الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كأس المراءاة الخليجية!

حاتم عبد الواحد

2023 / 1 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


خلال فترة الحصار في تسعينيات القرن الماضي، شاءت الاقدار ان يكون رعد بندر (شاعر ام المعارك) نائبا ثانيا لرئيس التجمع الثقافي العراقي (عدي صدام حسين). وكانت هذه التسمية تشمل اتحاد الادباء ونقابة الصحفيين وجمعية المصورين وجمعية الشعراء الشعبيين وفصائل أخرى من تجمعات ونقابات الفن والادب والصحافة.
ابتكر رعد بندر مهرجانا يقام في كل مرة في احدى المحافظات، طبعا المهرجان لتمجيد القيادة السياسية التي القت عليه بردتها ومنحته لقب مدير عام.
تمت دعوتي لأحدى هذه المهرجانات (رغم انني لم اقرأ طوال حياتي في مهرجان حكومي رسمي)، كان المهرجان في محافظة ديالى، ولوجود عائلة احدى عمّاتي في المقدادية فقد فضلت ان تكون سفرتي الى منطقة (الصدور) مكان إقامة المهرجان شخصية ولا أكون ضمن وفد التجمع الثقافي.
في منطقة الصدور كانت المنصة ملآى بـ(الرفاق) رغم ان المهرجان مهرجان شعر وليس مؤتمرا حزبيا، رعد بندر يتوسط محافظ ديالى وعضو القيادة القطرية (مزهر مطني عواد). وكدلالة على كرم شيوخ المحافظة تمت دعوة المدعوين كافة للغداء في مضيف أحد شيوخ منطقة (العنبكية). وصلت الباصات المحملة بِـ ( الشعراء)وكنت بمعية الشاعر صلاح زنكنة فاذا بأفواج من الأطفال والشباب والرجال يتجمعون في باب المضيف ويهتفون ترحيبا بقدوم الوفد ، ولكنني لاحظت ان كثيرا من الأطفال الحفاة كانوا يخبّئون قدورا من الالمنيوم تحت ثيابهم الرثة، كانت وليمة شيخ العشيرة الذي دعانا باذخة، ولكن عيون من كانوا يخدمون المدعوين كانت تقول الكثير، لم استطع ان آكل لأنني كما قلت لدي عائلة في المدينة وقد فطرت في بيت عمتي الفطور الريفي العتيد، ولكن آثرت ان انفرد ببعض الشباب لأستفهم عن قدور الأطفال وعن نظرات كبار السن المنكسرة ممن كانوا يتظاهرون بالكفاف بينما عيونهم لم تفارق أصابع المدعوين وهي تتناول قطع اللحم والسمك مع الرز المعطر بالزعفران والهيل.
كانت الإجابة صادمة، حيث جمع الشيخ من فقراء قريته أموالا طائلة طوال أشهر للاستعداد لهذه المأدبة التي يقيمها الشيخ بتكليف من (الحزب) للتظاهر باكتفاء الشعب رغم جور الحصار وشحة مصادر الكسب. لقد سقت المثال السابق وانا اقرأ يوميا عن بطولة (كأس الخليج)، حيث تتوالى الاخبار عن (اَمان) البصرة، وعن كرم أهلها الأسطوري.
لقد زرت البصرة مرتين في حياتي، الأولى عندما كان عمري عشرين سنة، ففي العام 1978 أراد والدي المسكين( يرحمه الله) ان يرى ابنه الذي هو انا ضابطا في الجيش، فتقدمت الى الكلية الفنية العسكرية الدورة السادسة وقبلت في قسم الهندسة الميكانيكية، ولكن قبل ان تبدأ الدراسة هربت من الكلية ولم اعد اليها بسبب ( الولاء الوطني) لوزير الداخلية السابق في حكومة الكاظمي الذي كان طالبا في المرحلة الثانية في الكلية حينها، فعاقبتني ( القيادة الحكيمة) بعدم قبولي في أي كلية أخرى، وسوف يتم سوقي الى الخدمة الالزامية، ولكن صديقا قال لي ان ( معهد البتروكيمياويات) في منطقة ( السيبة) سيقبلني لو طلبت الانضمام اليه وبهذا انجو من السوق الى الخدمة العسكرية ، وفعلا صعدت القطار النازل من محطة علاوي الحلة الى البصرة، سلام الله على البصرة وأهلها ومائها ونخلها وشوارعها ورائحتها التي تجسد رائحة الجِنان، اخذني سائق تكسي الى السيبة واعادني الى مركز البصرة ولم يقبل ان ادفع له الأجرة بعد ان علم بقصتي ، طبعا لم اقبل في المعهد المذكور، لان اسمي مؤشر في قوائم القبول المركزي كطالب مقبول في الكلية الفنية العسكرية.
وفي المرة الثانية كنت مدعوا لمهرجان المربد، ومرة أخرى سلام على البصرة وأهلها ومائها ونخلها وهوائها ورائحتها التي تجسد رائحة الجِنان، ورغم الدعوة الا انني قرأت مع نخبة من الأصدقاء في باحة فندق الشيراتون بعد تم طردنا من قاعة المهرجان في جامعة البصرة، نعم طردونا، ويمكن للدكتور حسن عبد راضي والشاعر عباس عبد معلة ان يرووا القصة الكاملة لمن يريد سماعها.
كرم البصرة لا يضاهى، ولكن هل بصرة اليوم باهلها الاصلاء وليس الطارئين مستعدة لتكريم عشرات الاف الزائرين؟ الجواب لا اظن، وكل عراقي يعرف الأسباب. فالبصرة التي تنتج 3مليون و500 ألف برميل نفط يوميا تعاني من نسبة فقر تفوق 40% حسب اخر تقارير مفوضية حقوق الانسان، كما انها تعاني من تلوث بيئي هائل بسبب صناعة النفط وبسبب الاسلحة المشبعة باليورانيوم المنضب التي أسقطت على المدينة خلال حروب الأربعين سنة الماضية، كما ان شحة ادوية السرطان قد فاقمت من الوضع الاقتصادي الذي تعاني منه عوائل المصابين، فالمجموع المتراكم لمن يعانون من السرطان في البصرة يقارب الأربعين الفا، إضافة الى مشكلة البطالة ، ومشكلة المخدرات التي أصبحت كارثة تتفوق على كل الكوارث حيث طال الإدمان عليها حتى أطفال البصرة، و هناك مشكلة المشاكل ، وهي الميليشيات والعصابات المسلحة التي تتنازع مناطق النفوذ إضافة الى مشاكل مجتمعية أخرى .
اما بخصوص ( الأمان ) الذي حظيت به البصرة خلال إقامة مباراة ( كأس الخليج) ، فهو امان زائف، ( امان متفق عليه)، فليس من المنطق ان تتحول المدينة الأكثر شراسة في النزاعات العشائرية الى ( جنة سلام) بلمسة ساحر، فمحافظها ( اسعد العيداني) هو ابن المليشيات الإيرانية المسلحة، وقد شغل هذا المنصب بعد هروب محافظها السابق (ماجد النصراوي) بمليارات الدولارات عبر ايران الى استراليا بلد جنسيته الثانية، وقد كان ترشيح ( العيداني) بموافقة قاسم سلي ـ ماني ، رغم ان ( العيداني) منتمٍ الى حزب المؤتمر الوطني العراقي الذي يقوده ( اراس حبيب) بعد اغتيال ( احمد الجلبي) ، فاسعد العيداني هو ذلك الشاب الخارج من جبة خام ـ نئي بعد ان لجأ الى ايران في تسعينيات القرن الماضي بعد حرب الكويت.
اذن فالبصريون غير مؤهلين اقتصاديا ومجتمعيا ونفسيا لتقديم ما تروج له وسائل الاعلام من كرم وامان، وعليه فان اللعبة سياسية تدار من خلف ستار، فما هي أهمية كأس لكرة القدم في مدينة تئن جوعا وكمدا ومرضا، يأخذون نفطها ويعطونها كرة!
يأخذون مستقبلها ويعطونها 15 يوما من الأمان!
يقتلون أهلها ويجلبون لهم الخليجيين الذي لم يقولوا لحكوماتهم
(قفوا) يوم فتحت فوهات كل أسلحة العالم نارها لتمزق صدور العراقيين الأبرياء!
يمنحونهم الطعام والشراب والمبيت وهناك الاف المهجرين من أبناء جلدتهم لا يجدون خيمة يأوون اليها من برد الشتاء ولا لقمة يأكلونها ولا رداء يلبسونه!
هل كان توافد الالاف من الخليجيين الى البصرة محض صدفة او عن طيب خاطر؟
اغلب الظن ان الإجابة ستكون مشروعا سياسيا تديره إيران بمساعدة طابورها الخامس في منطقة الخليج يتمثل باستقلال إقليم البصرة وانتمائه الى تكتل (مجلس التعاون الخليجي)، والا ما سبب الحاح الإيرانيين هذه الأيام على استئناف علاقتهم الودية بالسعوديين؟؟
لقد خرج رعد بندر من مهرجان ديالى الشعري بقطعة ارض لا أحد يعلم قيمتها، فبماذا سيخرج اسعد العيداني من كأس الخليج؟؟
تذكروا أيها العراقيين ان لا أحد من حكام الخليج عربا او عجما يحبكم ويريد لكم مستقبلا سعيدا وآمنا، الا من له اذنان فليسمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل