الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دوران الوجود حول مفهوم الرب وقضية الموت ح 2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 1 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إذا الفكر الديني بما أنه صدر أو يصدر من جهة فوقية أو ينتسب لها بعنوان مقدس قهري سلطوي، ليس بالإمكان البشري أن يحاور الديان فيها وليس المتدين ولا أن يعترض على قوانينه، يعود ذلك لحقائق العقل المطلقة المسلم بها من زمن الفطرة الأولى وتكوين العقل المصبوب البدوي الأول، أولا لشعور نفسي حقيقي بالعجز عن أي محاولة بهذا الأتجاه يأمل منها أو عليها أو بها تغيير مجريات حادثة بسيطة/ فكيف الحال لو كان الأمر متعلف بالكبريات، وثانيا أن لا جهة معلومة أو ممكنة تستطيع أن تربط هذا التواصل بين الله والبشر إلا الدين أو من خلاله مما ولد محورية ثانية داخل المحورية الأساسية، وهكذا عندما ندخل المحور الثاني سندور حول محور النص ومقصده ودلاته في محور داخلي أخر لننتهي في النواة الأساسية التي لا شيء هندها إلا الرجوع في الأتجاه المعاكس تسلسلا عبر المحاور ذاتها إلى المحور الكبير الله، هنا صار الدين والديانة وقوانين الله الديان منها المشرعة ومنها المفترضة أيضا بخبر مشرع ومنها اللا مدركة واللا محسوسة الغيب وما بعد الغيب هي سيدة الأفكار التي على الإنسان أن يدور عقلا فيها، ومنها عليه أن يكيف كل حركة وجودية يمر بها أو تمر عليه على أن المحور الأساس فيها هي إرادة الدوران حول المحور (إنا لله وإنا إليه راجعون).
من دائرة العودة والرجوع أفترق الدين عن كل المعارف بأنه صاغ معادلة ثنائية فريدة ربط فيها الوجود واللا وجود الماضي والمستقبل، وأعتمد على فكرة أن الوجود الواقعي هو الوجود الحقيقي لأنه مدرك بالحواس الوهمية، وأن الحياة المحسوسة المؤقتة هي الطريق إلى حياة دائمة لأنها أبدية، وبالتالي لا بد من الأهتمام الأكبر بالدائم الحقيقي بدل الإنشغال بالمؤقت المتوهم على أنه باق، هنا كان التركيز على الموت يشكل محور رابع من محاور بناء الدين الأساسية، وليس لأنه حالة طبيعية لا خلاص ولا أنفكاك منها ولا بد للإنسان أن يهتم بالنهايات الثابتة كما يهتم بالبدايات الحقيقية، ولكن لأن الموت عند الفكر الديني هو المرحلة الحاسمة التي يجب أن يستوقفها ويفهمها المؤمن بالدين، ولأنها مرحلة الفصل بين المقدمات والنتائج مقارنة وحساب ثم تقرير طريق الذهاب، صار لزاما أن يرافق الإحساس والتذكير بالموت كل مراحل الحياة على أنه لزوم إيماني خالص، أي أن الموت في الفكر الديني ليس نهاية كاملة وجوديا على الأقل، بل هو بداية لمرحلة أخرى من وجود سيتجدد لكن في واقع أخر وعالم أخر.
نستطيع أن نقول أن الدوران حول فكرة الموت والعالم الأخر والحساب والعقاب والجنة والنار هي البصمة الفكرية الملازمة للدين نتيجة محورية ربط الوجود كليا لإرادة الله، من باب الإيمان المنطقي لا خلاف أن الله كصاحب مشروع كوني وجودي يبدأ من لحظة الخلق والتدبير ووضع المعادلات الحاكمة ومنها أنتظم الوجود كونيا كنتيجة ومحصل نهائي، هذا الإقرار بهذه الصورة حق ومنطق بعيدا عن إصالتها في فكرة الدين، لأنها فكرة قانون مضطرد وسمة عقلية وجودية طبيعية، لكن الأخطر منها أن نبقى على القول بأن الله لا يمكنه أن يترك الوجود يعمل بالمعادلات والقوانين التي صاغها، والتي وأراد لها ومنها أن تمضي سنة لا تتبدل ولا تتغير لآنها تمامية ومطلقة بالكمال، يتعارض هذا الأمر مع نفس القول بأن الله يمكنه التدخل في أي مفصل بالتحول والتغيير والتبديل حسب مقتضيات الفرد أو الحالة، هذا التعارض يعني ربط الله بقضية المتحرك والثابت ونسف التمامية والسننية التي يقولها نص الدين وموضوع التكرار في المعرفة الثابتة لنتعبد بها أو نؤمن بها.
الجزم المنطقي يقول أن الله ليس منشغلا بالوجود بعد الوجود طالما أنه يعمل بقوانين الوجود الأولى المجعولة منه والتي من ضمنها (أن الحركة لا تتغير ولا تتبدل منذ نقطة البدء وإلى ما لا تنتهي إليه لأنها ستنتهي بالمتحرك الذي هو الوجود)، بمعنى أخر عندما يتحقق المحال العقلي العملي ويتغير "الوجود" بذاته لذاته إلى "عدم" بذاته لذاته نكون قد خرقنا القوانين والسنن الكونية الجعلية أو على الأقل خرقنا المطلق الخلقي الرباني، وهذا خلاف ما أراد الله بقوله إنا لله وإنا إليه راجعون حين ربط العودة إليه وليس للعدم، فالرجوع إلى العدم ينفي قضية الرجوع إلى الله إذن بالمعاكسة المنطقية حيث يصبح الله طرف أول بادئ والعدم طرف ثاني نهائي، وبذلك لا تصبح للوحدانية معنى ولا وجود وعندها ينسف الدين أصوله ومبادئه.
أظن أن إيمان غالب المتدينين في كل العقائد الدينية بمسألة الحياة الأخرة ينبع من ضرورة البقاء السلبي في دائرة التأثير الديني المستمر على عقلية أستشعار الخوف، قد يكون هذا النمط من التفكير له مردود إيجابي يحد من جدلية الإنسان ذاته، جدليته التي تعني رغبته الدائمة من الخروج عن المنطق والعقلانية الواقعية الطبيعية، فكل شيء في هذا الوجود منضبط ومنطقي وعقلاني إلا الإنسان فكان أكثر شيء جدلا في الخطأ والنسيان، لكنه من جانب أخر يجعل الإنسان أيضا مقهورا بين مطرقة الجدل وسندان التمرد، فينشرخ فيها ليلبس أقنعة متعددة ومتناقضة في محاولة السير أمنا أو الأقتناع بأنه أمن حيث يريدنا الفهم الديني أن نقف لننجو، وهنا يستبد الفكر الديني ولا أقول الدين في فرض اللا منطق على العقل البشري بحجة الإيمان وهو يضعنا في دائرة المتاهة، لأنه لا يملك فهم الراجعون على حقيقتها دون أن بزج فكرة الدوران حول محور ما نسميه إنشغال الله الدائم بالتلاعب بمصير الإنسان لأنه لا يثق بقوانينه ولا يؤمن بسننه المضطردة المطلقة على أنها ثابتة ومضطردة وكاملة وتمامية ومنطقية مطلقة.
تبدأ صورة ومظهرية هذا الأستبداد حينما يتوقف العقل الديني المسيطر السلطوي على معالجة حالات الأختناق والإشكاليات الحياتية اليومية للإنسان، ويبرر ذلك على أنه إرادة الله القاهرة المترقبة والمتدخلة في فوضى الإشاءة الكيفية اللا مبررة، وليس أخطاء الفكر البشري التدخلي وفشله وعجزه عن الرؤية إلى أمام التي تعني أن القانون يبقى قانون سواء على من شرع له أو من شرع منه طالما أنه مطلق لا يستثني حالة محددة، وعلى الإنسان أن لا يستسلم لهذه الرؤى التضليلية وما يرافقها من تحدي فكري لأن الله أراد ذلك وهو من سيفعل ما يمكن أن يعالج المشكل في داخل قوانين المنظومة الجعلية، هذا الطرح ليس أفتراء بل هو واقع كل الديانات البديلة داخل الديانات الأصلية المأزومة بطغيان الأستبداد الديني، وبالتالي بدلا من أن يكون العقل الديني المفكر هو المبادر إلى المعالجة والتصحيح وأغتنام الفرص المتاحة لبيان ماهية الرجوع ودلالاته، يهرب إلى شماعة إرادة الله ليقنع الناس أن لا مفر من الخضوع والأستسلام والمضي على بقاء الحال كما هو بما يحمل من تناقضات شركية وإشراكيه، دون الشعور بأن ترك المشاكل الجوهرية دون حل وتراكمها سيؤدي حتما إلى التضييق الطردي بوجهه لمعرفة سبل الخلاص ومعالجة الأمور قبل أن تتحول إلى جبل لا يمكن أرتقاءه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟


.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على




.. شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة الجزار في مدينة غز


.. قوات الاحتلال تقتحم طولكرم ومخيم نور شمس بالضفة الغربية




.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية