الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقيقة تاريخ الأتراك في بلاد الشام في كتاب -مصطفى آغا بربر-

رائد الحواري

2023 / 1 / 26
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


الأب اغناطيوس طنوس الخوري
التقدم مما كتبه أجدادنا عن العهد التركي يكشف حقيقة الأوضاع التي مرت بها المنطقة، وأيضا يبرر لماذا قرر العرب التحالف مع (الشيطان) ضد الأتراك، الكتاب يتناول أحول المنطقة بالتفاصيل من1790 إلى 1810، لكنه في الوقت ذاته يمر مرورا سريعا على الفترة 1735 وما بعدها حيث يحدثنا عن الأحول والزمن الذي ولد بها "مصطفى بربر".
أحمد باشا الجزار
يتوقف الكتاب عند فترة "أحمد باشا الجزار" وأعماله الوحشية ضد العرب في بلاد الشام، ما قام به الجزار يعد جريمة بحق الإنسانية، فقد مارس اشد أنواع البطش بحق سكان المنطقة دون أن يستطيع أحد إيقافه أو محاسبته، فقد كان الحاكم المطلق في سورية الكبرى، علما بأنه ابتدأ واليا على عكا والتي كانت تمتد إلى اللاذقية.
من صور الجرائم التي اقترفها الجزار هذه الجريمة: "... فسجنهم الجزار أولا، ثم قتل الشيخ غندور، وبعد مدة شنق الأمير يوسف، ولي نعمته كما تقدم.. وكانت ذلك في أيار 1790" ص41، هذه أحدى الصور لطريقة تعامل الجزار من الأهالي في ولاية عكا، ولم يقتصر الأمر على الجزار، بل امتد ليصل إلى كل من يعمل تحت امرته، "مصطفى بربر" والي طرابلس يلجأ إليه مجموعة من الهاربين من بطش الجزار، يتعامل معهم بهذا الشكل: "ومن خداماته وموالاته له، أنه قتل أربعين رجلا لجأوا إليه من رجال خصم الجزار، محمد باشا بو مرق صاحب يافا، حيت حاصراها الجزار وضايقها بما امكن من الشدة اقتصاصا من أبي مرق كما سيأتي" ص57، ولم يتوقف بطش الجزار عند هذا الحد، فقد كانت كل قراراته تمثل العداء المطلق لكل ما هو حي في ولاية الشام: " وسنة 1776 احتل الأسطول العثماني عكا قاهرا ضاهر العمر العظيم، بقيادة أحمد باشا الجزار الذي عين آنذاك واليا عليها، وصار له أن يضع يده على سورية الكبرى، محققا أحلامه ومطامعه بإنشاء دولة ضمن الدولة، ولم يتلكأ أن فرض الرسوم والمكوس، واغتصب من التجار الفرنسيين 15 ألف قرش، وهيأ جيشا كامل العتاد، وقطع دابر أولاد ضاهر العمر، المحسن إليه كما تقدم، وبلغت قوته أوج العالي، وضم إليه صفد ولبنان، يجبي الضرائب حتى طفحت صناديقه بالمال...واستقدم من كل البلاد المجاورة اللصوص، والمحكوم عليهم بالموت، وجعل منهم حرسا خاصا له" ص63، هذا هو الجزار وهذه هي (الخلافة الإسلامية) التي يتباكى بعضهم عليها.
فالحكم التركي لم يكن إلا احتلالا لنا، وقد كان أشدا بطشا من الاحتلاليين الإنجليزي والفرنسي، يقدم لنا الكاتب صورة عامة عن الجزار جاء فيها: "أما مظالمه فتفوق الوصف والإحصاء، منها ما تقدم، منها أيضا ـ وقد أسرف كل الإسراف في القتل والتقطيع، حتى كان الدم البشري في نظره كدم الخرفان في نظر القصاب ـ ...أنه قد أوقد نارا وجعل خصيانه يأتون بنسوانه امرأة تلو امرأة، فيقبض بيديه على عنق الواحدة ويطرحها في النار على وجهها دائسا على ظهرها وضاغطا على رأسها حتى يتم شيها في النار وتهلك، فيرفع جثتها، ويحضر غيرها فيعدمها على المنوال عينه، حتى أمات 37 امرأة، عافيا عن فتاة في الثامنة من عمرها.. كان يقتل وزراء وأفنديه وأغوات وعلماء ويرضى السلطان بالمال فيتغاضى عنه، وإذ عف عن قتل من يغضب عليه، جذم أنفه وصم أذنه اليمنى، وقلع عينه اليمنى، ولو كان من خواص حاشيته، ...وقبض على أولاد عبيد في دمشق وسجنهم وأخذ منهم ستين ألف قرش ثم قتلهم ليلا، وقبض على مفتي عكا وإمامها ورئيس مينائها، وقتلهم ليلا، ثم أمر بإغلاق أبواب عكا، وقبض على مائتين وثلاثين من العمال والكتاب والأعيان والتجار وأرباب الصناع، وملأ بهم السجون، وعند الغد أمر المغاربة بإخراج جميع المسجونين، خارج المدينة، وأمر بقتلهم فقتلوهم، وكان يومهم عظيما ملأوه بصراخهم وأنينهم وتظلمهم، وبقيت جثثهم مطروحة خارج البد، ثم امر المنادي أن ينادي ليخرج أهل القتلى ويدفنوهم، وأمر أيضا كل امرأة ترفع صوتها تقتل حالا... فكانت أنواع عذاباه الضرب بالعصي، والجلد بالمقارع، وصب الماء الملد على مواضع الألم أو أن التعذيب، لحرمان النوم، وإدخال شظايا القصب الفارسي تحت الأظافر، والإجلاس على النحاس المحمى بالنار، وشد الأرجل من كعابها بالأوتاد إلى الأصداع، والنساء كان يصلبهن بشعورهن لعدم النوم، ويجلسهن على النحاس المحمى، ويطبق أغطية الصناديق على اثدائهن،..إذا خرج إلى الشارع ورأى رجلا يتفرس به، تقدم منه وفقأ عينه، أو إذا رأى رجلا يسمع حديثه، أدناه منه وصم أذنه، وكان يجلس على السطح، ويتطلع إلى الساحة، حتى أذا رأى أحدا لا يستحسنه، استدعاه إليه وقطع يديه، وقتل مرة مائة رجل مسالمين أبرياء" ص65 وز66، لا شك أن هذه المشاهد كافية لإعطاء صورة وافية عن أمجاد الأتراك وخلافتهم الإسلامية في بلاد الشام، وليس أدل على هذه الأمجاد إلا ما دونه الكاتب عن ردة فعل الناس بعد موت الجزار، كتب بعض الشعراء قصائد تبين فرحتهم برحيل الطاغية:
وافق السرور وصح ترجج الأمل بهلاك غاشم لا يعادله مثل
عين المآثم والمظالم والردى شر العوالم أن تفكر أو عمل
أحمد ولكن ليس بحمد في الورى ملعون في ثوب المآثم قد رفل
...
يا أل بر الشام بشراكم فقد مات الذي أنشأ المظالم وانتهك
الخائن الغدار سفاك الدما من كان في قتل النفوس قد انهمك
لا يرحم الرحمن تلك الروح ما دار المدار وطال ما دار الفلك
لما احتسى كأس المنية واصطفى دار اللظى ومع الرجيم قد اشترك
انشدت مسرورا وبالتاريخ جاء هو ذلك الجزار قد هلك
...
فتكت في ذلك الجزار ثم وقد ألحقت به رجيما كان ملعونا" ص67،
هذا ما كتبه شعراء ذلك الزمن رغم قلتهم عن موت الطاغية أحمد باشا الجزار ممثل دولة الخلافة الإسلامية.
وتأكيد لربط الجزار بالدولة التركية، وإنها كانت على علم ودراية ـ كما جاء سابقا ـ بأفعاله الإجرامية بحق الشام وأهلها، نأخذ ما جاء في الكتاب: "...ولا يزال الشرق عابقا برهبته وظلاماته الوحشية، وإلى الآن لا تزال الفرائص ترتعد فرقا لذكره "الجزار الرهيب" ويتصوره الجميع أبدا "ذلك الوحش الضاري" ...فهو إذن احمد باشا الجزار والي صيدا وعكا وسائر لبنان وسورية وفلسطين، أو قل هو سلطان ثان، دولة كاملة جبارة ضمن الدولة العثمانية، ...فلقبه ب "الجزار" لكثرة ما أتى في الناس من أفعال الذبح وقطع الرؤوس، وسائر أنواع القتل" 58و59، بهذا الوصف نختم الحديث عن الجزار وأفعاله.
الدولة التركية وإدارتها للبلاد وتعين الحكام
الدولة التركية لم يكن يهمها من بلادنا سوى ما يقدمه الولاة من مال لها، واستعداد الولاة لرفد الدولة التركية ما تحتاجه من رجال وتموين لمساعدتها في حروبها، من هنا رغم أن الكتب كبير، أكثر من 300 صفحة، وجاءت أكثر من مائة صفحة بحجم خط 12، إلا أنه لم يذكر أن قام الولاة بإنشاء مدرسة أو مستشفى، واقتصرت اعمل البناء على القلاع والحصون، من هنا كانت الحروب الداخلية والنزاعات بين الولاة وكيف يثبتون حكمهم ويوسعون مناطق نفوذهم هي أهم الأحداث في ذلك الزمان.
فالولاة يتم تعينهم حسب قوتهم، اليوم يعين الوالي فلان لأنه قوي، وقد يصدر أمر بقتله وسبي نسائه ونهب أمواله إذا ضعف، وإذا ما عدا قويا يتم إعادته إلى الحكم وصدور فرمان لسطاني بذلك، فلم تكن الدولة التركية معنية بأكثر من تثبيت سيطرتها على البلاد ونهب خيراتها، بصرف النظر عما يجري فيها من مظالم، وما الإهمال في بناء المرافق التعليمية والمدينة إلا تأكيدا على أن الأتراك تعاملوا مع بلادنا كمحتلين كغيرهم.
الكتاب يتحدث عن "مصطفى بربر" والي طرابلس، وكيف وصل هذا الوالي إلى مكانه عالية، حتى اللاذقية كنت تحت إمرته، بداية وصوله للحكم كانت بهذا الشكل: "...ولما وصل الوزير إلى قرية المنية، أرسل إلى مصطفى آغا بربر (يجب أن) يقدم الطاعة، ويسلم القلعة، وله منه الأمان، ويعمه بالخير والإحسان، ويتركه متسلما على مدينة طرابلس كما كان.
فرد بربر الجواب أنه طايع الله والسلطان، وليس لي اعتراض على الوزير في الأحكام، فيسلم مدينة طرابلس إلى أي من كان، وأنا أكون له من أكبر الأعوان، وإنما القلعة لا يمكنني أن أسلمها وأخرج منها، لأن بها حافظ حياتي،... فطلب الوزير منهم أن يقتلوا بربر ويكونوا متسلمين مكانه، فتعهدوا في ذلك الأمر، وأن يقتلوا بربر في غدر، وخرج الوزير من الشام على تلك المرام، ومتكل على ما تعهدوا له من ذلك الأمر في قتل مصطفى بربر" ص105، هذا المنطق يبين ضعف الدولة التركية، وعدم قدرتها على إدارة البلاد ولا العباد، لهذا كانت تلجأ لقتل الولاة الذي لا يطيعون من هم أعلى منهم، وهذا القتل كان يصدر على أساس حسابات شخصية وليست مركزية، فالوالي يتعامل مع من هم أدنى منه على أنهم (خدم/عبيد) له، وعليهم أن يطيعوا وينفذوا ما يصدره لهم.
الدولة التركية تتعامل وتؤيد من يدفع لها أكثر، فبلادنا كانت مزاد علني للولاة، من يدفع أكثر يعين ويحصل على فرمان السلطان: " لما كان كنج يوسف باشا متوليا على الشام سنة 1808، وكان معينا على طرابلس مصطفى بربر متسلما، فطغى يوسف باشا واسرف في ظلم الناس، ولكنه أراد ستر ذنوبه لدى الدولة، فأرسل إليها ألف كيس من المال لقاء إنعامها عليه بولاية طرابلس، وباشبوغية الجرود، (إمارة الحج) فوق ولاية الشام...فبلغ ذلك الباب العالي، فصدرت الإرادة بإرسال فرمان إلى يوسف باشا الكنج، القبض على بربر المذكور، وقطع رأسه وأرساله إلى الدولة، ... فدخل يوسف باشا عساكره الأكراد والارنبود، ونهب البلدة، وفتح الحانات ومخازن التجار جميعها، واسكن عساكره في بيوت الأهالي، تخربوها،.. واشتهرت هذه الواقعة في ذلك الحين بنهبة يوسف باشا" ص 108.
بربر استطاع أن يقنع من هو أعلى منه بأهميته، فصدر عفو عنه وتم تعينيه واليا على طرابلس، يأتيه امر من والي عكا بضرورة بناء جسر لكنه يعتذر: "وفي غضون هذه السنة 1814 أيضا، كتب سليمان باشا والي عكا المعهود، إلى بربر يكلفه أن يبني جسر "الشيخ عباس" على النهر الكبير، فاعتذر بربر معتفيا من ذلك العمل، لمشقة وكثرة كلافه" ص149،هذه صورة الحكم التركي في البلاد، فالوالي غير معني ببناء ما يهم الناس ويخفف عليها مشقة التنقل والسفر. وما يهمه فقط بناء الحصون وتقوية القلاع، ونهب الشعب ليترفه هو وعساكره وحاشيته.
هذه صورة عن أداة الحكم في بلاد الشام، توثق حقيقة الأتراك وما فعلوه في بلادنا من خراب وقتل وسبي، فكل من لا يعرف حقيقة الدولة التركية (دولة الخلافة الإسلامية) عليه أن يعرفها، فالأتراك لم يكونوا إلا محتلين لنا ولبلادنا، وما فعلوه بنا أكبر شاهد على جرائمهم.
الكتاب من منشورات دار الخليل، طرابلس، لبنان، الطبعة الثانية 1985.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمجد فريد :-الحرب في السودان تجري بين طرفين يتفاوتان في السو


.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال




.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟


.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال




.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا