الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقولة وتعليق / 19 / البدايات الرائعة وخيبة النهايات

رياض سعد

2023 / 1 / 26
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


ومما قاله الكاتب الكبير وليم شكسبير : (( لا تهتم بمن يكون رائعا في البداية ... اهتم بمن يبقي رائعا الى ما لا نهاية )) .

نعم عزيزي القارئ الكل جيد في البدايات او قد يتراءى لنا بأنه رائعا , والبدايات خفيفة المؤونة لاسيما في المجتمعات التي تكثر فيها حالات المجاملات الزائفة والادعاءات العاطفية الفارغة والعلاقات المزيفة ؛ فالعبرة ليست في البدايات ؛ بل العبرة بمن يمسك يدك حتى النهاية ؛ فليست البداية الجيدة شرطا لنهاية جيدة ؛ اذ قد تغوينا البدايات الجيدة وتوهمنا بأن النهايات سوف تكون كالبدايات ؛ ولا نعلم ان البداية تمثل نصف الطريق ليس الا , فكل أمر رأيته رائعا في البداية لا يعني بالضرورة انه سيكون رائعا في النهاية ايضا .

بل قد تفضي بعض البدايات الجميلة الى نهايات بشعة ومؤلمة وجارحة ؛ وكما قالت الروائية أحلام مستغانمي : (( لم يعد يغريني أحد فجميعهم في البداية رائعون وفي النهاية حدث ولا حرج )) ؛ بلى قد تكذب النهاية البداية ؛ العبرة بالنهاية وليست في البداية أبداً ، فالبدايات كاذبة مهما كانت مُقنعة ، والنهايات صادقة مهما كانت قاسية .

يرى بعض الأفراد المرضى واللامبالين والسطحيين أن كثرة الدخول في العلاقات الاجتماعية والعاطفية المتعددة ضرورة حياتية لممارسة المتعة والحصول على الخبرة ؛ فكثرة علاقاتهم تجعلهم يعرفون أكثر عن خفايا الحب واسرار الصداقة وما الى ذلك من التصورات ... ؛ ولكن هذه الاعتقادات ما هي إلا نوع من أنواع التضليل والوهم والخداع ، لأن الخبرة التي يحوزها هؤلاء الأفراد من جراء علاقاتهم المتكررة، ما هي إلا خبرة في "الإنهاء السريع للعلاقات والبدء من جديد" وليست خبرة في الحب نفسه او الصداقة ذاتها .

والروابط الانسانية والعلاقات الاجتماعية والعاطفية ليست بهذه السهولة والبساطة والسطحية , فهي علاقات تعكس جوهر الانسان وتبين معدنه وتقوم على الاسس الروحية والقيمية والالتزامات الاخلاقية المتبادلة بين الطرفين ؛ لذا نرى البعض يفضل الاعتزال والانطواء والانكفاء على الذات على ان يخوض تجربة حب كاذبة وغير ناضجة او يدخل بعلاقة صداقة ناقصة وغير صادقة ... فالحب رابطة من الروابط السامية و الصداقة في معناها الحقيقي القرب لا البعد، الحب لا الكراهية، الصدق لا النفاق ... .

لكن البعض يخوض تجاربه الاجتماعية والعاطفية على اساس الرغبة والمصلحة والظرفية ؛ فالرغبة هي اشتهاء الاستهلاك، والمصلحة لقضاء الحاجة , والظرفية لتضييع الوقت مع هذا وذاك ... اي التركيز على الذات والانانية وتهميش دور الاخر ؛ اما الحب والصداقة والود والاخاء الصادق فهو على العكس التام مما سبق، فإنه لا يعتمد على مركزية الذات وهامشية الآخر.

وكلما ازدادت خبرتنا في الحياة ؛ استطعنا التنبؤ بنهاية العلاقات ومعرفة مصيرها من ارهاصات بداياتها ؛ اذ تصبح البداية هي النهاية بعينها , الا ان البعض يحب ان يعيش اوهام جمال وروعة البداية على الرغم من خبرته وحدسه ؛ وكما قال الشاعر محمود درويش : (( لا أريد من الحب غير البداية )) ؛ ولعل مقولة الكاتب خوسيه ساراماغو تبين لنا هذه الاشكالية : (( لا أعتقد أننا أصبنا بالعمى ، بل نحن عميان من البداية , حتى لو كنا نرى ... لم نكن حقاً نرى )) .

وطالما اعترانا الهم والحزن واصبنا باليأس والاحباط عندما تنتهي علاقة صداقة أو زمالة أو حتى حب ... ، وتتملكنا الرغبة بالاعتزال والابتعاد عن الناس ... ؛ والمفروض ان هذه التجارب تزيد من نسبة الوعي والنضج العاطفي فينا , وتجعلنا اكثر تمسكنا بالقيم الاخلاقية والالتزامات الانسانية السامية .

واخيرا : ينبغي ان لا ننسى ان الزمن هو أعظم الكتاب ؛ لأنه دائما يكتب اعظم النهايات ؛ نعم ساداتي حياة تمضي وتضمحل معالهما ثم تمضي الثانية كالسابقة لتحل محلها الثالثة , وهكذا دواليك الى غير نهاية ؛ والنهايات كلها تشبه أن تكون مقطوعة بمقص .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت