الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسطين مسألة شعبية سورية . والهوية الشامية

فراس سعد

2023 / 1 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لم يكن لقاء "المرأة الفينيقية السورية" بالسيد المسيح أمراً فريداً من نوعه في ذلك الزمان، فقبل ألفي عام قصدت تلك الأم السورية الجليل للقاء السيد المسيح، ليخلص ابنها من أذى الشيطان.. ودار بينهما حوار إنساني راقٍ وبديع.

بعد ذلك زار السيد المسيح قانا في جنوب لبنان، وقد عدّه باحث لبناني من آل رحيباني مواطناً سورياً، في كتاب صدر له قبل سنوات بعنوان" المسيح السوري" ... وشاوول فقد بصره ورُدّ له في الطريق إلى دمشق وتحول من عدو للمسيح إلى مسيحي، وفي مصادر كثيرة وعديدة سنجد دمشق وصيدا وصور مقصدا لأهالي فلسطين كما سنجد القدس ونابلس والجليل امتداداً طبيعياً للجولان ومقصداً لأبناء حوران والضفة الشرقية لنهر الأردن.

بالنسبة للكتاب المقدس في عهده القديم ففلسطين أرض مقدسة مثل بعض مناطق بلاد الشام دمشق والجولان والقلمون وجبل لبنان وحتى مرتفعات البياضة، التي يقال إن السيد المسيح زارها وعلّم فيها ... استمر الأمر لثلاثة آلالف عام وأكثر، رغم وجود ممالك آرامية متنازعة حيناً ومتعاونة حيناً آخر.

وعلى الرغم من الحروب والأزمات والجوائح ما كان لحاكم أو سلطة في تلك البلاد الشامية أو السورية أن تفكر بمنع الحراك الاجتماعي الطبيعي والعلاقات اليومية بين حواضر سورية من الفرات وصولاً إلى النقب وغزة، ومن إيلات الى حلب وديار بكر ومرسين، لأجل ذلك كانت ثقافة هؤلاء الناس متقاربة جداً فيها الكثير من المشتركات، في كل المستويات الفكرية والدينية والمعاشية الاقتصادية وصولاً للفنون الشعبية من غناء وشعر وزجل وفنون الطبخ، مع تميز خاص لكل منطقة ومدينة بشيء تبدع فيه عن سائر الحواضر السورية، الأمر الذي يميز هذه المنطقة ويزيدها جمالاً وبهاء وإبداعاً ... ويرفع من مستوى الحراك والتفاعل بين أبنائها، طلباً لمعرفة واختبار الخصوصيات المحلية المناطقية، وهو أمر لا يمنع الوحدة العامة لما يمكن أن نسميه الشعب الشامي أو الشعب السوري .. ذي هوية واحدة إلى حد بعيد..

ومقابل ضعف الهوية الشامية أو السورية ومحاولة تذريرها والقضاء عليها في سبيل خلق هويات سورية وخلق شعوب سورية ( استخدم مصطلح "الشعوب السورية" في خطاب بوتين ووزارة خارجيته أكثر من مرة) نجد صعود خطاب مذهبي وطائفي يؤكد على المظلوميات لكنه يدعم من حيث لا يحتسب التوجه الأول المشجّع على تقسيم سورية إلى مكونات ودويلات على أسس عرقية وطاىفية .. فيما المطلوب هو العكس من خطاب المظلومية، (رغم وجود مظلومية سورية واسعة يحاول بعض الإعلام المحسوب على جهات سياسية متناقضة إظهارها كمظلومية طائفية) أي إطلاق خطاب يدعم هوية سورية جديدة، منفصل عن خطاب النظام الإجرامي وهو أصلاً لم يتحدث يوماً عن هوية سورية بل ساهم في تحطيم هذه الهوية عمداً بتركيزه على القومية العربية والهوية العربية .. وصولاً إلى لحظة 2011 حين قرر بفعل فاعل إيراني تدمير كل شيء.

حدث الأمر عينه مع الفلسطينيين في مواجهة "إسرائيل الأولى"

يقول جوناثان كروا في مقال شهير له بعنوان "الهرميات القبلية": " كان على الفلسطينيين أن يشحذوا هويتهم الوطنية، وطموحاتهم الوطنية، في مواجهة التهديد المتمثل في ادعاء شخص آخر يعتقد بأن ما لديهم كان دائماً مُلكَه ويعود إليه".

وعكس ما كان ينتظره الشعب الفلسطيني من وقف الخلاف الفصائلي الفلسطيني فقد حدث أن ظهرت حركة سياسية إسلامية في فلسطين تم إنزالها بالبارشوت كما حدث في لبنان مع حزب الله، الذي خلقته إيران بعد افتعال النظام الأسدي حروباً بين فصائل المقاومة الوطنية اللبنانية، حدث ذات الأمر مرة ثانية في فلسطين، وفي أكثر من ساحة عربية، إذ عملت أنظمة عربية إضافة لإسرائيل على تدمير منظمة التحرير وحركة فتح، والذي فعلته الحركة الإسلامية (كما يفعله الآن التيار الإيراني في حماس) هو تذويب الهوية الفلسطينية لصالح هوية إسلامية عامة، موضوعة أيضاً تحت تصرف إيران أو أنظمة خليجية .. لكأن ايران وأنصارها يلتقون مع إسرائيل وأنصارها في تذويب الهويات الوطنية لكل من شعبَي سورية وفلسطين، لصالح هويات حزبية وفصائلية جزئية، أو لصالح هوية أممية دينية.

كتبت يوماً في الإشارة إلى مدى ارتباط السوريين بفلسطين، تلك التي كانت في وجدانهم قبل عقود قليلة، هي جنوب سورية، كتبت أن في كل سوري، فلسطينياً صغيراً، وأقول اليوم إن كثيراً من فلسطينيي الثورة السورية كانوا سوريين كباراً أكثر من سوريين كثر ساروا في ركب النظام، أذكر من هؤلاء الفلسطينيين السوريين الكبار المفكر سلامة كيلة الذي عاش في سورية، بل عاش سورية كما لو أنه ابنها، رغم ولادته في بيرزيت المدينة الفلسطينية الصغيرة، ومات منفياً خارج سورية بعد تعذيبه بطريقة بشعة من قبل قوات النظام، ولم يسمح النظام الآخر "الإسرائيلي" لجثمانه أن يُدفن في مسقط رأسه بحجة أنه "إرهابي"؟؟

قصة سلامة كيلة مع سوريا تذكّرنا بقصص سوريين أحبوا فلسطين وماتوا لأجلها نذكر منهم المجاهد عز الدين القسام والمجاهد القاوقجي وغسان جديد وغيرهم كثيرين من السوريين الذين اعتبروا فلسطين قضية سورية، لا ننسى أيضاً أفراداً من مختلف التوجهات الفكرية السياسية قاتلوا دفاعاً عن فلسطين وقُتلوا في غير مكان من لبنان خلال معارك فجّرها النظام السوري هناك ضد الثورة الفلسطينية، منهم شباب من حزب العمل الشيوعي، ولا ننسى شباناً سوريين أعدمهم النظام السوري في دمشق جريمتهم أنهم خططوا لتنفيذ أعمال ضد جهات أجنبية، نصرة لفلسطين.

والمتأمل في تاريخ الصراع الدائر في شرقنا العربي منذ مئة عام تقريباً سيرى بشكل واضح مدى الترابط والتعالق ما بين فلسطين وسورية لدرجة يوقن معها أن يداً واحدة نسجت هذا الصراع، وأن ما يخص فلسطين يخص سورية وما يخص سورية يخص فلسطين، فمن يؤذيهما واحد والذي ينفعهما ويحررهما مشترك بينهما، فلا بد لخلاصهما أن يكون مشتركاً إذاً، خلاص نأمل ألا يكون بعيداً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان - 49 عاما بعد اندلاع الحرب الأهلية: هل من سلم أهلي في


.. التوتر يطال عددا من الجامعات الأمريكية على خلفية التضامن مع




.. لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريبات للبحرية


.. اليوم 200 من حرب غزة.. حصيلة القتلى ترتفع وقصف يطال مناطق مت




.. سوناك يعتزم تقديم أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا| #الظهي