الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم اللانهاية في الرياضيات وفكرة الألوهة

ثائر أبوصالح

2023 / 1 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ان من يمعن النظر في مكنونات هذه الحياة ويحاول أن يفهم مرتكزاتها ومضامينها لا بد أن يعجب بتلك الدقة المتناهية في الصنعة، والتي يترجمها العلم الى معادلات رياضية دقيقة تؤكد وجود قوانين دقيقة تضبط هذا الكون. لقد كان يحلم ألبرت اينشتاين أن يوحّد كل القوى الطبيعية الأربعة المتمثلة بقوة الجاذبية، القوة الكهرومغناطيسية، القوة النووية الكبرى والقوة النووية الصغرى، بمعادلة واحدة تجعلنا نفهم كل ظواهر الكون من خلالها، ولكنه مات ولم يتحقق حلمه، وما زالت جهود علماء الفيزياء تصب بنفس الاتجاه، ويتحدثون عن قوة خامسة غير مكتشفة حتى الأن.
لقد لعب علم الرياضيات وما زال دوراً اساسياً في فهم الظواهر الطبيعية، من خلال ترجمتها الى معادلات رياضية، وشكلت الأرقام محوراً في فهم ظواهر الكون، فيقول فيثاغورس: "أن الأرقام هي جوهر الأشياء كلها؛ فالرياضيات هي نسيج الكون الخفي عن كل عين والواضح لكل عقل. والظواهر الكونية كلها عبارة عن علاقات ونسب رياضية تظهر كأعداد صحيحة أو كسرية، توضح خصائص الأشياء في هذ الكون الفسيح". ومن المواضيع الشائكة في هذا العلم هو ما يعرف ب "اللانهاية" infinity" " (∞) خصوصاً أن لهذا المفهوم اسقاطات فلسفية تساعدنا على فهم ظاهرة الألوهية. فعالم الرياضيات جورج كانتور يرى:" أن الإله أعطانا مفهوم "اللانهاية" حتى يتسنى لنا التأمل في كمال الله وإدراك وجوده". وهو موقف مماثل لديكارت في كتابه «تأملات في الفلسفة الأولى»، حيث يستنتج:" أن امتلاك عقولنا لفكرة اللانهاية، رغم إنها عقول متناهية، يعني أن تلك الفكرة لها مصدر خارجي لامتناهٍ وهو من أعطاها لنا لكي ندركه".
ان عقل الإنسان المحدود لا يستطيع أن يفهم ماهية اللانهاية، ولكنه يقر بوجودها مع أنه غير قادر على اثباتها، فيستطيع مثلاً العد الرقمي الى ما لانهاية صعوداً أو هبوطاً، وكذلك نرى أن الجذر التربيعي للعدد (2) هو (... 1.414213 (، وثابت الدائرة(...3.141592) بأعداد لا نهائية بعد الفاصلة. زينون الإْيلي في القرن الخامس قبل الميلاد وضع أمام عقولنا معضلة تجعلنا نخرج عن طورنا: افترض أنه إذا كان هناك شخص ما، يريد أن يقطع مسافة محددة، فقبل الوصول إلى النهاية، عليه أولاً أن يصل إلى منتصف المسافة. وقبل أن يستطيع الوصول لمنتصف المسافة، عليه أن يصل إلى ربع المسافة. وقبل الوصول إلى ربع المسافة، عليه أن يصل إلى ثمن المسافة، وهكذا الى ما لانهاية. وبالتالي فمستحيل أن يصل هذا الشخص الى نهاية المسافة المحددة؛ لأن عليه أن يخطو عددًا لانهائيًا من الخطوات، ولهذا استنتج إن الحركة هي وهم وليست حقيقة موضوعية.. لقد حُلت هذا المعضلة لاحقاً عندما تم وضع قانون يجمع حدود المتوالية الهندسية التنازلية.
انقسم العاملون في حقل الرياضيات بين مؤيد ومعارض لاستعمال مفهوم اللانهاية، فأخذ أرسطو موقفًا وسطًا، وهو ما يعتبر أول خطوة فلسفية في إيضاح مفهوم اللانهاية، فقد ميّز بين ما سماه اللانهاية الفعلية واللانهاية المحتملة. فاللانهاية الفعلية هي اللانهاية كشيء محدد، مكتمل ويتألف من عدد لا نهائي من العناصر، فهو اللانهاية التي توجد كليًا ككيان في وقت واحد، فعدد النقاط داخل دائرة محددة مثلاً هو عدد لا نهائي، أما اللانهاية المحتملة فهي اللانهاية كعملية لا تنتهي أبدًا، ولكنها محدودة في أي وقت معين. وهي تظهر في صور كثيرة، على سبيل المثال عند تقسيم خط بالنصف إلى ما لانهاية. وتظهر أيضًا عند عدِّ الأرقام؛ فليس هناك حد محدود عند العد لأنك تستطيع دائمًا إضافة "واحد" آخر.
في عام 1874، تقدم العالم الرياضي المعروف جورج كانتور في ورقة علمية، تُعتبر الآن أساس نظرية المجموعات والرياضيات الحديثة، ومع نجاح حساب التفاضل والتكامل في التعامل مع الظواهر الفيزيائية، ظهر جليًا أن اللانهاية الفعلية ليست مفهومًا متناقضًا أو مفهومًا مرتبطًا بالإله وحده، بل حقيقة رياضية ضرورية، فمجموعة الأعداد الزوجية مثلاً هي مجموعة محددة ولكنها بنفس الوقت لا نهائية. انطلاقاً من هذا الفهم تعامل علماء الرياضيات مع مفهوم اللانهاية على أنه مسلمة للنسق الرياضي ككل. وهو ما حدث بالفعل في نظرية المجموعات الحديثة، فالعلم يحتاج إلى حساب التفاضل والتكامل، وحساب التفاضل والتكامل يحتاج إلى سلسة متصلة من الأعداد، وتعريف السلسلة المتصلة من الأعداد هي عدد لانهائي من الأرقام.
بغض النظر عن التعقيدات الرياضية التي نتركها لعلماء الرياضيات، يبقى السؤال؛ لماذا نقبل علمياً أن نتعامل مع مفهوم اللانهاية كمسلمة ضرورية في الرياضيات مع أن عقولنا المحدودة لا تستطيع فهمها، ونرفض بنفس الوقت أن نتعامل مع فكرة الإله كقوة لانهائية ونعتبرها فكرة ميتافيزيقية؟ هذا التناقض ناتج بأساسه من التفكير الرغبوي عند الذين يرفضون فكرة الاله الذي خلق هذا العالم بوجوده وعلمه وارادته من جهة، ومن التفكير الرغبوي عند المؤمنين الذين ربطوا هذه القوة بالثواب والعقاب وبالجنة والنار من جهة أخرى.
هذا النوع من التفكير الرغبوي عند الملحدين والمؤمنين على حدٍ سواء، حوّل فكرة الإله الى فكرة كيدية يحاول كل طرف أن يثبت للطرف الآخر أنه ضال ولا يدرك الحقيقة، بدلاً من التعاطي مع فكرة الإله كمسلمة ضرورية لفهم الكون وقوانينه، كما يفعل علماء الرياضيات مع مفهوم اللانهاية لفهم قوانين الكون. فاللانهاية إذا اضفنا لها قيمة تبقى لانهاية، وإذا انقصنا منها قيمة تبقى ايضاً لا نهاية، وإذا ضربناها بأي قيمة تبقى ايضاً لا نهاية، وإذا قسّمنا أي رقم مهما كان كبيراً على اللانهاية يكون الناتج دائماً صفراً، أي أن؛ لا قيمة لأي رقم امامها؛ بل يذوب ويختفي بداخلها. أليست هذه صفة السرمدية التي نطلقها على الإله، فالسرمدي هو من ليس له بداية ولا نهاية، وفوق الزمان والمكان، ولا يتأثر بهما، كما لا تتأثر اللانهاية بالعمليات الحسابية.
واللانهاية بمفهومها المطلق ليس لها بداية، أليست هذه هي صفة الأزلية التي نطلقها على الإله، أي ليس له بداية. واللانهاية المطلقة ليس لها نهاية أليست هذه صفة الأبدية التي نطلقها على الإله أي ليس له نهاية، فالله سرمدي، أزلي، أبدي، وكذلك مفهوم اللانهاية. لذلك فإن فكرة الله تتشابك مع هذا الوجود داخلة في كل موجوداته خارجة منها بمسميات مختلفة، فكيف لنا أن نرفضها وقد وضعها العلماء كمسلمة في أدق العلوم؛ أي في علم الرياضيات باسم اللانهاية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لادخل لفكرة اللانهائية في الرياضيات بفكرة الله
منير كريم ( 2023 / 1 / 26 - 16:02 )
الاستاذ المحترم ثائر ابو صالح
ليست لفكرة اللانهاية في الرياضيات اية علاقة بفكرة الله وهذا الربط بين الفكرتين تعسفي وهو ضرب من ضروب مايدعى بالاعجاز العلمي عند بعض المؤمنين
تعود فكرة اللانهاية حسب الفيلسوف ديفيد هيوم الى قدرة معينة في الدماغ البشري هي قدرة التكرار
ومن التكرار ظهرت فكرة اللانهاية الكامنة ثم جردت هذه الفكرة فظهرت فكرة اللانهاية الواقعة اي اللانهاية ككمية منفصلة
اللانهاية الواقعة تقود الى تناقضات مثل مفارقة رسل وبعض الرياضيين يلغون فكرة اللانهاية الواقعة ويكتفون باللانهاية الكامنة واسسسوا ماعرف بالرياضيات والمنطق الحدسي
لايوجد في العالم المحسوس تجريبيا اي مثال على اللانهاية , اللانهاية مفهوم رياضي مجرد من ابداع الذهن البشري ولم يات من خارج الذهن البشري وليس له اي ارتباط بفكرة الله
شكرا لك


2 - طرح ايمانى ساذج
سليم ( 2023 / 1 / 26 - 16:34 )
طرح ايمانى ساذج يدعى على الرياضيات ما لم تقله،اقتباس(اللانهاية بمفهومها المطلق ليس لها بداية، أليست هذه هي صفة الأزلية التي نطلقها على الإله، أي ليس له بداية. واللانهاية المطلقة ليس لها نهاية أليست هذه صفة الأبدية التي نطلقها على الإله أي ليس له نهاية، فالله سرمدي، أزلي، أبدي، وكذلك مفهوم اللانهاية):الاجوبة على الاسئلة:لا طبعا!ومن اين دخل الاله فى المسالة؟!الرياضيات لا تقول ان هناك بداية ما قبلها بداية ونهاية ما بعدها نهاية مثلما تحشر الاله(أي ليس له بداية=هو البدء/أي ليس له نهاية=هو النهاية؛نستنتج ذلك من قولك/ وكذلك مفهوم اللانهاية/)،الرياضيات تقول ببساطة ان هناك سلسلة لامحدودة تنازليا وتصاعديا فقط،انت تحاول تمرير وهم ان هناك بداية(ازلى)ونهاية(ابدى)مدعيا على العلم ما لم يقله بطريقة تظهر ذكية لكنها فى اصولها مجرد فهلوة ايمانية ساذجة.

اخر الافلام

.. تساؤلات بشأن تداعيات التصعيد الإسرائيلي الإيراني على مسار ال


.. رياح عنيفة تقلب حافلة في #بريطانيا #سوشال_سكاي




.. البيت الأبيض يجدد دعمه للعراق في مواجهة الأرهاب | #مراسلو_سك


.. هل يؤدي فشل إسرائيل في الرد على ايران إلى حرب نووية؟ | #التا




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قتل قياديين اثنين من حزب الله في غارات