الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شبح غابة اتوري رواية للفتيان

طلال حسن عبد الرحمن

2023 / 1 / 7
الادب والفن


" 1 "

نحن ، أقزام غابة آتوري الممطرة ، نعرف باسم تيكي تيكيس ، طول الرجل منا ، لا يزيد عن "120 " سنتمتراً ، ووزنه حوالي " 36 " كيلو جراماً ، أما النساء فأقل من ذلك بكثير .
وعلى العكس منّا ، تعيش إلى جوارنا قبيلة مانجيتو ، يبلغ طول الرجل فيها حوالي " 210 " سنتمتراً ، وفي شرق الغابة ، تعيش قبيلة واتوسي ، ويزيد طول أفرادها عن طول القبيلة السابقة .
إنني أعرف الآن ، عند الرجال البيض ، والذين عملت معهم طويلاً بـ" القزم العجوز " ورغم ادعاء هؤلاء الرجال بالتطور والحضارة ، فهم لا يختلفون عنّا كثيراً ، حتى في إيمانهم بالخرافات و الأوهام .
كنّا سعداء في غابتنا ، غابة آتوري الممطرة التي تقع في الكونغو ، حتى جاء الرجل الأبيض ، وأحلامه المريضة عن الذهب والكنوز والاتجار بالإنسان .
ويشاع ، هذه الأيام ، بيننا نحن الأقزام ، وبين الرجال البيض أنفسهم ، أن ثمة شبحاً ، يجوب الغابة طول الليل ، بحثاً عن منفذ ، ينقذه من هذه المتاهة الخضراء ، لكن هيهات ، فمن يدخل غابتنا من البيض ، لا يخرج منها أبداً .
ولعلي أنا " القزم العجوز " كنت وراء هذا الشبح ، وإليكم القصة ، التي بدأت حين نزلت من قريتنا ، ذات يوم ، ورأيت سفينة مستر جوني ، و آه من .. مستر جوني .







" 2 "

تملكني القلق ، حين رأيت السفينة الشراعية ترسو قرب الشاطئ ، ورغم تأكدي منها ، إلا أنني تواريت وراء شجرة تطل على النهر ، ورحت أراقب البحارة . نعم ، إنهم بحارة القرصان المعروف " مستر جوني" .
وتراجعت بصورة لا إرادية ، عندما فتح باب القمرة ، وبرز مستر جوني . و راقبته وهو يتبختر بين بحارته ، ثم يقف وسط السفينة ، بلحيته الكثة ، وعينيه الزرقاوين الناريتين ، وجسمه الضخم ، الذي يختض , كلما صاح بصوته الغاضب الأجش .
وتسللت من وراء الشجرة ، مبتعداً عن مستر جوني ، ومضيت عائداً إلى مخيمنا ، الذي يقع في أعماق غابة آتوري .
وتناهى إلى وقع عكازه ، تجدّ ورائي ، إنه صديقي المعوق ، صديقي ! آه ، إنه قزم من آتوري بالجسم فقط .
ناداني بصوته المميز : أيها العجوز توقف .
وتوقفت متوجساً ، فصوته كان ينطوي على إشارات غير مطمئنة . واقترب مني لاهثاً ، وهو يقول : خمنت أنك غادرت المرفأ .
ونظرت إليه وقلت : أو سألت عني من رآني .
وابتسم ابتسامته المائعة ، وقال : المهم .
وبصبر يكاد ينفد ، قلت ، نعم .
فمال عليّ ، وقال : مستر جوني ، يريدك .
وبدل أن أرد عليه ، استأنفت سيري . ولحق بي ، وهو يقول : مهلاً ، لقد أرسلني في طلبك .
وقلت ، دون أن أتوقف : يفترض أنك صديقي .
وسار في أعقابي قائلاً : إنني صديقك فعلاً ، وكما أريد الخير لك ، أريده لنفسي أيضاً .
وتوقفت مغالباً انفعالي ، وقلت : مستر جوني هذا مجنون ، ولا يأتي من وراء أمثاله ، غير المصائب والخراب .
فردّ قائلاً : لا تتعجل ياصديقي ، تعال قابله ، وانظر ماذا يريد .
وهمّ أن يلحق بي ، فصحت بصوت قاطع : كفى ، عد من حيث أتيت .












" 3 "

أويت إلى فراشي مبكراً ، لعلي أرتاح من عناء " صديقي " المعوق ، الذي أتعبني كثيراً بما يريده مستر جون . وقبل أن أغفو ، تناهى إليّ ، من قرب باب كوخي ، وقع أقدام صغيرة . وتدفق الفرح في أعماقي ، إنها حفيدتي ، الحمامة الصغيرة . ونهضت إذ طرق الباب ، وهتفت مازحاً : من ؟ حمامتي ؟
وردت عليّ هادلة : نعم ، جئتك بالطعام .
وفتحت الباب ، فدخلت حمامتي الصغيرة ، حاملة إناء الطعام ، وقالت : تعال كله ، إنه ما زال ساخناً .
وتناوات منها إناء الطعام ، وقلت : حسن ، سأكله بعد قليل .
وجلست على فراشي ، وقالت : كلا ، أعرفك ، لن تأكله ، تعال كل أمامي .
وجلست إلى جانبها ضاحكاً ، فقالت : هيا ، كل .
ونظرت إليها ، وقلت : لن آكل إذا لم تأكلي معي .
ومدت يدها ، وأخذت قطعة من الطعام ، ووضعتها في فمها ، وهي تقول : أرأيت ؟ هيا ، كل .
فأخذت قطعة من الطعام ، ودسستها في فمي ، وقلت : الله ، ما أطيبه ، لابد أنك ستطبخين مثله عندما تكبرين .
وتناولت قطعة ثانية من الطعام ، وقالت : أنا ساعدت ماما ، في إعداد هذا الطعام .
وتوقفت عن تناول الطعام ، وقلت : حذار من النار يا حمامتي ، فأنا لا أحتمل أن أراك تتوجعين .
وتتطلعت إليّ ، ثم قالت : أتحبني ؟
وأجبتها قائلاً : أنت حمامتي .
وقالت متسائلة : وإذا اصطادني أحدهم ؟
فمددت يدي إليها ، وضممتها إلى صدري ، وقلت : لا ، لا تقولي هذا يا حمامتي .
ونهضت ضاحكة ، وقالت وهي تقبلني : هون عليك ، إنني أمزح .
وانطلقت نحو الباب ، فهتفت لها : نسيت الإناء . وفتحت الباب ، ومضت مسرعة وهي تقول : سأوقظك صباح الغد ، وآخذه .











" 4 "

استيقظت فجر اليوم التالي ، ليس على هديل حمامتي الصغيرة ، بل على لعلة الرصاص . وتراءت لي حمامتي الصغيرة ، تصرخ مستنجدة ، وسط ألسنة النيران ، فانتفضت من فراشي ، وأسرعت إلى الخارج ، وإذا جميع أفراد القبيلة ، رجالاً ونساءاً وأطفالاً ، يلوذون بالفرار ، متجهين صوب أعماق الغابة .
ولمحت ابنتي ، تتوقف وسط الجموع المتدافعة ، والحمامة الصغيرة تبكي بين ذراعيها ، وما إن رأتني حتى هتفت بي : أبي ، تعال معنا ، البيض قادمون .
البيض ؟ إنه مستر جوني وقراصنته ، لا أحد غيرهم ، ترى كيف عرفوا الطريق إلى هذا المعسكر ؟
ونادتني ابنتي ثانية ، بصوت يحشرجه الخوف : أبي ، هيا ، تعال .
وأسرعت إليها ، وعيناي لا تفارقان الحمامة الصغيرة الباكية ، وقلت لها : بنيتي ، إذهبي أنت بصغيرتك مع أفراد القبيلة ، سألحق بكم بعد قليل .
واحتجت ابنتي قائلة : كلا ، تعال معنا ، قبل أن ..
ودفعتها برفق ، وقلت : اذهبي يا ابنتي ، الوضع خطير ، لا أريد أن يصيب الحمامة أي أذى .
وذهبت ابنتي على مضض ، والحمامة الصغيرة بين ذراعيها ، تناديني باكية ، وسرعان ما اختفت ، مع أفراد القبيلة ، في أعماق الغابة .
وارتفعت ، وسط لعلعة الرصاص ، أصوات مجموعة من الرجال ، تبينت بينهم صوت .. مستر جوني .
ووقفت أنتظرهم ، إنهم قادمون من أجلي ، سيتعرض أفراد قبيلتي وابنتي وحمامتي الصغيرة للخطر ، إذا لم يجدوني ، فليجدوني إذن ، ها إني أنتظرهم ، أنتظر مستر جوني بالذات .
















" 5 "

برز مستر جوني ، من بين الأشجار ، يتبعه مساعده جاك ، ومجموعة من القراصنة ، وهم يتصايحون ، ويطلقون النار في ما حولهم .
وما إن وقعت عيناه الزرقاوان الناريتان عليّ ، حتى توقف ، ثم رفع يده ، مشيراً للقراصنة ، وصاح بصوته الأجش : كفى .
وتوقف القراصنة جامدين ، وقد كفوا عن اطلاق الرصاص ، وتطلع مستر جوني إليّ ، وقال : ها هو ضالتي .
ثم أشار إليّ بيده الضخمة المشعرة ، وقال : تعال .
وتقدمت ببطء ، وتوقفت أمامه ، دون أن أنبس بكلمة . وحدقّ فيّ بعينيه الزرقاوين الناريتين ، وقال : أنت تعرف ، أن أفراد قبيلتك ، في مدى بنادقي ، وأستطيع إذا أردت ، أن أقتلهم جميعاً.
وتراءت لي حمامتي الصغيرة ، وابنتي ، وأفراد قبيلتي ، فزممت شفتي ، ولذت بالصمت . فمال عليّ مستر جوني ، وقال : الأمر لك ، اختر .
ورفعت عينيّ إليه وتساءلت : ماذا تريد يا سيدي ؟
ورد مستر جوني بصبر نافد : أنت تعرف ماذا أريد ؟
ورفعت كتفيّ متظاهراً بالدهشة ، ثم قلت : ومن أين لي أن أعرف ؟ إنني كما ترى قزم عجوز .
ومال عليّ مستر جوني ، وعيناه الزرقاوان الملتهبتان تلتهمان ، وصاح بصوته الأجش : أيها القزم اللعين ، لا تتباله ، إنني أريد الكنز .
وتساءلت : الكنز !
فرد مستر جوني قائلاً : نعم ، الكنز .
ورفعت عينيّ إليه ، وقلت : سيدي ، لو كان هناك كنز لكنا أولى به ، فنحن نعيش في فقر مدقع .
واعتدل مستر جوني ، وقال : إنه كنز مقدس ، وأنتم لن تمسوا مثل هذا الكنز ، حتى لو متم من الجوع .
وصمت لحظة ، ثم قال : الكنز او القبيلة بأكملها ، ماذا قلت ؟
وتراءت لي حمامتي الصغيرة ، تصرخ متوجعة وسط ألسنة النيران فرفعت عينيّ إليه ، وقلت : حسن .
وحدق مستر جوني فيّ متسائلاً : حسن ؟
فأجبته قائلاً : الكنز ، سآخذك إليه .
وقهقه مستر جوني ، وقال بصوته الأجش : عرفت أنك عاقل ، هيا ، تقدمنا إلى الكنز .
وهنا ، برز من بين القراصنة " صديقي " المعوق وصاح : مستر جوني .
وتوقف مستر جوني دون أن يرد بكلمة ، فقال " صديقي " المعوق : لقد وعدتني .
وتطلعت إلى " صديقي " ، آه كيف فاتني أن أخمن أن " صديقي " هذا " هو من دلّ مستر جوني وقراصنته إلى معسكرنا ؟
والتفت مستر جوني إلى جاك ، وقال له بصوته الأجش : جاك ، إعطه مكافأته .
وعلى الفور ، أطلق جاك النار على " صديقي " المعوق ، فأرداه قتيلاً ، ثم قال : سيدي ، أعطيته المكافأة .
وقهقه مستر جوني ، وقال بصوته الأجش : ليعلم الجميع ، إنني عند وعدي دائماً .
ثم مدّ يده الضخمة المشعرة ، ودفعني بقوة ، وقال : هيا ، أيها القزم العجوز ، خذني إلى .. الكنز .














"6 "

توغلنا في الغابة ، وأنا أتقدمهم ، يعقبني مستر جوني ، ثم مساعده جاك ، ثم بقية القراصنة ، نسير الواحد خلف الآخر . وكلما تقدمنا زادت الأحراش والأشجار كثافة ، حتى كادت أشعة الشمس تختفي تماماً .
وسمعت مستر جوني يدمدم متذمراً ورائي ، ثم خاطبني قائلاً : أنت تسير ببطء ، أسرع قليلاً .
وأجبته ، دون أن ألتفت إليه : المنطقة هنا مرتفعة الحرارة والرطوبة . ولو أسرعنا أكثر ، لأنتابنا التعب .
لم يرتح مستر جوني ، على ما يبدو ، لأجابتي ، فقال بصوته الأجش : أرجو .. لمصلحتك .. أن يكون هذا هو الطريق .
وأجبته ثانية ، دون أن ألتفت إليه : إطمئن يا سيدي ، هذا هو الطريق ، إنني أعرف الغابة كما أعرف معسكرنا نفسه .
وبعد منتصف النهار ، سمعت مستر جوني يلهث ، لقد تعب ، أتعبته الحرارة والرطوبة وجسمه الضخم . وتباطأ ورائي حتى توقف ، ثم خاطبني قائلاً : أيها القزم العجوز .
وتوقفت بدوري ، وأجبته : نعم ، سيدي .
وقال بصوته الأجش ، وهو يلهث : أنظر إليّ .
والتفت إليه ، فقال بصوته الأجش : سأقتلك إذا لم تجد الكنز .
وابتعدت بعيني عنه ، وقلت : أعرف يا سيدي .
واستأنفت السير ، فسار مستر جوني في أعقابي ، وقال : أنت ذكي .
وقلت دون أن ألتفت إليه : وأعرف أيضاً أنك ستقتلني إذا وجدنا الكنز .
وتوقف مستر جوني منصتاً ، وقال بصوت خافت : أنصت .
وتوقفت منصتاً ، وتوقف جاك ، وكذلك بقية القراصنة ، وتطلعت إلى مستر جوني ، وقلت : أخشى أن يكون أقزام أعماق الغابة .
ونظر مستر جوني إليّ قلقاً ، فقلت : إنهم أشرس الأقزام يا سيدي ، وأشدهم خطورة .
وهنا صاح أحد القراصنة مذعوراً : سيدي .
والتفت مستر جوني إليه ، وقال متسائلاً : ما الأمر ؟
فرد القرصان بصوت متحشرج : إختفى توم .
وتمتم جاك خائفاً : ماذا ! إختفى ؟
وصاح مستر جوني بصوته الأجش : إذهبوا ، وابحثوا عنه في كل مكان .
وهمّ القراصنة أن يذهبوا للبحث عن توم ، لكني نظرت إلى مستر جوني ، وقلت : سيدي ، أنصحك أن لا تدعهم يذهبون ، وإلا إختفوا مثلما إختفى توم .
وتوقف القراصنمة خائفين ، حتى دون أن يأمرهم مستر جوني بعدم الذهاب وتساءل جاك قلقاً : ترى ماذا سيفعلون بتوم ؟
فأجبته بصوت هادئ : أقزام أعماق الغابة هؤلاء يحبون أكل القردة .
وتنهد جاك بشيء من الإرتياح ، وقال : حمداً لله ، إن توم ليس قرداً .
فنظرت إليه ، وقلت : هؤلاء الأقزام ، يعتبرون الرجل الأبيض ، أفضل أنواع القردة .


















" 7 "

أفل النهار ، و أخذ الليل يسدل ستائره الداكنة على الغابة . وتوقف مستر جوني ، وقد كاد ينهار من شدة التعب ، وهتف بصوته الأجش : أيها القزم العجوز .
وتوقفت بدوري ، والتفت إليه وأجبته : نعم ، سيدي .
وتطلع إليّ بعينيه الزرقاوين ، اللتين خبا لهيبهما ، وقال : لنخيم هنا ، ما رأيك ؟
وبدل أن أجيبه مباشرة ، تلفت حولي ، متظاهراً بالتوجس ، ثم نظرت إليه ، وقلت : لا بأس لنخيم في هذا المكان ، لكن علينا أن نكون في منتهى الحذر .
وترنح اللهب في عيني مستر جوني الزرقاوين ، وصاح بصوته الأجش : جاك .
ورد جاك بصوته المتعب : نعم ، سيدي .
وتلفت مستر جوني حوله ، وقال : أريد حراسة مشددة طوال الليل .
وران صمت قلق على جميع القراصنة ، وراح أحدهم ينظر إلى الآخر بشيء من الخوف والقلق ، وصاح مستر جوني : أعدوا العشاء ، إنني جائع .
وبعد تناول طعام العشاء ، أوى مستر جوني إلى فراشه ، وسرعان ما راح يغط في نوم عميق .
وعند منتصف الليل ، هزت الغابة صرخة مدوية ، وهبّ القراصنة مذعورين ، واعتدل مستر جوني ، وتساءل منزعجاً : جاك ، ما الأمر ؟
ورأيت جاك يقبل متعثراً ، وهو يقول : سيدي ، إنه الحارس .
وصاح مستر جوني مستنكراً : ماذا دهاه ليصرخ هكذا ، ويوقظنا ؟
فرد جاك قائلاً : سيدي لقد لدغته حية .
ونهض مستر جوني ، وأسرع إلى الحارس ، الذي كان يتلوى على الأرض ، وقال : حاولوا أن تسعفوه .
ونظرت إلى الحارس ، ثم هززت رأسي ، وقلت : لا فائدة ، إنها حية الحنفش .
ورفعت عيني إلى مستر جوني ، وقلت سيموت خلال عشرين دقيقة .
وقفل مستر جوني ، عائداً إلى فراشه ، وهو يصيح : أسعفوه .
وتعقبت مستر جوني ، وأنا أقول : هذه الحية خطرة ، وغريبة ، تصور يا سيدي ، إنها بخلاف الأفاعي ، لا تبيض وإنما تلد.
واستلقى مستر جوني على فراشه ، دون أن يلتفت إلي ، وإن بدا عليه القلق ، وعدم الإرتياح .
ومات الحارس بعد عشرين دقيقة ، فتفرق القراصنة عنه ، وقد تملكهم الخوف . وتمددوا متحاشكين حول مستر جوني ، لعلهم ينامون .وجلست على مقربة منهم ، وقلت وكأنني أحدث نفسي : على المرء هنا ، أن يكون حذراً ، فالأفاعي كثيرة وخطرة .
وتململ القراصنة ، وتحاشكوا أكثر و أكثر ، فتابعت قائلاً : هناك ثعبان المامبا ، الذي يصير لونه أسود حين يكبر ، وحية الجابون ، يا للويل ، إن جسمها في غلظ ذراع مستر جوني ، ورأسها في مثل كبر حجم قبضته .
وتململ مستر جوني ، وزام منفعلاً ، فواصلت كلامي قائلاً : أما الثعبان الباصق ، فيمكنه قذف سمه لمسافة أمتار .
لكني لم أكتف ، بل واصلت كلامي : وهذا السم إذا دخل عين أي شخص أصابه بالعمى .
وصاح مستر جوني بصوته الأجش : أيها القزم العجوز ، قلت كفى ، دعنا ننم .
ولذت بالصمت ، فقد قلت كل ما أردت قوله . وأغمض القراصنة أعينهم ، لكنهم على ما يبدو لم يناموا ، وكيف ينامون ، وكل هذه الأفاعي ، تزحف في مخيلاتهم ، وتريد أن تلدغهم ؟










" 8 "

هب القراصنة ، عند الفجر ، متعبين ، عندما صاح بهم مستر جوني بصوته الأجش : أيها الكسالى ، كفى نوماً هيا انهضوا .
وبعد أن تناولنا شيئاً من الطعام ، التفت إلي مستر جوني ، وقال : أيها القزم العجوز ، لنواصل السير ، إن الكنز المقدس ينتظرنا .
وسرت في المقدمة ، وساروا ورائي ، الواحد بعد الآخر ، متعبين متعثرين ، دون أن يلتفتوا إلى النسانيس التي كانت تقطع الأوراق ، وتلقيها عليهم من أعالي الأشجار .
وقبيل منتصف النهار ، تهاوى أحد القراصنة على الأرض ، وحاول جهده أن ينهض ، ولكن دون جدوى . واقترب مستر جوني منه ، وحدق فيه ملياً ، ثم رفع عينيه الزرقاوين الملتهبتين إليّ ، وقال متسائلاً : ما الأمر ؟
وتأملت القرصان برهة ، ثم قلت : هذا مرض النوم يا سيدي .
وتراجع مستر جوني قليلاً ، وتمتم برعب : مرض النوم !
وعلى الفور ، تقهقر القراصنة ، وقد تملكهم الخوف . فتطلعت إليهم وقلت : هذه الغابة تعج بذبابة تسي تسي ، التي ما إن تلسع أحدهم ، وأحياناً دون أن يدري حتى يصاب بمرض النوم ، فينام .. إلى الأبد .
وجمد القراصنة مرعوبين ، وتململ مستر جوني ، ثم تطلع إلى القرصان المحتضر ، وقال : نم مطمئناً ، سنرسل حصتك من الكنز ، إلى أمك .
وتمتم القرصان بصوت متحشرج ، وجفناه ينطبقان شيئاً فشيئاً على عينيه المنطفئتين : ليست لي .. أم .. سيدي .
ولاذ مستر جوني بالصمت لحظة ، ثم دفعني أمامه ، وقال : هيا ، لقد تأخرنا ، لنواصل السير .
وواصلوا السير ورائي ، الواحد بعد الآخر ، بخطى متعبة ثقيلة ، وهم يهشون ذباب تسي تسي ، الذي لا وجود له أحياناً ، إلا في مخيلاتهم .
وتوقف مستر جوني ، وهو يلهث بشدة ، وقال : أيها القزم العجوز .
وأبطأت قليلاً ، وأجبته دون أن ألتفت إليه : نعم يا سيدي .
فقال بصوته الأجش المتحشرج : الكنز .. الكنز المقدس اللعين .. متى نصله ؟
وأجبته وأنا أواصل السير : صبراً يا سيدي ، سنصل ، حتماً سنصل .
ودمدم مستر جوني متذمراً ، وهو يسير ورائي ، شاقاً طريقه بصعوبة بين الأحراش المتشابكة . وسمعت جاك يتمتم بصوت لا يكاد يسمع : كم أخشى .. أن لا يصل أحد منّا .. هذا الكنز .



" 9 "

قضى مستر جوني ، ومساعده جاك ، وبقية القراصنة ، تلك الليلة ، على ما يبدو ، تحت وطأة كوابيس مستمرة . وكلما أغفى أحدهم ، فزّ مذعوراً ، كأنما كانت تطارده الأفاعي أو النمور أو التماسيح ، أو أفراد من قبيلة أقزام أعماق الغابة .
ونهض أحدهم ، عند الفجر ، ربما تحت تأثير تلك الكوابيس ، ومضى متعثراً نحو المستنقع القريب . وهززت رأسي ، دون أن أعتدل ، يا للجنون ، إنه لا يفرق ، في وضح النهار ، بين غصن شجرة معوج ، وأفعى قاتلة ، فكيف سيفرق ، في هذه العتمة ، بين جذع شجرة عائم ، وتمساح يتلهف إلى تناول وجبة دسمة ؟
وارتفعت صرخة من المستنقع القريب ، فهب الجميع على إثرها مذعورين ، وصاح مستر جوني بصوته الأجش : يا إلهي ، ما الأمر هذه المرة ؟
وتلفت جاك ، متفقداً ما تبقى من القراصنة ، وتساءل : أين جيمس ؟
وتطلع القراصنة ، على عجل ، بعضهم إلى البعض الآخر ، ثم قال واحد منهم : آوه .. جيمس .. غير موجود .
ونظر جاك إلى مستر جوني ، وقد اتسعت عيناه رعباً ، وقال : لعلهم أقزام ..
فقاطعته قائلاً : كلا ، إنه أحد التماسيح الجائعة .
والتفت مستر جوني إليّ ، فقلت : سيدي ، إن المستنقع القريب يعج بالتماسيح .
وكأنما أراد مستر جوني ، أن يبعد عنه شبح التماسيح ، فقد التفت إلى جاك وبقية القراصنة ، وصاح بصوته الأجش : الشمس تكاد تشرق ، هيا فلنواصل السير .
وواصلوا السير ورائي , دون أن يجرؤ أحد منهم على معارضته ، أو تنبيهه على الأقل ، بأنهم لم يتناولوا بعد طعام الإفطار .
وعند الضحى ، ندت دمدمة عنيفة ، من بين الأحراش القريبة ، فتوقف مستر جوني ، وتوقف معه مساعده جاك ، وبقية القراصنة . وتوقفت بدوري ، وأنصت لحظة ، ثم قلت بصوت يشي بالخطورة : يا إلهي إنه الغوريلا ، نعم ، الغوريلا .
وتململ القراصنة خائفين ، وفغر جاك فمه على سعته متمتماً : الغوريلا .
ونظرت إلى جاك ، وبقية القراصنة ، الواحد بعد الآخر ، وأنا أقول : إنه أخطر غوريلا على الإطلاق ، ويمكنه بضربة واحدة من قبضته ، أن يفتك برجل ، مهما كانت صلابته .
وقبل أن أنتهي من كلامي ، تراجع القراصنة مرتبكين مذعورين ، وهم يتأهبون للفرار ، وصاح أحدهم : يا ويلتنا ، سيفتك الغوريلا بنا .
وصاح الآخر : لا ، لا أريد أن يُفتك بي هنا .
وصاح ثالث ، وهو يطلق ساقيه للريح مع بقية القراصنة : فلنهرب ، ونعد إلى السفينة .
وأطلق مستر جوني عدة إطلاقات من بندقيته ، وهو يصيح بأعلى صوته : أيها الجبناء توقفوا .
لكن أحداً منهم لم يتوقف ، وسرعان ما غابوا بين الأشجار والأحراش المتكاثفة . وتقدم جاك من مستر جوني ، وقال : لا عليك يا سيدي ، سأبقى أنا معك حتى النهاية .
ولاذ مستر جوني بالصمت ، فنظرت إليه ، وقلت : اطمئن يا سيدي ، لن يصل أحد منهم إلى السفينة .














" 10 "

مالت الشمس للغروب ، دون أن نراها ، لكثافة الأشجار وارتفاعها . وخيمنا نحن الثلاثة ، مستر جوني ومساعده جاك وأنا ، في فسحة ضيقة ، خالية من الأعشاب . وأعد جاك طعام العشاء ، وأعطاني حصتي منه ، ثم جلس مع مستر جوني بعيداً عني .
وتظاهرت بالإنهماك في تناول الطعام ، ولاحظت جاك ، من طرف خفيّ ، يميل على مستر جوني ، ويهمس له : سيدي .
ودمدم مستر جوني بصوته الأجش ، وهو يلوك لقمة الطعام بدون شهية : نعم .
وتابع جاك قائلاً : ذلك القزم العجوز اللعين .
ورمقني مستر جوني بنظرة خاطفة ، وقال : ماله ؟
ورد جاك بصوت خافت ، يشي بالخطورة : ما ذا لو انتهز فرصة نومنا ، هذه الليلة ، وهرب ؟
وتوقف مستر جوني عن لوك لقمته ، وتطلع إليّ ثم قال : اللعنة.
واستطرد جاك قائلاً : عندئذ لن نستطيع ، لا أنا ولا أنت ، الخروج من هذه المتاهة القاتلة .
وتساءل مستر جوني ، وهو ينفض الطعام من يده : وما العمل؟
فرد جاك : نربطه .
وقال مستر جوني : نربطه !
فهز جاك رأسه ، وقال : نعم ، نربطه ، نربط يديه وقدميه ، وبذلك لا يستطيع الهرب .
وحدق مستر جوني فيه ، ثم قال بصوته الأجش : حسن ، اربطه ، لا أريد أن أهلك وسط هذه الغابة اللعينة .
ونهض جاك ، وهو يقول بصوته الهامس : سنخرج من الغابة ، ما دام القزم العجوز معنا ، سأربطه .
وأقبل جاك نحوي ، والحبل في يده ، وقال : هل انتهيت من تناول طعامك ؟
فنهضت واقفاً ، وقلت : نعم ، انتهيت .
ثم مددت يديّ المضمومتين إليه ، فنظر إليّ متردداً ، وقال : أنت تفهمني .
فأجبته قائلاً : فعلاً ، إنني أفهمك ، أنت خائف .
وبغضب مكتوم ، ربط يديّ ، وربط قدميّ ، ثم ألقاني على الأرض ، وقال : ابق هكذا ، ما دمت تفهمني .
وقفل عائداً إلى مستر جوني ، وقال : ربطته يا سيدي .
وتمدد مستر جوني ، وقال : هذا أفضل ، لن نبقى وحدنا ، في هذه الغابة اللعينة .
وهز جاك رأسه ، وقال : نعم سيدي ، لن نبقى وحدنا .
وصمت لحظة ، ثم قال : نم يا سيدي مطمئناً ، سأبقى أحرسك حتى الفجر .
وقبل أن يغمض مستر جوني عينيه ، تطلع إلى جاك ، وقال : أشكرك يا جاك ، لقد عرفت دوماً ، أنك وحدك ستبقى معي حتى النهاية .





















" 11 "

استيقظت على مستر جوني ، يصيح بصوته الأجش المتعب : جاك .
وفتحت عيني ، واذا مستر جوني يتلفت حوله منصتاً ، ثم يصيح بصوت أعلى : جاك ، جاك .
واعتدلت بصعوبة بالغة ، وهتفت به : سيدي .
والتفت مستر جوني إليّ متسائلاً : أين جاك ؟
وبدل أن أرد على تساؤله ، قلت : أرجوك ، حل وثاقي ، فهذا الحبل يكاد يشل يديّ وقدميّ .
ونهض مستر جوني متحاملاً على نفسه ، وراح يحل وثاقي ، وهو يقول : يا للعجب ، ترى أين مضى جاك ؟
ونهضت ، وأنا أفرك يديّ المخدرتين ، وقلت : أين يمكن أن يمضي يا سيدي ؟ ناده مرة أخرى .
ووقف مستر جوني بجسده الضخم المتعب ، وصاح بأعلى صوته ، وكأنه يطلب النجدة : جاك .. جاك .. جاك .
وأنصت ملياً ، لعل جاك يستجيب لندائه ، لكنه لم يسمع غير صدى صوته ، يتردد موحشاً بين جنبات الغابة : جاك .. جاك .. جاك .
واقترب مني ، واللهب يضطرب في عينيه الزرقاوين ، و قال و كأنما يحدث نفسه : أهي الأفعى .. أم الغوريلا .. أم التمساح .. أم أقزام أعماق الغابة .. أم .. .
و نظر إليّ ، وتساءل منهاراً : أم .. ماذا ؟
وتلفت حولي ، كي لا تلتقي عيني بعينيه ، وقلت : من يدري ، يا سيدي .
و ابتعد مستر جوني عني ، محاولاً أن يتمالك نفسه ، ثم قال بصوت أجش متحشرج : إنني جائع .
وأعددت شيئاً من الطعام ، دون أن أنبس بكلمة ، وقدمته له ، وقلت : تفضل .
وأخذ مستر جوني إناء الطعام ، محدقاً فيّ بعينيه الزرقاوين ، الذابلتي اللهب ، وراح يأكل ساهماً ، وبدون شهية . وتوقف عن تناول الطعام ، وقال : البارحة رأيت جاك في المنام .
و لاذ بالصمت لحظة ، ثم تابع قائلاً : كنا معاً ، عائدين إلى الوطن ، وقد حصلنا على الكنز ، وفجأة هبت عاصفة شديدة ، أطاحت بجاك بعيداً عني ، وسرعان ما غيبته الأمواج ، في أعماق البحر .
و ألقى مستر جوني إناء الطعام من يده ، وتطلع إليّ ، وقد التهبت عيناه الزرقاوان ، وقال بصوته الأجش : أيها القزم اللعين ، لو كنت تكذب عليّ ، سأمزقك ارباً ارباً ، وأرميك إلى الكلاب .
ورفعت عيني إليه ، وقلت في صوت هادئ : نحن وسط غابة آتوري ، وليس هنا كلاب على الإطلاق .
وحاول مستر جوني ، أن يتمالك نفسه ، دون جدوى ، وقال بصوت أجش متحشرج : هيا ، تقدم ، لا بد أن أجد ذلك الكنز المقدس .. اللعين .
وتقدمته صامتاً ، وسمعته يدب ورائي ، بخطواته الثقيلة المتعثرة ، وهو يدمدم حائراً : ليتني أعرف فقط ، أين ذهب .. جاك .


















" 12 "

سرت صامتاً فترة طويلة ، أنصت إلى مستر جوني ، يخب ورائي كالأعمى ، ويدمدم هاذياً ، وكأنه يعاني من حمى شديدة .
وتباطأت خطواته مدمدماً بصوته الأجش : القراصنة ، في كل بحار العالم ومحيطاته ، سيفخرون بي ، حين يرون بين يدي ، كنز غابة آتوري المقدس .
وحثّ خطاه في إثري ، وهو يقهقه قائلاً : سأفتح مدرسة للقراصنة ، أعلمهم فيها كل شيء ، وخاصة الجغرافية ، جغرافية البحار والمحيطات .
وتعثر ، ربما بجذع شجرة يابسة ، وكاد يتهاوى على الأرض ، لكنه استطاع أن يتماسك ، ويواصل سيره ، وهو يقول : سأحذرهم من مغادرة البحار والمحيطات ، والإبحار بأجسامهم الضخمة المكتضة بالشحوم ، في الأحراش والغابات ، وخاصة هذه الغابة ، غابة .. غابة .. يا لي من أحمق ، لقد نسيت اسمها ، آه تذكرت ، غابة آتوري نعم آتوري الممطرة و ..
وتعثر ثانية ، وثانية كاد يتهاوى على الأرض ، لكنه استند إلى إحدى الأشجار ، وتوقف لحظة ، ثم حثّ خطاه في أعقابي ، وهو يدمدم غاضباً : يكفيهم أن يواجهوا ، في البحار والمحيطات ، الحبار العملاق .. والأخطبوطات الضخمة .. وأسماك القرش .. والحيتان القاتلة و .. ، ما لهم و الأفاعي .. والتماسيح .. والنمور .. وذباب تسي تسي .. وأقزام أعماق الغابة ؟ يا لهم من ملاعين ، أقزام أعماق الغابة هؤلاء ، إنهم يأكلون القردة ، ليكن ، لكن عليهم أن يعلموا أن الرجل الأبيض ليس قرداً ، نعم ، ليس قرداً .
وتوقف مستر جوني ، ثم صاح بي : أيها القزم العجوز .
وتوقفت بدوري ، والتفت إليه قائلاً : نعم .
وحدق فيّ بعينيه الزرقاوين ، اللتين خبا اللهب فيهما تماماً ، وقال وهو يترنح : أريدك أن تصدقني .
فأجبته بصوت هادئ : لقد أصدقتك لكنك لم تصدقني .
واتسعت عيناه غضباً ، وقال : أتعني أن .. الكنز المقدس .. ؟
وهززت رأسي ، وقلت : الكنز لا وجود له .
ورفع مستر جوني بندقيته ، وسددها نحوي ، وقال في صوت أجش متحشرج : أيها القزم اللعين .. قلت سأقتلك .. وسأقتلك .
وحدقت فيه ، دون أن أتحرك من مكاني ، وقلت بصوت هادئ ثابت : أنت تعرف ، أنك إذا قتلتني ، فلن تستطيع الخروج من هذه الغابة .
ووضع اصبعه على الزناد ، وقال من بين أسنانه : أيها اللعين ، هذا فخ أوقعتني فيه ، لكن هيهات ، ستدفع الثمن .. فوراً .
وهنا ، ارتفعت صيحة كالرعد ، فوثب إلى الوراء صارخاً : النمر .
وانقض نمر ضخم ، من بين أغصان شجرة قريبة ، فوثبت ثانية ، وأطلقت ساقيّ للريح ، متوغلاً بسرعة البرق ، في أجمة من الأشجار الكثيفة ، وتناهى إلي ، وأنا أركض مبتعداً ، صوت اطلاقة واحدة ، ساد الغابة بعدها صمت غامض مريب .
ومضيت قدماً ، عائداً إلى المعسكر ، وابنتي وحمامتي الصغيرة وأفراد قبيلتي ، يلوحون أمام ناظري آمنين مطمئنين .
ترى ماذا حدث لمستر جوني ؟ هذا ما لم أعرفه ، أويعرفه أحد غيري .
ومنذ الأيام الأولبى وحتى الآن ، وقد مرت سنين عديدة ، راح الكثيرون من أفراد قبائل غابة آتوري ، يتحدثون عن شبح رجل ، كث اللحية ، ضخم الجسم ، يشاهد ليلاً بين الأشجار ، يبحث دون جدوى ، عن منفذ للخروج من الغابة .



30/ 9 / 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-