … كانت الكاتبة الفرنسية المشهورة " جورج سوند " George Sand 1804/1876 مشهورة بعلاقاتها الجنسية المتعددة و بلهاثها وراء الرجال الشباب لأجل الاستمتاع الجنسي و العاطفي. * و أنا أتناول وجبتي ، و " إيزابيل " لم تيأس من مطاردتها لرجال المطعم العاملين و لم تنقص من تلطّفها و بعدما خسرت رهانها مع الشاب الذي كان يتعمد تجاهلها دخل زميله الكهل في الخط و بدا متلطّفا من حديثه الخافت معها و هي منتصبة تنتظر وجبتها ، كان الرجل الكهل يضحك من عينيه و هما يوشوشان كلماتا لا تصل إلى مسامع الزبائن ؛ إلا أنّ تواصلهما الإيحائي ، الإيمائي لم يدع شكّا أن ذلك الكهل التركي عزم على تلبية نداءات " إيزابيل " الداعية الراغبة للرفقة و الأنس و الاستفادة من لحظات سعيدة لهذه الأمسية الماطرة السُّحبية الباردة !. كان يبدو و جليا أن المفاوضات أتت ب( بأُكلها) قبل أن يجهز "كباب ( الكوغار ).. أو كأن طلبيتها تم تعطيلها عمدا و مكرا ريثم يتم إحكام الموعد و الاتفاق بالتراضي …. انتقل الفرح لذلك العامل الكهل التركي من عينيه ليجوب و يجتاح كل وجه مع إطلاق بعض الضحكات المتكتمة تحسبا لوجود الزبائن .. يبدو أن إيزابيل سوف تأكل كبابها و تكون بدورها فاكهة مأكولة هذه الليلة لهذا التُّركي الكهل الذي رغب فيها .. -أخذ العامل التركي وقتا مستقطعا و أخرج سيجارة ثم همّ بالخروج أمام واجهة المطعم ، و هو يمرّ على إيزابيل في تمام الفرحة و الرضا و يطلق إشارة خاصة من عينيه ، ابتسمت … أشعل سيجارته و شاور عليها فتبعته إلى الخارج و أخرجت سيجارتها هي الأخرى و شرعا يتحدثان عن التفاصيل كعاشقين منسجمين مولعين ! بينما أنهيت أنا بعدها أكلي بلحظات و هممت بالخروج و الإنصراف و أنا لا تفارقني تفاصيل يومي ( الكارب ) متوقفا عند كل محطة و كل تفصيل من تفاصيل "استنكاح الدّنيا لمزاجي" و لنفسيتي كان قلبي يئن و لا يعلم بأنينه إلا الله !.
— ‏*) Cougar: هي امراة تتجاوز عادة الثلاثين إلى ما بعد الأربعين متفرغة لربط علاقات جنسية مع رجال أصغر منها سنا.

—انتهت.
-باريس الكُبرى جنوبا 27/12/22








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الموسيقي طارق عبدالله ضيف مراسي - الخميس 18 نيسان/ أبريل 202


.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024




.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-


.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم




.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3