الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مَحو الأميّة المصرية في الجمهورية الجديدة

فاطمة ناعوت

2023 / 1 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



على إحدى صفحات سوشيال ميديا، المهتمّة بنشر الوعي حول الحضارة المصرية العريقة، نُشرت صورةٌ لجدارية مصرية قديمة تجمعُ بين نقوش لملكاتٍ وملوك من أجدادنا قدامى المصريين، ونصوصٍ تشرحُ تلك الرسومات. وتساءلتِ الصفحةُ: “هل من المعقول أن يشاهدَ أبناؤنا تلك الجداريات النفيسة في رحلاتهم المدرسية، ثم لا يفهمون ما المكتوب؟! بينما لو زارها تلاميذُ من اليابان أو أوروبا أو أيّ من الدول التي تُدَّرِسُ لغتنا المصرية القديمة لأبنائها، لاستطاعوا القراءة بكل ويسر!
وذكّرني ذلك الطرح بمقال قديم كتبتُه عام ٢٠١٠ في زاويتي هنا بجريدة "المصري اليوم" بعنوان: “محو الأمية المصرية"، جدّدتُ فيه مطالباتنا المستمرة، نحن الشارع الثقافي، المهتم بتكريس هويّتنا المصرية ونشر أدبياتها وقيمها الحاضّة على الأخلاق والترقّي، عن طريق تعليم الأبجدية الهيروغليفية في المدارس الابتدائية، حتى يتمكن أبناؤنا من قراءة الجداريات والبرديات، وفهم مضمونها الرفيع. منذ عشرين عامًا، أكرّرُ مطلبي، ولم يستجب أحدٌ من القائمين على منظومة التعليم! والحمد لله بدأ التحركُ الحقيقي لنشر الوجه الحضاري المضيء لإرثنا المصري القديم، بعد "موكب المومياوات الملكية" في أبريل ٢٠٢١، ذلك الحدث المصري التاريخي العالمي الذي لفت أنظار العالم إلى كنوزنا وثرواتنا العظيمة التي تخبّئُها مصرُ في قلبها، وسوف تظلُّ تسرُّ الناظرين وتُبهر العالمَ إلى آخر الزمان. والحقُّ أن ذلك الموكب الملكيَّ العظيم قد فتح عيونَ "المصريين" لما يملكون، وبيننا الغافلُ عن ذلك! فالعالمُ الغربيُّ لم يكن بحاجة إلى ذلك الموكب ليعرف كنوزنا. فمتاحفُ أوروبا تُدخل آلاف الدولارات يوميًّا من زيارة بعض كنوزنا المصرية "المختلسَة" منّا في لحظات غفلة، مثل "حجر رشيد" في "المتحف البريطاني"، و"رأس نفرتيتي" في "متحف برلين"، و"مسلّة رمسيس الثاني" في باريس، و"مسلّة كليوباترا" في لندن، وغيرها الكثير مما لا يُقدَّر بمال.
بدأت وزارةُ التعليم منذ عامين في وضع شذرات مضيئة من قانون "ماعت" في المناهج، ومازالت فكرة تدريس الأبجدية المصرية القديمة في المداس الابتدائية قيد البحث، ونحلم بتنفيذ ذلك المشروع النهضوي بحيث يكون بوسع الطالب، على الأقل، كتابة اسمه بأبجديتها وفهم النصوص الممهورة على جدارياتنا الخالدة. نحلمُ بأن يكون درس الهيروغليفية جزءًا من مادة التاريخ المقررة على الطلاب بالسنوات الأولى، ثم بتكثيفها في المرحلة الثانوية، بحيث يستطيع لطالبُ كتابة موضوع تعبير بسيط، يطرح فيه رأيًا حول قضية ما.
يحزنني أن كليات الآداب المصرية تُدرَّس اللاتينية والإغريقية القديمتين، وليس من قسم للغة المصرية! يحزنني أن قسم التاريخ بكلية الآداب ليس به مادة هيروغليفية! يحزنُني أن تلتقي طالبًا جامعيًّا يابانيًّا أو فرنسيًّا أو إنجليزيًّا، فتجده عارفًا بالمصريات، Egyptology، أكثر، كثيرًا جدًّا، مما يعرفُ الطالبُ المصريّ عن تاريخ بلاده وحضارتها الفارقة التي لنا حظوة القيام عليها والإقامة في رحابها مجانًا، فيما يدفع السوّاحُ الآلاف لرؤيته! يحزنني أن أسافرَ إلى جميع بلاد الله، فأجد الانبهارَ في عيون الأدباء والمثقفين حالَ يُفتَح الحديثُ حول حضارة مصرنا القديمة، فيما أبناؤنا يستهينون بها، بل ويتبرأ بعضُهم منها، وكأنما يتبرأ من مصريته! نتمنى توفير مرشدين متخصصين يرافقون الطلاب في رحلاتهم السياحية ليمدوهم بالمعلومات الصحيحة حول حضارتنا العظيمة، ليتعلّم النشءُ الصغيرُ كيفية صوْن ذاك الإرث الخياليّ الذي قدّرت لنا السماءُ أن نحوزه، دون شعوب الأرض! فذلك من شأنه ترسيخ الثقة بالنفس لدى أولئك الصغار الذين اهتّزت هويتُهم.
اشتقت كلمة "هيروغليفي" من الكلمتين اليونانيتين "هيروس" Hieros و"جلوفوس" Glophos وتعنيان "النقش المقدس" كونها تُكتب على جدران الأماكن المقدسة كالمعابد والمقابر. والطريف أننا، نحن المصريين، مازلنا نستخدم آلاف الكلمات المصرية القديمة في حديثنا اليومي الدارج. مثل كلمة "شبشب"، وأصلها القديم "سب سويب" وتعني مقاس القدم، و"نونو" بمعنى "الوليد"، و"مكحكح" أي "عجوز"، و"بطح" بمعنى "شجّ رأسه"، و"مدمس"، وأصلها القديم "متمس" وهو إنضاج الفول بدفنه في الرمل. كذلك العبارة الفولكلورية: "يا مطرة رخّي رخّي"، تعود إلى الأصل الفرعوني: "رخّي" بمعنى "انزلي"، وكذلك كلمة"طنّش" بمعنى "لم يستجب"، و"خمّ" أي "خدع"، و"ياما" وتعني "كثير"، وكلمتي: “هوسة، دوشة" ومعناهما: “صخب وضجيج"، و"كركر" وتعني "الضحك المستمر"، وكلمتي: “كاني وماني" تعنيان: “اللبن والعسل". وغيرهما الكثير.
وأختمُ مقالي بأقدم عبارة غزل في التاريخ كتبها زوجٌ لزوجته، وكانا من أجدادنا المصريين الخالدين. على واجهة معبد "نفرتاري" في أبو سمبل جداريةٌ منقوشٌ عليها بالحروف الهيروغليفية: (أمر جلالةُ الملك "رمسيس الثاني" بتشييد هذا المعبد من حجر قوي جميل لزوجته "نفرتاري"… "التي من أجلها تشرق الشمس").
نعم لمَحْوْ الأُميّة المصرية في جمهوريتنا الجديدة، من أجل نشءٍ مثقف واعٍ ينهضُ بمصر العظمى في ثوبها الجديد.

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكر واجب
محمد زكريا توفيق ( 2023 / 1 / 15 - 10:35 )
شكرا أستاذة فاطمة على هذا المقال الهام. في السبعينيات عرضت بعض قطع آثار توت عنخ آمون بمتحف المتروبوليتان، وهو أكبر متحف في العالم، هنا في مدينة نيويورك. ولدهشتي، كان الأمريكان يقفون في طوابير منذ الليلة السابقة حتى يستطيعون الحصول على تذاكر للدخول. ولقد شاهدت عرضا للآثار المصرية الخاصة بإخناتون بعد ذلك بعدة سنوات، في متحف بروكلين بنيويورك، وكان الزحام لا يتصوره عقل. لا شك أن حضارتنا المصرية القديمة، يجلها العالم بأسره، لكن، للأسف، لا تحظي بأدنى اهتمام في بلدنا، كما ذكرتي بالمقال. وأضم صوتي مع صوتك، في المطالبة بتدريس اللغة المصرية القديمة إلى جانب التاريخ والفن والأدب والديانة المصرية القديمة لطلبتنا في كل مراحل التعليم، وتبيان ما قد وهبته حصارتنا الخالدة للعالم كله.


2 - آلاف الكلمات مستمدة من القبطية الفرعونية
Magdi ( 2023 / 1 / 16 - 16:47 )
فى المفردات المصرية من أصل قبطى فرعونى ، أنظر :ايوب فرج ابراهيم ، التحليل العام للغة العوام ، الفجالة (القاهرة)1978
بال ( خلى بالك)، بال آم (مبلم) ، بال بوش (بلبوص) ،شوباش (فرح ) ، فاش (فش غلبه) فيش شار ( فشار ) ..أمير ( أصلها إيمى را)أى يوجد فى القمر دائما ، كويس - أشهركلمة فى مصر - تعنى حسن ، أوباى (ياباى .ياخوفى.يابوي )..
جمل كاملة أصلها فرعونى مثل :أدينى شوية فول مدمس
الأديان الأبراهمية تستخدم كلها آمين الأخوذة من الأله آمون
نحتاج إلى مؤسسة لحصر كل هذه المعلومات كما لاحظ عصام ستاتى :اللغة المصرية الحالية ،2016، من ص230 إلى ص338..أنظر فى النت بحثا لد.احمد عبدالصبور:الأم تقول لطفلها ( نونو ) ، مم (كل)،امبو(شرب) ، تاتا ( أمشى) ..
--
أضف الكلمات التى أنتقلت إلى اللغات الأجنيية مثل : كيمى أى الأرض السوداء اسم مصر أصبح كيمياء chimie +
بولتش أى سلام paix +
أشطوب صارت stop +
ميتسينى أى طب أنتشرت ك
Médecine...الخ
تحياتى و خالص التقدير لكما أ فاطمة ناعوت وأ.محمد زكريا توفيق
مجدى سامى زكى
Magdi Sami Zaki

مجدى سامى زكى
Magdi Sami Zaki

اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح