الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمع المعرفة ضمن ثنائية الابداع والخطر (١_٣)

وليد المسعودي

2023 / 1 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مجتمع المعرفة ضمن ثنائية الابداع والخطر (١_٣)

المظهر العلمي لكلمة معرفة

بالرغم من وجود المنجز العلمي طيلة ثلاثة قرون او اكثر من تطورات صناعية ومكتشفات علمية إلا ان العلم كمعرفة ظل تابعا الى الفلسفة ، وهذه الاخيرة من خلالها يتم تبرير العالم وتفسيره ضمن معايير تفتقد الى الدقة والصرامة العلميتين ، فديكارت على سبيل المثال ( كما اسلفنا سابقا بانه اعتمد كثيرا على منجزات كوبرنيكوس وغاليلوا فضلا عن ركيزته الاساسية في تفسير العالم والحقيقة متمثلة ب " الرياضيات ") اوجد منهج الشك ليس من اجل الوصول الى معرفة مفتوحة وغير مغلقة او مجهولة وغير معلومة بل كان يسعى الى اليقين او البحث عن مشروع قابل لضمانة كما يقول ميشيل فوكو ، وبالتالي يصبح العالم في نظر ديكارت مغتربا عن التجربة خصوصا اذا كانت الاخيرة حمالة للوهم والتصورات الذهنية المفارقة للواقع الانطولوجي ، وخصوصا اذا كان العالم الموضوعي معروف بشكل مباشر وبالجملة كما يقول باشلار ، الامر الذي يؤسس لبداهة مطلقة ومألوف مستمر في التواصل والتأصيل (26) ذلك الأمر أثبته ديكارت من خلال مراحل الشك المتواصلة لديه ابتداء بالوجود الخارجي وما يحمل من تعددية انطولوجية معينة وانتهاءا بالوجود المادي للانسان وما يفارقه من موجودات اخرى كالمتعالي او المطلق ، وكل هذه الموجودات هي عبارة عن مفارقات وهمية في ذهنية الانسان ماعدا الوجود الاعلى الاكثر تعالي وهو وجود الله . ان ديكارت اعتمد على الرياضيات من اجل اقامة صرح العلم ومن اجل التوصل الى المعرفة اليقينية والثابتة ، تلك التي تتدعي الكمال والصدق المنهجي الذي يعمل ضمن منطقة دائرية من الافكار ، سوف يفتتحها منطق الكوجيتو الذي يعيدنا بدوره الى اليقين وترسيخ الصور والجاهزيات السائدة ضمن زمانية عصر ديكارت مع الاختلاف في انه قد اعطى الفاعلية في فصل عالم المادة عن عالم الروح او العقل ، في حين سوف نجد مع كانط ما هو مخالف لديكارت من حيث ان الاول يمتلك زمنية الثورة الصناعية وصعود العلم الطبيعي فضلا عن منجزات ميكانيكا نيوتن ، تلك التي مكنته من ان يتجاوز عصر الشك ( عند ديكارت ) وينطلق الى امكانية او كيفية ولادة العلوم ، بشكل يؤصل عملية ما للعلم للعلم وما للدين للدين ضمن معرفة تنتصر في النهاية للميتافيزيقا بالرغم من التبريرات حول نقد الاخيرة ومحاولة كشف عيوبها ، إلا ان كانت لم يتقيد بشروط المعرفة العلمية إلا من اجل التضحية بالعلم لصالح الميتافيزياقا (27) وبالتالي يتكون لدينا نظاما فلسفيا محكم الاغلاق ، يعيش على المطلق بشكل ابدي ، يجعل المعرفة العلمية تابعة له ومنجزة لجميع مبررات وجوده . ان المعرفة العلمية لم تظهر في كونها معرفة نسبية قائمة على نقد الاخطاء وتتبع المألوف والبداهات المعرفية العامة لدى العقل البشري ، إلا مع ظهور النسبية كنظرية قائمة على زحزحة اليقينيات الثابتة واعادة النظر بجميع المفاهيم المتداولة حول الزمان والمكان والحركة التي كانت تعدها ميكانيكا نيوتن بانها تجري ضمن حساب المطلق وليس النسبي كما اكد اينشتاين الذي دائما ما يضع المعرفة الفيزيائية في خانة القوانين المتغيرة بشكل دائم ومستمر وليس بشكل نهائي وثابت إذ يقول حول ذلك الامر " ان القانون لا يمكن ان يكون محددا بسبب واحد هو ان التصورات التي صيغ القانون على اساسها تتطور ويمكن ان تثبت عدم صلاحيتها في المستقبل " (28). ذلك القانون هيئا للمعرفة العلمية ان تكون في حالة الاتساق المنطقي الذي لا يعتمد على الثبات الصارم بقدر اعتماده على التغيير ضمن ادوات من الخبرة والمهارة والبحث والاكتشاف الدروب ، المستمر ، وهنا اينشتاين لا يتنكر لميكانيكا نيوتن بل يضعها في مكانها المناسب من حيث تطور المعرفة الفيزيائية واصفا اياها بالمعرفة التي اقتربت من الحقيقة ولكن ضمن معيار غير مكتمل او نسبي وليس ضمن حدود المطلق . وهكذا نقول لقد اصبحت المعرفة العلمية ذات صفات محددة بشكل منهجي من خلالها لا يتم صياغة ومعرفة الماضي والحاضر فحسب بل يتم ايضا استكشاف معالم المستقبل ومعرفة امكانية النجاح والتقدم البشريين ، في مختلف المجالات والعلوم ، هذه الصفات يمكن تحديدها بالتراكمية ، التنظيم ، البحث عن الاسباب ، الشمولية واليقين والدقة والتجريد (29) فالتراكمية أصبحت من سمات المعرفة العلمية من حيث امكانية تطورها المتواصل وانتقالها المستمر من شكل الى اخر ومن حالة الى اخرى ، وبالتالي يتكون لدينا عنصر الحركة الدائمة التي لا يشوبها التوقف ، او الثبات ، والمعرفة التراكمية هي معرفة انتقالية من الاسفل الى الاعلى ، من الماضي الى المستقبل ، تمتلك فاعلية التأثير والسيطرة على الزمان البشري وتعانق المجهول بشكل لا نهائي ، فضلا عن عدم امتلاكها للمطلق وصيرورتها ضمن حافة الامتلاء المتواصل بشكل مستمر . اما التنظيم فيمكننا تعريفه على انه الآلة الذهنية التي تعمل على تتبع الظواهر والاحداث ضمن اساليب قائمة على عناصر الملاحظة والتجريب والاستنتاج العقلي ضمن كيفيات غير منتهية من التعريف والوصف اي ان قابلية التحليل والاكتشاف فضلا عن وجود عملية تكوين النتائج حول الظواهر تبقى منظمة بشكل نسبي وغير مطلق ، وكل ذلك لا يتم الدخول اليه من باب واحد او وجهة واحدة معينة بل هناك عملية استيفاء التجارب والاختبارات لكافة الاطر والمناهج المعرفية الخاصة بالظاهرة المراد البحث عنها . وهكذا الحال مع البحث عن الاسباب بعد ان كانت الاخيرة تاريخيا معتمدة بشكل احادي من حيث التفكير و التفسير والمشاهدة والرؤيا ، فضلا عن معاشقتها للغايات بشكل خرافي ومفارق للعقل البشري اصبحت تنتمي الى مجال واسع من حرية البحث وتعددية المعنى وتوسيع فضاء الانتماء لهذا العامل او ذاك وفقا لطبيعة الظاهرة المراد درسها ، والتي لا تخرج في النهاية عن حدود الارض الواقعية المنشأة لها سواء كانت عوامل طبيعية او بشرية ، وهذه الظاهرة تتعرض لشمولية المتابعة والدرس من جميع الجهات والمصادر حتى تصبح امكانية وجودها او اكتشافها مصدرا يخدم الناس بشكل عام اي ان حدود الاكتشاف والإبداع لا يقف حكرا على العالم الفرد بل يمتد اثره الى الناس جميعا ، وذلك الامر يتم بعد التوصل الى اليقين بامكانية بزوغ الظاهرة او الاكتشاف الجديد ضمن حدود النسبي او المجال المفتوح لاكتشافات او اضافات اخرى من الممكن ان يساهم فيها العلم في المستقبل ، اي ان اليقين هنا يأخذ سمات الحقيقة والواقعية البعيدة عن الانغلاق والاكتمال النهائي ، وذلك اليقين مرة اخرى يتم بشكل دقيق ومدروس بلا اعتبارات شخصية او كيفية من الممكن ان تؤثر على حدود الموضوعية ، إذ ان العلم لا يمكن ان يحتفي بالكيفيات ، ينتصر للبحث المتراكم والمدروس بشكل منهجي وملم لجميع جوانب او حدود الظاهرة المراد درسها او البحث عنها سواء كانت طبيعية او بشرية .

تعريف موجز

من خلال هذه المظاهر السابقة يمكننا صياغة مجموعة من التعاريف حول المعرفة بشكل مختصر ابتداء من وجودها القبلي وانتهاءا بوجودها التجريبي المصاحب لتطورات العلم وكينوتنه المتغيرة ، ومن هذه التعاريف
1- هي مجموعة من المعلومات التي يكتسبها الانسان بواسطة الاحتكاك المباشر مع الوجود الطبيعي المعاش ، الامر الذي ينتج مع مرور الزمن تراكما خبريا من المعارف تتلقاها الاجيال جيلا بعد جيل ، من خلالها يتم تحصيل الرفعة والمكانة والتطور الاجتماعي
2- هي وسيلة الادراك المستمر للعالم المحيط بالانسان تتعزز من خلال صناعة واكتشاف الجديد والغريب عن الواقع البشري .
3 - هي الاطار الاجتماعي الذي يشكل وعي وادراك الفرد ويسبغ عليه في النهاية مجموعة من التصورات المغلقة الوجود بشكل عقائدي لايمكن الفكاك منها إلا في حالة التحصيل او الوصول الى المعرفة العلمية .
4 - هي الانعكاس المباشر لوضعية الانسان الاقتصادية ومكانته الطبقية ، تلك التي تدعم تصورات معينة دون غيرها ، من شأنها ان تعطيها سبل ووسائل الصدق والتقبل الاجتماعي والثقافي لدى الافراد عموما
5 – هي التجربة الحسية المكونة لمختلف التصورات والافكار حول الواقع الموضوعي المعطى لدى الانسان ، من خلالها تنتقل المعاني من طبيعتها المادية الى طبيعتها المعنوية المعقولة بشكل فاعل ومنظم ومألوف لدى المجتمع .
6 – هي مجموعة من الاستعدادات التي توفرها عوامل الملاحظة والحس والنظر الى الاشياء ، من خلالها تتحول المواد الخام الى جاهز عقائدي مفكر به ضمن نسقية الزمن المعاش صاحب الانجاز المعرفي والاكتشاف الاولي للمعرفة .
7 – هي مجموعة من القوانين المتغيرة ، تلك التي تمكننا من السيطرة على وجودنا الانساني وما يحمل من متناقضات مستقبلية مختلفة ، وفقا لطبيعة الزمن المنتج لها ضمن شرطية العلم النسبي المنفتح على جميع الاكتشافات الجديدة الحاملة لصفات الاتساق المنطقي كالتراكم والتنظيم والبحث عن الاسباب والشمولية واليقين والدقة والتجريد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئاسيات موريتانيا: ما هي حظوظ الرئيس في الفوز بولاية ثانية؟


.. ليبيا: خطوة إلى الوراء بعد اجتماع تونس الثلاثي المغاربي؟




.. تونس: ما دواعي قرار منع تغطية قضية أمن الدولة؟


.. بيرام الداه اعبيد: ترشّح الغزواني لرئاسيات موريتانيا -ترشّح




.. بعد هدوء استمر لأيام.. الحوثيون يعودون لاستهداف خطوط الملاحة