الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في السادس من كانون .. نحتفل أم نقيم مراسم للعزاء

عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي

2023 / 1 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عند انهيار الدولة العثمانية ووتقاسم الكولونياليات الأووربية لمحلقاتها العربية، كانت الولايات التي شكلت العراق الحالي ـ بغداد والبصرة والموصل ـ من حصة البريطانيين. وبعد تتالي الأنتفاضات والتمردات المدنية والعشائرية في مختلف مناطق العراق، وأهمها انتفاضة عام 1920 التي شملت المدن والأرياف في بغداد والفرات الأوسط والجنوب، لجأ المحتلون البريطانيون الى تشكيل أدارة محلية، يتحكم بها مستشارو الأحتلال، أطلقوا عليها أسم حكومة، واستعانوا بفيصل أبن شريف مكة الحسين بن علي الذي استفادوا من خدماته في حربهم ضد العثمانييين، أستعانوا به ليكمل الصورة وينصبوه ((ملكا)) تشريفيا مصون غير مسؤول.

وأقتصادا بالنفقات قرروا أن يتقاسموا كلفة الأدارة االأمنية في العراق مع الأدارة المحلية، فكانت تشكيلات الشرطة، والى جانبها أسس في السادس من كانون الثاني عام 1921 فوج موسى الكاظم، كنوات لجيش تموله الإدارة الملكية ـ الحكومة ـ ويمكن أن يساعد في قمع التمردات العشائرية، والأنتفاضات المدينية، أطلق عليه أسم ((الجيش العراقي)). ولهذا لم يكن ذلك الجيش قادرا على أداء مهام وطنية تتعلق باستقلال ناهيك عن وسيادة الدولة الفتية، حيث فشل في التصدي لعصابات الأخوان الوهابيين في نجد والحجاز، التي واصلت الأعتداء على المدن العراقية، والشيعية منها على نحو خاص مثل النجف وكربلاء. لكنه سجل نجاحات بعضها مشهود، في قمع التمردات العشائرية سواء تلك التي كانت بتدبير شيوخ العشائر المتحالفين مع ((سياسيي)) المدن، أو الأنتفاضات الطبقية ضد شراسة الأستغلال والظلم، الذي كان يقترب في كثير من الحالات من الرق، الذي كان إولئك الشيوخ يمارسوه ضد فلاحيهم.

وانعكس تضارب المصالح، المتحكم به، الذي نشأ لاحقا بين الملك فيصل وسلطات الأحتلال على تطور الجيش العراقي المؤسس بريطانيا، ففيما كانت لندن لا تريد لفيصل أكثر من سلطة صورية لا دور لها، سعى فيصل الى دعم الجيش ليستعين به في مواجهة ((النخبة السياسية)) المحلية، التي رباها البريطانيون جنبا إلى جنب مع الملك لخلق حالة من التوازن بينه وبينها، بما يتيح لها التحكم بالطرفين.

في مراحل لاحقة تنامت قوة الجيش، وصارت لبعض قياداته طموحات سياسية، تمكنوا فعلا من تحقيق بعضها، كان أولها أنقلاب رئيس الأركان الفريق بكر صدقي، عام 1936، الذي لم يعمر طويلا، وأنتهى الأمر باغتياله. وكان ذلك الأنقلاب فاتحة لتحكم الجيش في الحياة السياسية، فبعد خمس سنوات من ذلك التأريخ كان انقلاب العقداء الأربعة الذي رفع شعار معاداة البريطانيين لينتهي إلى الإرتماء في أحضان النازيين الألمان. ثم أستخدم الجيش في قمع وثبة كانون عام 1948 ضد النظام الملكي، واستخدم بعد ذلك في إخماد أنتفاضة تشرين علم 1952. وفي أكثر من تمرد فلاحي وعمالي.

عام 1958 أطاح الجيش بالملكية ليستولي على السلطة الزعيم عبدالكريم قاسم، الذي زج الجيش في حرب ضد الحركة القومية الكردية. وعاد الجيش في عام 1963 ليطيح بقاسم، ويمنح السلطة لتحالف دموي بين البعثيين والقوميين العرب. وخلال الشهور العشرة التي فصلت بين أنقلاب شباط 1963 والأنقلاب التالي في تشرين الثاني من ذات العام، صعّد الجيش من حربه في كردستان، بعد أن نكث الأنقلابيون بوعودهم لقادة الحركة القومية الكردية.

الجيش الذي أتي بالبعثيين الى السلطة في شباط 1963، وأزاحهم عنها في تشرين الثاني من نفس العام، نظم عدة محاولات أنقلابية فاشلة، قاد أثنتين منهما رئيس رئيس الوزراء عارف عبدالرزاق، ضد رئيس الجمهورية عبدالسلام عارف، الذي كان له بدورة، دورا رئيسيا، في جميع الأنقلابات التي جرت منذ عام 1958 حتى وفاته في حادثة طيران عام 1966، ولهذا كان يحلوا له أن يلقب نفسه بـ ((مفجر الثورات)).

ضباط الجيش المتنافسون والطامعون بالسلطة واصلوا هوايتهم في تنظيم الأنقلابات بعد أن ورث اللواء عبد الرحمن عارف رئاسة الجمهورية ، أثر وفاة شقيقه الأصغر، ((مفجر الثورات))، لكن الوريث كان بفتقر الى براعة وطيش الموروث، فدبر ضباط قوميون محاولة انقلاب فاشلة، تلاهم آخرون من ضباط القصر، نجحوا بالتحالف مع البعثيين في قيادة عارف الثاني من سرير نومه ليلة 16 ـ 17 تموز 1968، إلى طائرة أقلته الى المنفى. لكن البعثيين كانوا هذه المرة أكثر ذكاء من حلفائهم ضباط القصر، وتمكنوا بالخديعة من الغدر بهم، باستخدام بعضهم ضد البعض الأخر بعد أسبوعين فقط من عرسهم الثوري.

حذاقة البعثيين التآمرية مكنتهم من السيطرة على الجيش الذي أسسة البريطانيون عام 1921، فحولوه من جيش يعمل لمصلحة ضباطة، إلى جيش يعمل لمصلحة حزبهم، ثم الى جيش يعمل لمصلحة الدكتاتور الذي سيطر على حزبهم بعد أن نفذ الدكتاتور أنقلاب قصر، لكنه كان هذه المرة أنقلاب قصر حزبي، وليس أنقلاب قصر عسكري. وعرف ذلك الأنقلاب بـ ((مجزرة قاعة الخلد))، التي وجهصدام حسين فيها الى معارضيه من رفاقه في الحزب تهمة التأمر، ونفذ بعدها مباشرة عمليات أعدام ميدانية بحقهم.

وكانت تلك العملية نقطة تحول، أخصي بعدها ضباط الجيش، وأصبحوا حملان وديعة لا هم لها سوى حماية رقابها من المقاصل التي نصبها صدام للعسكريين والمدنيين، ثم زج الجيش في الحرب ضد إيران، وفي مجراها، أرتكب المجازر بحق العراقيين والتي راح ضحية لها عشرات الألاف في الإبادة الكيمياوية في حلبجة وما عرف بعمليات الأنفال، وقبلها أرتكب، في مجرى تحوله الى ((جيش بعثي عقائدي)) جرائم مماثلة في مدينة الدجيل.

ثم كانت الهزيمة المذلة للجيش بعد العدوان على الكويت، والتي فرغ نوازع الأنتقام لها، ليس في جيوش الأعداء التي هزمته في الكويت، بل في العراقيين، حيث قصف مدن عراقية بما فيها من أماكن مقدسة بالطائرات السمتية وبالمدفعية الثقيلة خلال أنتفاضة آذار 1991.

وبعد أن فرغ جيش صدام حسين من قتل العراقيين، نفذ أمر قائده بتدمير أسلحته بنفسه، وبأشراف لجان شكلها الأعداء، ولهذا لم يتمكن من الصمود أمام الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. وصدع لأمر حله الذي أصدره قائد سلطة الأحتلال بول بريمر، الذي كرر لاحقا، ما فعله المحتلون الأمريكان في أفغانستان وقبلها في فيتنام بتشكيل جيش بلا قوة حقيقية ليبقى عونا لسلطة الأحتلال، ولكي يستخدم ضعفه مبررا للسلطات الموالية للمحتلين، للأستعانة الدائمة بهم.

وأعترف رعاة الجيش الجديد من الحكام المتأسلمين الشيعة بأنه كأن جيشا ((فضائيا)) أي خيالي، القسم الأكبر من جنوده موجودون فقط على الورق، ليستولي بأسمائهم الوهمية، ضباط ومتنفذون في السلطة على المخصصات المليارية التي كانت ترصد للجيش الوهمي.. وجاء الأعتراف بهذا بعد هزيمة الجيش النكراء أمام عصابات داعش الأرهابية. وكان للتطورات اللاحفة أن تصعّب من انكار النظرية التي تؤكد أن الهزيمة وتداعياتها، ربما كان مخططا، لها لتبرير أنشاء جيش مواز مكون من المليشيات الطائفية، التي تورطت في أعمال القتل والإغتيال والتفجير على خلفية طائفية في عامي 2006 و2007. وهذا ما كان. حيث هيات تلك المليشيات نفسها لللأستفادة من فتوى الجهاد الكفائي لمجابهة داعش التي أصدرتها مرجعية النجف الشيعيىة، وأنضمت الى تشكيل ((الحشد الشعبي)) ليس على شكل أفراد، وأنما على شكل جماعات لكل منها هيكله العسكري شبه المستقل ومرجعيته القيادية المكونة من قادة المليشيات.

وبعد مساهمة الحشد في عمليات دحر داعش، التي شارك فيها الجيش المغلوب على أمرة والشرطة والطيران العراقي والأجنبي، جير النصر للحشد، أي للميليشيات، وأضفيت عليه القداسة وصار يطلق عليه أسم ((الحشد الشعبي المقدس)). وكان ذلك توطأة للمطالبة بثمن سياسي هو هيمنة المليشيات على الدولة. وهذا ما هو حاصل. ويقف الجيش الذي شكله الأمريكان بلا حول ولا قوة. وصار يبدو أن كل من يحمل السلاح، سواء كان من هذا الجيش أو من الحشد أو من عصابات داعش الأرهابية، متحالفون ضد الشعب العراقي، وبعضهم يستخدم الآخر مبررا لوجوده ولجرائمه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يؤكد مجددا: نرفض تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو إلى أ


.. اشتباكات بين الشرطة ومؤيدين لغزة في كلية إمرسون الأميركية




.. عائلة فلسطينية تعيش داخل حمامات مدرسة


.. شاهد: مدينة البندقية الإيطالية تضع رسمًا جديدًا على زوارها ل




.. المعامير تعود إلى طبيعتها