الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أضواء /قسم 111

احمد الحمد المندلاوي

2023 / 1 / 10
دراسات وابحاث قانونية


# شهيد المحراب(قدس سره) و التعليم العالي و البحث العلمي
كلمة آية الله شهيد المحراب آية الله السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)
في ندوة (التعليم العالي و البحث العلمي في العراق – الواقع و آفاق المستقبل) التي أقامها المركز الوثائقي لحقوق الانسان في العراق عام 1995م ،و في المهجر،و كانت الندوة المذكورة برعاية سماحته (قدس سره)،و هذا نص كلمته.
بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
قال الله سبحانه وتعالى :(يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) . في البداية أود أن اشكر السادة الأفاضل من المركز الوثائقي لحقوق الإنسان في العراق على الاعداد لهذه الندوة وكذلك السادة الأفاضل الذين دعوني للمشاركة في اعمالها . سوف احاول ان اضع حديثي في مجموعة من النقاط بشكل مختصر دون الاستفاضة حرصاً على الوقت فقد علمت بأنه محدود .
النقطة الأولى تتمثل في رؤية الاسلام للعلم والعلماء ودورهم في الحياة الانسانية من خلال القرآن الكريم ،حيث نجد انها حقيقة كونية ثابتة ولها قيمة حقيقية وليس شأنها شأن الحياة الدنيا التي يوصفها القرآن الكريم بأنها لهو ولعب . بل ان العلم شيء ثابت وباق لذلك ميز الله العلماء من غيرهم حين قال: " هل يستوي الذي يعلمون والذين لايعلمون) . ان شأن العلم في ذلك هو شأن الايمان بالله والجهاد في سبيله له قيمة حقيقة تعبر عن شرف وكرامة العلماء الذين يتصفون بهذه الصفة وهم في نفس الوقت يتحملون مسؤولية كبيرة في استخدام هذه القيمة والميزة التي شرفهم بها الله سبحانه وتعالى في سبيل خير الانسانية وفي سبيل الوصول الى الاهداف الانسانية المقدسة . من هنا نجد ان الائمة الاطهار عليه السلام وخصوصا الامام علي عليه السلام فيما روي عنه من كلام يؤكد ان الله سبحانه وتعالى اخذ على العلماء ان لا يقاروا على كضة ظالم ولا سغب مظلوم وهو الذي قال :
(والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو لا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما اخذ الله على العلماء بالا يقاروا على كضة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت اخرها بكأس اولها ولألفيتم دنياكم هذه عندي أزهد من عفطة عنز . هذه هي قيمة الدنيا عند الامام علي عليه السلام ولكن المسألة هي المسؤولية . وهذا الامر يحتاج الى ان نؤكده دائما في ثقافتنا وفهمنا للحياة ولحركة هذه الحياة و ايضا وفي نفس الوقت لابد من ان نستشعره في انفسنا واقصد بذلك العلماء عليهم ان يتحملوا هذه المسؤولية وان يستشعروا في انفسهم ونجعل من ذلك في تصوري احد المقاييس الرئيسية التي نميز فيها العلماء بعضهم عن البعض الاخر . فكما نميزهم في درجة العلم والمعرفة والوصول الى الله تعالى والخشية من الله تعالى ، ايضا نميزهم من خلال استشعار العالم للمسؤولية وتحمله لها وتصديه للقيام بمقتضياتها وتبعياتها وتداعياتها . هذه قضية مهمة وذات صلة رئيسية بالموضوع الاساسي لهذه الندوة .
النقطة الأخرى التي اود التطرق اليها هي موقف النظام الحاكم في العراق من هذا المبدأ . نحن لاحظنا ان نظام صدام ونظام العفالقة عندما جاء للعراق تصدى اولا ما تصدى في مجمل حركته المعادية للعراق والشعب العراقي للمركز العلمي الأم ، للاصل الموجود في العراق وهو الحوزة العلمية . نحن نعرف في التاريخ الاسلامي ان الحوزات العلمية كانت تشكل المركز العلمي للمجتمع بشكل عام . فقد كانت العلوم سابقا متداخلة مع بعضها البعض . فما يسمى بالعلوم الدينية والانسانية والطبيعية كلها تجتمع في المراكز العلمية الموحدة . فجامعة الامام الصادق (ع) التي تعتبر قدوة كانت ذات هيئة متكاملة تهتم بالعلوم الدينية كما تهتم بالعلوم الطبيعية الاخرى كالكيمياء والطب . كما اننا نجد في تاريخنا علماء يجمعون بين العلوم الدينية والطبيعية .
وهذا الامر في الحقيقة يمثل جذرا تاريخيا بالنسبة للحوزات العلمية . والى عهود متأخرة فان الحوزات كانت تمارس ناشطات في العلوم الطبيعية مثل علم الهيئة والكيمياء وغيرها . هذه الحوزات التي تمثل المراكز الام تعرضت في العهود المتأخرة الى الانقسام بسبب مجمل الظروف السياسية والاجتماعية التي مرت بها بلداننا . حيث بدأت الحوزات تركز اكثر فاكثر على العلوم الدينية والشرعية وتحولت العلوم الاخرى للمراكز العلمية التابعة للدولة او المؤسسات شبه الرسمية . وتبقى الحوزة الاصل والام وهي تمثل امتدادا لرؤية الاسلام للعلم ومسؤولية العلماء تجاه المجتمعات الانسانية واستمرت الحوزة وعلماؤها في تحمل مسؤولياتها الاجتماعية بالاضافة الى العلمية . لذلك وجدنا ان اول مركز علمي يتعرض للاضطهاد والقمع والعدوان والتشريد هو الحوزة العلمية في النجف الاشرف . ان هذا الامر يعطينا تصورا واضحا على موقف نظام العفالقة المجرم تجاه العلم والعلماء . فمنذ البداية كان موقفهم عدوانيا واضح المعالم . انه لم يكن موقفا سلبيا او موقف اهمال وعدم اهتمام بل كان موقف عداء من العلم والعلماء وهذا ليس غريبا على نظام العفالقة لانه في واقعه عدو لكل الشعب العراقي وكل مقوماته . هذه قضية يجب ان تبحث وتدون حقائقها بشكل مفصل . اننا نجد من خلال متابعتنا لواقع النظام ان صدام ليس عدوا لمجموعة معينة من شعب العراق سواء كانت الشيعة او الاكراد بل هو عدو لكل الشعب دون استثناء . نعم يمكن القول ان هناك طبقات اكثر محرومية واضعف في مقام المواجهة تعرضت الى المزيد من الاضطهاد والمطاردة ولكن ذلك جزء من موقف اصلي هو الموقف العدائي تجاه الشعب العراقي وجميع مقدراته . اذا اردنا ان ننظر الى مجمل طاقات الشعب العراقي نجد ان النظام قد قام بعمل عدائي تجاهها بدون استثناء كالحرب الشعواء التي شنها ضد القيم والمثل والاخلاق والبنى الفكرية والاجتماعية . اما اذا نظرنا الى الاقتصاد فاننا نراه قد دمر تماما وبددت الاموال الهائلة من بلد لعله من افضل بلدان المنطقة واغناها من الناحية الاقتصادية اذا نظرنا الى موارده المتعددة نسبة الى عدد سكانه . يتبع في الحلقة القادمة ان شاء الله تعالى
اننا نجد ان هذا البلد قد تحول الى افقر بلد في المنطقة بل من البلدان الفقيرة النادرة في العالم كله . اما فيما يخص الجانب العلمي فنجد ان النظام لم يفشل فقط في تطوير هذا القطاع بل نجد انه بالاضافة الى اضطهاد العلماء يسود التدني واسع النطاق للمستوى العلمي وفرار العديد من العقول والعلماء والدارسين بشكل كبير بنحو يؤثر تأثيرا حادا على مجمل الاحوال العلمية في بلدنا العزيز . وكمثال يمكن الاشارة الى الحوزة العلمية في النجف التي كانت اكبر حوزة في عالمنا الاسلامي على الاطلاق من حيث كل المقومات الاساسية الموجودة فيها .
فقد كانت تضم في زمن الامام الحكيم قدس سره الشريف سبعة الاف مجتهد وعالم وطالب وباحث ولم تكن هناك حوزة تضم هذا العدد . بالاضافة الى ذلك فانها كانت في حالة علمية متطورة جدا . اما عندما حلت كارثة العفالقة على العراق فقد تراجع عدد أعضاء الحوزة الى اقل من ألف كما تراجع مستواها العلمي نوعيا وبشكل كبير .
ومن اجل توضيح الصورة نضع مقارنه بينها وبين حوزة قم المقدسة حيث نجد ان حوزة قم كانت تضم ما يقرب من خمسة الاف عضو بين باحث ودارس كما انها لم تكن بالمستوى النوعي المتطور لحوزة النجف . اما الان فحوزة قم تضم خمسة وثلاثين الف عضو بالاضافة الى انها تطورت تطورا نوعيا كبيرا . فلو افترضنا ان حوزة النجف استمرت بنفس الوتيرة وبنفس اسلوب التطور فأنه كان من الممكن ان تضم الان اكثر من خمسين الف عضو . ان هذا النموذج يبين لنا الصورة التي انتهى اليها الوضع العلمي والاكاديمي في العراق بسبب ما صنعه النظام في هذه المؤسسات . ان نفس المقياس يمكن ان يطبق على كثير من المؤسسات العلمية و الاكاديمية في الكليات و الجامعات لقد اقدم النظام على غلق جامعة الكوفة و كل الكليات و الجامعات الدينية مثل كلية الفقه وكلية اصول الدين والدراسات الاسلامية وكلية الامام الاعظم . لقد كانت هذه الكليات مرشحة لان تتحول الى جامعة دينية كبيرة لما كانت تمتلكه من مقومات علمية واقتصادية . لقد اغلقت هذه الكليات ودمجت في كليات اخرى وانتهى وجودها . علما بانه كانت هناك امكانية لنشوء كليات اخرى في تلك الفترة .
اننا بحاجة ماسة جدا لاستخدام هذا النوع من الحقائق الرقمية لتشخيص عداء النظام للعلم والعلماء بشكل دقيق . ان النظام يتحدث بشكل وقح مع الناس ويتبجح بأن ثورته طورت الاوضاع في العراق وان العراقيين كانوا حفاة واميين وان كل التقدم الذي حدث هو من نتاج الثورة كما نسمع دائما من شخص رئيس النظام نفسه الذي يتحدث بوضوح وبهذا الاسلوب مع الناس . نحن نحتاج الى ان نقدم ارقاما واضحة تدعم تلك الحقائق في مواجهة هذا التبجح .
اود الان ان انتقل الى نقطة اخرى مرتبطة بما يسمى بحقوق الانسان او القضايا السياسية الاخلاقية . فهناك مجموعة من القضايا الرئيسة المهمة التي جاء بها الاسلام واكدها في مسيرته واستفادت الشعوب والعالم في مختلف الاجيال والعصور من النظرية الاسلامية ولكن مع الاسف بوجود هذه الانظمة الاستبدادية القمعية فان الناس في عالمنا اصبحوا بعيدين عن تلك القيم السامية . اننا نحتاج الى ترسيخ هذه المفاهيم في عقول الناس وفي مقدمتها قضايا الحرية الفكرية والسياسية فهذه القضايا الرئيسية تحتاج الى ان نربي الشعوب عليها ليس لدرجة ان يمارسوها في حياتهم فحسب بل الى درجة ان يصبحوا قادرين على الدفاع عنها وان يناضلوا ويجاهدوا من اجل ان تكون سائدة في حياتنا ان افضل من يقوم بهذه المهمة هم العلماء في مجمل سلوكهم .حيث ان من صميم عملهم ممارسة عملية الحرية الفكرية وهذا النوع من الاخلاقية في التعامل مع الافكار والنظريات والتعدديات يجعل باستطاعتهم ترسيخ هذه الافكار في المجتمع . يجب ترسيخ احترام الانسان ، دمه، و ماله، وكرامته وعرضه . هذه قضية من القضايا المهمة الرئيسية التي نحتاج الى تعميقها في سلوك مجتمعاتنا . ان هذه القيم قد دمرها النظام من مجتمعنا حيث اصبح الانسان غير محترم وماله غير محترم وعمت الفوضى الاجتماعية حيث يعتدي النظام على الحرمات كلها بينما المفروض به ان يحافظ رأس الهرم الاجتماعي بشكل واسع على هذه القيم . هكذا نجد انه حينما تتم عملية استباحة مدينة من المدن كنتيجة للاحتلال من قبل النظام يتجرأ الناس وبتحريض منه على نهب الاموال وسلب الممتلكات بنفس راضية وكأنه لايفعل شيئا . رغم اننا شعب مسلم وقد ركز الاسلام وبقية الرسالات بعمق على هذه القضية حيث يؤكد القرآن الكريم عليها فيقول : " من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكانما قتل الناس جميعا ومن احياها فكأنما احيا الناس جمعيا) . هذه قيمة الانسان ودمه ونفسه . ان صدام مستعد ان يقتل انسانا وكأنه يشرب الماء ومثله جلاوزته وهو يحاول ان يربى الناس على هذا السلوك الشائن . اننا نراه يأمر الاب بقتل ولده ويكسر كل القيم والروابط بين الاثنين ويصبح الدم ماءا .
ان تربية الناس على المثل غاية سامية مرتبطة بمجمل حركتنا السياسية التي يجب الاهتمام بها بشكل كبير ويتحمل العلماء مسؤوليتها . اخيرا اود ان أنتقد الواقع المزري للحالة العلمية في العراق . فتعرفون ان النظام قام بضرب المؤسسات العلمية وتشتيتها وادى ذلك الى حالة من الفوضى . ان قدراتنا التي نواجه بها النظام تتمثل في مجموعة من العناصر السياسية والجهادية والاقتصادية والحوزات العلمية التي تشكل مفردة مهمة . اننا نحتاج الى تنظيم هذه القوى وفي مقدمتها القوى العلمية وهو موضوع طرح سابقا وقد يكون ذلك في الدورة الثالثة للمجلس الاعلى حيث شكلت جمعية لذوي الكفاءات ووضع نظامها ولكنها لم تأخذ طريقها للتنفيذ وتوقف العمل . نحن نحتاج اليوم الى فكرة مثل هذه خصوصا وانه قد تم اقرارها سابقا . فاذا لم تسمح الظروف سابقا لبلورتها واقعيا فنحن بالتأكيد بحاجة اليها اليوم اكثر من السابق . لقد كانت المراحل السابقة هي مرحلة تعبئة الامة ضد النظام وجعلها في صف واحد لتحقيق هذه الغاية المرحلية . ونستطيع القول الى حد ما ان هذا الهدف قد تحقق وان الامة الان معبئة بشكل جيد ضد النظام وكان للقوى الاسلامية الدور الاساس في ذلك . والان بعد هذه المرحلة نحتاج الى عملية بناء واسع تقوم على اسس مدروسة وبينة ويكون البناء قادرا على الاستمرار في المواجهة مهما طالت . ان مواجهتنا غير محدودة بعمر صدام الذي قد ينتهي غدا او بعد غدا ان شاء الله . ان التخريب الواسع الذي تركه النظام يحتاج الى عملية بناء واسع والى جهود خلاقة لاعادة الاوضاع الى طبيعتها ولابد من البدء في هذا الموضوع من الان والاهتمام بهذا الجانب المهم يمثل من الاولويات درجة مهمة . لا اقول ان له الدرجة الاولى ، فأنه ياتي بعد العمل الجهادي في المرتبة الثانية . لذلك فعلى الاخوان الذين اخذوا على عاتقهم مسؤولية هذا العمل ان يضعوا في اعتبارهم التوجه الى تعبئة الطاقات الكبيرة الموجودة في المهجر . وانني اؤكد هنا انه بحسب تجربتي وفهمي للعلاقات الموجودة في هذه الاوساط فانها مستعدة للتجاوب مع هذه الفكرة والمساهمة الى حد كبير للوصول الى هذه الاهداف .
اود في الختام ان اشكر كافة الاخوان وخصوصا الاخوان القائمين على هذه الندوة وان يوفقكم الله الى السداد وان يتقبل اعمالكم بافضل قبول ويحقق لكم النصر على اعدائكم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين والسلام عليكم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تجهض عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدة.. مالذي يعني


.. عائلات الأسرى الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب ويطالبون بالإ




.. States must intensify their efforts to combat climate change


.. شبكات | اعتقال وفصل موظفين من غوغل احتجوا على مشروع نيمبوس م




.. لحظة اعتقال شيف سوري في تركيا