الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدكتاتورية البوتينية مقابل الديمقراطية الغربية

متعب خلف

2023 / 1 / 14
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


الأحداث الأخيرة على الساحة الدولية وما تشهده من تصادمات وتسارعات حثيثة - والذي ربما قد ينتهي إلى مالا تحمد عقباه - نجد أن اصطفافات بدأت تتشكل دعما لطرف على طرف آخر ، فنجد أطراف قد اتخذت قرارها في التمترس خلف التوجهات البوتينية وأخرى مع التوجهات الغربية المتمثلة في أمريكا والغرب.
من المؤكد أن المتخندقين خلف الإرادة الصخرية لبوتين -ليس بالقطع حبا لها - و التي أقل ما يمكن أن توصف به هو التصلب في اتخاذ القرار الأحادي الجانب بدون الرجوع إلى مؤسسات الدولة ، وإنما يفسر هذا التحيّز بالرغبة العارمة للانتقام وإثلاج صدور أقوام اكتووا بالغطرسة والتجبّر الأمريكي على مدى عقود و مثّلوا النصيب الوافر من ضحايا الصلف و العنجهية الأمريكية لذلك نجد أن التوجه العام لهذه الشعوب ينجرف عاطفيا بمساندة كل من بإمكانه الثأر من أمريكا و الغرب.
الغرب وأمريكا وإن اختلف الكثيرون مع سياساتهم الخارجية المستفزة والغير مبالية بإنسانية الشعوب الأخرى إلا أنها تبقى أفضل من الأنظمة الديكتاتورية القمعية وذلك لعدة أسباب أهمها : هو أنه يوجد في هذه الدول رأي عام نزيه ومحايد لحد كبير يراقب ويرصد وينتقد بشدة سياسات هذه الحكومات ، كما يوجد الكثير من المثقفين والكتّاب والأدباء والشخصيات العامة التي لها قبول في أوساط المجتمع ولها القدرة على تحريك الرأي العام حول القضايا المختلفة حول العالم والتي في معظمها مساندة وداعمة للدول المستضعفة وإن كانت هذه القضايا لا تخص الداخل الأمريكي أو الغربي لذلك نجد الكثير من التيارات في هذه المجتمعات الغربية تدافع بشراسة وبلا هوادة عن حقوق اللاجئين مثلا: بسبب الحروب والاضطرابات، وتحاول أن تحسّن من أوضاعهم ، وأن تجبر حكوماتها بأن توفر لهم العيش الكريم ، كما أن للرأي العام في هذه الدول قوة لتحديد الكثير من الإجراءات والتشريعات مثل: مكافحة المجاعة، والفقر ، والأمراض ، وتوفير القاحات للدول الفقيرة والنامية ، كما أن هناك ميزانيات بمليارات الدولارات تخصص سنويا لدعم الدول الفقيرة في مجالات التعليم والأسرة والمجتمع ، كما تجد المظاهرات والاحتجاجات تقام في كل المدن الكبرى الغربية تعبيرا عن الرفض القاطع لما تقوم به سياسات دولهم تجاه الدول الأخرى ، ناهيك عن التسامح الديني وبأن لكل إنسان الحق بممارسة طقوسه الدينية بحرية كاملة ما دامت هذه الطقوس لا تضر بالآخرين ولا توقف عجلة التقدم ولا تدعو للعنف والتطرف.
و من المشاهد التي أصبحت مألوفة في الدول الديمقراطية هو الوقوف في وجه رؤساء الدول ونقدهم بشكل مباشر امام الجماهير وعلى شاشات المحطات العالمية و اتهامهم بالتقصير وعدم الاحترافية في إدارة موارد الدولة، بل قد يصل الأمر إلى أبعد من ذلك مثل: إلقاء البيض والطماطم على رموز وشخصيات هامة في الدولة تعبيرا عن السخط وعدم الرضى من دون أن يمس هذا المواطن الغاضب أي أذى ، فهل يمكن أن يحدث هذا في الدول ذات التوجه القمعي البطشي؟ بالقطع لا ، إذ يجسد المعسكر الديكتاتوري القمع والكبت في كل تفاصيل إدارته ، فلا صوت يعلو فوق صوت الزعيم أو القائد ، كما لا تؤمن معظم هذه الأنظمة بأهمية العلم والدراسات والأبحاث التي من شأنها أن تعطي استشرافات وتحليلات دقيقة حول الواقع والمستقبل ، فقد صرح أحد زعماء هذه الدول بأنه لا يؤمن بأهمية دراسات الجدوى الاقتصادية ، علاوة على ذلك فإن الدول القمعية لا تتمتع بأقل قدر من التسامح فهي لا تحتمل أن تسمع صوت معارض أو ناقد لسياسات الدولة أو القائد الملهم لذلك نجد أن أقسى هذه الأنظمة قمعية غارقة في الفساد والمحسوبية والجهل إذ تتحكم هذه الأنظمة بكل المعلومات والأخبار التي تريد إيصالها لشعوبها لذلك تجد أن أغلب التطبيقات الاجتماعية محظورة وغير مسموح بتداولها أو استخدامها، وقد يجادل البعض بأن بعض هذه الدول تتمتع باقتصاد قوي وهذا صحيح ولكن تبقى فكرة أن الدولة قمعية وأن الإنسان في هذ الدول عبارة عن آلة يقوم بالإنتاج والتصنيع فقط ، وإن فكر يوما ما بالإدلاء برأيه أو معارضة خطط وسياسات الدولة فسوف يغيب خلف أستار الظلام كأنه لم يوجد يوما ما على كوكب الأرض ؛ لذلك تجد هجرة العقول والمهارات إلى الدول الغربية.
بالعودة للصراع في أوكرانيا نجد نتائج التوجه الأحادي في الحالة البوتينية؛ إذ لا رأي فوق رأي القائد ولتذهب التقارير الاستخباراتية والمعلومات من أرض الواقع إلى الجحيم ، وما شاهده الجميع من تلعثم رئيس مخابرات روسيا أمام بوتين قبيل انطلاق العمليات العسكرية في أوكرانيا أبسط دليل على أحادية القرار وأن على الجميع أن يقوم بما يلزم وبدون نقاش تنفيذا لرغبة الزعيم ، وتعطى الأوامر الصارمة بأن ينفذ الرأي الأوحد الذي لا يستند سوى على الهوى والرغبة الشخصية للانتقام والتدمير وهذا بالفعل ما شاهدناه بداية العمليات العسكرية في أوكرانيا إذ حلّ التخبط وعدم التركيز بالآلة الحربية الروسية الجبّارة والتي كانت التقارير الإخبارية الغربية تبالغ في وصف قوتها التدميرية ودقة أسلحتها ، كما كانت تلك التقارير أيضا تتوقع بأنه لا توجد فرصة -ولو ضئيلة- أمام الأوكرانيين بالصمود أمام الجحافل الروسية الجرارة والتي تغطي أعدادها عين الشمس ، ولكن الواقع بدى غير ذلك تماما إذ أن هذا الجيش الجبار وجد نفسه صيدا سهلا أمام فلول صغيرة من القوات الأوكرانية اليائسة والمرعوبة وما إن استعر التدمير والفتك بالآلة العسكرية الروسية التي كانت تطوق العاصمة كييف حتى دبّت الحياة وارتفع منسوب الروح المعنوية لشراذم القوات الأوكرانية حيث أدت هذه الاحداث إلى تقهقر الجيش الذي طالما تباهى بقدراته العسكرية و أسلحته النووية التي تستطيع أن تدمّر كوكب الأرض عدة مرات.
في الجهة الأخرى نرى المعسكر الغربي يجتمع ويدير الأزمة بكفاءة عالية من حيث التنسيق في أداء الأدوار والخطط الممنهجة والمدروسة بعناية ومحاولة تضييق الخناق على التوغل الروسي ، صحيح أنّ معظم الإجراءات الغربية كانت كمن يطلق النار على قدمه ولكن هذا الثمن كان مبرر ومستحق الدفع بالنسبة للغربيين ، حيث تتوالى التصريحات من قادة الدول الغربية تباعا كل حسب دوره والتصريح المناط به في لعبة ممنهجة هدفها العمل على تكثيف الضغط السياسي والنفسي على الروس ، وعلى ما يبدو أن معظم القرارات الغربية قد صدرت بناء على توصيات مدروسة من مراكز أبحاث متخصصه مكونه من جيوش من الخبراء الاستراتيجيين وعلماء الاقتصاد والنفس والاجتماع وغيرها كل في مجاله وما أكثرها في الدول الغربية إذ تقوم هذه المراكز بدراسة ومراقبة وقياس كافة المؤشرات وما يمكن أن ينتج عن أي قرار وما هي الارتدادات والعواقب التي ممكن أن تصدر من جراء اتخاذ أي قرار لذلك لا يتصرف الغرب بأحادية وهذا ما يضمن له المرونة والسلاسة والبقاء على قمة الرأي العالمي.
لا شك أن هناك رغبة عارمة لمشاهدة عالم متعدد الأقطاب إلا أن الأقطاب ذات التوجه الأحادي الشمولي لا يمكن الركون والاتكاء عليها كما لا أتصور أنّ هذه الأنظمة في حالة تصدّرها للمشهد العالمي وتكوين أقطاب مناوئة للغرب قد نحلم بأنها سوف تراعي مصالحنا أو تساندنا أو تكون أحنّ علينا من الدول الغربية الحالية.
الدكتاتورية لا عقل لها ومصيرها محتوم إما بالزوال أو التقوقع حول الذات بما يرافقه من تكلس في التفكير وتقهقر في عجلة التقدم والأمثلة مشاهدة وملموسة في كثير من الدول الأفريقية و الآسيوية و في أمريكا الجنوبية ، حيث تعيش الكثير من إدارات هذه الدول حالة انفصال تام عن الواقع والعالم غامضة و منكمشة حول نفسها ، و تكاد تحرك شعوبها بالريموت كنترول يجمع بينها توجه وحيد يتصف بالقمعية التعسفية ذا حكم شمولي متغلغل في كل أركان الدولة ويمثل نظام سياسي أحادي التفكير والذي لا يطيق أن يسمع إلا الثناء والتمجيد للقائد الملهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء