الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤمن سمير:الشّاعرُ في عُزْلَتِه بقلم د. إبراهيم منصور

مؤمن سمير
شاعر وكاتب مصري

(Moemen Samir)

2023 / 1 / 13
الادب والفن


ينتمي الشاعر "مؤمن سمير" إلى جيل شعراء الألفية، تخلص من شعره العمودي والتفعيلي تماما، و في عام ٢٠٠٢ حين نشر ديوانه الثالث "غاية النشوة"، أهداه هكذا "إلى مؤمن، درعٌ حقيقيٌّ من دروع العزلة" وقد كان مؤمن (المولود في ١٥ نوفمبر ١٩٧٥) في السابعة والعشرين من عمره حين نشر ذلك الديوان.
ولد الشاعر في المملكة العربية السعودية أثناء إعارة والده ووالدته معلمَين هناك، حصل على ليسانس الحقوق، ويقيم بمحافظة بني سويف، بلد والده، حيث يعمل سكرتير محكمة الفشن الجزئية، وهو غزير الإنتاج جدا، يكتب النقد الأدبي، والمسرح، والشعر، فهو من بين شعراء جيله، صاحب أكبر عدد من الدواوين، يصدر ديوانا كل عام، وآخر ديوان صدر له في نهاية عام ٢٠٢٢، بعنوان "ذاكرة بيضاء" (الهيئة المصرية العامة للكتاب) ووجدت في قائمة الكتب التي وضعها الشاعر في نهاية الديوان، كتابا بعنوان "أناشيد الغيمة المارقة، الموجة الأحدث من قصيدة النثر المصرية" صدر عام ٢٠١٩، ولم يصل إلى يدي هذا الكتاب الذي أعده الشاعر وقدم له، كما كتب مؤمن سيرة ذاتية شعرية بعنوان "فأس وحفرات في اللحم، أركان اللعب مع الحياة" صدر ٢٠٢١، فأي لعب هذا الذي يذكره الشاعر وقد أصدر ٣١ كتابا وهو في عمر السابعة والأربعين؟
في ديون "ذاكرة بيضاء" قصيدة بعنوان "أبواب تدور وتدور" يقول فيها:
آهٍ على الإنسان الذي لا ينسى كونه ابن صدفةٍ، وروحه محبوسة تحت ملابسه بالصدفة
كذلك .. هكذا كانت تقول جدتي حتى تسللت للغابة علها تقابل روح جدي، فأكل النمل ساقيها وحمد الله
وصعد إلى الحكاية.
إن نصوص هذا الديوان الأخير، كما تبدو من هذا المقطع، تنتمي إلى موجة من قصيدة النثر في مصر، تسبق كل محاولة في النقد الأدبي لملاحقة شعريتها، في تصدرها و"تماديها" في غزو مناطق بلاغية لم يعتد عليها القارئ، فلا عجب أن يحار الباحث والناقد في تصنيفها، ولكنها على أية حال، تحمل هذا التناقض بين غزارة الإنتاج الشعري وتنوعه من ناحية، وانصراف المتلقين عنه من ناحية أخرى، فلولا الفيس بوك ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، لأصبح هؤلاء الشعراء في "معزل" لا يدري عنهم أحد شيئا، سوى زملائهم الذين يكتبون مثلهم.
أحسن الشاعر صنعا إذ أصدر مختاراته الشعرية "أصوات تحت الأظافر" ( دار خطوط وظلال ٢٠٢٠) فهو تمثيل جيد لسائر دواوينه المهمة الصادرة قبل هذه المختارات.
*****
الملمح الأول في هذه المختارات الشعرية، كما في سائر دواوين الشاعر، ملمح لغوي، فنلمس أن كل الاهتمامات والانشغالات التي يجترحها الشاعر في حياته قد تركت أثرها على لغته، خاصة على قاموسه الشعري، فهناك أثر لأسرة والدته التي هُجّرت من بورسعيد إلى بني سويف، ولعمله في المحكمة، ولاهتمامه بالمسرح وبالموسيقى، والبيئة البحرية أو السواحل، وكذلك بالتراث، وخاصة الكتاب المقدس والكنيسة القبطية.
فمن معجم المحكمة والقانون نجد: الموظف المرتشي، كشط الاسم، ملفات، الضحية، الجثة، الدماء، اسفكسيا الخنق، قفص العرض، جريمة، الأدلة، المحابيس، عساكر، إبراء الذمة.
والملمح الثاني بعد المعجم الشعري، يلفت نظرنا محاولة الشاعر الدائبة للبحث عن "الشكل" البحث الذي جعل الشاعر يراوح في نصوصه بين الطول المفرط، والقِصَر المفرط، كما أدى هذا البحث إلى تضمين بعض الدواوين نصوصا تخلو من الشعرية، بسبب حشوها بسطور كثيرة متباينة المستوى اللغوي، كأن الشاعر لا يعنيه إلا أن يضع نصا طويلا بين مجموعة النصوص، وهذا ظاهر من نص "سمّاعة الأذن" من ديوان "عالقٌ في الغَمْر.. كالغابة كالأسلاف" (الهيئة العامة لقصور الثقافة ٢٠١٣) وهو نص طويل استغرق ٢٢ صفحة، وضع الشاعر لنصه حواشي بلغ عددها ٦٤ حاشية، جعلها الشاعر تحت عنوان "إحالات" لكن ترقيم هذه الإحالات في داخل النص سقط من الطباعة فكأنها لم تكن، وكان من المهم إثباتها لأنها تشير إلى مرجعية النصوص التي اقتبسها الشاعر من المغنين والمؤلفين والشعراء، ومعنى ذلك أن هذا النص الطويل ليس قصيدة، وإنما هو بحث في الشعر والموسيقى والغناء، قام الشاعر بحذف الروابط بين أجزائه، لكي يبدو نصا شعريا، وهو نوع من التجريب الشعري، في إطار قصيدة النثر، قد يفضي في النهاية إلى شيء أو لا يفضي.
*****
أما الشكل الشعري المحدود في سطوره، بل في كلماته، فقد جاء منه في ديوان "أصوات تحت الأظافر" عشر قطع، منها قطعة بعنوان "كتاب على سور الأزبكية":
جِلْدي ناشفٌ/ وأحتاج قبلة.
إنها قصائد من نوع "التوقيعات" وهي في إيجازها قد تبدو "إيبجرامات" Epigrams
ويعد العنوان جزءا منها، وأما مقطوعة "المقهى":
مسافرٌ أبديّ / يرنّم فيه الجناح.
فمن الواضح أن الصياغة تريد معنى من معاني كل فكرة وضعت في العنوان، وجاء النص نفسه في كلمات محدودة، لشرح أحد معاني ذلك العنوان، وهو بناء، قد يحمل مفارقة أو لا يحمل، ففي مقطوعة "السّقّاء"
أختارُ البيوتَ بعناية
بشرط أن يكون الزمنُ/ ضحكَ عليها
أو عشّشَ فيها الموت.
فمن الواضح أن السّقّاء، يتحدث بضمير المتكلم، هو سقاء ما، له نظرة للحياة، فهي ليست صورة السقاء، يمكن وضعها تحت هذا العنوان وتأمل ما فيها من معنى الشّقَاء في حرفة السِّقاية القديمة، لذلك كان من المستحسن أن يصبح العنوان "سَقّاء" بغير لام التعريف.
لكن المفارقة تظهر في مقطوعة "الهنود الحمر"
لم يُبدْنا البرابرةُ أبداً
ويطعنون تميمة الأسلاف
تلك خدعتُنا الكبرى
فمن خارج النص، نحن نعرف، من الكتب والأفلام، أن الهنود الحمر قد أبيدوا على يد الرجل الأبيض، لكن النص يتجاهل هذا "التاريخ" ليجعل من "الاعتراف سيد الأدلة" بلغة القانون التي يعرفها الشاعر جيدا.
وجاءت بعض تلك النصوص القصيرة في هيئة "استعارة" مثل مقطوعة "العطر":
على مقاس رعشتي
تنْحتُكِ / الموسيقى
ربما كان ما فيها من حوار خفي، مبررا وحيدا، لإفراد هذه العبارة القصيرة وجعلها نصا.
*****
على خلاف تلك التوقيعات والإيبجرامات، كتب الشاعر نصوصا أطول، وهي الأكثر حضورا في دواوينه عموما، وفي مختاراته الشعرية كذلك، يقول في نص بعنوان "برعشة السور":
الإقطاعيُّ / يرسم الغابة / ثم يهم..
يفوت الخدمَ والذهبَ والموسيقى
ويغمغم: حيواناتي تحميني
وبعدما طالت الرقصةُ
في مرايا البهو / شدّت المخالبُ الشك
وقالت: موتا تموت
من الظل المجدول.
تبدأ القصيدة، وصوت الإقطاعي، أو صورته في الصدارة، لكننا نراه يتلاشى، وتظهر أصوات أخرى، ولا نرى مقابلة بين تلك الأصوات، فنرى صوت الذات الشاعرة، وصوت الأب يحاوره، وصورة الأم تحاوطه، لكن النص يبقى بحاجة إلى الحذف لكي يستقيم ويتماسك، وهذا لا ينفي عن الشاعر البراعة والقدرة على صنع العبارة الشعرية، والاستعارة المدهشة:
عندي حزامٌ له لسان..
أسيءُ لسيرته / فأضربُ به الأصوات
وأربطُ النّحلَ والذئاب
وأخنقُ الظل لما يجوس / في الجوار
وقد يكون الإقطاعي ما زال قائما في النص حيث تذكر المراعي، وغيرها من مظاهر المِلْكية، لكن النص، لا يحب أن يستمر في هذا النمط السردي، يتركه ذاهبا إلى نمط الغنائية، ودون أيضا أن يتمسك بها، هنا حيرة في البناء ما تزال قائمة.
وفي قصيدة "بوق كل ساعتين" من ديوان "يطل على الحواس" ( كتاب اليوم ٢٠١٠) يحاول الشاعر صنع بناء مركّب عن طريق وضع هوامش للنص، وهو نمط من البناء كان سلكه "رفعت سلام" وهو منهج "أدونيس" فيما سماه أولا "القصيدة الكلية" ثم تمادى فيه في عمله الضخم "الكتاب"
لكن أدونيس يظهر عند "مؤمن سمير" في نمط آخر هو الميل نحو السمو بذات الشاعر، حتى يصبح شبيها بالإنسان الكامل، الذي هو عند أدونيس راسخ في العقيدة الشيعية، أو ربما العقيدة الماركسية، ففي قصيدة "يلعب بالحروف" يقول الشاعر:
أقطع إبهامي
وألفّ حول اليد غيمةً سوداء
وأتصنّعُ الحزنَ
كلما أشاروا صامتين / وطيبين
فهنا تصبح أفعال الشاعر وأقواله نوعا من الخلق، ولا مانع أن تكون في الوقت نفسه نوعا من اللعب:
ألعَبُ / والأغبياءُ لا يشمّون رائحتي / أبدا..
رائحةُ الخلْق الصافية..
لقد استطاع الشاعر أن يمسك بلجام قصيدته مرات، وتركه يرمح بلا قيد ولا لجام، مرات أخرى، ومن القصائد التي أحكم الشاعر بناءها قصيدة "المتسعة لقرن" هي قصيدة عن الجدة، في علاقتها بالجد، المحبوب الراحل، هي تباهي بتلك العلاقة وتتذكرها، وقد تكون جعلت منها بديلا للسفر والترحال، من أجل جمع "الأخضر" الذي يمكن تفسيره ب"الدولار الأمريكي" يعود به المرتحلون إلى بلاد الخليج العربي، ثمنا لقسوة الغربة والضياع الذي قد ينتج عن تلك الغربة:
نظرَت الجدّةُ للسقف / وقالت من يومين
علمتُ ان عيوني خضراء...
لم يقل لي أحدٌ طول الزمن
كانوا لا يسمحون لنا أن نحدّق في المرآة
هنا أمسك الشاعر خيط السرد، ليكون البناء سرديا لا غنائيا، وهذا معناه أن الشاعر "مؤمن سمير" قادر على التنويع في بناء قصائده، كما هو قادر على الاستماع إلى أصوات الشعراء، وإلى صوت التراث الديني والروائي، وصوت الحياة من حوله، كما هو قادر على الحفر في اللغة وإخراج الاستعارة، قلب كل قصيدة، واصطياد اللآلئ، هو شاعر متوحّد، منعزل، وعزلته لها مظهران: اعتزال الناس، والتمسك بهذا الاسم "مؤمن سمير" دون ان يكون هو اسمه في السجلات، لكني أظن أنه قد امتلك الآن صوته الشعري وأمسك به بقوة واقتدار.
*نُشرت في في عددالأربعاء11يناير 2023 من جريدة «المصري اليوم» بي دي إف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إيراني يناقض الرواية العراقية حيال -قاعدة كالسو- وهجما


.. شبّه جمهورها ومحبيها بمتعاطي مخدر الحشيش..علي العميم يحلل أس




.. نبؤته تحققت!! .. ملك التوقعات يثير الجدل ومفاجأة جديدة عن فن


.. كل الزوايا - الكاتب الصحفي د. محمد الباز يتحدث عن كواليس اجت




.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله