الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشرق شرق والغرب غرب وبينهما أمم متشابهات

مجدى عبد الحميد السيد
كاتب متخصص فى شئون العولمة والتكنولوجيا

(Magdy Abdel Hamid Elsayed)

2023 / 1 / 8
العولمة وتطورات العالم المعاصر


حين سافر رفاعة الطهطاوى إلى فرنسا تغيرت نظرته للعالم حيث وجد حرية وإنسانية لم يعهدها فى الشرق ومع التطور الإنسانى وجد أيضا تطورا علميا وصناعيا وزراعيا وعسكريا ، والغريب من الناحية العلمية بالفعل هو تأثر العلم خلال القرن التاسع عشر والقرن العشرين بطبيعة الفلسفة والقيم المنتشرة فى البلدان الأوروبية الرائدة مثل انجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ، فبرغم تداخل تلك المفاهيم بينهم خلال القرنين الماضيين إلا ان انجلترا كانت علومها تتأثر بالتجريبية العملية التطبيقية النفعية التى تقبل بالمعارضين والمخالفين فى سبيل المنفعة بينما كانت فرنسا تميل ناحية الحرية والإنسانية والتأثر السياسى الذى جعل من السهل إعدام "أبو الكيمياء" لافوازييه لمواقفه السياسية أثناء الثورة الفرنسية ، أما ألمانيا فكانت تميل إلى العقل المغلف بالغلظة والتكبر الذى يجعل العقل فوق الكل والقوة هى قوة الإنسان فلا مكان للضعيف ولا غير المنتج فكانت ألمانيا هى أم التطورات العلمية الحديثة فى الفيزياء والكيمياء والهندسة ، وتأثرت إيطاليا بالنزعة الفنية المغلفة بالتدين الخاص بها فكانت تميل للكلام النظرى والفن حتى فى العلم الذى يجعل هناك فن العلم وعلم الفن. وعند النظر إلى فرنسا التى زارتها أول البعثات المصرية الحديثة وأثر فلاسفتها مطلع القرن التاسع عشر فى فكر محمد على حاكم مصر فقد ضمت كل معارف وخبرات العالم منذ منتصف القرن الثامن عشر فى محاولة جبارة لإخراج الإنسان من منطقة التخلف إلى منطقة الحرية استفادت منها الثورة الامريكية والعديد من دول العالم. ومع الحرية العقلية الفكرية تغير وجه العالم وخرج من عباءة الدين الكهنوتى (المسيحى فى أوروبا) إلى طريق أرحب من الفكر العقلى العلمى الفلسفى الذى اتضح فى ألمانيا وأنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة ، وبالتالى عندما زار توفيق الحكيم فرنسا منذ حوالى مائة عام وجد فيها فكرا يخالف ما يتبناه الشرق فى فكره ، فطريق العقل والمنطق والعلم والفلسفة الفرنسى لا يتفق مع الفكر الإيمانى الروحانى الذى تتبناه شعوب الشرق من الهند إلى المغرب التى تجعل الحياة نفسها مجرد جزء زمنى صغير من تاريخ الإنسان الممتد بين مالانهاية قبل خلقه ومالانهاية بعد موته ومن هنا تؤمن معظم شعوب الشرق بالمقدسات إيمانا يكاد يكون يقينيا بلا أى أدلة علمية أو عقلية منطقية عبر تاريخ عميق يمتد لآلاف السنين فى الهند ومصر وإيران والعراق والشام .
لقد توصل توفيق الحكيم إلى أن المقارنة ظالمة بين الشرق الروحانى والغرب العقلانى وتمنى وجود طريق وسط بينهما لا تخضع فيه شعوب الشرق للروحانية الكاملة ولا العقلانية الكاملة ، ولذلك كتب قصة مثل "أهل الكهف" حيث تصور أنه يمكن أن نقوم نحن أيضا باختراع تفسيرات أدبية لقصص مقدسة مثل قصة أهل الكهف فى القرآن الكريم ، والغريب أن العقل المصرى الصاعد منذ تسعين عاما قبل ذلك ولم يعترض.
وإذا تصورنا أن هناك شرق وهناك غرب فقط فقد يؤدى ذلك إلى تصور ضيق للحياة لإن هناك أمم متشابهات جعلت الأخلاق والمجتمع طريقا ثالثا فى منطقة الشرق الأدنى تهتم فيه شعوب الصين واليابان والكثير من دول شرق آسيا بالمعاملات الحياتية بين البشر على طريقة كونفشيوس ولاوتسى وبوذيستافا (أحد أتباع بوذا فى الصين) وهو طريق يجعل محور الحياة هو الإنسان نفسه والمجتمع لا قبل ولا بعد ، وحتى إن كان هناك قبل أو بعد فهو مرصود أيضا عبر التناسخ وينتهى إلى اللامعلوم.
إن العولمة الحديثة جعلت من تأثر الثقافات (وبالتالى المعتقدات والأديان) ببعضها تاثرا كبيرا ، بل إنها أخذت معها الكثير من الأديان إلى طريق تغيير المسار عبر التفسيرات والمقارنات ومحاولة "عقلنة" الأديان والمعتقدات وهو ما تقابله الشعوب بتأثر مجتمعى شديد نلمسه الآن فى محاولة النيل من رجال الدين المسيحى والإسلامى ومحاولة زلزلة عروشهم المقدسة والانقسام ما بين مؤيد ومعارض فى أى قضية دينية أو ثقافية.
إنها مرحلة انتقالية للعقل البشرى قد تستمر حتى نهاية القرن الحادى والعشرين وربما يتغير الفكر البشرى بعدها تماما بما لا يمكن تصوره الآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحرر الروحانية من التدين سيفتح الطريق
د. لبيب سلطان ( 2023 / 1 / 9 - 14:10 )
استاذنا العزيز
شكرا على مقالتكم الغنية
اني ارى ان الروحانية في الحضارة جانب مهم لاغنائها وهي عكس التدين الذي يقف ضدها واعتقد ان الروحانية هي من سيجمع الشرق والغرب معا وذلك بعد تحرر الشرق من التدين الى العقلانية عندها سيتمكن من اغناء الغرب المتعطش لها، واضرب لكم مثلا عن ذلك ان مفكرا روحانيا واحدا مثل الهندي اوشو قد وصل عدد كتبه التي بيعت خلال عشرة سنين بين عامي ٢-;-٠-;-٠-;-٠-;- الى ٢-;-٠-;-١-;-٠-;- الى قرابة عشرة ملايين في امريكا وحدها ، ومنه التعطش لها
المشكلة هي ان الغرب يتقبل الثقافة الروحانية الشرقية ولكن الشرق لايقبل العقلانية الغربية ومتى ما يتم القبول بها ستصبح الحضارة قائمة على جناحين وندخل في عالم جديد اكثر غناء مما نعرفه اليوم
مع التقدير


2 - رأى
على سالم ( 2023 / 1 / 9 - 15:00 )
السيد الكاتب المحترم , مقالك اكيد قوى ورائع ويشحذ العقل على التأمل والتفكر فى أمر هذا الوجود الغامض المحير

اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة