الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة التجمعية وقوى التفكيك: الواقع والفلسفة

مظهر محمد صالح

2023 / 1 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


عند قراءتي للخاطرة الثرية والخريطة التحليلية التي قدمها المفكر السياسي المشرقي حسين العادلي وهو يتناول :حياة الدولة وموتها ،
لم يطرق مخيلتي الا فيلسوف فرنسا جاك دريدا Jacques Derrida 1930-2004 ومدرسته البنيوية -الحديثة او ( التفكيكية deconstruction ) التي ظلت سلاحا معرفيا رصينا هدفه إعادة قراءة النصوص الفلسفية والفكرية بطريقة نقدية شاملة وجديدة بعيدا عن الولاءات المجانية للأفكار التي عدت لمدة طويلة مسلمات لا ينبغي زعزعتها أو نقدها أو إلغاؤها بصفة نهائية. فالتفكيكية هي ثورة جريئة على ثوابت الأفكار التي عمرت طويلا دون أن تتم خلخلتها بواسطة جهاز مفاهيمي ونقدي صارم.
اذ يقترب العادلي في موضوع حياة الدولة وموتها في ثنائية تفكيكية قائلا:
((الدولة "ظاهرة" مجتمعية سياسية تاريخية متغيّرة وليست وجوداً ساكناً "ستاتيكياً"، فهي تتقدم وتتأخر، تحيا وتموت استناداً إلى عوامل حيوية مجتمعية سياسية اقتصادية أمنية ثقافية متحركة.
حياة الدولة لا ينحصر ببقائها موحدة أو بموت جغرافيتها السيادية، بل قد تحيا أو تموت الدولة أيضاً باشكال عدة، منها: موت وحدة أمّتها الوطنية مع توحدها السيادي الجغرافي، أو موت وحدة نظامها السياسي، أو موت حيويتها ودورها وتأثيرها وسيادتها فتكون تابعة أو مستلبة أو مفعول بها كما هو حال العديد من الدول اليوم. لذلك نرى أنَّ بقاء وقوة الدول لا يرتبط بمساحتها الجغرافية وحجم أمّتها الوطنية وبكم مواردها الطبيعية، بقدر ما يتصل بحياة وحيوية أمّتها ونظامها ودورها في السياسة والإقتصاد والثقافة.)).
قد يدعوني الامر الى استخدام ثنائية المفكر الفرنسي دريدا وثنائية المفكر المشرقي حسين العادلي لتشخيص مفهوم تفكيكي للدولة- الامة في عالم الشرق .
اذ ارى ان النمط الجديد لموت الدولة الامة هو التمكين لمظاهر القوة والاستبداد القائم والموروث لمفاصل الامة الاستاتيكية على الدولة الديناميكية نفسها ،فقوة شرائح الامة بانقساماتها القبلية والمذهبية والاسرية والمناطقية والعرقية جميعها اصبحت مولدة لزعامات او دكتاتوريات مصابة بعقدة التشظي ورفض قبول الكل وتعبر كل واحدة منها عن مفصل في الهيكل العظمي للدولة الخالي من الحيوية في تكامله مع النسق العام للدولة نفسها، وكل شظية تحمل بذور الفتنة واستعمال القوة واواصر التفكك داخل الهيكل العظمي نفسه الذي هو انموذجا استاتيكيا للدولة التجميعية .فالنموذج السياسي التجمعي الذي مرتكزاته هي جمع كمي شديد التصلب لنماذج غير متجانسة في فهم الدولة الامة (بل هي اجزاء تحتكر الثروة و القوة والعقيدة بشكل سكوني … ) انها بلاشك تحفر في بداياتها قبل نهاياتها قبر موت الدولة طالما ان الامة هي (تجميع لا تذويب) لشتات مفاصل منغلقة من نماذج مصغرة تصارعية النزعة يصبح جمعها تعبيرا راسخًا عن (شتات الدولة- وشتات الامة ).
فالانصهار في الدولة والانصهار في الامة هو استدامة الدولة والامة ، وخلافه ماهو الا جمع لقوى تفكيكية لبنية (الدولة الامة )وهو في حقيقته (انموذج متشظي )(لدولة مهشمة-وامة مهشمة) و يعني موت الدولة - الامة او زوالها The demise of nation state .
وهكذا فمثلما يجادل التفكيك في ثنائيته بأن الهياكل المنطقية القائمة على الثنائيات ، أو الأزواج الثنائية ، هي عظام السياسة والاقتصاد والمجتمع واللغة, نجد ان الثنائية تتكون من مفهومين يتم تقديمهما على أنهما متعارضان لتشمل امثلة :
الحياة -الموت ، والعقل -الجسد ، والمذكر -المؤنث وغيرها .
ان ما قدمه حسين العادلي من مقاربة في موضوع ((حياة الدولة وموتها )) هو اقترابا من العملية التحليلية التفكيكية deconstruction في محاكاة فلسفة دريدا Derrida .
اذ يقوم دريدا بعملية تفكيك للفلسفات التي تقوم على مركزية العقل ( مركزية اللوغوس "Logocentrism" )هو مصطلح صاغه الفيلسوف الألماني( لودفيج كلاجس Ludwig Klages (10 December 1872 – 29 July 1956) ))في أوائل القرن العشرين. وهو يشير إلى تقليد العلم والفلسفة الغربيين الذي يعد الكلمات واللغة تعبيرًا أساسيًا عن واقع خارجي .اذ يثبت الوقع اننا حين ننظر الى اللغة تحديدا ، فاننا لانجد فيها مركزا يستقطب الحقائق الصغرى، فانها لعبة ليس فيها قائد وهي مبنية اصلاً على الاختلاف . وبهذا رفض دريدا الفلسفة القائمة على الذات التي استمدها الغرب من ديكارت ، اذ كانت كل الفلسفات تقوم على العقل او الكلمة او اللوغوس logos نفسه كاشد الكلمات الاغريقية غموضاً في تفسير الدين والفلسفة الغربية بكونها معيارًا وحيدًا ضامناً للحقيقة او غيرها كما نوهنا سلفاً .
فمثلما دريدا هو العادلي يبحث عن منزلة جديدة للكلمة بغية اسقاطها من مركزها المتسلط كاصل لها واخضاعها بالمقابل لبنية مغايرة كاصل لها .
واخيرا اجد ، بالمدرسة التفكيكية deconstruction الغربية للفيلسوف دريدا كتطوير للمدرسة البنيوية الحديثة في الفلسفة ،جاء العادلي هو الاخر ليلامس عالم الفلسفة البنيوية في تحليل الفكر السياسي ونزاعاته المشرقية .
( انتهى).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان


.. أثناء زيارته لـ-غازي عنتاب-.. استقبال رئيس ألمانيا بأعلام فل




.. تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254