الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجنس البارد

زكرياء مزواري

2023 / 1 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كان الجنس في ما مضى، مُحاطاً بهالة من القدسية الدينية، ومُسيجاً بطوق من الرمزية والغرائبية، ومجالاً للنّظر العلمي والفلسفي. كُتبت فيه مصنفات كثيرة تحت اسم الأدب/ الفن الإيروتيكي، والمازجة فيه بين المتخيل والواقعي. كُلّ هذا وعُرى المجتمع وروابطه كانت قوية، بالشّكل الذي تضمن من خلاله إعادة إنتاج البنية الاجتماعية والثقافية. أمّا اليوم، في عالم الرأسمال، انفرد هذا الأخير بالإنسان، مُخاطباً فيه البعد الذاتي النرجسي، غير الآبه بالمكوّن الاجتماعي، ولا الامتداد الحضاري الطويل الذي لم يقم إلاّ بفضل لَجْمِ جوامح الغريزة. هذا المارد الجديد أنشأ ديناً قوامه الاقتصاد وقيمه الاستهلاك، حتّى بات معه الإنسان مجرد سلعة مطروحة في الطريق على غرار السلع الأخرى، خاضع لنفس منطق السوق من حيث خلق ذات/سلعة قائمة على الاستعراض والإثارة وجذب الانتباه. إنسان لا همّ له سوى مُلاحقة الموضات، واتّباع الصيحات، واستنفار جميع قواه لخدمة حاجات البدن البيولوجية.
اليوم، وتحت يافطة "الحرية الفردية"، وما يستلزم عنها من دعوة إلى "التحرر الجنسي"، لم يعد الأمر مُرتبطاً بإقامة علاقة حب/جنس والتي يكون مآلها الزواج في النّهاية، ضداً على قيم المجتمع البطريكي وخضوع المرأة فيه لهيمنة الذكر وسلطة الأب/الجماعة فقط، بل صار الآن، مع هذه الموجة التكنولوجية، مُرادفاً للتّفسخ، وانتصاراً للعلاقات اللّحظية العابرة.
في الوقت الحالي، وقت تسليع القيم والحب والعواطف والجنس، صار التقيد بالالتزام بين الجنسين ضرباً من الحُمق والجُنون؛ فأمام وفرة الإثارة وقوّة العرض والمُنافسة، باتت مؤسسة الزواج كمؤسسة لتحمّل المسؤولية غير مرغوب فيها، وربما قد تصير تبعاً لقوة التغير الاجتماعي، جزءاً من "العهد القديم"، ولربما قد يُصنّف المُقدم عليها اجتماعياً في خانة " archaïque".
هذا السعار الجنسي، زادت من حدته مواقع التواصل الاجتماعي، فالأجساد المستعرضة فيه، بمختلف أشكالها وألوانها وأحجامها وقوامها، ساهمت في تسهيل ربط العلاقة بين الجنسين، وفي تيسير الحب وإقامة علاقة عابرة للحدود الزمكانية، بل وحتى ممارسة الجنس الهاتفي.
هذه العلاقات السائلة، المتحللة من كل التزام أو مسؤولية بين الجنسين، تغذيها التقنية عبر الضغط على أزرارها السهلة سواء ب "الحذف/ supprimer" أو "الحجب/ bloquer" أو "طلب/ajouter" صداقة، لتستأنف رحلة البحث عن شريك جديد، دون أعباء مؤسساتية، ولا التزام أخلاقي ضاغط، من أجل الظفر بسعادة لحظية مؤقتة، سرعان ما تزيد من تعاسة الفرد، وتلقي به في سديم اللامعنى !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في جامعات أميركية على وقع الحرب في غزة | #مراسلو_سكا


.. طلبوا منه ماء فأحضر لهم طعاما.. غزي يقدم الطعام لصحفيين




.. اختتام اليوم الثاني من محاكمة ترمب بشأن قضية تزوير مستندات م


.. مجلس الشيوخ الأميركي يقر مساعدات بـ95 مليار دولار لإسرائيل و




.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية: سنبني قوة عسكرية ساحقة