الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذاكرة الفلسطينية في كتاب -الذاكرة الحية- أحمد صالح جربوني

رائد الحواري

2023 / 1 / 8
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


الذاكرة الفلسطينية في كتاب
"الذاكرة الحية"
أحمد صالح جربوني
أجمل هدية كتاب، من الكتب التي أهداني إيها الصديق فؤاد نقارة رئيس نادي حيفا الثقافي، فكان "الذاكرة الحية" حياة جديدة قدمتنا من أصالتنا ورفعتنا إلى ما كان فيه من وفاء وعطاء ونبل.
دائما كنا نقول: يجب على الجيل القديم أن يكتب التاريخ، أن يكتب سيرته، مذكراته، يكتب ما جرى من أحداث، وهذا ليس من باب الترف بقدر حفظ الحقائق وتبيان حجم الظلم الذي وقع علينا، إن كان من قبل المحتل أو من قبل النظام الرسمي العربي، من هنا تأتي أهمية كتابة المذكرات، المشاهدات، الانطباعات التاريخية.
في هذا الكتاب نجد وقائع تاريخية حدثت في فلسطين منذ أيام عمر الظاهر الذي أقام أول دولة فلسطينية معاصرة وحتى عام 2015، حينما تحدث الكاتب عن رحلته إلى مصر: "عربي في مصر العروبة" وهذه الفترة طويلة، لكن طريقة تقديم الكتاب الذي جاء على شكل انطباعات شخصية، والتي كانت أقرب إلى الحديث الأجداد عما مروا به، جعل تناول الكتاب سهل وممتع للقارئ.
فالكتاب يقرأ في جلسة واحدة، وهذا كاف لإعطاء صورة وافية عن القيمة المعرفية، وعن القيمة الأدبية التي صيغ بها، فهناك 30 باب في الكتاب، موزعة على 220 صفحة، وهذا سهل على القارئ التعرف على كافة المحطات التي تناولها الكاتب، خاصة إذا علمنا أن تلك المحطات لم تأتي بطريقة التسلسل التاريخي، وإنما جاءت من خلال التقدم والتراجع.
كما أن مواضيع الكتاب لم تأتي بمجملها كسرد للتاريخ، فهناك أحداث كانت أقرب إلى الحكاية الشعبية كما هو الحال في "هذا الشبل ..من ذاك الأسد، أبو منصور خيال الحمر.. وراعي النخوة، خالد المعجل أمير عشير .. وصاحب وصية"، ومنها من جاء على شكل مقاربة تاريخية سياسية "عربي في مصر العروبة"، ومنها من جاء كمذكرات أدبية "راشد حسين في الذاكرة" كل هذا يجعل الكتاب سهلة التناول.
سنحاول التوقف قليلا عند بعض ما جاء في الكتاب ونبدأ بالعهد التركي وكيف تعاملت الدولة العثمانية مع أهل فلسطين: "كان جابي العشر يقوم بجولته على يبادر القمح كل عام لتقديرها وفرض الضريبة على أصحابها، وغالبا ما كانت تقديراته عالية جدا وظالمة" ص21، هذا على صعيد الظلم الاقتصادي، أما عن القمع الاجتماعي والسياسي فيقول: "...أخذ الأهل يعانون من ظلم الجزار، حتى أيقنوا أن اسمه يطابق صفاته وعمله، فما كان أهون عليه من إصدار أحكام الإعدام الكثيرة والمتعددة بحق أنصار الزيادنة وحلفائهم" ص40،
وعن فترة الانتداب الإنجليزي على فلسطين، فهناك حداثة مهمة تتناول الأخلاق الفلسطينية، فبعد أن تم أسر أحد الجنود الإنجليز، رفض قائد الفصيل إعدام الجندي: " ليس من عادتنا قتل الأسرى، لا في الماضي البعيد ولا في الحاضر، كما أن ديننا الحنيف يمنع ذلك" ص52، هذا على صعيد التعامل مع الأعداء، أما على صعيد التعامل مع الأخوة والأصدقاء، يحدثنا عن "عبد الله الحجيري" الذي قاوم ورفاقه الإنجليز، وكيف فرضت عليه دولة الاحتلال الإقامة الجبرية حتى عام 1972، وبعد أن سمح له بالتنقل: "مر بالقرب من منازل عشيرة القديرات التي شردتها رياح النكبة مع أميرها خالد المعجل، فطلب من ابنه أن يوقف السيارة وينتظره بعض الوقت لأن عليه واجبا، وكما حدثني الأبن قال: "استغربت ذلك وسألته: وما هو هذا الواجب يا والدي؟
"زيارة أخوتي وأحبائي النازلين في المنطقة" وأشار بيده إلى أرض النويرية حيث دارت المعركة.
...ـ أذهب معك
ـ لا .. لا يا ولدي ما في حاجة، ظلك عند السيارة، بعدين عايز أكون وحدي عندهم في زيارتهم" ص59، هذا الوفاء للشهداء ليؤكد تشبث الفلسطيني بماضيه، برفاقه، بأصالته التي تسبر معه وكأنها ظله.
وعندما يتحدث "عبدالله الحجيري" عن ثورة 36 وما أحدثته من أثر: " ثورة عربية سبقت الزمن، فانطلقت قبل موعدها في ظروف صعبة جدا، لم يشهد التاريخ مثيلا لها.. لظروفها، لم يكن لمقاتليها ذخائر كافية، وسلاحهم بنادق قديمة.. بلا تموين ولا إسعاف ميداني، كل رجالها وقيادتها كانوا آية في العطاء والوفاء" ص60و61، هذا الحديث يدفع بالمتلقي للتعرف أكثر على الثورة، من خلال قراءة ما كتب عنها من مطبوعات وشهادات، فكان سلوك "الحجيري" وحديثه المشوق عنها مفتاح ليتقدم المتلقي من التعرف أكثر على تلك الظاهرة النبيلة والفريدة.
ولم يقتصر الوفاء على مقاتلي الثورة فحسب، بل امتد إلى الشعراء أيضا، يحدثنا عن الشاعر "الريناوي" الذي تأخر عن الاجتماع بسبب: "اعذروني تأخرت لأني كنت في زيارة أخي وصديقي شاعر الثورة نوح إبراهيم، حيث يرقد بين أهله في طميرة المضيافة، أنه زميل ورفيق كفاح، وواجبي أن أزوره.
كان الريناوي يومها وكما قال في ال96 من العمر" ص64و65، هذا المشهد يؤكد الأخلاق الفلسطينية، فالإنسانية التي يتمتع بها تعطيه سمة الوفاء للأرض وللشعب، فإذا كان وفيا للأموات، فكيف سيكون عليه الحال مع الأحياء؟.
فالكاتب من خلال تركيزه على هذا السلوك يردنا نحن المتلقين أن نتماثل مع أصالتنا الكامنة بهؤلاء الأوفياء، وأن نكون على نهجهم وطريقتهم في الحياة.
كاتب ربط الأدب بمقاومة الاحتلال في "كفر مندا تمرد الشيخ والعكاز والحجر" حيث تحدث الكاتب عن "محمود عبد الحليم" الذي رفض أن أخلاء أرضه للاحتلال: "ذهب ومعه أوري إلى منزل الحاج محمود عبد الرحيم محاولين إقناعه، ولما رفض وبشدة أطلق النار شويلي من مسدسه في الهواء بشكل متواصل لإرهاب الشيخ، بعد أن صوب سلاحه إلى الحاج فما كان منه إلا أن فتح صدره ثم دق الأرض بعكازته متمردا، وهو يقول أضرب أقتل ما نطلع من بلدنا وفيا روح.
اضطر أوري وشويلي مغادرة بيت الحاج محمود بعد أن اقتحمه عشرات الرجال والشيوخ للدفاع عنه خاصة عندما شاهدوا قوات الشرطة تتراجع أمام هجوم الشباب، وقد استبسلوا في الدفاع عن بلدهم وشيخيهم" ص175، هذا الحدث دفع الشاعر راشد حسين إلى تدوين الحدث وكتابة:
" سنفهم الصخر إن لم يفهم البشر أن الشعوب إذا هبت ستنتصر
مهما صنعتم من النيران تخمدها ألم تروا أننا من لفحا سمر؟
إذا قضيتم على الثوار كلهم تمرد الشيخ والعكاز والحجر" ص177، اللافت في ها المقطع أن الكاتب يقرن الأحداث بالأدب، وكأنه يقول: أن الأدب الفلسطيني مُدون للأحداث وللمقاومة ومرتبط بها، وأن أي أبداع ما هو إلا نتيجة واقع حقيقي تم صياغته بصورة أدبية.
عبد الناصر له أثر وفضل على العرب جميعا، لهذا نجده حاضرا في العديد من الأعمال الأدبية، فما بالنا عندما يكون الكتاب متعلق بالتاريخ؟.
يتناول الكاتب عبد الناصر ويقارنه بخلفه السادات وحسني مبارك، وكيف أن ما بناه هدمه السادات ومبارك: "عن توزيع الأراضي التي قام بها قام عبد الناصر أواخر الخمسينيات بعد الصيحة التي أطلقتها الثورة "من أين لك هذا" قال محدثي: عادت الأراضي لأصحابها الإقطاعيين أيام السادات لأن هدفه كان ضرب إنجازات الثورة، وتوالت عمليات نهب الأراضي وإلا كيف امتلك يوسف والي الفي فدان" ص184، هذا على صيد الأرض والفلاحين، أما على صعيد الصناعة والعمال: " كنت أعمل في شركة حواسيب للدولة "قطاع عام" باعوها لرجل أعمال مصري عام 1976، فحولها لشركة ملابس بعد أن فصل جميع العمال، أما أتعابي وأتعاب 260 عاملا وموظفا راحت أدراج الرياح ولا نعرف أين تسربت" ص192و193، وهذا ما يوكد انقلاب السادات ومبارك على الثورة الناصرية وإنجازاتها، فتم تدمير كل مصر من قبل السادات وخلفه وتطويع شعبها بطريقة ممنهجة حتى وصلت إلى الحضيض.
أما عن تناول عبد الناصر أدبيا، فيستشهد الكاتب بقصيدة كتبها نزار قباني جاء فيها: "لماذا قبلت المجيء إلينا
ومثلك كان كثيرا علينا" ص190، وهنا مرة أخرى يربط الكاتب الأدب الأحداث، موجها القارئ ـ بطريقة غير مباشرة ـ إلى الاطلاع والتقدم من الأدب.


الكتاب صدر عام 2020.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي