الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بانج بانج كراااك طك

أحمد عبد العظيم طه

2023 / 1 / 2
الادب والفن


ليلاً
عُد إلى منزلك
واغلق الباب خلفك جيدًا.. لتأمن وتقرأ
أنت وحيد.. أليس كذلك؟؟
إذا كنت لست وحيدًا فاخرج من هنا نهائيًا
لأنك مأهول بغيرك قطعيًا
ولن تنال الوحدة حتى تكون وحدك
فاخرج ودع هذا لمن قال: بلى
فهو وحيد بواقعية لن تدركها وهي لا تقابل بالذكريات المماثلة أو الأنساق المُتوَهمة
إنه وحيد إلى درجة الإنصات الجاد والتمعن الهادئ في هذا الصوت المعتدل
وليس متهافتًا في التحصيل مثلك
وليس مشوشًا بما بعد الواحد ونفسه
إنه وحيد بروح الكلمة ثم معناها الذي كالجسد
فالوحدة تجعل المرء يأخذ الأمور بجدية وتصميم
حبذا وإن كانت تمسه في وحدته
فمن أولى من الكتابة بهذا التحفز العصيب
وهذه الوقاية السامة ضد الجميع
الذين هم ضد الوحيد
لذا تجدني أنوه لك بلهجة محذرة
أن اخرج أنت ومن معك نهائيًا.. نهائيًا
وانسوا أمر هذا العمل المختل الشحيح الفن القليل التماسك تمامًا.. تمامًا
فإنه لا يورد جديدًا ويمتلئ بالادعاء والتنطع
كما أنه لا يجوز التلصص من خلف النوافذ فهي
لن تفتح لأحد من العامة ولو اجتمعوا لها

ولكن هو سيُعالج الرتاج بمهارة سارق نحيف
ثم يقفز إلى الداخل وحده
بلا مشقة في أن يكون وحيدًا
ودون أن يستشعر الفرادة في ذلك
فليس ثمة أحد ليشعر أمامه
إذن.. ليجلس وليسترح قليلاً ثم يصنع شايًا ويحتسيه
وليدخن كعادته والأضواء عاملة وهناك ساعة للوقت
وكل شيء في وضعه الطبيعي
وعموم المكان واقعة على الإطلاق
وقد وجدت أنه أنت الذي هنا, فلا بأس أبدًا بالطبع
ولا يوجد إحساسٌ معين للمفاجأة عندك
وأنا أعرف هدا, وأنت تعرف ذلك
فقط لتأكيد وحدة كل منا على الآخر
وأننا لسنا معًا في الحقيقة ولكننا نلتقي بشكل آخر
لا يختلف كثيرًا عما اعتدنا عليه قليلاً في السابق
حين كان الأصدقاء لا يتكررون كورق اللعب
فأنعم النظر حتى تتهيأ لنفسك
واصبر عليها حتى تصفو وتتم يقظتها
فترى هذا الصديق الجديد الفريد الحق الوحيد

أما إذا اقتضت الحكمة أن تعود إلى البداية فلتعد
فلن يمنعك أحدٌ بداهةً
وأنت لا تتظاهر على نفسك منذ ولدت
لأنك وحيد بالسليقة ولا تضيع وحدتك عند العد
وإنك تواصل بلا عودة للبداية - ليلاً -
فهذه ثقتك التي لا حدود لها ولا مقر
تُثبتك وتدفع عنك الشك ووسوسة السر وشر اللغة
وقد بدأت تتململ في جلستك وتقول لي
"ماذا تريد في النهاية وما الداعي لهذا كله وماذا يعني الإسهاب الجيد دون فكرة محددة"
وأنا لن أجيبك الآن, بل سأتركك لمتعتك الخاصة
ألا وهي أن تُعري بنفسك ستر الأشياء
وتأخذ الجواهر مباركة عليك أنت وحدك.. وحدك
إذن.. لتدخل إلى هذا السمر وهذه البهجة غير المُتوقعة
فأنا هنا بهذه البقعة الخطرة القذرة أقف لمراعاتك
والسهر عليك ومحاولة إسعادك بالطريقة
أية طريقة.. أقطع بها حزنك الدائم كالحياة ذاتها
ولتبحث عني بين الحين والحين الآخر فتعرفني بالاسم
فالأمر لا يخلو من منافع شخصية أُقرها وأحبها أن تحدث
كالشهرة والمال وقتل الأنفس بحثًا والموت قتيلاً بالحق
ولكن لم يئن بعد لهذه الأمور أن تطرح للكلام العام
فهي تمس الوحدة في قلبها ولابد أن تناقش ويُعرّض بها
غير أن اليوم مخصص لتعارف السادة
وإبداء السرور عن طيب خاطر
وليس رياءً كالناس الملوثين ببعضهم
إنك تدري أن هذه البسمة الخفيضة كافية لصدقك
إنما الجماعة يضحكون بلا فهم لطبيعة هذا الفعل المقدس
وأنت تتفق معي أن للضحك قداسة يدنسها الجماعة الرعاع
لذلك نتركهم بالخارج كالكلاب
حيارى ينبحون
ويهاجمون البناء برؤوسهم وأرجلهم في شراسة عجيبة
لقد أثارتهم الرائحة النفاذة لعرقك
وحين تتحرك فيقطع ظلك الضوء الخارج من النوافذ
يوقنون أن هناك من دخل خفية إلى المنزل
فدعنا عنهم.. إن الجدران عازلة من الوجهين
وهم لا يستحقون مجرد الحديث
كما أننا لا نخاف الكلاب وقد فتكنا بالعديد منها في هجمات غادرة من طرفنا
فنحن لا ننتظر حتى يُفتك بنا
أقصد أنني قد قتلت وأنك قد قتلت...
فقط لإزاحة قتيل كل منا عن قتيل الآخر
وإبعاد مديتك عن مديتي
ذلك أننا قد أخذنا عهدنا من أنفسنا.. تلك الوحيدة القاتلة
وبتنا أصدقاء!!
بما لا ينشئ خللاً في وحدتك أو وحدتي التي لا تختل أبدًا
ولتحكم أنت بما يرضي الله
فيما سأختصك به من الأحاجي
أيها الوحش.. أيها الوحيد, أيها الوضيع البعيد
- قه قه قه قه, هئ هئ هئ هئ, ها ها ها ها -
إسمع..
لقد قال: لي أنا وأنا قد فعلت وعملت
ولكني لم أصدقه, فاختبرته في قلبه
كيلا آخذه ظلمًا وعدوانًا أو غيلة وغدرًا
جرّاء أنويته المفرطة وادعاءه الوحدة
التي خمنت انه لا يستحقها
وبالفعل كان جبانًا كامرأة ستختن على الملأ
حين رأى المشهد الجليل للأنشوطة
حتى أنني قد أدخلتُ رأسه رغمًا عنه ودفعت المقعد عنوة
وصرخت في وجهه أن اصمت واخشع أيها الكلب
ولتكن جسورًا على الموت
كالفراشة التي تواجه الاحتراق بصدرها العاري
وليس كالأسد الذي يفر من النار إلى الغابة الظليلة
اسقط على الأرض كرجل وحيد وليس كامرأة مختنة
ولكنه كان رعديدًا وبدا غير مقتنع وهو يسقط
ويقع ويهوي ويغييييب,,,

أرأيت أيها الوحيد عن بأس ويقين كالصخر
وليس عن مزاعم كاذبة وادعاء مفضوح وعواء مقلد
كالرجل الذي مات مقوس الخلقة من الفجأة والرعب الزائد
أرأيت أنه لا يوجد العديد منا
وأن فئتنا مقصورة علينا كل أحد بإسمه المفرد
لكأننا نوعٌ قائمٌ بذاته - أي بوحدته -
يفنى بفنائك ويبقى بوجودي
وإلا فقلي بالله
من ذا الذي سيأخذ عمل إبليس ويغوي أحدهم بعمق الليل
بعمق صحراء الجنوب إذ هما بالمعسكر
أن اخرج معي شطر هذا الجبل البعيد لنرى الجبال عن قرب
ونشهد مالهذا السواد الرحيب
وإذ قال لي "نهارًا"
فقلت له "يا بن الرجل المرأة وإنك الخائف من ظله"
فقال لي "هيا" ولم يكن على قدرها بالعتمة
غير أننا قد ثغرّنا في السلك الشائك وخرجنا
سائرين على هدي من الجبل العظيم
الضارب بجسمه في الأرض والقائم بذاته عليها
هذا المدبب الذي يطعن الوجود في فراغه
أو الفراغ في وجوده
أو أي شيء يجبرك عل التسليم بأنه فوق القوة بقوة
وبأن القدرة جارية في فيه جريان الدم خلالك
ولكنها كامنة لحكمة يعلمها خالق الجبال
إنه هذا الوحيد القاتل الذي الجبل
وكان يتبدى كظلام في الظلام أو أشد ظلمة
وكانت الأجرام السماوية كأزرق العيون زرقة
وتوحي بأن الشر يعيش في الصحراء
تحت هذا الخراب المقيم الرجيم
ولقد أتيناه بعد ساعة من الزمن ودرنا حوله في أخرى
بلا أحاديث جانبية بيننا سوى خبب أرجلنا في الرمل

وكان الرجل يخفي فزعه بالصفير كلما أوغل الليل
وعندما يبتعد احتكاك ملابسي عن أذنه
فأنتشي أنا الذي عامر البراري بصفيره وفزعه أيما نشوة
وأتحول في داخلي إلى ذئب وحيد
له عين زرقاء غريبة وأنياب زرقاء طويلة
حتى أنه قد لمح وأحس واضطرب وتوجس
وملس سلاحه وعس فأغمضت عيني فتريث
ثم قال "لنرجع"
فقلت مغمضًا "لنصعوووو.. لنصعد"
لقد بدأ العواء ينفلت رغمًا وينمو على شفتيّ عُشبًا ونغمًا
حتى أنه قد استشعر وفقد النطق وتعثر
ومرتعشًا تقهقر فاستهل الصريخ فصرخ
ونويت العواء فعوووووووووووووووووووو
أوووووووووووووووووووووووووووو
وجرى وركضت خلفه وعويت عليه بقسوة رهيبة
لكأنني كنت سآكله كله ويشُر دمه من فوق أشداقي
فلمّا التفت لاهثًا رأيت وجهه ورأى وجهي فسلم وارتمى
ينتفض ويبدي ما بعد الخوف من خنوع مرير
وعبرت فوقه كما أعبر البهيمة الميتة ولا أقربها
فأنا أكره الجيفة وأتقزز منها مثلك تمامًا
لأنها تصدر رائحة أشد فجاجة من الموت ذاته
وأنا أُحب أن تكون الفريسة عصبية في الدفاع عن نفسها
وناضجة بما يكفي لتحفيز الروح وإيقاظ العزم والتشبث بالحياة
فالحياة ليست بهذا القصر ولا يمكن أن تؤخذ هكذا
ولكنها تؤخذ, ويكون في أخذها المتعة خالصة بالأخذ
وليظهر الدم في الماء واليابسة
وتغدو الدنيا كما نعرفها
وإذا الأحباب كلٌ في طريق

فقد كان في التنائي شفاء للطرفين الذبيحين
هذان الاثنان الاثنان اللذان قد ذبحا قلبهما قصدًا
ولم يُطرف لهما جفنٌ حين كانت المعاناة كالبلطة في الشجرة
وكان ذلك ابتغاء الوحدة ولها فقط
تلك الغالية التي تذهب عند التشارك في أي شيء
حتى وإن كان سطحيًا كالمكان والزمان
فما بالك وقد كانت المشاركة في هذا الجوهر الكريم
أي في القلب الذي تُفقه به الأحوال والأمور
مما أحدث جمعًا آية في الصلابة وغاية في الود
ولكنه آل إلى الهدم بفعل الأنصبة المقدرة بالقدرة
رغم وجود محاولات باهظة لجعلها متساوية
ولكنها المشيئة المقدسة في المن والمنع
فقد وقع الفصل في هدوء نسبي للألم
وكان الجرّاح ماهرًا في تخفيف جرعة المُخدر
ليبدو الأمر واقعيًا بصورة أكبر
وكان دقيقًا كذلك في اختيار الوسط الملائم للجرح
فالمشرط قد جز اللحم بسلاسة متناهية وقسمة عادلة
تشيان بأن النية مبيتة منذ وقت ليس بالقصير
وقد ذُبحت الوحدة في قلبها وتقسمت إلى اثنين
أحدهما واحد والآخر وحيد
فأصيب واحد بالضمور واختلال زاوية الحركة
فكان يمشي على يساره طوال الوقت
فيصطدم بالأعمدة والحوائط فيأخذ يساره مترنحًا
أما وحيد فقد وقف حتى استقام ثم مضى متزنًا
ووجد وحيد أنه يستطيع الركض فركض والوثب فوثب
حتى وصل إلى تطويح القرص وإطلاق الرمح
وإخراج السيف من الغمد شاهرًا إياه في وجه الجميع
الذين هم ضد الوحيد
وأين هم أبناء الزواني ليعرفوا أن الحرب خدعة ضخمة
وان الحياة خدعة اضخم وأشد تنكيلا
وما هي بالهينة للذين يعلمونها فيمكرون لها فتمكر بهم
أُلئك الغافلون الضالون المجانين
الذين لم يهتدوا إلى بر أو بحر إلا وتركوه متضجرين
ولكم كنت لا أريد الظلم والبعد
وهذا الإحساس الغامض بتأنيب الضمير
ولكنني لم أقو على الفقر يا حبيبتي.. هكذا صراحة
وكنت أمام عينيك بلا وجه يسترني,وبلا كنف آوي إليه
وكنت في شدة الإحراج أمام الوجود كوجود أقل شأنًا
ولم ألمس أي تعضيد خارجي يهبني الإصرار وإمكان المنازعة
فاستخزيت من نفسي ومن نفسك
ومن الوجود والعدم قد خزيتُ خزيًا
وتركتُك وحيدة قيد عذابك الذي يزيد فقط ولا ينتهي
وأصابني الخذلان بالفتور والنوم
أيتها الأنثى الوحيدة التي تعي كرجل وتشعر كالبنت
يا من توقنين ببطلان حديثي وتبريري لما جرى
وقد كان ما جرى شيئًا يُشبه الغدر كما أُنزل
ولا يُمكن حصره في الخيانة
لقد كان شيئًا قتلاً وسفكًا وحشيًا أقسى من حوافر الخيل
على ظهر من وقع بالحومة بضربة من الخلف
وأنتِ التي لم تتصور يومًا أن يكون ظهيرها خائنًا
بل وخائنًا محترفًا ومأجورًا من قِبل نفسه
أي ليس له حلٌ سوى صرعه بمجرد رؤيته يقترب
فقد تجاوز الأمر حد المرض
ووصل إلى الفطرة السليمة فاتخذها سبيلاً
فالخائن كان يرى بحدة مذهلة ويخطط إلى درجة أن يعيش خطته بالكلمة الواحدة
وكانت بصيرته عاملة مدببة تعمل في الأنفس كالنادلة المدسوسة,
إذ كانت تحفظ كل سلمة بالمكان وتجرب الثغرات فتنفذ منها وتعرف أماكن الفخاخ

لقد كان خائنًا عبقريًا كامل العُدة ووحيد العدد
خانكِ شر خيانة وفجعكِ أسفل فجيعة
أيتها النرجسة الإلهية
أيها التي لا تستحق ذلك أبدًا
فهي من كانت أولى بذلك منكِ وأجدر جدارةً
تلك الغادرة الفاجرة الزانية معي ثلاث مرات
هي التي تستحق ذلك أبدًا لها ولمن معها منهن
أما أنتِ فلا وبالقطع لا وكلا وليس...
أيتها الشريفة التقية الذكية الفاتنة ذات السريرة البيضاء
كالمنديل النظيف أو أعظم بياضًا
فسامحيني سامحيني.. علّ صفحك يجتبيني
ليس دينك إلا ديني.. وها ضميري يا ضميري
بـــــانج بـــــــانج.. كراااك.. طك

فما بالك الآن أيها الوحيد الوهِن الضعيف يتشتت عقلك
وتتجعد ملامحك وتُغمض مشفقًا
ألست تدرك ما تفعل؟؟
فلتفعله إذن ولتتمه إذا كنت على هذا القدر من الجهالة ودناءة العنصر
الصفتان اللتان لا تناسبان الوحدة بتاتًا
فالوحيد لا يكون شفوقًا سوى لمتعة سيأخذها من وراء الشفقة
وليس لهذا الألم الصادق الذي يجنيه
فتشتد الشفقة عليه حتى تأكل منه قوته ويتفرق عزمه على الناس
لذا أنصحك بمراجعة نفسك يا أخي
والتملص من تلك البقعة الفاسدة
ولكن لتتملص بحذر الذئب ونعومة الثعبان وسرعة الوعل
تلافيًا للغرق في هذا الوحل الباكي
إن الوحيد يا أخي لا يخطئ مثل هذه الأخطاء القاتلة
الأخطاء الفاصلة بين الخاصة والدهماء
بين الوحدة والاجتماع
الوحيد لا يخطئ أبدًا يا أخي

بيد أنه لكل جواد كبوة
وهذه كبوتك فلا تكررها يا أخي واتعظ
لئلا تكون كالذي باع منزلته للشيطان ليشتري بيتًا هادئًا على الشاطئ
يكون فيه حزينًا,,,
فتنتزع منه الفرادة لأن الناس كلهم كذلك
والكون ذاته مخلوق حزين
فبما أتت من بيت أبيها,,,
وأين ستذهب الشمس عن قفا الفلاح
ويا أيتها النخلتان اللتان في الأعالي تطرحان البلح الدواء
أين دوائي
وقد استفحل دائي, وأصبحت أمشي اثنين اثنين
وأستشعر الولاية في نفسي فأجلس على الماء
وأهرب أهرب, وأفر أفر, وأروغ أروغ
دون أن أدري أي الكلمات أسرع في الركض
وإنها قد نجحت الخطة وابتعدنا عن البقعة الفاسدة سالفة الذكر

فلابد أن هناك من ينظم ذلك الهذي
ويُعلل هذه الحياة تعليلاً بائنًا قاطعًا
لابد أن يوجد هذا الكيان الوحيد الخارق
في كل زمان ومكان.. وإلا ما خُلقنا نحن
وما تعذب الجميع على هذا النحو المقصود
فمسألة التمكين لليقين باهظة التكاليف ومخيفة الجهد
لا يُقدم عليها إلا يائس محروم أو مُريدٌ حقيقي
فالمادة السائلة للشك هي سماوية بكل تأكيد
ولها من الخواص ما تعجب منه العقول وتَذهل به الأنفس
إذ أنها لا تفتأ تختلط بكل المواد العاملة في البناء
حتى أنها تتخلل الصخر كالماء في الرمل
وقد جاء زمان على الأرض قل فيه الوحي حتى كاد يختفي
وانحسر الناس عن أنفسهم فما ظل من أحدٍ يصلح للتلقي
إلا من رحم الله وهدى

ولكن دع عنك هذا وصه (أي أنصت بجدية)
إن الموضوع قد تشعب باتجاه الساقية المهجورة
وأنا لاأستطيع السير نحوها إلا فوق دابة تحميني من الجن عندها
ذلك أن من يقصدها ويضع في نيته أن يصل
يتحتم عليه أن يكون كفيلاً بنفسه أو يأتي بمن يكفلها
فهناك لا توجد غير الحقيقة الواقعة رؤى العين
ولا يوجد أي نوعٍ من التوسط بين المرء وما حوله
وليس كل البرابرة برابرة وليس السائب في السائب
ولكن لا مناص في أن تبقى رابط الجأش متوقد الذهن
وأن يظل حضورك طاغيًا طوال الوقت
لا تختزل منه الأفكار النائية
وأن تكون لك استجابة باهرة وتوافق روحي غريب
ولابد لك من درع واق تلجأ إليه وقت الشدة فيحميك من الضربات المجهولة
كالدابة إذ تركبها
لذلك فعلى قاصد الساقية من الصفات ما له من المتع
وإلا لأصبح الأمر متاحًا للناس أجمعين
وليس محصورًا في هذه الفئة الوحيدة
الفئة الباغية على نفسها بما ملكت أنفسها
ومفردهاوحيد وجمعهاوحدة
إذ أنه لا مفر من علاقة تجعل الوضع منطقيًا
فالوحدة تحيط بالوحيد ليأنس
والوحيد يحب الوحدة كأمه أو أشد حبًا
وهكذا تجري الأعوام دواليك دواليك
حتى يتضح أن الأمر ليس إبداعًا وليس اتباعًا
إنما هو أقرب إلى السخط على شيء ثقيل كالحياة عمومًا وكالأحياء خاصة
وياللأسف فأنت لا تستطيع أخذ دور الدابة في هذا الطريق الموحش باتجاه الساقية
فروحك ليست ضخمة مثل روح الدابة
ولن تخيف أحدٌ منهم هذه الحمامة النائمة بين جنبيك
لذلك لن تذهب ولن ترى ما تسمع
وستظل أنت وما تخايلك به نفسك على ناركما
أي أنك إما غير فاهم بالمرة أو مرتاب يستريب
ولكن هناك ثمة وحيد في الموضوع يعرف ما نعرف
وقد ذهب من قبل ويستطيع الإيقان والإيجاز
والتلقي من وراء ستر غامض وكلام مشوش
وإنه يريد البيعة وإفساح المجال لتهيئة ملكه
وصناعة حاشيته ليتولى ما نوليه راضيًا مسرورًا
بلا خبث كخبث الخونة وبلا جشع كجشع التجار
إنه من نوع يختلف تمامًا عن النوع الآخر

فالشخص السابق كان شرير الجبلة منذ البداية
وكان واضحًا كالذبابة فوق الوردة
بيد أنه كان طاغيًا في وحدته وله جرأة فريدة في المبادرة
وحسم الصراع وإخافة الناس بما لديه من أعماقهم
وههنا كانت تطفح الإثارة كإفرازات الوقاع
عندما كان يفترس طرائده أمامي, فأعجب لحركة القنص
وما يسبق الإجهاز من عذاب جديد المظهر
إذ أنه كان يبدأ بالأرجل فيفصلها فصلاً
ثم الأذرع فيحطمها تحطيمًا
ثم ينهش ما فوق القلب حتى يراه
وقد بلغ الألم حلقوم الضحية

ولقد حاولت دخوله من عينيه فاستعصى
ومن أذنيه فأعارني أذنيه حتى امتلئتا فسكبهما أمامي
فولجته من وجهه كاملاً في عقله الشرير ويدعوه الكنانة
وكان الدخول مباغتًا حتى أنه انكمش في بعضه كالعاري
وبدأ في معرفة كيف تجبر الخصم بنفسه على نفسه
فاسترخى من بعد تحفزه وشرع يتكلم كأنه يتجسم
فحمد وشكر ثم آمن وكفر ثم شخر ونخر
عاجزًا عن نيّل الدنيا
فلا الأولى ولا الآخرة يا لطيف اللطف فماذا غير هذا
وقد قص لنا وتشكى عندنا وبكى فيما بيننا
فتأثرنا وأطرقنا وقلنا سنخرج من خلاله إلى حوله
تقديرًا لحصته من التشوه والألم وإيثارًا لكونه وحيد

وإذ نلتفت لنمضي نجد ظهرنا قد امتلأ بالمخالب
فنستدير على هذا الضبع الأحمق قائلين له "يا بن الخائنة"
ونبطش به بطشة لو تلقاها الجبل العظيم لنام
وهكذا مات قتيلاً مبطوشًا به بادي الظمأ
فيا ويح هذا الغضب...

وقد كان أبي قاسيًا علينا بل متوحشًا بلا مبالغة
فأخذنا عنه القسوة والظلم والبطش والتوحش والغضب
ولم ينسى أن يعلمنا كيف نصون ما لنا من خواص
فعرفنا كيف يموت الشعور والضمير بضربة واحدة
شرط ان تكون الضربة كافية لموت الجميع
وعندما أمرنا بإغراق القطة العمياء في الترعة
كان يصر على أن أضغط رأسها في الماء بيدي
وكنت لا أفعل مشمئزًا من ضعف هذه الخلقة
ومدى ما تواجه من خوف وعذاب واقع أعتى الوقوع
فكنت أتلقى الصفعة كالقبضة والزغرة كالحجر في العين
فأفعل وأضغط.. بل أوغل في الضغط
والقطة تحت يدي كنفسي فهي تموت
وعينها بعيني فهي ترى
والنظرة العمياء كالغل وإنها اللعنة
وكنت أشعر في أصابعي بتحطم رئتيها
إذ يحطمهما الماء فتنطبق عظام صدري وأختنق بيدي

,, وماتت القطة ومت أنا ومات قلبي
بضربة واحدة
ضربة عمياء ضربنيها الرجل بعيد النظر
فخُلقت من جديد وبلغت الحُلُم في لحظة وأدركت ما أراد
فالحياة حركة شديدة الصعوبة لابد ان تتعلمها صغيرًا
حين تكون لدنًا كالغصن فتقطع وتُسن رأسك وتُدبب كالحربة
فتغمس في السم الناقع وتغمرك المرارة القاتلة حتى الحلق
فتصير مرجعك في التذوق والمتعة
ثم تطلق في الهواء بقوة الشر هذا القوس الأبدي للتقدم
والمرور في هذه الأحرش بهيئة مقبولة
وأثر خارق وتأثير سام
مُخلفًا ورائك القتيل تلو القتيل
وقد ازدوج موتهم اختراقًا وسُمًا
واتخذت روحك من أرواحهم طعامًا مُرًا يجعلك تندفع بلا فرصة للتوقف
ودون اكتراث للسقوط
فالقتلى لا يتوقفون عن الموت
والغذاء المُقدس يسري مريرًا كالدماء في العروق

إن الغابة هكذا بالطبيعة تعج بالمتحركين زرافاتٍ ووحدانًا
ولكن ليس ثمة وحيد غير الوحيد فائق الندرة أنا
ومن كان وحيدًا كمثلي (ومن كان وحيدًا كشبهي؟..)
ففي أحيان خانقة الندرة أسمع أزيزًا يكاد يحفُ فاعله بأذني
ولا يحدث سوى ليلاً, عندما يكون اندفاعي جهول العدوان
فأشعر بالأنس برهة وأطمئن للوجود قليلاً
غير قادر على الالتفات خلفي لفرط السرعة الخارقة
وحرارة السم الخارج

وأكاد أجزم أنه أنت.. وأكاد أوقن أننا لن نلتقي كأمرٍ واقع
إلا رأسًا برأس (أي نصلاً مسمومًا في نصلٍ أنجع سُمَّاً)
وعندئذٍ سأكتب من دمك مكتوبًا وحيدًا
أو بالأحرى سأكتبُ بدمك

لذلك لا تقرب هذه النواحي من فضلك
أرض الله واسعة
فكن وحيدًا طيبًا,,,








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير