الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحمى

عمار أسامة جبر
كاتب

(Ammar Jabr)

2023 / 1 / 15
كتابات ساخرة


الحمى تجربة فريدة- رغم مرارتها - تجربة تفقدك الوعي لساعات، ترتجف ولا يدفئ جسدك النحيل كل تلك الاغطية.. وغير قادر على تحمل حرارة الغرفة ، تجربة تخرجك من وعيك واتزانك المصطنع ، تثور لأبسط الامور ؛ ربما لأنك تفتقد لطعم الملح في حساء أُعد على عجل ، أو منزعجا من رائحة جسدك المهمل منذ أيام ، ربما ستتحول من وديع إلى ثائر بل لربما الى حانق جداً ، تلعن الحرارة ووخز الابر والصداع، واشياء اخرى.
ستحررك الحمى من الشعور بأصفاد المجتمع ، ستحولك الى ملك متوج على عرش نفسك ..ستفخم فيك الانا .. ستحرر وتتحول الى طير يطير في غفلة من إغلاق القفص، سيزورك كل الراحلين دفعة واحدة ، ستهتف باسمهم جميعا ، ستعبر دموعك حاجز مقلتيك بدون إذن ، ستضحك ستبكي ستغضب ، المهم أنك لم تعد ذاك الجسد المنزوع من ملابسه اليومية ، تحولت الى ملك في عالم الأنا ، ملك على عرشك الغارق في الالم والتعب ، سترقب بعد يومين بالتمام والكمال حمامة شقية حطت بعيداً على طرف شرفتك الباردة في المبنى الايسر للمشفى ، تسمع هديلها ومشيها الملوكي نحوك، تفزع لجسارتها لم يتبقى في جسدك شيء من الدواء الذي يبقيك متعقلاً ستتحول بنقصه الى عائد الى عرشك الذي يخلعونك منه بفعل شيء مقيت اسمه دواء ، تهدل الحمامة لتخرجك من ثوان الشرود الفكري وسرعة تفكيرك ودعائك الخفي أن تتأخر تلك الممرضة لتعود ذاك الملك المتوج على عروش الانا ، لتمسك بها وتقرأ رسالة مخفية بعناية بقدمها اليمنى، تسمع خطوات ثقيلة في الممر ينتفض القلب بسرعة الحمامة الرمادية ام ابرة الدواء، تنتفض وانت تحتار بين وجعين، وجع متخيل ووجع حقيقي ، تعبث بشرودك ليعود بك الخيال والاسطورة لتقنعه ان الرسائل والورود والهدايا والاماني الجميلة التي لم ترها ستعوضها تلك الحمامة، أسفاً على ما تحول اليه جسدك من وجع خلال يومين فقط ، تقترب الخطوات في الممر ويفتح الباب لتظهر مداويتي تعطيني جرعتي وتغادر، اغتيال يفقدك الوعي الى الوعي ، من شتات الحمى صانع الاسطورة والحلم ومناجاة الراحلين، الى ضياع الراحة من الصداع والالم الرهيب في جوانب الجسد ، تختار الراحة مرغماً ، وانت المحتال على نفسك يومين كاملين. ستستمر الحمى والوجع واليقظة والاستفاقة الموجعة والبكاء والدموع والفرح والتناقض بين الادب الجم والانغماس في موجة ساخطة من السباب على تعب لم أرده ، خمس ايام ببياض أيامها وحلكة ليلها ، تقلبك من فرح بتوقف كل شيء الى ساخط لسوء حظك في كل شيء .
تنتهي الحمى ،وتخرج من جسدك بدون أثر طويل الامد ، تخرج منها انساناً عادياً ، تغادر غرفتك التي حولتها في ساعة هذيان الحمى الى قاعة عرشك ، مهزوماً أمام من اشعلت حروبا معهم في ساعة غضب، منتصراً لحمامة راودك هديلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل


.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج




.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما