الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحسين فؤاد صايمة، الحياة وقفة عز

مهند طلال الاخرس

2023 / 1 / 15
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


يراهن اعداء الامة دائما على ذاكرة عربية مهترئة لا تختزن ولا تحتضن في ثناياها سيرة هذه الامة المليئة بمحطات المجد والعنفوان؛ بل يجاهدون ايضا لمسح ما علق في ثنايا الذاكرة من لحظات ومحطات مجد يزدحم بها تاريخ الامة، وعبثا يحاولون رغم سيل الاكاذيب والدم؛ فاعداء الامة يعرفون حق المعرفة بان تاريخ الامة العربية والاسلامية وتراثها كخابية الحنين مليء بالمحطات والتجارب التي تحتوي كل معاني العنفوان والعز والانفة التي تبقى على مدى التاريخ، مهما حاولت قوى البغي والعدوان كسر كل محاولات النهوض والقيام، او حتى مجرد الزهو والاعتزاز بهذا التاريخ.

ان محطات المجد ومواقف العز في عقول ابناء امتنا باقية وان اعتلاها الكثير من الغبار، فحتما عند لحظة مقدسة من الزمان يأتي الفرج وينبلج النور من رحم العتمة بعد ان ظن الجميع ان كل شيء منذر بالخراب. فهذا ديدن التاريخ وقانون الطبيعة بالانتصار لاصحاب الحق ولو بعد حين.

ومن تراث الامة وخابيتها نجد بعضا من ضالتنا المنشودة في سيرة البطل العميد طيار مقاتل تحسين فؤاد صايمة، سليل سيرة المجد التي لا تنضب ولا تنقطع، فمن هو ياترى؟

هو طيار مقاتل (أردني، فلسطيني) من نابلس، دخل الكلية الجوية المصرية في عام 1956 بعد العدوان الثلاثي مباشرة، و تعلم الطيران على يد الأبطال المصريين في الكلية الجوية، لكن وقبل الانتهاء من فترة الإعداد و التدريب العسكري الكامل تم سحب هؤلاء الطلاب الطيارين الأردنيين من مصر و إعادتهم للأردن مرة أخرى بسبب الخلافات الناشبة بين الاردن ومصر في عهد الرئيس جمال عبدالناصر والملك حسين.

ثم ذهب الطيار البطل تحسين صايمه مع زملائه الطلاب لباكستان لإكمال دراسة الطيران هناك، كان هناك عشرة طلاب أردنيين في باكستان و أكملوا دراستهم في 14 شهرا، وكان الطيارين الباكستانيين على مستوى عالي جدا في الطيران، لان الطيار المدرس في باكستان يحصل على الأقل على درجة الماجستير في علوم الطيران و دبلومه في علوم التربية أيضا، و بعد مرور فترة من الزمن وكان الطلاب قد اقتربوا من مرحلة التدريب على الطيران والتخرج، تم إرجاعهم للأردن مرة أخرى وكانت العودة هذه المرة بسبب رسالة تذمر من احد افراد البعثة لعمه -رئيس وزراء الاردن- عن الاحوال المعيشية والتدريبية في الباكستان.

ثم سافرت البعثة و كملت دراستها على الطيران في انجلترا، ثم أنهى الطلاب مرحلة الدراسة و عادوا طيارين للأردن.

عاد الطيارين لسلاح الجو الملكي الأردني للطيران على مقاتلة (الفامبير) الانجليزية، وكان في الأردن وقتها سربين أحدهما (هوكر هنتر) و الآخر سرب (فامبير)، وكان يوجد في الأردن بعض الطيارين الانجليز والذين قاموا بتعليم الطيارين الأردنيين فنون القتال بشكل محترف.

وبعد مضي فترة من الزمن تم إرسال الطيار تحسين صايمة وزملائه لانجلترا للحصول على دورة قيادة فرقة الطائرة (هوكر هنتر) حيث سيتم استبدالها بدل من الطائرة (الفامبير) القديمة، وعاد الطيار تحسين وزملاؤه بالطائرات الجديدة للأردن وتمركزت في احد مطارات الأردن العسكرية.

بعد فترة من قيام ثورة اليمن تدخلت مصر لمساعدة الثورة اليمنية، فوجدت مصر نفسها تواجه القوى الرجعية في اليمن ومن خلفها الداعم الاكبر السعودية، والتي اخذ طياروها الامر على عاتقهم ورفضوا الاوامر بقصف القوات والقواعد والمنشأت المصرية في اليمن، وليس هذا وحسب؛ بل هربوا بطائراتهم الى مصر وطلبوا اللجوء اليها، بعد ان اخبروا مصر بالمخطط المعادي للامة.

وعلى اثر تكرر عمليات الهروب بالطائرات الحربية السعودية قامت الأردن بالتدخل لصالح السعودية ومساعدتها عسكريا، ومن ضمن المساعدات تدخل الطيران الحربي الاردني لضرب الاهداف المصرية في اليمن.

لكن بعض الطيارين الأردنيين كانوا يريدون قتال إسرائيل و ليس قتال أي دولة أخرى، فقد كانت مصر في نظر الشباب العربي هي المخلص الوحيد من السرطان الإسرائيلي في المنطقة العربية.

وبناء على طلب السعودية، صدرت الاوامر لقادة سلاح الجو الاردني بالتجهز لضرب اهداف تعود للجيش المصري والثورة اليمنية في اليمن.

فما كان من الطيار تحسين صايمه و الطيار حربي صندوقه إلاّ التوجه بطائراتهم مباشرة من الأردن لمصر. وعند دخول طائرتي (الهوكر هنتر) للأجواء المصرية تم اعتراضهما من قبل المقاتلات المصرية، وتم الاتصال بين الطيارين من (الهوكر هنتر) و التعرف عليهما، ونزل الطيار تحسين صايمه وزميله الطيار حربي صندوقه في احد المطارات المصرية، وتم سؤالهم عن سبب الزيارة الغريبة وتم عقد لقاء للطيارين مع الصحفيين
ونشر الخبر في الصحف، ثم تم لقاء الطيارين الأردنيين مع الزعيم المصري جمال عبد الناصر، وتحدث الطيارين معه، وفي هذا اللقاء طلب الطيارين أن يعملوا في القوات الجوية المصرية، فقد كان كل منهما يريد قتال إسرائيل في معركة العروبة الكبيرة، فابتسم الزعيم جمال عبد الناصر وقام بالاتصال بالمشير عبد الحكيم عامر واخبره انه سيرسل له طيارين من الأردن ويجب أن يعاملهم بشكل جيد، وينفذ رغباتهم في العمل بالقوات الجوية المصرية كطيارين، و تم اللقاء ومقابلة المشير عبد الحكيم عامر الذي رحب بهم بين اخوانهم في القوات الجوية المصرية، وتم توجيههم للعمل في أحد أسراب (الميج 19) في مطار فايد، وكان وقتها قائد هذا اللواء الجوي هو الطيار البطل احمد حسن الدريني.

صدر حُكم في الاردن على تحسين صايمه وزميله صندوقة بالاضافة لقائد سلاح الجو الاردني سهل حمزة بالإعدام على ما قاما به من عمل وذهابهم لمصر، لكن بعد فترة من الزمن تصالح ملك الأردن مع الزعيم جمال عبد الناصر وطلب الطائرات فاعادتها مصر للاردن، وفيما بعد اصدر الملك عفوا عن الطيارين و سقط حكم الإعدام و تم إعلان العفو.

وقبل تنفيذ طلب الملك رجوع الطائرتين (هوكر هنتر) للأردن من مصر، كانت هاتين الطائرتين تطيران وتعملان من وقت لآخر في مصر، حيث كانت تأتي قطع غيارهما من العراق، حيث كان عند العراق سرب من هذا النوع من الطائرة الانجليزية، ثم عادت الطائرتين للأردن لكن بقي الطيارين الأردنيين تحسين صايمه و حربي صندوقه في مصر يعملون كطياري قتال داخل أسراب المقاتلات المصرية، وانتقل الطيارين من الطيران على المقاتلة (الميج 19) للمقاتلة القاذفة (سوخوي 7) في عام 1966.

مرت الأحداث سريعا بالطيار المقاتل البطل تحسين صايمه داخل القوات الجوية المصرية وتدرج في المناصب القيادية وشارك في معارك حرب عام 1967، وشارك ايضا في حرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر عام 1973، وتدرج في المناصب من قائد فرقة تدريب المقاتلة القاذفة (السوخوي 7) حتى وصل لقائد لواء جوي في حرب أكتوبر عام 1973، حيث قاد لواء من مقاتلات قاذفة ميج 21 في حرب اكتوبر 1973، وشارك هذا اللواء الجوي متعدد المهام في الضربة الجوية الأولى بقصف احد مطارات العدو الإسرائيلي في سيناء و أهداف معادية أخرى، ثم قام هذا اللواء الجوي متعدد المهام بقيادة الطيار الأردني تحسين صايمه بالكثير من عمليات القصف الأرضي لمواقع العدو والدفاع الجوي، ودخل في معارك جوية طاحنة خلال حرب أكتوبر، وقد شارك صايمة بكل معارك المواجهة والقتال مع العدو الاسرائيلي وله مآثر كثيرة وكبيرة، ولكن قد يكون اميزها واهمها مشاركته بمعركة المنصورة الجوية ضد القوات الجوية الاسرائيلية والتي تعد اكبر معركة جوية على مدار التاريخ، حيث قاد اللواء 203 في تلك المعركة.

وقد سجل التاريخ لتحسين صايمه ورفاقه احد طلعات الطيران الشهيرة والتي تشتهر صورتها على الانترنت، حيث قام تشكيل مقاتل بقيادته بقصف احد زوارق البحرية الإسرائيلية وضربه.

بقي تحسين صايمه في مصر حيث عاش وتزوج وانجب وتم تكريمه من قبل الحكومة المصرية في 2018 وبقي في مصر حتى وفاته في 13/1/2023، وفي فترة تقاعده وتواجده في مصر افتتح مصنعا للجلود والاحذية والشنط في الجيزة 10 شارع عبد السميع رحيم، وراق الحضر، وحرص على تعليم ابناءه وارضاعهم قيم العروبة الاصيلة.

وفي فترة اقامته وعيشه في مصر لم يتوانى عن تقديم اي خدمة لابناء عائلته وشعبه، فشهد له القاصي والداني بعديد الخدمات الجليلة التي قدمها من بعثات تعليمية جامعية ومساعدات في شتى المجالات.

طوبى للرجال الرجال الذين يغرسون في انفس الاجيال المتلاحقة معنى الحرية والكرامة والرجولة.

طوبى للرجال الرجال من امثال تحسين صايمة الذي يعرفون حدود الوطن والقضية حق المعرفة، والاهم انهم يعرفون حقاً، ان الحياة وقفة عز في زمن عزت فيه الرجولة، وغابت كثير من القيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم