الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفكير العلمي.. محاولة للفهم

حسن الشامي

2023 / 1 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


ليس التفكير العلمي هو تفكير العلماء بالضرورة. فالعالم يفكر في مشكلة متخصصة، هي في أغلب الأحيان منتمية إلى ميدان لا يستطيع غير المتخصص أن يخوضه، بل قد لا يعرف في بعض الحالات أنه موجود أصلا. وهو يستخدم في تفكيره وفي التعبير عنه لغة متخصصة يستطيع تداولها مع غيره من العلماء، هي لغة اصطلاحات ورموز متعارف عليها بينهم، وان تكن مختلفة كل الاختلاف عن تلك اللغة التي يستخدمها الناس في حديثهم ومعاملاتهم المألوفة. وتفكير العالم يرتكز على حصيلة ضخمة من المعلومات، بل انه يفترض مقدما كل ما توصلت إليه البشرية طوال تاريخها الماضي في ذلك الميدان المعين من ميادين العلم.

والتفكير العلمي لا ينصب على مشكلة متخصصة بعينها، أو حتى على مجموعة المشكلات المحددة التي يعالجها العلماء، ولا يفترض معرفة بلغة علمية أو وموز رياضية خاصة، ولا يقتضي أن يكون ذهن المرء محتشدا بالمعلومات العلمية أو مدربا على البحث المؤدي إلى حل مشكلات العالم الطبيعي أو الإنساني. بل إن ما نود أن نتحدث عنه إنما هو ذلك النوع من التفكير المنظم، الذي يمكن أن نستخدمه في شئون حياتنا اليومية، أو في النشاط الذي نبذله حين نمارس أعمالنا المهنية المعتادة، أو في علاقاتنا مع الناس.

وتتنوع طرق التفكير وذلك تبعا لما تعتمد عليه في شكلها وأسلوبها ومقوماتها؛ فهناك التفكير العاطفي والذي يعتمد بشكل أساسي في تحليله للظواهر والقضايا إلي الناحية العاطفية للشخص نفسه والي الحالة النفسية التي يعيشها لحظة التفكير وبالطبع فان هذا النوع لا يِؤدي إلى نتيجة صحيحة.
وهناك أيضا التفكير السلبي والذي يعتمد بشكل أساسي علي الاستبداد بالرأي وعدم الالتفات إلي أي آراء أخرى وبالطبع فأن هذا النوع من التفكير أدي إلي كوارث عالمية.
وهناك التفكير الهمجي (إن صح التعبير) وهو الذي لا يراعي النتائج المترتبة علي أفعال معينة.
أما التفكير العلمي فهو أسلوب حياة يعتمد عليه وبكل ثقة أي إنسان بدءا من التلميذ في المدرسة ووصولا إلي العالم في مختبره؛ بل ومرورا بالفلاح في حقله وقائد الجيش في ميدان الحرب ؛ فكم من الكوارث والمشاكل والمصائب التي ابتلي بها أصحاب العقول جراء الابتعاد عن هذا النوع من التفكير.

تعريف التفكير العلمي :
التفكير هو ما يحدث في الفاصل الزمني بين أن يرى المرء شيئا ما، وأن يهتدي إلى ما سيفعله تجاهه، وخلال هذا الفاصل تتتبع الأفكار، في محاولة لتحويل موقف جديد وغريب إلى موقف مألوف اعتدنا على التعامل معه، وفيما بعد يتعلم المرء هواية اللعب بالأفكار من قبيل التسلية، ولكن الهدف البيولوجي من التفكير هو تمكن الكائن الحي من الاقتراب مما يفيد بقاءه والابتعاد عن المخاطر، إذًا التفكير في النهاية هو أن يعرف الكائن المفكِّر ما عليه عمله : هل يقترب طمعًا، أم يهرب خوفًا؟ وتُوجَد ثلاث عمليات أساسية تتيح للكائن الحي الإلمام بقدر كاف من المعرفة التي تساعد على التصرف السليم في كل المواقف، وهي الغريزة، والتعلم، والفهم.

أهمية التفكير العلمي وخصائصه :
تكمن أهمية التفكير العلمي في نتائجه وثماره، وتـتـجلى في خصائصه وميزاته، وتنبثق من منهجه وآليته؛ فهو يؤدي إلى الوصول إلى الحل المناسب في الوقت الملائم وبتكلفة أقل. ويمتاز بأنه : 1- تفكير واضح المنهج، مترابط الخطوات. 2- تفكير موضوعي. 3- تفكير منطقي. 4- تفكير هادف. إنـه باختصار تفكير واعٍ، منظّم، منطقي، واضح، إنه تفكير : ماذا؟.. ولماذا؟... وكيف؟
قد لا يدرك أهمية التفكير العلمي من لم يتفحص طريقته في التفكير، ومن لم يعش ضمن منظومة اجـتـماعية يفكر أفرادها علمياً، كما قد لا يستشعر أهميته من لم يتلبس بمنهجية التفكير العلمي يـومـاً من الدهر ولم يذق طيب ثمارها. وقد لا يقتنع البعض إلا بالتطبيق والمثال؛ وهذا أمر طبيعي، مما يحتم مزج الطرح النظري بالتطبيق.

منهج التفكير العلمي :
يتمخض عن التفكير إزاء مـشـكـلــة معينة أو مشروع معين قرار ما، بمعنى أن المفكر ـ في الأغلب ـ عندما يكدّ ذهنه في التفكير فإنه لا يخلو من حالتين : ـ إما تفكير في مشكلة ماضية أو قمة أو متوقعة. ـ أو في مشروع معين. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه قد يفكر الإنـســان في موضوعات جزئية كالتفكير في العلاقة بين قضيتين، وهذا ما يخرج في نظر البعض عن الحالتين السابقتين، وبالتأمل نجد أن مثل هذا التفكير عادة ما يكون حلقة في منظومة تفكير متكاملة إزاء مشكلة أو مشروع معين، وإن لم يكن كذلك، فالمنهج العلمي يشدد على أهـمـيــة أن يستحضر صاحب التفكير في مثل ذلك الموضوع الأهداف التي دفعته إلى التفكير، مع إمكانية وضرورة الاستفادة من المنهج الخاص بالحالتين السابقتين. ومن أجل وضوح أشد في المنهج، ونتيجة أفضل فـي الـنـتـائـج فمن المناسب أن تفرد كل حالة بمنهج خاص.

خطوات التفكير في حل مشكلة معينة :
1- تحديد المشكلة بدقة وتعرية أسبابها (بماذا تفكر؟).
2- تحديد الهدف من حل المشكلة (لماذا تفكر؟).
3- تحديد البدائل (الحلول) الممكنة (كيف تصل لما تريد؟).
4- اختيار أفضل البدائل ومتابعة تنفيذه. (كيف تصل إلى ما تريد على أفضل وجه؟).

تحديد أسباب المشكلة :
يجب تحديد الأسباب التي أوجدتها؛ ويفضل تصنيف تلك الأسباب وتقسيمها وفق اعتبارات معينة مع ترتيبها وفق أهميتها، فمن هذه التصنيفات ما يلي :
1- أسباب رئيسة وأخرى فرعية.
2- أسباب داخلية وأخرى خارجية.
3- أسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة.
4- أسباب مادية وأخرى معنوية.

تحديد الهدف من حل المشكلة :
وتفيد هذه الخطوة إذا عزمت على البدء أو الاستمرار في التفكير في مشكلة معينة :
1- في إضاءة الطريق الذي يجب أن تسلكه لحل المشكلة.
2- وفي المساعدة في تحديد كافة البدائل.
3- وفي اختيار أفضل البدائل الممكنة؛ وذلك أنها تعد معياراً موضوعياً للاختيار؛ فالبديل المناسب هو الذي يحقق الأهداف على أفضل وجه كمّاً وكيفاً.

تحديد البدائل الممكنة :
عند التفكير في البدائل الممكنة يجب اصطحاب الأهداف وتذكرها؛ لأن ذلك مُعينٌ على توليد البدائل من جهة، وعلى استيعاب كافة البدائل الممكنة من جهة أخرى.

اختيار أفضل البدائل ومتابعة تنفيذه :
يجب إخضاع البدائل التي تم تحديدها لدراسة علمية موضوعية يتمخض عنها تحديد البديل المناسب، من خلال تحديد البديل الذي يحقق الأهداف على أفضل وجه كمّاً وكيفاً.

خطوات التفكير العلمي :
1- تحديد المشكلة.
2- جمع المعلومات والملاحظات ما أمكن.
3- فرض حل للمشكلة اعتمادا علي المعلومات السابقة والخبرة الشخصية.
4- تجربة الحل السابق.
5- إن كان الحل صحيحا فقد حققنا الهدف؛ وان كان خاطئا فيجب الرجوع إلي الخطوة 3 حتى نصل إلي الحل الصحيح.
وتبرز براعة هذا النوع من التفكير في سهولته واحتوائه علي النقد الذاتي مما يميزه عن باقي الطرق الأخرى.

سمات التفكير العلمي :
التفكير العلمي، أو العقلية العلمية، ليس بمعنى تفكير العلماء وحدهم. على أننا لن نتمكن من إلقاء الضوء على هذه الطريقة العلمية في التفكير إلا إذا ألممنا بشيء عن أسلوب تفكير العلماء، الذي انبثقت منه تلك العقلية العلمية في مجتمعاتهم. فتفكير العلماء هو مصدر الضوء، ومن هذا المصدر تنتشر الإشعاعات في شتى الاتجاهات، وتزداد غموضا كلما تباعدت، ولكنها تضيء مساحة أكبر في عقول الناس العاديين كلما كان المنبع الأصلي اشد نصاعة ولمعانا.
ومن هنا كان لزاما علينا أن نعود إلى الطريقة التي يفكر بها رواد العلم، لا في تفاصيلها الفنية المتخصصة، بل في مبادئها واتجاهاتها العامة، التي هي الأقوى تأثيرا في تفكير الناس العاديين.
والتفكير العلمي هو موضوع الساعة في العالم العربي. ففي الوقت الذي أفلح فيه العالم المتقدم، بغض النظر عن أنظمته الاجتماعية، في تكوين تراث علمي واسخ ممتد، في العصر الحديث، طوال أربعة قرون، وأصبح يشكل في حياة هذه المجتمعات اتجاها ثابتا يستحيل العدول عنه أو الرجوع فيه، في هذا الوقت ذاته يخوض المفكرون في عالمنا العربي معركة ضارية في سبيل إقرار ابسط مبادئ التفكير العلمي، ويبدو حتى اليوم، ونعن نمضي قدما إلى السنوات الأخيرة من القرن العشرين، أن نتيجة هذه المعركة ما زالت على كفة الميزان، بل قد يخيل إلى المرء في ساعات تشاؤم معينة أن احتمال الانتصار فيها اضعف من احتمال الهزيمة.

المنهج العلمي المعاصر :
البحث العلمي احد أوجه النشاط التي يمارسها العلماء باستقصاء منهجي في سبيل زيادة مجموع المعرفة العلمية وتقنياتها، وأغلب المشتغلين بالبحث العلمي في مجال العلوم الطبيعية يعتقدون أن أي دراسات منهجية في كيفية إجراء البحث العلمي لا يمكن أن تأتي بفائدة تعادل التدريب الذاتي للباحث، والاسترشاد بخبرات المتمرسين في ميدان اهتمامه، عند معادلة المراحل الفعلية في البحث.
أما المنظرون فيرون أن علمية البحث العلمي إذا ما تركت تماماً للتجارب الشخصية والممارسات العفوية المضيعة للوقت والجهد، فإنها لن تؤتي أبداً كامل أكلها، ولهذا يسعى هؤلاء المنظرون ـ من العلماء والفلاسفة وغيرهم إلى تحليل الطرق التي تمت بها الكشوف العلمية، واستنباط بعض التعميمات من آراء العلماء الناجحين لتكون بمثابة قواعد عامة للإرشاد والتوجيه، أو مناهج في البحث العلمي. وبطبيعة الحال، تتطلب فروع العلم المختلفة مناهج مختلفة.
ومع ذلك فهناك بعض المبادئ الأساسية والأساليب الذهنية التي تشترك فيها أغلب أنواع البحث العلمي. ويطلق على العلم المعنى بطرق ومناهج البحث في العلوم، للوصول إلى الحقيقة العلمية أو للبرهنة عليها، اسم (علم مناهج البحث) (الميثودولوجيا methodology)، وهو ضمن موضوعات (فلسفة العلم) التي اتسع في العصر الحاضر ليشمل دراسة وتحليل كل ما يتعلق بالعلوم ولغتها وتطورها وتقنياتها من مختلف النواحي المعرفية والمنهجية والقيمية والأنطولوجية والاجتماعية والتاريخية وغيرها، وذلك بهدف التعرف على مكانة العلم في حياتنا ودوره في تكوين نظرة الإنسان الشاملة إلى قضايا الوجود والحياة.
إن نظرة فاحصة إلى كتابات المتخصصين في العلوم وفلسفتها على حد سواء يمكن أن تدلنا على حقيقية هامة مؤداها أن مناهج البحث العلمي ليست أبداً قواعد ثابتة، بل هي تتغير تبعاً لمقتضيات العلم وأدواته، وتكون قابلة للتعديل المستمر حتى تستطيع أن تفي بمطالب العلم المتجددة، وإلا فإنها تكون عبئاً على حركة العلم وتقدمه.
كما أن العلوم المعاصرة قد بلغت درجة من التشابك والتداخل فيما بينها، بحيث يصعب معها الفصل التام بين أصول المنهج الثابتة، وفروعه القائمة على جدلية العلاقة المتغيرة بين الملاحظة التجريبية وتفسيرها العلمي أو المنطقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح