الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشبكة الوطنية لتحالف مدافعي ونشطاء حقوق الإنسان.

فرات المحسن

2023 / 1 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


في مؤتمر عقد في بغداد وبمبادرة إيجابية، أعلن عن تأسيس تجمع غير حكومي للدفاع عن حقوق الإنسان بمسمى (الشبكة الوطنية لتحالف مدافعي ونشطاء حقوق الإنسان). وسبق للبرلمان العراقي أن اتخذ قرارا يقضي بحل ما كان يسمى مفوضية حقوق الإنسان، وهي واحدة من الهيئات التي ظهرت على عهد سلطة الإدارة المدنية للاحتلال الأمريكي، ووضعت لهيكلتها وإدارتها مجموعة شخصيات حكومية. وأشارت الأنباء لسبب حلها، حيث جاء بناءً على رغبة جماعية في البرلمان العراقي. وبحسب أقوال البعض من أعضاء المفوضية المنحلة، فقد تم حلها لتعطيل دورها والهدف البعيد من ذلك، إخفاء ما يحصل من انتهاكات لحقوق الإنسان.
مع مقاربة صورة الحدث واستجلاء الموقف مع ما تحمله فكرة الدفاع عن حقوق الإنسان من أهمية قصوى، وللحاجة الماسة لضمانها أمام كم التعديات والخروقات التي تطالها كواقع ومفهوم، يطرح السؤال الملح:هل المجتمع العراقي بحاجة لحركة تدعو وتدافع عن حقوق الإنسان؟ وما هي معايير تشكيل هذه الحركة، وبرامجها وأهدافها وطبيعة علاقتها السياسية والاجتماعية.
على مدى تاريخ طويل من عمر الدولة العراقية شهد المجتمع العراقي الحديث جملة من الأزمات والاختلالات البنيوية الخطيرة التي طبعت سماتها الحادة على سلوك الأفراد والجماعات . فرغم التأريخ الطويل من الوجود الإنساني الفاعل في تلك البقعة الجغرافية، فملامح الانسجام الاجتماعي الوطني، دائما ما كانت بعيدة المنال، بسبب إشكاليات لا حصر لها، إن كانت ناتجة عن تشوهات في تركيبة أو طبيعة الحراك المجتمعي، أو بسبب تعديات مؤسسات السلطة وسلوكها العنفي. لذا نجد الدولة العراقية ولحد الآن مازالت مشروعا في طور التكوين لم تكتمل عدته في التحول إلى مواقع السيادة الدستورية والقانونية.
حين شكلت دولة العراق الحديثة مطلع العشرينات، تصاعدت مع التشكيل حدة الأزمات والنزاعات الاجتماعية –الاقتصادية. وطفح إلى المقدمة بشكل حاد مشهد الصراع السياسي (الحديث ) امتدادا وإفرازا لواقع الصراعات المجتمعية الأخرى . ولم يكن ذلك بغريب على مجتمع مستحدث، تتشابك فيه وتتناحر مصالح عدة لفئات وتشكيلات اجتماعية اقتصادية داخلية وإقليمية ودولية .وأفرزت السنوات الطويلة من عمر الدولة العراقية صراعات ونزاعات وميول عدوانية. انطوت عليها طبيعة الصراع السياسي والاجتماعي المشوه.كان من أولى وأهم أسبابها، الطبيعة التخريبية لأداء السلطة ومؤسساتها ،وكذلك غياب مؤسسات المجتمع المدني أو انعدام تأثيرها الإيجابي.والأخطر في ذلك مشاركة بعض تلك الفعاليات المجتمعية في تصعيد لغة العنف والعداوات. ووفق تلك السلوكيات والمؤثرات، أفرزت الوقائع الكثير من المؤسسات والأفراد، ممن الحقوا الضرر الجسيم في مختلف مناحي حياة المجتمع العراقي وعلى جميع الأصعدة.
واليوم يبدو أن السلطة ومؤسساتها لم تعد راغبة في الابتعاد عن النهج القسري وأحيانا العنفي للحلول الموجب اتخاذها في معالجة الأوضاع السياسية والاجتماعية.وكذلك لا زالت شرائح وفعاليات وأشخاص، لم تستطع التحرر من استحكامات النفرة والخصومة والعدوانية ووضع المتاريس و المصدات في وجه الآخرين، واتجاه كل ما يجلب الخير والتقدم والسلام للعراق .
إن الخلل المؤسساتي والاجتماعي، يؤشر في جميع الأحوال لغياب الديمقراطية والنواظم القانونية المؤسساتية.وإن ذلك الغياب سبب حاسم في ابتكار أشد الوسائل والطرق المجحفة والملتوية التي تحمل الكثير من التعديات على حقوق الإنسان وطموحاته وأمانيه. وذلك المشهد الملتبس والقاسي للوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في العراق، يستدعي وبشكل ملح قيام تجمع وفعاليات وحركات جماهيرية للدفاع عن حقوق أبناء الشعب ومصالحهم الحيوية، وحقهم الطبيعي بالمشاركة الفعلية في رسم مصائر الوطن على جميع المستويات .وأن تدفع تلك الفعاليات شرائح المجتمع العراقي للعمل من أجل التقدم والديمقراطية والتنمية الوطنية، وان تكون نواة فاعلة وواجهة حضارية تمثل حقيقة وطبيعة الفرد العراقي بكل سجاياه الطيبة والعقلانية.
لا يمكن الإنكار بأن تشكيل حركة للدفاع عن حقوق الإنسان، يتطلب التدقيق في الكثير من المعوقات، ولكن إجمالا فأن وجهين أو جانبين حاسمين يمكن تأشيرهما كعاملين لخلق وإدامة المعوقات ووضع المتاريس أمام تلك المهمة.الأول يتمثل في أداء السلطة ومؤسساتها، والمتخذ جانب القسوة والإكراه، الذي بنيت عليه أغلب نظم عملها، منذ النشوء الأول للدولة سنة 1921 ولحد الآن. وسبق للفاشية البعثية أن أضافت وابتكرت الكثير من الطرق والأساليب العنفية التي أثرت بشكل حاسم وناجز في تركيبة البنية الوطنية وعملت على تفتيتها ،وصعدت بشكل فج وسافر الخصومات الطائفية والأثنية، وثلمت الكثير من الحقوق القانونية للأفراد وكذلك لمؤسسات المجتمع.
ولم تكن تلك الأفعال الإجرامية وآثارها التي اقترفت على مر تلك العهود لتختفي بسهولة، فقد ورثت قطاعات وشرائح مجتمعية الكثير من سماتها، وعشعش تراثها وتقاليدها العنفية بين أوساط الكثير من إدارات مؤسسات الدولة، وكذلك عند بعض الأوساط الحزبية، وهذا ما تؤكده سطوة انتشار السلاح والمقاضاة خارج القانون والنزاعات اليومية بين الأفراد والجماعات. ونشاهد يوميا كيف تتماثلها وتؤكدها شرائح اجتماعية، لا زالت تتعكز على الطابع المتخلف للعلاقات الاجتماعية ،وتتخفى وراء منظومة من الأفكار والممارسات التي تريد بها إعادة المجتمع وفق نسق محدد يخدم مصالحها الشخصية والفئوية والحزبية. يدفعها إلى ذلك الخوف من كون البناء الحضاري وسيادة القانون والديمقراطية، سوف يسلب منها مستحقات ويكشف فيها الكثير من العيوب والفساد.
وفي هذا الجانب من الخلل يمكن الإشارة بقوة لعلاقة بعض مؤسسات المجتمع المدني من مثل الأحزاب والفعاليات الجماهيرية بمفهوم حقوق الإنسان وسيادة القانون والحريات المدنية. فالكثير من تلك المؤسسات لم يرتقِ ولحد الآن لمستوى إدراك مهامها كمؤسسات مدنية، وإنما انجرت لمواقع ردود أفعال آنية تتماثل أساساً وفعل السلطة ومؤسساتها.ووصل الأمر بالبعض منها إلى التغاضي عن ضرورة بناء دولة القانون والمؤسسات الكافلة لحقوق الإنسان، وشرعنت عمليات الالتفاف على الصيغ الواضحة والجلية لمفهوم الديمقراطية والحريات.وأخضع البعض منها، تكويناته وهياكله التنظيمية ونشاطاته الداخلية وعلاقته بالآخرين، لسياقات وطرق الإقصاء والطعون والإيغال في الإجراءات السرية والتشبث بالمركزية كخيار وحيد للحصانة، ومورست لغة حوار مموهة وتضليلية مع الأخر، مبنية على نمط الأفكار الكيدية والسرية والمخاتلة والحذر، والشروط التعجيزية المسبوقة بالنوايا غير الحسنة .وباتت لغة الخصومة والإقصاء تقليدا وتراثا ،لا يمكن الابتعاد أو التخلي عنه، في علاقات تلك المؤسسات المدنية مع بعضها البعض.
ورغم وجود كل تلك الصور القاتمة لفعل السلطة ومؤسساتها، وأيضا من جانب مؤسسات المجتمع المدني،فأن هناك الكثير من الجوانب المشرقة الباعثة على الأمل والمحفزة على العمل، يمكن تأشيرها ورؤيتها في التأريخ الطويل من نضالات شعبنا العراقي، الذي قدم الكثير من التضحيات لأجل دفع عجلة التقدم والتنمية الحضارية وإشاعة الحريات وتسيد أسس العلاقات القانونية .ورغم المواجهات الدامية والأعمال الوحشية التي مورست ضد الكثير من دعاة الحريات والحقوق المدنية ، ولم يكن أخرها ما حدث في انتفاضة أكتوبر المجيدة المستمرة منذ عام 2019 ولحد الآن.
فالعراق اليوم زاخر بالكثير من الشخصيات والشرائح والمجاميع الواعية والداعية لضرورة بناء المجتمع المدني على أسس منهجية حضارية، تكفلها القوانين وشرع المواطنة.وهذه المجاميع تضع نصب أعينها ، الأهمية القصوى لدفع الأذى عن المجتمع،عبر التبشير والتنوير بأهمية الديمقراطية والحياة الدستورية والتعددية، وقبل كل هذا وذاك ضمانة حقوق الإنسان .وهؤلاء هم النواة الفاعلة لدفع المجتمع لتطوير أدواته في مواجهة العنف والسلطات القمعية ، ولتكون حياة العراقيين ومصير الوطن أكثر سلماً وأمناً وحرية واستقرارا . وعندها تكون الدولة حق جماعي يضمن للجميع المشاركة في صياغة إرادتها وقواعد عملها وأداء سلطاتها. وتشيع في المجتمع وتلعب الدور الأساسي، المفاهيم المؤسساتيه والشفافية الديمقراطية، المستمدة قوتها من أعراف وقواعد احترام القانون الضامن لحقوق الإنسان والناظم لعلاقة الفرد والمجتمع بمؤسسات الدولة .
لذا فالشبكة الوطنية لتحالف مدافعي ونشطاء حقوق الإنسان، ووفق صيغ وأعراف ومعايير حركات الدفاع عن حقوق الإنسان، هي تنظيم وطني عراقي عام . يجمع في صفوفه مجموعة من العناصر بمختلف مشاربها، بغير تحديد لهوية فكرية تستند إلى أيدلوجية بعينها ،وإنما تنطلق من توجهات ومبادئ عامة تصاغ وفقها أفعالها ورؤاها لمجريات الأحداث والوقائع اليومية .ومن هذا فالحركة بطبيعتها المستقلة السلمية تبتعد بشكل ناجز عن الخوض في الصراعات الحزبية. وتكون في هيكلتها وأطرها غير منتظمة بتراتبية وفق الصياغات الحزبية . وعلى الشبكة أن تقف بالضد من هيمنة الدولة على جميع القرارات وتكون خصما قانونيا لها. ودور المنظمة يصب في مجال خلق التوازن، لتسود لغة القانون وضمان العدل والتكافؤ، والأهم في ذلك ممارسة الرقابة على مؤسسات الدولة والمجتمع، وتأشير الاختلال والخروقات التي تقترفها أجهزة السلطة، ومثلها أيضا فعاليات المجتمع وبالذات منها الأحزاب والقوى السياسية. وتعمل بحزم بالضد من مظاهر الفساد الإداري والمالي وانتشار السلاح المنفلت، والدفع للعمل وفق الخيارات السلمية في حل العقد والخلافات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإنفاق العسكري العالمي يصل لأعلى مستوياته! | الأخبار


.. لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م




.. ألفارو غونزاليس يعبر عن انبهاره بالأمان بعد استعادته لمحفظته


.. إجراءات إسرائيلية استعدادا لاجتياح رفح رغم التحذيرات




.. توسيع العقوبات الأوروبية على إيران