الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاطماع المصرية رافعة استعمار السودان

محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)

2023 / 1 / 15
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


يسود اعتقاد أن المبادرة المصرية التي حملها للسودان مدير المخابرات المصرية عباس كامل مؤخرا تعنى الدخول المتأخر لمصر لمهرجان (jamboree) المبادرات الأجنبية الصاخب. إلا أن الوقائع تؤكد بأن هذا الاعتقاد ليس صحيحا تماما اذ ان التدخل المصري السافر في الشؤون السودانية، الذى يتم تحت مظلة دبلوماسية، غالبية أعضائها بخلفيات أمنية ومخابراتية، لم يتوقف يوما حتى قبل الهجمة الخارجية الموسعة الحالية على البلاد. فعلاقة مصر بالسودان ذات طابع عدائي يعود تشكلها هكذا لعهد الخديوي محمد علي باشا والأنظمة الجمهورية اللاحقة. ومن أهم مظاهر هذه العلاقة، بجانب احتلال مثلث حلايب السوداني، مواقف مصر ضد مصالح السودان المائية وكل ما من شانه منع البلاد من استغلال أراضيها الزراعية. فمصر ظلت تعارض بناء الخزانات الضرورية لاستغلال السودان لأراضيه الزراعية وتنتقص من حقوق السودان المائية بموجب اتفاقية مياه النيل (1959) والتي بموجبها تم قيام السد العالي المصري حيث فقد السودان نتيجة امتداد بحيرة السد مدينة وادي حلفا وكثير من القرى و200 ألف فدان من الأراضي الزراعية السودانية والمحاجر المعدنية والآثار التي تعود الى حضارات عريقة. وللتعرف على استغلال مصر لموارد السودان عن طريق علاقات تجارية غير عادلة يكفى هنا ايراد ما قاله مؤخرا وزير التجارة والصناعة المصري احمد سمير صالح بأن مصر تشهد تطورا هائلا في الصناعات التحويلية تتعلق بمختلف المواد الخام التي تتوفر لمصر من السودان تشمل الصمغ العربي والسمسم والدخن والكركدى والسنمكة واللحوم والجلود بالإضافة للمعادن كالذهب، والكروم والحديد.

وتسهيل خرق مصر لسيادة السودان والاستحواذ على موارده، ظلت تقوم به أنظمة عسكرية، تمثل شكل الحكم السلطوي الأمثل لحماية مصالح الطبقة الكمبرادورية المتنفذة، مارست حكم البلاد منذ استقلالها في 1956 لأكثر من خمسين عاما؛ فالأنظمة العسكرية لتوطيد وتوسيع نفوذها في الدولة، ظلت تمارس تقديم التنازلات والاذعان للسلطات المصرية مقابل دعمها الامر الذى أضر كثيرا بالسودان من ناحية انتهاك سيادته ونهب موارده.

لهذا فمهما آل اليه مصير مبادرتها، فان مصر لن تكف عن مواصلة تدخلها الضار في السودان لخدمة مصالحها. والدعاية الإعلامية لمصر الرسمية ما انفكت تعمد على التشويش بإطلاق المعلومات الخاطئة والمضللة؛ فالسلطات المصرية لا تتحرج من التمسك بلا خجل وباستعلاء بأن السودان كان جزءا من مصر وان مسالة حقها في ملكية بعض أراضيه لا يشوبها شك. وكمظهر لهذا التلفيق ما قاله القنصل المصري أحمد عدلي امام لمودعيه بمناسبة انتهاء عمله في السودان في يناير الحالي ومغادرته للبلاد، مرددا الأسطوانة المشروخة حول علاقة الاخوة التي تجمع بين الشعبين السوداني والمصري، مضيفا أن السودان خط احمر وستدافع مصر عن وحدته وسيادته. ثم يواصل القنصل حديثه المقرف والمستفز قائلا ان بلاده لا تحتاج إلى آلية أو واسطة للتحرك كيفما شاءت في السودان، فوفقه فان المصريين لهم حقوق في السودان، مثل حقوق السودانيين في مصر سواء بسواء!!!

ان ادعاء المسؤولين المصريين باحترام بلادهم لسيادة السودان يدحضه استحقاق تاريخي لدى السودان يتعلق بأراضي تحتلها مصر في حلايب وأبى رماد وشلاتين على البحر الأحمر (مساحتها 21 ألف كيلو متر مربع). والتاريخ شهد وسجل كيف استخدمت الإمبراطورية البريطانية مصر لهتك سيادة السودان؛ ففي اطار صراع القوى الكبرى على تقسيم العالم في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ادركت بريطانيا أن السيطرة على السودان تعمق السيطرة على دول حوض النيل والتمدد في وسط وشرق افريقيا. وهكذا استخدمت بريطانيا مصر لاحتلال السودان بإقامة الحكم الثنائي في 1899. كانت مصر ليس أكثر من قوة مأجورة لاحتلال السودان استغلها لهذا الغرض دهاء الدبلوماسية البريطانية، ورئيس وزرائها المخادع (cunning) روبرت سيسيل- ماركيز سالسبرى. حمّلت بريطانيا مصر النسبة الاكبر من تكاليف الحملة على أن يكون (أجرها) مقابل دورها في غزو السودان، اعادة سيادتها على السودان التي فقدتها اثر انتصار الثورة المهدية في 1886، ولكن الذى حدث هو أن مصر أُبعدت عملياً عن أدارة شئون السودان التي هيمن عليها الانجليز هيمنة كاملة وتعزيز سلطتهم الاستعمارية في الخرطوم كحلقة في سلسلة متصلة تمثل الاستراتيجية البريطانية الخاصة بالسيطرة الكاملة على المنطقة بما فيها مصر (نفسها) وبالتالي لتامين طرق التجارة عبر قناة السويس مع العالم. وهكذا تعاملت بريطانيا مع مصر الى ان طردتها وأبعدتها نهائيا من السودان في 1924.

ونعود الى الحاضر حيث يحتدم الصراع حاليا بين القوى الكبرى في السيطرة على منطقة القرن الأفريقي ومنطقة الساحل الأفريقي. ففي أجواء هذا الصراع العالمي بمعطياته الجديدة وانعكاساته على دول حوض النيل والقرن الأفريقي، فان مهندسي السياسة الخارجية الأمريكية يدركون الأهمية الاستراتيجية للسيطرة على السودان. والمعلومات المتوفرة تفيد بأن المسالة السودانية كانت منذ وقت طويل، وما زالت، بنداً ثابتاً في جدول أعمال اجتماعات مجلس الأمن القومي الأمريكي (NSC) التابع مباشرة للرئاسة الامريكية ومن أهم اختصاصاته تناول المسائل المتعلقة بالسياسة الخارجية. كما هو جدير بالذكر، فان اهتمام امريكا بالسودان يتضح من اقامتها في عهد حكم الإنقاذ لأكبر سفارة في أفريقيا تحتل مساحة 40 ألف متر مربع جنوب الخرطوم وتضم بجانب مكاتب تسيير عمل السفارة الرسمي مباني سكنية؛ وهى مجهزة بأجهزة رصد ومتابعة تجعلها تمثل مركز ثقل العمل الدبلوماسي والاستخباراتي الأمريكي في أفريقيا.

وفى فترة حكومة حمدوك الانتقالية تعززت اكثر الدوافع الامريكية للسيطرة على السودان، ففي مطلع 2021 أعطت حكومة السودانية أمريكا الموافقة المبدئية لإقامة الآفريكوم (AFRICOM) على ساحل البحر الأحمر التي تتيح لها إحكام وجودها العسكري في أفريقيا خاصة في منطقة القرن الأفريقي الاستراتيجية وتسهيل تمددها غربا والهيمنة على دول الساحل الأفريقي، التي تشمل منطقة السافانا الغنية بموردها الضخمة، حتى شواطئ المحيط الأطلسي.

وعليه، فان المحصلة النهائية للهجمة الخارجية وسوء عاقبتها تتمثل في هيمنة أمريكا على السودان وهى تقوم بهذا مباشرة ومن خلال أدواتها من بعض الدول الإقليمية التي لها مصالح محددة تدعوها للتدخل في البلاد. ومصر تمثل الأداة الأكثر فعالية في هذا المجال.

ان مصر حاضرة في الساحة السودانية التي تخترقها بأجهزة مخابراتية هيكلية وفردية هي الأقوى والأكثر فعالية بين كل المخابرات العالمية التي أصبحت تجد في البلاد مرتعا خصبا لحياكة التآمر على الدولة. والتحرك المصري ظل يجرى حثيثا بعد ثورة 19 ديسمبر بلقاءات متنوعة مع العديد من السياسيين المنتمين للأحزاب الطائفية وبعض أحزاب الحرية والتغيير، وفى كل هذه اللقاءات كانت اجندة المصريين تدور حول كيفية تكامل البلدين بتجاهل كامل لمستحقات السودان لدى مصر. والتحرك المصري كان يقوده بصورة دؤوبة القنصل المصري أحمد عدلي امام المار ذكره.

ان مصر لديها وجود عسكري كثيف في قاعدة مروى الجوية السودانية. وأيضا فان المناورات العسكرية، الواسعة النطاق المشتركة بين الجيشين السوداني والمصري (نسور النيل "2020-"2021" وحماة النيل "2021")، مكنت مصر من امتلاك معلومات مستفيضة ودقيقة عن المواقع العسكرية وحجم ونوعية القوات السودانية ومعداتها وإمكانياتها بالإضافة الى تضاريس الأرض. وكذلك فقد قامت مصر في 2020 بإنشاء قاعدة "برنيس" العسكرية المصرية بالقرب من الحدود السودانية وعلى بعد مائتي متر من منطقة حلايب وشلاتين؛ وتعتبر برنيس أكبر قاعدة جوية بحرية في افريقيا والشرق الأوسط وفي نطاق البحر الأحمر.

ان التحرك المصري (الاستخباراتي) الأخير، بدعوى المساهمة في مساعدة السودان للخروج من الازمة السياسية التي يمر بها، هو الجسر الذى يعبر من خلاله نظام الجنرال المستبد عبد الفتاح السيسي واسياده في الدول الغربية لتحقيق الهيمنة على الخرطوم. ولا ننسى أن السيسي يريد أن ينقل للسودان الازمة الاقتصادية العصية على الحل التي تمر بها مصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا استدعت الشرطة الفرنسية رئيسة الكتلة النيابية لحزب -فرن


.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح




.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا