الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فهم حضارة الغرب لمجابهة الاصوليات الشعبوية -2

لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل

(Labib Sultan)

2023 / 1 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كيف نفهم حضارة الغرب ومناقشة أهميتها لعالمنا العربي المعاصر
ربما لا نحتاج الى اكثر من خمسة مصطلحات فقط لوصف حضارة الغرب، وهي : العلمانية، الديمقراطية، الليبرالية، الأقتصاد الرأسمالي الحر ، العدالة الأشتراكية ، فهي تمثل أهم الاسس الفكرية التي قامت وتقوم عليها حضارة الغرب الراهنة . ان هذه المصطلحات والمفاهيم تطورت خلال اربعمائة عام بشكل متتابع، اجتمعت بسلسلة ،يكمل بعضها بعضا، واصبحت تمثل حضارة الغرب ونظمه وفلسفته التي نراها ونعيشها اليوم.

بدء الغرب بتطوره الفعلي منذ منتصف القرن السابع عشر بادئا في خوض معركة العلمانية , للتخلص من سيطرة الأصولية المسيحية على المجتمع وشكل الحكم وعلى الفكر عموما وحتى حياة الفرد في اوربا. بدئت هذه المعركة على مستويين الأول الدعوة لتحرير العقل في البحث عن حلول علمية عقلية لفهم الطبيعة والمجتمع والحكم ، بعيدا عن المقولة الدينية, كما طرحها بجرأة الفيلسوف البريطاني بيكون 1561-1626 م ،والهولندي سبينوزا 1632-1677م في القرن 17 ، والثانية تبلورت في افكار الحلقة الواسعة حول الفيلسوف الفرنسي فولتير 1694-1778، ودعيت بفترة التنوير، خصوصا هذه المرة في الدعوة الواضحة لفصل الدين عن الدولة وعن السياسة وعن ادارة شؤون المجتمع والتعليم والتشريع غيرها ،وجعلها تدار بقوانين مدنية. استمرت معركة العلمانية في اوربا لقرن قبل ان تتمكن من احراز اولى انتصاراتها منذ منتصف القرن الثامن عشر على شكل قوانين واصلاحات في بريطانيا وهولندا والمانيا والدانيمارك ،وتوجت مع نهاية القرن 18 باقرارها رسميا في دساتير الدول مثلما في الدستور الاميركي عام 1785 والفرنسي 1793 م. لقد كسبت المجتمعات الغربية هذه المعركة بجهود واعمال العشرات من مفكريها وعلمائها وكتابها ومتنوريها تمكنت من خلالها ارجاع الدين الى المعبد مع ضمان حرية ممارسة الطقوس والشعائر للجميع. انها ربما أهم معركة فكرية خاضتها البشرية في تاريخها على الاطلاق، حيث ترتب عنها البدء بالاخذ بالعلم العقلي الاجتماعي والحقوقي بعيدا عن الدين للانطلاق بالاصلاحات الاجتماعية والسياسية والحقوقية في المجتمعات واحلال العلم ومنهج العقل بديلا للمقولات الدينية، ومنها اصبح العلم هو السبيل لتطوير المجتمع ومؤسساته بما فيها شكل الحكم والتعليم والقضاء وادارة شؤون المجتمع . ان التجرؤ على التمرد على الدين ، ومن ثم اطلاق العنان للعقل المتحرر للابداع في العلم الطبيعي والاجتماعي هو الذي وقف وراء تطور الحضارة الاوربية لاحقا ، وبه تمكن من تطوير حضارة مجتمعاتها . ان التخلص من سطوة المقولات الدينية على الدول والمجتمعات والافراد قد مهد فعليا طريقها نحو التحضر والرقي. ان عالمنا العربي مازال يخوض هذه المعركة الأساسية وليس لنا غير تجارب الغرب في اقامة النظم العلمانية والمدنية ، وبدون كسب هذه المعركة تبقى قوى الظلام والرجعية الدينية التقدم والحضارة عن مجتمعاتنا العربية ، انها المعركة الأولى من ضمن معارك مجتمعاتنا العربية للخروج من حالة التخلف والبدء بالنهضة ، وهي ربما من اصعب المعارك اليوم، خصوصا بعد بروز وتمكن الاسلام الاصولي في السيطرة على مجتمعاتنا من جديد بعد فشل القوى العلمانية العربية في اقامة نظم علمانية ديمقراطية ناجحة ،خصوصا في النصف الثاني من القرن العشرين، بعد ان كانت العلمانية بدأت بالسواد خلال النصف الاول منه في أهم بلدان المشرق العربي مصر وسوريا ولبنان والعراق. انها اليوم معركة صعبة لأن مجتمعاتنا فقدت عمليا الثقة بالقوى العلمانية التي فشلت في طرم واقامة بنماذج دولا ناجحة بعد انقلابها على النظم التي اقامها الغرب في المنطقة بعد انحلال العثمانية المتخلفة، وعلى القوى العلمانية العمل على استعادة هذه الثقة ، من خلال مراجعة منهجية وعلنية لأخطائها اولا ، قبل الطلب من الجمهور انخراطه معها في تجربة جديدة بوعود لأقامة نظم علمانية ناجحة، وهو امر يحتاج لتفصيل اكثر سيتم تناوله في الجزء القادم.

رافقت العلمانية معركة موازية ،اتت نتيجة مباشرة لها ، هي الديمقراطية ، التي قامت على مطلب اشراك ممثلي الشعب في تشريع القوانين والنظم التي يصدرها الملك الحاكم المطلق الذي بويع بأسم الله ومباركة الكنيسة , لمشاركته في سلطاته من قبل برلمان ينتخبه الشعب واقامة دستور للحكم ، أي إنهاء الحكم المطلق ليصبح مقيدا بدستور وبرلمان لاقرار التشريعات والقوانين. أنها بلاشك نقلة جوهرية اخرى في التاريخ , جاءت نتيجة لتطور القكر العلماني الأجتماعي والحقوقي , كما طرحه فلاسفتها السياسين مثل البريطاني توماس هوبز 1588-1679 م في طرح فلسفته في السياسة واقامة الحكم على اسس يماثل العقد الاجتماعي ، وتبعه الفيلسوف جون لوك 1632-1704م في طرح مفهوم وجوب خضوع الحكم لارادة واختيارات المجتمع ممثلا باراة افراده ، وجعل حريات الافراد الطبيعية اساسا للحكم وادارة المجتمع ،ومنها حرية الرأي والعقيدة ، كواحدة من من أهم اسس الحكم . توجت طروحات الفلاسفة البريطانيين وانصارهم في احراز اول نجاح في تقييد الحكم المطلق من خلال الأصلاح البرلماني الذي تم في بريطانيا عام 1688م . تلاه التحول للاصلاح في فرنسا وعلى مدى قرن كامل تطوير نظريات الحكم، بدئتها نظرية فصل واستقلالية السلطات الثلاث في الحكم لمونتسيكو 1691-1755م والتي قوضت كليا سلطة الحكم المطلق، وفلسفة جان جاك روسو 1712-1778 حول الحكم وفق عقد اجتماعي لتنظيم علاقة الحكم بالمواطنين وفيما بينهم، وفلسفة المواطنة ولمساواة في الحقوق عند فولتير ، جميعها ساهمت في تطوير مفاهيم الفكر السياسي وهيأت الظروف لقيام الثورة الفرنسية عام 1789 م واقامة اول جمهورية في اوربا ( ويرجع اغلب المؤرخين محقين ان اقامة نظام جمهوري قبلها في الولايات المتحدة عام 1785م ، أي قبل اربعة سنوات من الثورة الفرنسية ، يعود لتاثير مفكري ماقبل الثورة الفرنسية على مؤسسي الاستقلال الامريكي ) . اقرت الثورة الفرنسية الجمهورية مبدأ المساواة ، اي في الحق المتساوي لكل مواطن للأنتخاب، حتى مع اكبر اقطاعي او كونت او كاردينال مثلا، وتطور في القرن العشرين ليعطي المرأة نفس الحق . انها معركة دامت في الواقع قرابة ثلاثة قرون في اوربا لأنضاج شكل الحكم الديمقراطي الدستوري البرلماني الحالي. وتطورلاحقا الى ليشمل الاطراف الولايات والاقاليم وحتى المدن بانتخاب الحاكم والبرلمان والسلطة التنفيذية المحلية من الشعب ، وليس بتعيين من الحاكم في، أي التحول للنظام الديمقراطي اللامركزي في الأدارة كما نراه اليوم في كل دول اوربا ومعظم دول العالم تقريبا ، وتطور الى انتخاب مجالس البلديات حتى في أصغر مدينة او قرية لأدارتها من ينتخبهم المواطن ،حيث لاينصبون من الحاكم الاعلى، وتمت قنونة التداول السلمي للسلطة، وتحديد مسؤوليات الحاكم وسلطاته قانونيا وعلى كافة المستويات وكيفية محاسبته واقصاءه عند التقصير وفق تصويت شعبي او من البرلمانات المنتخبة على مستوى الدولة و الولاية وحتى مجالس المدن والقصبات. وتم تدريجيا التحول في هذه الديمقراطيات الى لمنافسة على اساس البرامج الخدمية والتطويرية وليس على اساس البرامج السياسية والافكار الايديولوجية للاحزاب التي تتنافس في الانتخابات ، وهي اليوم أهم معالم تطور الديمقراطية في اوربا، ومنها قوة واستقرار انظمتها السياسية .
ينتقد الكثيرون الديمقراطية انها توفر فرصا اكبر للمتنفذين بالفوز والسيطرة على السلطة ، وربما هذا هو مننواقصها، ولكنها رغم ذلك تبقى افضل من النظم الديكتاتورية القائمة على الحاكم المستبد والحزب الواحد، خصوصا وان تطور وقوة الاحزاب الديمقراطية ونفوذها الشعبي يفوق قوة المتنفذين، بعملها بين الجمهور لتحصل على الفوز، فالديمقراطية في نهاية المطاف هي منافسة بين احزاب وبرامج . والغرب هنا في فلسفته وتجاربه هو مصدر اساس في اقامة النظم الديمقراطية وتطويرها ، فهي منظومة متكاملة ولاتقتصر على اقامة انتخابات وبرلمانات يمكن للسلطة او الحاكم تزويرها ،كما يتم في عالمنا العربيدجلا انها منتخبة ، بل يجب ان تتكامل معها نظما واطرا قانونية تتيح الحريات للافراد وللاحزاب لنشر برامجها واقناع الناخبين وفق فرص متساوية، وذلك لن يتم الا من خلال فرض قوانين تبعد اجهزة الدولة ومؤسساتها عن التسيسى الحزبي ، كون الدولة للجميع ومؤسساتها هي وطنية للجميع ودائمة، بينما الحكومات تنتخب لفترة لانجاز برنامج للخدمات ، وقوانين تخضع الحكومة للرقابة والمحاسبة من الاجهزة المستقلة للدولة المستقلة عن الحكومة، ومنها القضاء ،والمدعي العام ، اضافة لرقابة الصحافة والاعلام والرأي العام. ان النظم الديمقراطية اليوم هي منظومة متكاملة لايمكن اخذ الشكل منها فقط، كما تعمل الانظمة الديكتاتورية المغلفة بمجالس الشعب مثلا . لابد من فهم وتحليل نظم الديمقراطية، السياسية والاجتماعية وفهم تجارب اوربا والغرب لخوض هذت المعركة الكبيرة واقامة نظم ديمقراطية متكاملة وحقيقية ، وليس لنا غير الغرب وتجاربه مرجعا في هذا المضمار . يوجه الاصوليون العرب بانواعهم سهامهم للديمقراطية الغربية باعتبارها مزيفة لصالح الطبقات المتنفذة ، ولكن الحقيقة انها تمثل نموذجا معاكسا للديكتاتوريات التي اقاموها أو التي سيقيمونها عند وصولهم لدست الحكم. وليس غريبا ان نرى المؤدلجين الاصوليين ينادون بها حينما يكونوا خارج هذا الدست، فهي عندهم قطارا للوثوب للحكم، وبعدها تعمل الايديولوجية الشمولية على تصفيتها وفرض نظم ديكتاتورية، وستتم مناقشة الاتهامات الموجهة للديمقراطية الغربية بشكل منفصل في الجزء اللاحق.

المبأ الأخر الذي تقوم عليه حضارة الغرب هو الليبرالية ، أي فلسفة الحقوق والحريات ، واقرار حقوق الافرد وضمان حرياتهم وتلبية متطلبات عيشهم ووضعه الأساس لوظائف الدولة واحترامها لأعطاء الشرعية للحكم ، كما جائت في اطروحات فلاسفة عصر النهضة والتنوير ، جون لوك وفولتير وغيرهم، وتوجت بشكل مباشر في الثورة الفرنسية عام 1789 بشعاراتها "ألأخوة والحرية والمساوة " التي ثبتت مفهوم وحقوق المواطنة بدل مفهوم " الرعية" الذي كان سائدا قبلها . ان المواطن هو مفهوم قانوني متطور يعرف بحقوقه وحرياته كمواد أساسية جرى تثبيتها لأول مرة في التاريخ في الدستورين الفرنسي والأمريكي وفي فترة واحدة تقريبا نهاية القرن الثامن عشر، ومنه تم تطوير مفهوم الديمقراطية الأجتماعية لأدارة شؤون المجتمع ، فحريات الرأي والمعتقد المشرعة للفرد سيكون مفعولها على كل المجتمع. عكس النظم الايديولوجية التي تفرض ارادتها بأسم الجماعة على الأفراد، أي تماما عكس الليبرالية ، ومقولتها الاساس " "اذا ضمنت حقوق الفرد تكون قد ضمنت حق الجماعة ، ولكن العكس ليس صحيح" ،فمن حرية الرأي والمعتقد للفرد، تنتقل للمجتمع حرية الرأي والأعلام والصحافة وتشكيل الاحزاب والجمعيات . وتطورت الديمقراطية الاجتماعية بفضل الليبرالية الى اضافة قائمة كبيرة وواسعة في القرن العشرين من الحريات والحقوق المدنية العامة،مثل حقوق المرأة والطفل والشيخوخة ، وحقوق الأقليات وضمان حقوق التعدد الثقافي في المجتمع ، وغيرها مما نعرفه اليوم من حقوق في المجتمعات الغربية التي نصفها بالليبرالية.

ويخوض عالمنا العربي اليوم معركة الحريات بشراسة مع قوى الظلام وهو الأحوج اليوم لتجارب الغرب وممارساته وقوانينه التي تضمن للفرد وللمجتمع حقوقا اساسية لا يمكن للحكم التجاوز عليها ، بل هي الاساس هو تطبيقها وتطويرها. الملاحظ هنا ان احدى ميزات الفكر الاصولي الشعبوي هو رفض الليبرالية في منهجه واطروحاته التي تقوم اساسا على طحن الفرد وهيمنة الجماعة ، فالأصوليات تأخذ بحقوق الجماعة اولا باسم الطبقة ، القومية ، العرق، حقوق المؤمنين ، الخ في اطروحاتها الشعبوية لالغاء حقوق وحريات الافراد لأقامة نظم ديكتاتورية ، ومنه التضاد بينها وبين الليبرالية .

المبدأ الأخر الذي تقوم عليه حضارة الغرب هو ادارة الاقتصاد على اساس قوانين الاستثمار الرأسمالي والسوق الحر وفصل ادارته عن الحكم والسلطات ،بل ادارته من المستثمرين انفسهم ومن والاداريين ألشركات)، ويدعى هذا النموذج الغربي الاقتصاد الرأسمالي ، أي الاستثماري الخاص ، والذي بدأت تتبلور قوانينه الاقتصادية التحول للانتاج من خلال الاستثمار بعد الثورة الصناعية في بريطانيا نهاية القرن الثامن عشر، مما مهد الأنتقال من الأقتصاد الزراعي الأقطاعي في اوربا الى الصناعي وظهور طبقات جديدة في المجتمع من العمال والتكنوقراط و الرأسماليين والاداريين والمؤسسات المالية وظهور المدن الصناعية بصورة واضحة منذ منتصف القرن التاسع عشر. ان الرأسمالية كنظام اقتصادي يقوم على الربحية وحرية السوق سواء في اختياره لنوع الأستثمار أوشكله وحجمه وفق دراسة السوق والجدوى الاقتصادية ، الذي يحتاج لدراسات علمية دقيقة ، اضافة لعلوم ادارته له ، ليضمن ادارة كفوءة وربحية عالية . ويصح هنا ان نطلق انه نظام اقتصادي كفوء ويقوم على اسس علمية ،ولم تستطع البشرية بعد من الأتيان بنظام اقتصادي اكثر كفاءة منه رغم الانتقادات اليه لايقاف جشعه وان لايترك له الباب مفتوحا، مما يتطلب تدخل الدولة وتنظيم اعماله بقوانين لحماية العامل والمستهلك والبيئة والمجتمع، وهذا ما يتم اليوم على يد الحكومات والبرلمانات.
لقد تطور علم الاقتصاد الرأسمالي نفسه خلال القرن الماضي والحالي ليتحول تدريجيا من ادوات لأدارة الاستثمارات الى نظام ادارة متكاملة للأنتاج والتسويق والخدمات والادارة المالية اضافة الى الأستثمار، وحتى في ادارة تطوير وسائل الأنتاح بادخال التكنولوجيات الحديثة بدل المكننة لزيادة الأنتاج وتقليص الكلف . ونجح في زيادة ثروات الدخل ودخلها القومي ومنها رفاه المجتمع وافراده ، وتوفير فرص العمالة والتشغيل ورفعها عن كاهل الدولة ،وزيادة المهارات والخبرات والكفاءات الوطنية ، ان تشجيع الاقتصاد الرأسمالي الاستثماري الخاص في عملية التحول للانتاج الصناعي والزراعي والخدمي ، له اهمية خاصة لمجتمعاتنا اليوم للمساهمة في نهضتها الحضارية ، فالانتاج يعلم المجتمعات سبل العلم ، والادارة، والتحضر ، اضافة لتوظيف الملايين من العاطلين اليوم ومنهم مئات الالاف من تضخهم الجامعات سنويا في بلداننا ويبقون دون عمل ودون انتاج، ويساهم في صقل الطاقات الوطنية زيادة الثروة الاجتماعية ويساهم بمكافحة الفقر والعوز الاجتماعي وتحويل دولنا من ريعية استهلاكية الى منتجة ،وفتح الباب امام الابداع والابتكار للموهوبين. نسمع ونقرأ شتى الموبقات والسب والشتم عن الرأسمالية من الاصوليات الستالينية العربية ، ولم نفهم لليوم كيف يريدون نقل مجتمعاتنا الى الانتاجية من خلال الدولة وحكوماتنا يسودها الفساد السياسي والاداري والمالي للنخاع. انها واضحا مقولة مؤدلجة تم استنساخها من السوفيت لأغراض لاعلاقة لها بدراسة واقع مجتمعاتنا واقتصادها الريعي. لا سبيل لمجتمعاتنا غير تعلم واجادة علم الاستثمار الراسمالي والتحول الى الانتاج ان ارادت الخروج من تخلفها وفقرها ولمعالجة البطالة والخروج من الاقتصاد الريعي ، ووقف وتهريب المدخرات للخارج بخلق ظروف استثمارها داخليا ، وانهاء استثمارها ربويا او المضاربة في العقارات ،اي استثمارا طفيليا . ان الاقتصاد الرأسمالي الاستثماري الخاص، يعلم الشعوب ، كما علم اوربا ، كيفية الانتقال من المجتمعات الزراعية والريعية الى الانتاجية .اني اميل لوصف مشهور " ان خلق معمل صناعي وادارته بنجاح يعادل خلق دولة جديدة وادارتها بنجاح " كونهما يحتاجان لأستخدام نفس المعارف العلمية والاقتصادية والمالية والاجتماعية . ان وضع هذه المهمة على عاتق الحكومات ، كما يدعو منتقدي الرأسمالية من الماركسيين العرب، قد اثبت فشله في العالم كما في بلداننا، خصوصا مع اجهزتها المتحزبة، والفاسدة ، و المرتشية السائدة ، وامثلتها في عالمنا العربي وتجاربها كثيرة ، بفشل الأدارة البيروقراطية التي لايهمها غير مناصبها ومنافعها الخاصة، ومنه فشلت التنمية الاقتصادية في اغلب بلدان عالمنا العربي التي اخذت بالمقولة المؤدلجة باسم الاشتراكية من السوفيت ، واذ تخلى ألاخير عنها، بقي مؤدلجونا عليها، فالطبع اساسه التطبع ويصعب تغييره، على مايبدو.

المبدأ الأخر للحضارة الغربية هو العدالة الاجتماعية او العدالة الاشتراكية ، واحتاج الغرب اليها لمعالجة الهوة الواسعة التي احدثتها الثورة الصناعية والاقتصاد الرأسمالي بين طبقات المجتمع ، ومنها برزت افكار الأشتراكية ، سواء الأصلاحية منها مثل مدارس الأشتراكية الفرنسية والفابية لحزب العمال البريطاني ،اوالماركسية ،تطال جميعها أصلاح النظام الرأسمالي الربحي واقامة نظم العدالة الأحتماعية ، وكانت أكثرها ثورية هي الماركسية التي طالبت بجعل وسائل الانتاج بيد الدولة (قال ماركس المنتجين انفسهم ولكن ترجمتها الفعلية في الواقع تؤدي الى تحويل ملكيتها عامة اي الى الدولة ) كي تقوم بادارة فائض القيمة الاجتماعي الحاصل من بيع العمال لقوة عملهم الى الرأسمالي الذي يستحوذ عليه لوحده دون العامل او المجتمع. ومع بداية القرن العشرين كانت هناك مدرستان للماركسية :الماركسية الآصلاحية للأحزاب الديمقراطية الأشتراكية الأوربية التي طرحت انجاز الأشتراكية من خلال برامج وقوانين تشرعها البرلمانات لتقوم الدولة في استقطاع فائض القيمة من الشركات الرأسمالية لتمويل برامج العدالة الأحتماعية وبفرض حدود اجتماعية وقانونية ومالية على الرأسمال منها اقامة حقوق العاملين والضمان الأجتماعي والصحي وفرض ضرائب باهضة تستخدم في اقامة وتمويل سياسات الضمان الأجتماعي والصحي ، وتطورت فيما بعد لتمويل اقامة وتطوير مرافق التعليم والصحة والبنى التحتية والأعمار لتمول من ارباح الرأسماليين ، مقابل ضمان حقوق الرأسمال في العمل والتوسع والربح الذي يساهم بزيادة ميزانية الدولة ويرفع عن كاهلهل مسألة العمالة والتشغيل وتضعها على كاهل الرأسمال،مكن من تصغير حجم الحكومات وموظفيها وحصر دورها بتطبيق سياسات الخدمات والتخطيط الاقتصادي والحضري وتقديم الدعم لسياسات التطوير والتشغيل. ان الأحزاب الأشتراكية الماركسية الأوربية هي من قاد خوض هذه المعركة الأجتماعية الأصلاحية مع الرأسمال وسادت نجاحاتها جميع دول اوروبا تقريبا. ان رؤيا هذه المدرسة الماركسية الاصلاحية هو ان الهدف النهائي هو ادارة فائض القيمة اجتماعيا من الدولة، كما شخصها ماركس، وليس بجعل الدولة تدير الاقتصاد والمعامل كي تدير حصولها على فائض القيمة لاستخدامه اجتماعيا، كون ذلك يحمل الفشل الاقتصادي من ادارة بيروقراطية للمرافق الاقتصادية الانتاجية. انهم طرحوا تحقيق سياسات اجتماعية متقدمة دون التضحية بطبقة الراسمال الادارية المتمكنة ،وربما معها مخاوفهم من اقامة نظما ديكتاتورية .
المدرسة الماركسية الثورية تبناها البلاشفة الروس فهي طرحوا اقيام بالثورة للسيطرة على السلطة واقامة حكم الطبقة العاملة بقيادة حزب ثوري يقوم بانهاء الرأسمالية كطبقة وتأميم وسائل الأنتاج لتديرها الدولة لصالح الطبقة العاملة . وقد اثبتت التجربة السوفياتية ومعه الصين ودولا متقدمة صناعيا في اوربا الشرقية ، خلال القرن العشرين ، فشل هذه المدرسة. وعدا الفشل الأقتصادي للمؤسسات البيروقراطية الأنتاجية والخدمية التي تديرها الدولة ،رافقها فشل سياسي بفرض الماركسية كمقولات بشكل مؤدلج كالاصوليات الفكرية على الدولة والمجتمع ، بأقامة نظما شمولية ديكتاتورية بجهاز امني يقمع من يعارضه بأسم الطبقة العاملة التي يمثلها الحزب الشيوعي ، وادت لمصادرة الحريات والحقوق والحريات السياسية والفكرية . ويمكن اليوم أستخلاص أهم نتيجة من النموذج والتجربة للأشتراكية الماركسية السوفياتية ان الأدعاء بتحقيق العدالة الأجتماعية من خلال سيطرة الدولة على الأقتصاد يفسد كلا من الحكم والعدالة والاقتصاد . يفسد الحكم لانه ادى الى قيام نظم وحكومات ديكتاتورية ذات اللون الواحد والحزب الواحد والقائد الأوحد ، ويفسد العدالة بحرمان المواطنين من الحريات واستعبادهم من الدولة، ويفسد الأقتصاد كونه يصبح بيروقراطيا غير كفوء.
ان ابلدان اوربا واغلب بلدان العالم اليوم اليوم جمعت بين الحفاظ على النظم الديمقراطية والحريات الليبرالية مع العدالة الأشتراكية الأجتماعية التي جعلتها برامج وقوانين تديرها الدولة.
ان نجاح النموذج الاقتصادي في اوروبا ساهم بتطوير دولا ناجحة اقتصاديا وسياسيا خارج اوروبا مثل اليابان وكوريا وماليزيا واندنونيسيا والهند وحتى تركيا، وغيرها، ولعل تحول الصين الى الأقتصاد الرأسمالي من الأشتراكي السوفياتي كان خاتمة القول في انتهاء وفشل تجربة ادارة الدولة للأقتصاد وانتهاء النموذج الأشتراكي السوفياتي الى الأبد . وعموما فالرأسمالية كنظام اقتصادي اكثر تجاوبا مع قيم الديمقراطية والحريات الليبرالية كون العامل والرأسمالي كلاهما يحتاجها للدفاع عن حقوقه ومصالحه واصبح الاقتصاد الرأسمالي وانظمة الحكم الديمقراطية الليبرالية رديفان متلازمان لتطوير المجتمعات ورفاهها اقتصاديا وفي مجال الحقوق والحريات بل وفي كفاءة اجهزة الدول وموظفي الحكومات الذين باتوا يعملون بنفس كفاءة الرأسمالي كون رواتبه تمول من الضرائب على المواطنين والشركات مقابل خدماته التي يجب ان تكون كفوءة كي يزكيها امامهم، والإ فقد وظيفته، وكذلك كفاءة حكوماته، والاعزلها وانتخب غيرها. انه مجتمع حيوي متطور ويتطور كونه يؤمن بالعلم في الاخذ بحقائق الواقع، ويتكيف معه ، وابعد سطوة المقولات المؤدلجة في الاصوليات ، التي تطلب التكيف معها ، ولو حدث ذلك لرأيت اوربا اليوم خربة مثل بلداننا.
هذه هي بكل اختصار أهم مفاهيم واسس الحضارة الغربية التي نتمنى لمجتمعاتنا ان تستفيد منها وتأخذ بها وفق ظروف وحقائق واقع مجتمعاتنا لبدء شق الطريق للخروج من نفق التخلف والظلامية الواقعة على شعوبنا ، ومنه ضرورة دحض الاصوليات المؤدلجة التي تعادي اخذ مجتمعاتنا بالمفاهيم العظيمة للتحضر الانساني وتطوير مجتمعاتنا سياسيا واقتصاديا.
الجزء القادم ساناقش دعاوى المدرسة الماركسية الستالينية العربية التاريخية والفكرية والاقتصادية على الحضارة الغربية، وفي الواقع هو نفس النقاش مع الماركسيين الستالينين السوفيت، كون الاولين يرددون الاخيرين.
25/01/2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان