الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


2022: الحصاد الاقتصادي المر

ماجي صباغ

2023 / 1 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



شهد عام 2022 موجة ارتفاع جنوني للأسعار في مصر. ارتفعت أسعار كل شيء، وطال الارتفاع كافة السلع والخدمات، وانخفضت القدرة الشرائية للمصريين، وأصبح واضحًا تدني مستويات معيشة الغالبية العظمى منهم بل وصل الحال بهم لعدم القدرة على توفير الحد الأدنى من متطلبات المعيشة في كافة نواحي الحياة. إلا أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية المستمر، على هذا النحو الذي لم نشهده من قبل على مر الأزمات الاقتصادية، يعد مؤشرًا واضحًا على عمق الأزمة الحالية وكارثية السيناريوهات المطروحة في حالة استمرار الوضع على ما هو عليه.

في ظل السيطرة الأمنية المشددة على المجال العام، لم يجد السخط على هذه الأوضاع طريقًا للظهور فلجأ الناس إلى التعبير عن معاناتهم بنشر مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي اعتراضًا على هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار. وتفاوتت نبرة الاعتراض بدايةً من الاستغاثة بالرئيس لإنقاذهم وتذكيره بوعوده السابقة، وصولًا إلى السب واللعن، وأحيانًا عرض المعاناة في قالب من السخرية خاصةً من الطبقة المتوسطة التي أصبحت تعاني هي الأخرى.

واجهت السلطة هذا الغضب بتقديم مبرر صحيح ومنطقي وهو أن الأزمة عالمية بسبب حرب روسيا على أوكرانيا التي بدأت في فبراير الماضي، وأن ارتفاع أسعار السلع الغذائية هو نتيجة الانقطاعات سلاسل الإمداد وارتفاع تكلفتها بسبب الحرب (وهي السلسلة التي تربط منتجي المواد الأولية بالمستهلك النهائي). ونظرًا لأن روسيا وأوكرانيا من أكبر الدول المصدرة للقمح (نسبة 30% من صادرات القمح على مستوى العالم)، بالإضافة إلى الصادرات من الذرة والزيت والغاز الطبيعي، فقد أدى ذلك بالفعل لارتفاع حاد في الأسعار العالمية وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم. ولكن الأمور في مصر لم تكن تسير بشكل جيد حتى نشوب الحرب ومن قبلها الجائحة كما يدعي النظام.

بالطبع لا يمكن تجاهل الآثار السلبية للحرب أو الجائحة أو حتى التقليل منها على اقتصادات العالم، بيد أن الاقتصاد المصري تأثر بشكل أكبر بكثير وذلك نتيجة للسياسات الاقتصادية التي فرضها عبد الفتاح السيسي منذ أن أحكم قبضته الأمنية على المجال العام.

كوارث اقتصادية
اتبع السيسي سياسةً اقتصادية تعتمد على الاستدانة بشكل أساسي وزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي في البنك المركزي عن طريق رفع سعر الفائدة على الودائع بالدولار الأمريكي، لجذب الأموال الساخنة وهي استثمارات غير مستقرة وتنتقل بسرعة بين الأسواق المالية وتبحث دائمًا عن سوق مستقر وآمن و معدلات فائدة مرتفعة وتتأثر حركتها بشدة بالأزمات العالمية والحروب والأوبئة. إذًا فهي استثمارات ذات طبيعة غير مستقرة ولا يمكن الاعتماد عليها بشكل أساسي، لأنها تجعل الاقتصاد عرضة للتقلبات المفاجئة، وهو ما حدث بالفعل خلال أزمة كورونا والحرب الأخيرة.

ولمعرفة مدى تأثير خروج هذه الأموال على الاقتصاد المصري، نعود إلى بداية تداعيات الأزمة في مارس من هذا العام حين صدر قرار من البنك المركزي المصري يفرض قيودًا على تدبير النقد الأجنبي كنتيجة لتراجع الاحتياطي بسبب خروج 20 مليار دولار من الأموال الساخنة المودعة لديه. وقد أدى عدم توفير العملة الأجنبية للمستوردين للإفراج عن الواردات المحتجزة في الموانئ إلى نقص في السلع الأساسية من قمح أعلاف ومواد أولية لازمة للتصنيع بقيمة 5 مليار دولار.

وقد تسبب انخفاض الاحتياطي كذلك في صعوبات بالغة لتدبير العملة الصعبة اللازمة لسداد قيمة الواردات التي يعتمد عليها الاقتصاد المصري بشكل أساسي، بما فيه القطاع الصناعي الذي يستورد المواد الخام والمنتجات الوسيطة، مما أدى الى توقف نشاط أكثر من 11 ألف شركة من شركات القطاع الخاص.

صدر قرار مفاجئ في نوفمبر بإلغاء مبادرة البنك المركزي المصري الخاصة بدعم القطاع الصناعي تنفيذًا لتعليمات صندوق النقد الدولي. كانت تلك المبادرة قد صدرت في عام 2019 والتي بموجبها تم منح قروض من البنوك للشركات ذات النشاط الصناعي بفائدة 8% وهي فائدة منخفضة جدًا (الفائدة المطبقة حاليًا تتراوح ما بين 17% إلى أكثر من 20% بعد القرار الأخير في 22 ديسمبر) وهو ما يشير إلى زيادة قادمة في أسعار المنتجات يتحملها المستهلك النهائي.

التوسع في الاستدانة
من ناحية أخرى، كان التوسع في الاستدانة من الداخل والخارج ركيزة أساسية لاقتصاد السيسي منذ عام 2016 عندما حصل على قرض من صندوق النقد بقيمة 12 مليار دولار بالإضافة إلى قروض من البنك الدولي ومن حكومات ومؤسسات مالية أخرى، حتى وصل حجم الديون الخارجية إلى 158 مليار دولار، بالاضافة الى حجم الدين الداخلي الذي ابتلع هذا العام 4 تريليون جنيه. وبذلك نكون نسبة الدين لإجمالي الناتج المحلي تتجاوز 90% وزاد بذلك نصيب الفرد من الدين العام ليتخطى 3250 دولار أمريكي، وفقًا لأرقام عام 2020 أي قبل الإجراءات الأخيرة.

وُجِّهَت هذه المليارات التي يسددها الشعب للإنفاق ببذخ على مشاريع عملاقة غير إنتاجية وبدون إجراء دراسات لتحديد جدواها الاقتصادية. وقد بلغت تكلفة إنشاء العاصمة الجديدة ما يزيد عن 58 مليار دولار حتى وقتنا الحالي، فضلًا عن بناء مدينة العلمين الجديدة على الساحل الشمالي وإنشاء شبكة طرق وكباري لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، والذي بالمناسبة انخفض من 8% من إجمالي الناتج القومي قبل أزمة 2008 إلى أقل من 2% في فترة حكم السيسي.

هذا إضافةً إلى إنفاق مليارات الدولارات لشراء أسلحة (مصر من أعلى 5 دول على مستوى العالم في شراء الأسلحة)، وإنشاء مفاعل نووي للأغراض السلمية بقيمة 25 مليار دولار في بلد لديه فائض طاقة.

سياسات تقشفية
صاحبت هذا التوسع في الاستدانة سياسات تقشفية عنيفة تنفيذًا لتعليمات الصندوق من تخفيض سعر الجنيه أمام الدولار، وبدايةً من صدمة نوفمبر 2016 تم تخفيضه مرتين هذا العام في مارس وأكتوبر، وفي انتظار قرار التعويم الكامل مع مطلع عام 2023. تسببت هذه القرارات في ارتفاع الأسعار وانخفاض الدخول الحقيقية وتراجع دعم الإنفاق على الكهرباء والمياه والوقود والمواصلات والطعام وحتى رغيف العيش. وكذلك انخفض الإنفاق على الخدمات مثل التعليم والرعاية الصحية بسبب انخفاض قيمة العملة، وفي المقابل لا تتناسب الزيادة في الحد الأدنى للأجور مطلقًا مع ارتفاع معدل التضخم، فضلًا عن أن قانون الحد الأدنى يطبق في القطاع الحكومي غير المتنامي أصلًا، بينما القطاع الخاص مستثنى من هذا القرار. وقد ارتفعت الضرائب على الاستهلاك التي يتحملها الفقراء، بينما ظلت ضريبة الدخل والضرائب على أرباح الشركات كما هي دون أي تغيير.

وفي إطار تنفيذ تعليمات الصندوق بشأن دمج الاقتصاد غير الرسمي لزيادة الإيرادات الضريبية، أعلنت وزارة المالية تطبيق العمل بمنظومة بالفاتورة الإلكترونية المطبقة على الشركات والأشخاص من أصحاب المهن الحرة، من محامين وأطباء ومهندسين، إلخ، في حين أن اقتصاد الجيش الذي تعاظم في عهد السيسي يسيطر على الموارد ويتمتع بإعفاءات ضريبية، بالإضافة إلى آلاف الصناديق الخاصة في الوزارات والهيئات الحكومية التي لا تدخل ضمن الموازنة العامة للدولة ولا تخضع لأي رقابة.

في أبريل، مُرِّرَت خطة لبيع أصول الدولة المتمثلة في حصص مملوكة للدولة في شركات تحقق أرباح صناديق سيادية خليجية بمبلغ 40 مليار دولار أمريكي خلال 4 سنوات المقبلة، وقد بيعَت بالفعل أصول بحوالي 5 مليار دولار حتى الآن.

واستكمالًا لمسيرة إفقار الشعب قدم لنا السيسي خلال سنوات حكمه نموذج اقتصادي متفوق على سابقيه من رؤساء مصر العسكريين في تجويع الشعب وسحقه وفرض سياسات تقشفية هي الأشد قسوة اعتمادًا على الالة القمعية التي ازدادت توحشًا في عهده لتمرير قراراته الاقتصادية الفاشلة، والتي أدت لتفاقم الوضع الاقتصادي الذي أصبح غير قابل للاستمرار مع كارثية السيناريوهات المطروحة عن المستقبل من إفلاس وانهيار العملة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد