الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الآلهة التي لا تفشل دائمًا عن أن تفشل

مازن كم الماز

2023 / 1 / 26
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


التشابه الكبير بين بيانات مؤتمرات المعارضة العراقية ، الحاكمة في العراق منذ 2003 ، خاصةً مؤتمرها الذي عقد في لندن 2002 و بين مؤتمرات المعارضة السورية لا يبعث فقط على العبوس بل يمكن اعتباره نذير شؤم قادم … النظام الديكتاتوري الطائفي العنصري و ممارساته القمعية و الإرهابية و مغامراته الخارجية تحضر في الحالتين ، تمامًا مثل الظروف الخارجة عن إرادة شعبنا "الصابر" التي حالت دون تحقيق تطلعات الشعبين ، و الطرفان يتحدثان عن دولة ديمقراطية برلمانية تعددية ( فيدرالية فقط في الحالة العراقية ) و ذلك انطلاقًا من اعتماد مفهوم إنساني و حضاري للمواطنة قائم على أساس عدم التمييز بسبب العرق أو الدين أو الجنس أو المذهب ، و وضع دستور دائم يراعي تركيبة الشعب و يفصل بين السلطات و يلتزم بمبدأ سيادة القانون و يصون حقوق الإنسان و الحريات العامة و الخاصة ، ثم اعتبار الإسلام دينًا للدولة و هوية أو جزءً لا يتجزأ من "الهوية" , و الحديث عن أهمية إعادة بناء المؤسسات العسكرية على نحو مهني وطني سليم بعيدًا عن نزعات عسكرة المجتمع و الصراعات الداخلية و سياسات التمييز القومي و الطائفي الخ الخ ( المقتطفات من بيان مؤتمر المعارضة العراقية في لندن 2002 ) … و كما سيؤكد قادة المعارضة السورية المسلحة و السياسية بعده بعقود ، أكد عبد العزيز الحكيم يومها أنه إذا نفذت قرارات الأمم المتحدة و منع النظام العراقي من استخدام الأسلحة التقليدية فستتمكن المعارضة من القضاء عليه قبل أن يقضي عليه فعلًا جيش جورج بوش الجرار … و لتكتمل الصورة يكفي أن نذكر كيف تشكلت لجنة متابعة مؤتمر لندن للمعارضة العراقية من 65 عضوًا منهم 22 للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية ، 20 منهم من الشيعة و أربعة من السنة ، و توزعت المقاعد الباقية على الحزبين الكرديين و ممثلي التركمان و المؤتمر الوطني العراقي ( أحمد الجلبي ) و حركة الوفاق الوطني العراقي ( إياد علاوي ) و ممثلين عن الآشوريين و بعض زعماء العشائر ، نفس التركيبة تقريبًا التي تبنتها المعارضة السورية و حرصت على تكرارها في كل مؤتمراتها و مجالسها و هيئاتها المتتالية … لم تحقق المعارضة العراقية من برنامجها العريض ذلك سوى القضاء على نظام صدام ، ما تبقى نعرفه و يعرفه العراقيون جميعًا … يبدو أنه لا يكفي أن تتحدث عن الحكم الرشيد ليصبح واقعًا و لا أن ترفع شعار محاربة الفساد لينتهي الفساد و لا أن تتحدث كثيرًا عن حقوق الإنسان كي يصبح للإنسان حقوق أو حتى أن يتحول الناس العاديين إلى بشر … لكنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها مثل ذلك ، لقد شاهدنا من قبل أحزابًا تنتقد التجزئة و تعادي الاستعمار و تتوعد بالقضاء على إسرائيل قبل أن تقوم هي نفسها بتكريس التجزئة و التهادن مع الاستعمار و الخسارة مرة تلو أخرى أمام إسرائيل ، و غيرهم وعدوا الفقراء بالمن و السلوى ، بحياة و حريات لم يعرفوها و لم تعرفها الأرض من قبل ، لكن ما فعلوه كان أن بنوا سجونًا لم يعرفها البشر من قبل … لا يكفي أن تتحدث عن الحوكمة و الحكم الرشيد و لا عن حقوق الإنسان كي تصبح واقعًا في الغد خاصة عندما تكون خطتك الوحيدة لتحقيق ذلك هو فقط أن تصل إلى السلطة … قد تبدو هذه خطة محكمة بالنسبة لك … و لكن … لنتذكر هنا أيضًا أن الكثير من قصة الاستبداد و التخلف و التجهيل و القمع لم يقتصر فقط على البعث ، فالبعث انشق منذ 1963 وفق حدود طائفية و مناطقية و حتى عشائرية ، لكنه لم يكن وحده من فعل ذلك ، النخبة السياسية قبل و بعد الاستقلال أو الجلاء فعلت ذلك أيضًا ، الإخوان المسلمون أنفسهم انقسموا بين كتلة حموية و حلبية و شامية ، و سبقهم الشيوعيون السوريون الذين لعبت ولاءاتهم الفردية و المناطقية و الطائفية دورًا مهمًا في انقساماتهم … لن أدخل كثيرًا في تفاصيل الحياة الداخلية لأحزاب المعارضة السورية و مؤتمراتها و انتخابات و ممارسات قادتها خاصة "التاريخيين" منهم ، و لا تفاصيل الحياة الداخلية و آليات اتخاذ القرارات و لا عن آليات المحاسبة و المراقبة الشعبية لمؤسسات المعارضة الرسمية و لا عن التزام فصائل المعارضة المسلحة بالابتعاد عن العمل السياسي و لا عن درجة فسادها و لا عن أجهزتها الأمنية و أساليب هذه الأجهزة و لا عن تركيبة هذه الفصائل المناطقية و العشائرية و الطائفية و لا هرميتها و مصادر تمويلها الخ الخ ، لأني لا أعتقد أن أكثر المتفائلين بالمجاهدين و إخوانهم سيدعون لهم أيًا من الصفات التي يريدونها و يصرون عليها في جيش النظام أو الجيش السوري في سوريا الديمقراطية التي يعدونا بها … لقد سيق السوريون إلى حرب طاحنة دون أية رؤية ، دون خطة ، دون استراتيجية أو حتى دون أية محاولات نصف علمية أو فيها بعض الجدية لوضع مثل هذه الإستراتيجية أو تلك الخطة عداك طبعًا عن دعوة السوريين للتضحية و الصبر ، حتى الإسلاميين وكلاء الله الحصريين على الأرض تفرغوا لمطالبة العالم الكافر و الصليبي بنصرهم على النظام … و عدا عن تحليلات صحافية عابرة و غاضبة لم يكلف أحد ، لا من الفصائل و لا من المجاهدين و لا من المعارضة الديمقراطية ، بتقديم أي عرض أو تحليل منطقي هادئ و رزين ، لا لسير العمليات العسكرية و لا لما يسمى بالعملية السياسية و لا لماذا انتهى هؤلاء في الباصات الخضراء أو في المنافي ، ناهيك عن أي نقد ذاتي … لا شيء أشبه بهزيمتنا اليوم أو الهزيمة الثانية على التوالي للإسلاميين السوريين ، من هزيمة 67 … مع ذلك لا أعتقد أن الذنب كله يقع على عاتق المعارضة ، تمامًا كما أن التخلص من النظام لن يعني نهاية الاستبداد و الفساد و الفقر و القمع في سوريا رغم أنه بكل تأكيد مقدمة ضرورية لهذه النهاية ، فإن الديمقراطية لن تتحقق بمجرد أن يحكمنا ناس يصفون أنفسهم بالديمقراطيين … من الصعب بعد كل هذه الهزائم و التراجعات و ذلك دون أن نتمكن حتى من مناقشة أو حتى فهم ما الذي جرى ، أن نزعم أننا غير مرضى أو أننا نسير على الطريق الصحيح … لا يعني هذا الكلام ، المعتدل جدًا في قسوته مقارنة بقسوة وضع السوريين و انشغال الجميع فقط بالبحث عن كبش فداء ، سوى أننا بحاجة لوقفة جدية مع الذات نحتاج فيها لأقصى جرأة ممكنة و لأوسع حرية تفكير و تعبير أوسع بكثير مما مارسناه حتى اليوم و مما يسمح لنا به النظام أو خصومه ، و إلا فإننا سنتجه من نكسة إلى أخرى دون أن نعرف لماذا و إلى أين أو حتى من اتخذ القرار عنا بالتضحية فينا في هزائم لا تنتهي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة