الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية للفتيان الصحن الطائر

طلال حسن عبد الرحمن

2023 / 1 / 27
الادب والفن


رواية للفتيان










الصحن الطائر






طلال حسن


" 1 "
ـــــــــــــــــــ
انحنت الأم ، التي تجاوزت الستين ، على ابنها دادو ، الذي كان شخيره ربما يصل ساحة السوق ، كشخير والده الراحل ، ونادت : دادو .
لم يردّ دادو ، بل لم يتململ لندائها ، وظلّ شخيره على ارتفاع واحد ، ووتيرة واحدة ، فنادته ثانية بصوت أعلى قليلاً : دادو .. دادو .. انهض .
وكالمرة السابقة ، لم يردّ دادو عليها ، وبالطبع لم ينهض من رقاده ، فاستدارت متأففة ، ومضت إلى الزريبة ، وهي تقول : فلأذهب إلى الزريبة ، إن حماره صورة منه ، وأخشى أن يكون مازال مثله نائماً .
وعلى العكس من دادو ، لم يكن حماره نائماً ، وإنما كان يقف في طرف الزريبة ، يحدق في النعاج الأربع والحمل والكلب ، وكأنه كان يحاورهم .
وما إن دخلت أم دادو الزريبة ، حتى التفت الحمار إليه ، منصرفاً عن النعاج الأربع والحمل والكلب ، وكأنما يقول لها : صباح الخير .
ولم تردّ أم دادو عليه ، فهي لا تحب أن تتحدث إلى الحيوانات ، وخاصة الحمير ، كما يفعل ابنها دادو أحياناً ، أو هذا ما يُخيل إليها .
ومدت أم دادو يدها ، وربتت على الحمار ، ثم حلت وثاقه ، وقالت له بصوت هادىء : لقد أفقت كأي حمار عاقل يشعر بالمسؤلية ، بينما ابني المحروس دادو ، مازال يغط في نوم عميق .
وانهمكت أم دادو بالعناية بالنعجات الأربع والكبش ، وكذلك بالحمل الأبيض والأسود ، والذي لم يدعها ابنها دادو أن تبيعه ، عندما باعت الحملان لقصاب من المدينة ، فقد كان متعلقاً بهذا الحمل الصغير .
وانتهز الحمار فرصة ، انشغال أم دادو بالنعاج الأربع والحمل ، فانسلّ من الزريبة بهدوء ، ومضى إلى الكوخ ، وهناك تقدم من دادو ، الذي كان في أوج شخيره ، ونفخ في وجهه نفخات هادئة .
وفتح دادو عينيه على سعتهما ، وإذا هو وجهاً لوجه مع حماره ، فقال له ، دون أن يتحرك من مكانه : من ! حماري ؟
ومدّ الحمار شفتيه النديتين ، ولمس بهما وجه دادو ، وقال له : دادو ، انهض ، لقد أشرقت الشمس ، وأنا جائع ، هيا خذني إلى المرج ، لأتناول طعامي .
واعتدل دادو في فراشه ، فالحمار ليس أمه العجوز ليماطلها على هواه ، فربت على رأسه بلطف ، وقال له : هذا حقك ، يا حماري ، لكن من حقي أنا أيضاً أن أتناول بعض الطعام .
وهنا دخلت أمه الكوخ ، وسمعت ما كان يقوله ، فقالت : انهض أيها الكسول ، طعامك وضعته في الصرة ، خذه معكَ ، وكله في المرج مع ..
وسكتت الأم ، وقد اتسعت عيناها الغبشاوان ، ثم قالت : دادو ، سمعتك تتكلم ، يا ويلي ..
ونهض دادو من مكانه ، وقال : اطمئني ، يا أمي ، كنت أكلم حماري .
وهزّ الحمار رأسه ، ثم استدار ، ومضى إلى الخرج ، وهو يقول : هذا صحيح ، يا أم دادو .
وصاحت الأم مذهولة : دادو !
وتقدم دادو من أمه ، وقال لها ، وهو يتثاءب : هاتي صرة الطعام ، سآخذ الأغنام والحمار إلى المرج ، قبل أن ترتفع الشمس في السماء .
والتفتت أمه ، وناولته صرة الطعام ، وقالت : دادو ، رأيت ابارا تسوق أغنامها نحو المرج ..
وأخذ دادو الصرة ، وقال لأمه : هذا ما تفعله ابارا كلّ يوم ، يا أمي .
وتساءلت أمه قائلة : ولماذا هذا المرج بالذات ؟
وخرج دادو من الكوخ ، وهو يحمل صرة الطعام ، وقال : المرج واسع ، ويتسع للجميع .
وخرجت أمه ، ووقفت بباب الكوخ ، تراقب دادو ، وهو يدفع النعجات الأربع والحمل الصغير والحمار ، والكلب يركض عللى مقربة منهم ، وصاحت : دادو .. لم يردّ دادو عليها ، فصاحت بصوت أعلى : دعكَ من ابارا ، تحدث إلى الحمار ، هذا آمن .
وواصل دادو سيره ، وردّ على أمه قائلاً : لو عمل أبي بنصيحتك هذه ، يا أمي ، لما كنتِ الآن تتحدثين إليّ من باب هذا الكوخ .
وكتمت أمه ابتسامتها ، وقالت في نفسها ، لو اكتفيت بالحديث إلى حماري ، لما عنيت طول عمري معه من شخيره ، الذي يهزّ الجبال .
وسكتت لحظة ، وقد عاودتها أنسام دافئة من الماضي البعيد ، فهزت رأسها ، الذي اشتعل شيباً ، وقالت : آه كم أحنّ إلى شخيره .

" 2 "
ـــــــــــــ
ساق دادو نعاجه وكبشه وحمله ، يتقدمهم حماره ، وقد تهدلت أذناه الطويلتان ، وراح كلبه يعدو إلى جانبهم ، ويتوقف بين حين وآخر ، وينبح بصوته المبحوح ، ثم يعاود ركضه إلى جانبهم .
وتطلع دادو أمامه ، وقد لمح ابارا من بعيد ، تسوق نعاجها الخمسة ، فحث خطاه ، وصاح بالحمار : أيها الحمار ، أسرع ، دعنا نصل المرج .
وتراءت له ابارا ، بجسمها النحيل الأشبه بقصبة من قصب الهور القريب ، ووجهها الأسمر ، الذي سفعته أشعة الشمس ، وعيناها الصارمتان ، اللتان لا ترقان إلا عندما تقعا على دادو ، أو تتبادل معه الحديث ، في المرج تحت شجرة التوت .
وابارا ، حين تخرج إلى المرج ، مع نعجاتها الخمس ، لا تكاد تفارقها عصاها الغليظة ، وقد قال لها دادو مرة : أنتِ يا ابارا وهذه العصا ، تبدوان كتوأمين ..
ولوحت ابارا بالعصا ، وقالت : إنها عصا أمي .
وتابع دادو قائلاً : إنها لا تكاد تفارقكِ أبداً ، يا ابارا ، ترى لماذا ؟
ورمقته ابارا بنظرة سريعة ، وقالت مهددة : لأحمي نفسي بها من الذئاب .
وابتسم دادو ، وقال : آه .
فتابعت ابارا قائلة : وخاصة الذئاب البشرية ، التي تزوغ عيونهم يمنة ويسرة .
ولاحت ابارا من بعيد ، تسير ونعاجها الخمس تسير أمامها ، وهمّ أن يصيح بها ، للتتمهل قليلاً ، وتدعه يصل إليها ، توقف وقد اتسعت عيناه مذهولاً ، وراح قلبه يخفق في صدره كالعصفور .
لقد لمح قرصاً مضيئاً يشبه الصحن ، يحلق فوق أشجار الغابة ، التي تحاذي المرج ، ويدور في المكان لحظات ، ثم يختفي خلف الأشجار .
وصاح دودو بحماره ، الذي يسير متقدماً النعاج الأربع والكبش والحمل : أيها الحمار ..
لكن الحمار لم يلتفت إليه ، وظلّ يسير على نفس الوتيرة ، وأذناه الطويلتان متهدلتان ، فأسرع دادو إليه ، متخطياً النعاج والكبش والحمل ، وقال له : أرأيت ذلك القرص ، الأشبه بالصحن الطائر ، في السماء ؟
وأجاب الحمار : كلا ، أنا حمار .
وتوقف دادو ، وترك النعاج والكبش والحمل تسبقه ، وقال حائراً متردداً : ربما لأني لست حماراً ، قإنني أرى هذا الطبق قي السماء .
وسار دادو وراء حيواناته مفكراً ، إنه لم يرَ هذا الصحن الطائر للمرة الأولى ، فقد رآه في الأيام الأخيرة أكثر من مرة ، يحوم فوق كوخهم ، وعندما أخبر أمه بذلك ، نظرت إلى السماء ، ولم ترَ شيئاً ، فقالت له : أنت ترى ما لا يراه غيرك من العقلاء .
بل إنه ذات مرة ، وكان يرقد وحده ، تحت شجرة التوت ، رأى الطبق يهبط على حافة المرج ، قرب أشجار الغابة ، وينزل منه ثلاث كائنات ليست بشراً ، لكنه أقرب إلى البشر ، منه إلى أي شيء آخر .
وأسرع دادو وراء نعاجه الأربع وحمله ، وحماره الذي يسير في المقدمة ، والكلب مازال يركض إلى جانبهم ، وهو ينبح بين حين وآخر .
وصاح دادو بصوت مرتفع : أيها الحمار ، أسرع لابدّ أن نصل إلى ابارا نعاجها الخمس .
ولأن حماره حمار ، ولا تهمه ابارا في شيء ، فإنه ظلّ يسير على نفس الوتيرة ، دون أن يلتفت إليه ، ورأسه مطرق نحو الأرض .

" 3 "
ــــــــــــــــــــ
حثّ دادو خطاه ، وقلبه العصفور الصغير ، الذي يرفرف في صدره ، يسبقه واقترب من ابارا ، وهتف قائلاً : ابارا ، تمهلي .
لم تتمهل ابارا ، وظلت تسير ، ونعاجها الخمس تسير أمامها ، وردت عليه دون أن تلتفت : الحق بي ، يا دادو ، لقد وصلنا المرج تقريباً .
وأسرع دادو حتى لحق بها ، وراح يسير إلى جانبها ، وهو يقول : اليوم صحو ، يا ابارا ، وستشبع أغنامنا من العشب النديّ .
ورمقته ابارا بنظرة سريعة ، وقالت مبتسمة ، وعصاها الغليظة في يد ، وصرة الطعام في اليد الأخرى : وسنشبع نحن أيضاً ، فقد جلبت صرة مليئة بالطعام ، الذي أعددته بنفسي .
وابتسم دادو ، وقال ، وهو يريها صرة طعامه : أنا أيضاً جلبت صرة مليئة بالطعام ، يا ابارا ، سيكون لنا اليوم وليمة تحت شجرة التوت .
وصمت دادو ، وقد تذكر ما رآه قبل قليل في أعالي السماء ، ثم قالت : ابارا ..
وردت ابارا : نعم .
وتابع دادو متردداً : قيل قليل ، رأيت في السماء ، شيئاً غريباً ، لم أرَ مثله من قبل .
ورمقته ابارا بنظرة سريعة ، وقالت : أنت ترى أحياناً ، يا دادو ، ما لا يراه أحد غيرك .
ولعل هذا أثاره بعض الشيء ، فتوقف عن السير ، وقال : هذه ليست المرة الأولى ، التي أرى فيها هذا الشيء ، صدقيني ، يا ابارا .
والتفتت ابارا إليه ، دون أن تتوقف ، وقالت : اسرع ، يا دادو ، كدنانصل إلى المرج .
وأسرع دادو نحوها ، وهو يتابع كلامه قائلاً : رأيت في السماء ، ما يشبه الطبق الكبير جداً ، يطير في فوق الأشجار ، وكأنه .. كأنه لا أدري ماذا .
وتوقفت ابارا متوترة ، وراحت تحدق باهتمتم شديد أمامها ، ويدها تشدّ على عصاها الغليظة ، ونظر دادو حيث تنظر ابارا ، فانتفض العصفور الذي في صدره خائفاً ، وتمتم مرعوباً : الذئب .
ونبح الكلب كالمجنون ، وراح يتقدم خطوات متردداً ، ثم يرتدّ بسرعة ، وتراجع دادو خائفاً ، وهو يصيح : ابارا ، اهربي ، جاء الذئب .
لم تهرب ابارا ، كيف تهرب ونعاجها الخمس في خطر ؟ وراحت تحدق في الذئب ، وهو ينطلق كالسهم نحو نعاجها ، وقد كشر عن أنيابه ، فتراجع دادو أكثر وأكثر ، وهو يصيح : اهربي .. اهربي .
وبدل أن تهرب ابارا ، تصدت للذئب ، وقد رفعت عصاها الغليظة ، وردت قائلة : لن أهرب ، وأترك نعاجي الخمس فريسة للذئب .
وأسرع الذئب ، وانقض على إحدى النعاج ، وكاد ينشب فيها أنيابه ومخالبه ، لكن ابارا أهوت عليه بعصاها الغليظة ، فتهاوى عاوياً متألماً على الأرض ، وما كاد ينهض ، حتى عاجلته بضربة أخرى ، أشد من الأولى ، فتداعى مترنحاً على الأرض ، لكنه سرعان ما تحامل على نفسه ، ونهض مضرجاً بدمائه ، ثم لاذ بالفرار ، وهو يعرج متوجعاً .
وتشجع الكلب ، الذي لم يتوقف عن النباح ، طوال تلك الفترة ، وانطلق في أثر الذئب ، لكنه لم يقترب منه ، أو يحاول عضه ، حتى ابتعد .
وتوقفت ابارا ، والعصا الغليظة في يدها ، وتحرك دادو ، كأنه أفاق من كابوس ثقيل ، وتقدم منها ، وقال بصوت متردد خافت : ابارا ، لو كان معي عصا غليظة مثل عصاتك ، لوقفت إلى جانبكِ .
ونظرت ابارا إليه ، وقالت مبتسمة : لو تعرف كم كنت خائفة ، من ذلك الذئب ، يا دادو .

" 4 "
ــــــــــــــــــــ
عند حوالي منتصف النهار ، والحمل والأغنام والحمار ، ونعاج ابارا الخمس ، يرعون بهدوء في المرج ، وحولهم يركض الكلب نابحاً ، دون أن يعيره أيّ منه شيئاً من الاهتمام .
وجلست ابارا تحت شجرة التوت ، وهتفت بدادو ، الذي كان يداعب حمله الجميل : دادو ، دع الحمل الآن ، لقد حان وقت الغداء .
وترك دادو حمله ، الذي اندفع يرعى بين الخراف الأخرى ، وأقبل على ابارا مبتسماً ، وهو ينظر إلى ما في صرتها من طعام ، وقال : مهلاً ، يا ابارا ، سأفتح صرتي ، وسترين ما فيها من طعام لذيذ .
وراحت ابارا ترتب الطعام على صرتها ، التي فرشتها فوق العشب ، وقالت : دادو ، اجلس هنا قبالتي ، الطعام الذي جلبته كثير ، وهو يكفينا .
وجلس دادو قبالتها ، وفتح صرة طعامه ، وحدق فيه مبتسماً ، وقال : يا للآلهة ، هذا طعام أمي المزمن ، بيض وخبز وقطعة من الجبن .
وضحكت ابارا ، وقالت : كل من طعامي هذا ، فأنا التي أعددته كاملاً .
وراحا يأكلان من كِلا الصرتين ، وعيونهما يقظة تراقب بين حين وآخر ، وقالت ابارا : منذ صغيري ، وأنا أعد الطعام ، وكانت جدتي تقول ، سأكون طباخة ماهرة ، وسأسعد الرجل الذي سيتزوجني ، لأن أفضل طريق إلى قلب الرجل هو معدته .
وحدق دادو فيها مبتسماً ، وقال : كان على جدتك ، أن تقول ، إن افضل طريق لكسب الرجل هوعن طريق عينيه ، وليس معدته .
وأشارت ابارا بعينها المبتسمتان إلى العصا الغليظة ، وقالت : ولهذا جئت بالعصا معي .
وأبعد دادو عينيه عنها ، وقال مازحاً : لا ذنب لي ، يا ابارا ، عاقبي عينيّ ، فهما المذنبتان .
ومدت ابارا يدها ، وأخذت شيئاً من قطعة الجبن ، وقالت : قد أعاقبهما بطريقتي ، يوماً ما .
ومن بعيد ، ربما من بين الأشجار المحاذية للمرج ، ارتفع صوت الحمل ، وتوقف دادو عن تناول الطعام ، وقال : هذا حملي .
وقالت ابارا : دعكَ منه ، لن يذهب بعيداً .
وارتفع صوت الحمل ثانية ، وبشكل مرتفع ، وغير طبيعي : مآآآآع .
واعتدل دادو في جلسته ، ونظر إلى الأغنام ، وهي ترعى في المرج ، ولم يرَ الحمل بينها ، فقال : لا أثر للحمل بين الأغنام .
ومرة أخرى ، ارتفع صوت الحمل غير الطبيعي في ارتفاعه ، وكأنه يناديه : مآآآآآع .
ورفعت ابارا رأسها ، ونظرت نحو مصدر الصوت ، وقالت : حقاً ، إنني لم أسمع من قبل صوت الحمل بهذا الشكل والارتفاع .
ونهض دادو ، واتجه كالمسحور نحو مصدر الصوت ، ولحق به الكلب ، وهو ينبح بشدة ، فنهره دادو ، وصاح به : عد ، وابق مع الخراف .
وتوقف الكلب ، ثم نكسّ ذيله ، واستدار ببطء ، وعاد ليقف قريباً من الأغنام ، وإن ظلّ يتابع بعينيه القلقتين ، دادو وهو يسير مبتعداً .
وسرعان ما توقف دادو ، والتفت إلى ابارا ، وقال : لا أظن أن هناك ذئباً وراء هذه الأشجار ، وإلا لكان الحمل الصغير قد ..
وصمت دادو قلقاً ، فنهضت ابارا ، وتمتمت لنفسها : إنه خائف ، فلأذهب معه .
وسار دادو متردداً ، فلحقت ابارا به ، وسارت إلى جانبه ، والعصا الغليظة في يدها ، وقالت : لنذهب معاً ، ونبحث عن الحمل .
وأسرع دادو بخطوات واثقة ، وهو يقول : هذا أفضل ، يا ابارا ، فلنسرع ، ونبحث عنه .

" 5 "
ـــــــــــــــــــ
دخل دادو الأجمة ، وعصفوره الصغير يخفق في صدره بشيء من الخوف ، رغم أن ابارا ، وعصاها الغليظة في يدها ، كانت تسير إلى جانبه .
وارتفع صوت الحمل من يمين الأجمة ، فالتافت دادو ، وأشار بيده إلى مصدر الصوت ، وقال : ابارا ، هذا اللعين ، إنه هناك ، فلنذهب إليه .
وذهبا سوية إلى مصدر الصوت ، لكنهما لم يجدا أيّ أثر للحمل ، وتبادلا نظرات حائرة متسائلة ، وارتفع صوت الحمل من يسار الأجمة هذه المرة ، فالتفت دادو ، وأشار إلى اليسار ، وهو يسرع نحو مصدر الصوت ، وقال : تعالي ، إنه هنا ، فلنسرع إليه .
وأسرعت ابارا في أثره ، لعلهما يجدا الحمل اللعين ، لكنهما حين وصلا إلى المكان ، الذي صدر منه الصوت ، لم يجدا أثراً للحمل .
وتوقف دادو في مكانه ، وتلفت حوله حائراً ، وقد داخله بعض الخوف ، ثم التفت إلى ابارا ، وقال لها : هذا أمر غريب ، ماذا يجري ؟
وبدورها تلفتت ابارا حولها مندهشة ، ويدها تشدّ على عصاها الغليظة ، وقالت : دادو ، لا أظنّ أن ما سمعناه هنا ، هو صوت حملك .
وردّ دادو قائلاً بصوت متردد : بل هو حملي ، إنني أعرف صوته ، كما أعرف صوت أمي .
وهنا جاء صوت الحمل ، مرتفعاً وممطوطاً من اليمين ، وسارت ابارا ، والعصا الغليظة في يدها ، وقالت : تعال ، يا دادو ، نجرب هذه المرة أيضاً .
وسار دادو متردداً ، على بعد خطوات منها ، والعصفور الصغير الذي في صدره ، قد ازدادت حيرته وقلقه ، دون أن يستقر على حال .
ووصلا إلى المكان ، الذي صدر منه صوت الحمل ، ابارا وصلت أولاً ، وخلفها على بعد خطوات وصل دادو ، لكن بدل الحمل الصغير ، شاهدا ما لم يشاهداه في حياتهما كلها ، نعم ، شاهدا ثلاث كائنات غريبة ، قريبة من أشكال البشر ، لكنها ليست بشراً .
وهمّ دادو وابارا أن يستديرا ، ويلوذا بالفرار ، وقد استبد بهما الرعب ، حتى أن ابارا ، وعلى غير العادة ، نسيت أنها تحمل عصاها الغليظة ، التي أوشكت أن تقتل بها الذئب نفسه ، لكن اثنين من الكائنات الثلاثة ، انقضا عليها ، وأمسكاها من ذراعيها ، فراحت تصيح : اتركاني ، من أنتما ؟ اتركاني ، اتركاني .
وانقض الثالث على دادو ، الذي كان بعيداً بعض الشيء عن ابارا ، يريد أن يمسكه ، وكاد أن يمسك به ، لكن دادو وثب بعيداً عنه ، ولاذ بالفرار .
وصاحت ابارا مستنجدة ، وهي بين أيدي الكائنين الغريبين القوية : دادو .
وتوقف دادو متردداً ملتفتاً إليها ، ثم استدار ، وواصل هربه ، محاولاً الخروج من الأجمة الغريبة ، وهو يسمع ابارا تصيح : دادو .. دادو .
ورغم رعبه الشديد ، واضطراب العصفور الصغير ، المرفرف في صدره ، توقف دادو متردداً ، ثم عاد إلى داخل الأجمة ، متتبعاً صدى صوت ابارا ، الذي كان يتردد في جنبات الأجمة .
وتوقف مرة أخرى ، ماذا يجري ! أهو حلم ؟ كلا ، أنه ليس نائماً في فراشه ، أو تحت شجرة التوت ليحلم ، حسناً ، إذا كان لا يحلم ، فمن هؤلاء ، الذين يشبهون البشر ، وهم ليسوا ببشر ؟
وتناهى إليه نباح كلبه من بعيد : عو عو عو .
إنه كلبه ، كلبه نفسه ، أهذا أيضاً حلم ؟ إنه قد يخطىء صوت حمله ، أو حماره ، أو .. لكن كلبه ، لن يخطىء صوته نهما كانت الظروف .
ومرة ثانية ، تناهى إليه نباح كلبه من بعيد ، كأنه يناديه :عو عو عو .

" 6 "
ـــــــــــــــــــ
رفع الكائنان الغريبان أيديهما عن ابارا ، ودفعها أحدهما برفق ، وقال لها بصوت آليّ ، ولغة واضحة : لا تتوقفي ، تقدمي .
وخاطبها الكائن الثاني ، بنفس الصوت الآلي ، واللغة الواضحة : تقدمي ببطء ، وإياكِ أن تحاولي الهرب ، فهذا لن يفيدكِ .
وتساءلت ابارا ، وهي تسير متوجسة ، ودون أن تلتفت إليهما : إلى أين تأخذاني ؟
وأجاب الثاني بصوت هادىء : سترين بعد قليل ، والآن واصلي سيركِ .
وواصلت ابارا سيرها ، وهي تنصت متوجسة إلى الكائنين الغريبين ، وهما يسيران وراءها ، ولحق بهم الثالث ، الذي حاول الإمساك بدادو ، ولم ينجح في ذلك ، وقال : رفيقها مازال في الجوار .
وردّ عليه أحدهما قائلاً : دعه الآن ، لن يمضي بعيداً ، ففتاته بين أيدينا .
واجتازوا صفاً من أشجار الأجمة الكثيفة ، وقال الكائن الغريب الثاني : انظري ، ها قد وصلنا .
وتوقفت ابارا مذهولة ، وهي تنظر إلى ما يشبه الطبق المعدني الكبير ، يجثم في فسحة واسعة بين الأشجار ، وهو يصدر أزيزاً مكتوماً ، ويشع من فتحات عديدة فيه ما يشبه ضوء القمر الساطع .
وتراءى لها دادو ، وتذكرت ما تحدث عنه ، واتهمته وقتها بأنه يرى أشياء لا يراها غيره ، وهذا يعني أنه مجنون ، وها هي ترى الآن بنفسها ، ومن مسافة قريبة ، ما لن يصدق وجوده أحد .
وفوجئت ابارا بما يشبه الباب ، ينفتح في أسفل الطبق المعدني الضخم ، فدفعها الأول برفق ، وقال لها : هيا إلى داخل المركبة ، تقدمي .
وتقدمت ابارا مترددة ، حتى وصلت الباب ، وتباطأت قليلاً ، فدفعها الثاني برفق مرة أخرى ، وقال لها بصوته الآلي : ادخلي .
وتوقفت ابارا ، والتفتت إليهم ، فقالت الكائن الغريب الثالث : ادخلي ، لا تخافي .
ودخلت ابارا عبر فتحة الباب ، ودخل الكائنات الثلاث وراءها ، وعلى الفور سمعت الباب يغلق ، ووجدت نفسها داخل ممر مضاء بضوء أشبه بضوء القمر الساطع .
وتقدمها الثالث في الممر المضاء ، وهو يقول : اتبعيني ، لا تخافي ، أنت في مكان آمن .
وسارت ابارا ، عبر ممرات عديدة ، يتقدمها الكائن الغريب الثالث ، ويتبعها عن يمينها وعن يسارها ، الكائنان الغريبان الأول والثاني .
وتوقف الكائن الغريب الثالث ، أمام باب معدني ، في جدار الممر ، ومدّ يده ولمسه لمسة واحدة ، وسرعان ما انفتح الباب ، فدخل الكائن الغريب الثالث ، وهو يقول بصوته الآلي : تعالي ، ادخلي .
ودخلت ابارا ، ودخل وراءها الكائنان الغريبان الأول والثاني ، وكما غلق باب المركبة ، غلق باب القاعة الواسعة التي دخلوها .
وتلفتت حولها مبهورة ، أكثر مما هي خائفة ، وإذا هي وسط قاعة واسعة ، تحيط بها شاشات غريبة ، لم ترَ ما يشبهها من قبل ، رأت فيها أجزاء من الغابة ، والمرج ، وحتى أغنامها وأغنام دادو وحماره ، وهم منهمكون في أكل الأعشاب الندية الريانة .
وتوقفت الكائنات الثلاث الغريبة على مقربة منها ، وحدقت ابارا فيهم مترددة خائفة ، فأشار الأول إلى مقعد قريب ، وقال لها : لا تخافي ، يا ابرا ، اجلسي مرتاحة في هذا الكرسيّ .
وفغرت ابارا فاها ، وقالت : أنت تعرف اسمي .
ونظر الكائن الغريب الثاني إليها ، وقال بصوته الآلي : نحن نعرف كلّ شيء عنكم ، اجلسي وارتاحي .
وجلست ابارا على الكرسي ، فقال لها الكائن الغريب الثالث : اتكئي ، وارتاحي جيداً .
واتكأت ابارا متوجسة ، وهي تنظر إليهم ، وقالت بصوت خائف : لا أدري ماذا تريدون أن تفعلوا بي ، إنني .. إنني وحيدة والديّ .
وابتسم الكائنات الثلاثة الغريبة ، وقال الأول : لا تخافي ، يا ابارا ، لن يمسك أحدنا بسوء .
والتفت الكائن الغريب الثاني ، إلى الكائن الغريب الأول ، وأشار له إلى ابارا ، وخاطبه بلغة غامضة ليست مفهومة ، فتقدم الكائن الغريب الأول ، ورفع يده أمام وجه ابارا ، وسرعان ما أغمضت ابارا عينيها ، واستغرقت في نوم عميق .

" 7 "
ــــــــــــــــــــ
فتحت ابارا عينيها ، وهي تهتف : دادو .
وابتسم الكائنات الغريبة الثلاث ، وهم يتطلعون إليها ، وقال الكائن الغريب الأول : لا تخافي ، يا ابارا ، دادو موجود ، وهو بخير .
وخاطبها الكائن الغريب الثاني بصوته الآلي : إنه على ما يبدو ، قلق عليك ، وهو يبحث عنك في الجوار ، منذ أن أخذناكِ حتى الآن .
ونهض الكائن الغريب الثالث عن كرسيه ، وضغط على زرّ إحدى الشاشات ، وقال مخاطباً ابارا : انظري ، ها هو دادو ، يدور قريباً من هنا .
وحدقت ابارا في الشاشة مذهولة ، فقد رأت دادو يبرز من بين الأشجار ، ويتقدم متوجساً قلقاً ، ويتوقف مذهولاً أما الطبق المعدني الكبير .
وابتسم الكائن الغريب الثاني ، وهو يحدق في الشاشة ، وقال بصوته الآلي : نحن نعرف دادو جيداً ، وقد ظهرنا له عدة مرات ، وتحدث عنّا كثيراً ، لكن أحداً لم يصدقه ، وربما اتهمه البعض بالجنون .
والتفت الكائن الغريب الأول إليها ، وقال : ابارا ، انظري ، سنناديه الآن ، كما ناديناكما بصوت الحمل الصغير ، واستدرجناكما إلى هذا المكان .
وبالفعل سمعت ما يشبه صوتها ، يرتفع خارج الطبق المعدني : دادو ..
وتلفتت ابارا حولها مذهولة ، وتمتمت لنفسها : يا ويلي ،
هذه أنا .
ورفع دادو رأسه ، وصاح متردداً : ابارا ..
وضغط الكائن الغريب الأول أحد الأزرار ، فانفتح باب الطبق المعدني الكبير ، ومعه ارتفع صوت ابارا : دادو ، ادخل ، إنني هنا داخل هذه الملركبة .
وحاولت ابارا أن تنهض ، لكنها لم تستطع ، وصاحت من مكانها : دادو ، لا تدخل ، هذا ليس صوتي ، إنهم يخدعونك ، لا تدخل ، لا تدخل .
لم يسمعها دادو طبعاً ، لكنه استمع صوتها ، الذي فبركه الكائنات الغريبة الثلاث ، يقول له : دادو ، تعال ، إنني انتظرك في الداخل ، تعال ، تعال .
وعادت ابارا تصيح منفعلة : كلا ، دادو ، حذار ، لا تدخل هذه المركبة ، لا تدخل ، لا تدخل .
وجنّ جنونها ابارا ، حين رأت دادو ، في إحدى الشاشات الكبيرة ، الموجودة في القاعة ، يتقدم من بوابة الطبق المعدني الكبير ، ويدخل متردداً ، ورأت الباب يقفل وراءه على الفور .
ولاذت ابارا بالصمت ، واستسلمت لليأس ، وهي ترى دادو يسير وحيداً متلفتاً في الممرات ، التي سارت فيها من قبل مع الكائنات الغريبة الثلاثة .
وفتحت بوابة القاعة ، التي تجلس فيها ابارا ، ومعها الكائنات الغريبة الثلاثة ، حين وصلها دادو ، وإذا صوت ابارا المفبرك يقول له : ادخل ، يا دادو ، إنني هنا ، انتظرك في هذه القاعة .
وتقدم دادو داخل القاعة ، وتوقف مرعوباً حين رأى الكائنات الغريبة الثلاث تحدق فيه صامتة ، لكنه ما إن رأى ابارا ، تجلس في الكرسي ، حتى نسي خوفه ، وأسرع إليها هاتفاً : ابارا .
وتوقف دادو أمامها حائراً ، فقالت ابارا ، وهي تشير إلى مقعد إلى جانبها : اجلس .
وجلس دادو ، حيث اشارت ابارا ، ورمق الكائنات الغريبة الثلاث بنظرة سريعة ، وقال لها : قلقت عليك ، وبحثت عنك في الجوار ، حتى سمعتك تناديني من هذا .. الطبق المعدني .. فجئت على الفور لأنقذكِ ، وسأنقذك مهما كلفني هذا الأمر .
وابتسم الكائنات الغريبة الثلاث ، وهم يتبادلون النظر صامتين ، وسكت دادو متردداً ، فقالت ابارا : إنني كما ترى ، يا دادو ، بخير .
ورمق دادو الكائنات الغريبة الثلاث بنظرة سريعة ، ثم مال على ابارا ، وقال لها بصوت خافت خائف : ابارا ، من هولاء المخلوقات الغريبة ؟
فردت ابارا قائلة بصوت هادىء : لقد حدثتني ، يا دادو ، عن الطبق الطائر ، ولم أصدقك ، وقلت لك ، إنك ترى ما لا يراه الآخرون ، والآن هذا هو الطبق الطائر ، وهؤلاء هم من فيه .
وهنا أشار الكائن الغريب الثالث ، للكائن الغريب الأول ، فنهض الأخير من مكانه ، واقترب من ابارا ودادو ، ورفع يده أمام وجهيهما ، فتراخيا شيئاً فشيئاً ، وسرعان ما استغرق كلاهما في نوم عميق .

" 8 "
ــــــــــــــــــــ
فزّا مستيقظين ، وفتحا أعينهما ، وإذا هما مازالا في قاعة الصحن المعدني الكبير ، وأمامهما يقف الكائنات الغريبة الثلاث .
وحاول دادو أن ينهض ، لكنه لم يستطع ، ونظر إلى ابارا ، وكانت ماتزال جالسة في مكانها ، وقال : كأنني مقيد بالكرسي ، وأنا غير مقيد فيه .
وحاولت ابارا بدورها ، أن تنهض وتغادر الكرسي ، لكنها لم تستطع هي الأخرى ، فنظرت إلى الكائنات الغريبة الثلاث ، وقالت : كفى ، أطلقوا سراحنا .
وابتسم الكائن الغريب الأول ، وقال : لستما سجينين عندنا ، لنطق سراحكما .
وقال الكائن الغريب الثاني بصوته الآلي :أنتما ضيفانا ، ويمكنكما أن تذهبا متى تشاءان .
ونهض الكائن الغريب الثالث ، وتقدم منهما قليلاً ، وقال بنفس الصوت الآلي : أنتما لم تسألانا من نكون ، ولماذا نحن الآن هنا ؟
والتفتت ابارا إلى دادو ، وقالت : أنا لا أعرف عنهم أي شيء ، وأنت كما قلت ، رأيتهم مراراً .
ونظر دادو إلى الكائنات الغريبة الثلاثة ، وقال : نعم ، رأيت في السماء ، أكثر من مرة ، مركبتكم الشبيهة بالطبق ، ولمحتكم مرة من بعيد ، لا أكثر .
ونظر الكائن الغريب الأول إليه ، وقال : أنت محق ، لقد تراءينا لك مراراً ، ومن جهتنا ، كنا نراقبك ، ورأيناك مراراً مع ابارا .
ونظرت ابارا مندهشة إلى دادو ، فاستطرد الكائن الغريب الأول قائلاً : وأردنا في الحقيقة ، أن نستضيفكم هنا ، ونتبادل الحديث معكم .
وحرك دادو يديه وساقيه ، وشعر بأنها غير مقيدة ، وابتسم الكائن الغريب الثاني ، وقال : أنت حرّ ، انهض عن الكرسي إذا أردت .
ونهض دادو ، ومدّ يديه إلى ابارا ، وساعدها على النهوض عن الكرسي ، والتفتت ابارا إلى الكائنات الغريبة الثلاثة ، وقالت : نحن لا نعرف في الحقيقة ، من أنتم ، ولا من أين أتيتم ، نحن كما ترون ، نراكم في منطقتنا للمرة الأولى .
وصمتت ابارا ، فأضاف دادو قائلاً بصوت هادىء : هذا هو الواقع ، ومن جهتي ، فأنا لم أرَ ما يشبهكم في أي مكان من سومر .
ونهض الكائن الغريب الثاني ، وقال بصوته الآلي : ولن ترى ما يشبهنا ، في أي مكان من هذا العالم ، الذي تعيشون فيه .
وقال الكائن الغريب الأول بصوته الآلي : نحن لسنا من هنا ، لسنا من كوكبكم ، الأرض .
وأضاف الكائن الغريب الثاني بصوته الآلي : نحن من كوكب بعيد ، من كوكب نيبيرو .
واتسعت عينا ابارا دهشة ، وقالت : لقد سمعت عن كوكب نيبيرو ، تحدث عنه الكاهن الكبير في معبد الإله انليل ، وقال أن فيه أناس مقدسون هم .. الانوناكي.
وابتسم الكائن الغريب الأول ، وأشار إلى صاحبيه ، وقال : نحن من الانوناكي ، من سكان هذا الكوكب البعيد ، الذي لا يُرى من الأرض ، كوكب نيبيرو .
وقال الكائن الغريب الثالث : أن كوكبنا نيبيرو ، يقترب من كوكبكم الأرض ، وهو يدور حول الشمس ، مرة كلّ " 3600 " سنة .
وقال الكائن الغريب الثاني بصوته الآلي : وقد زار أجدادنا كوكبكم في المرة السابقة ، وتجولوا في سومر ، وقالوا إنها منطقة غنية واعدة .
وأضاف الكائن الغريب الأول قائلاً : وهذا ما لمسناه في زيارتنا هذه ، فقد رأينا مدناً عامرة مثل اور واوروك ونيبور واريدو وايسن ولارسا وغيرها .
ونظر دادو إلى الكائنات الغريبة الثلاثة ، وقال : نيبور ، اسم هذه المدينة ، يشبه اسم كوكبكم نيبيرو .
وقالت ابارا مبتسمة : من يدري ، لعل أحد أجدادكم ، الذي زار منطقة سومر ، قبل " 3600 " سنة ، هو مؤسس هذه المدينة .
وقال الكائن الغريب الأول : من يدري ، ونيبور مدينة عظيمة ، لا تقل تقدماً عن مدينتكم اور .
وران الصمت على الجميع ، فترة طويلة بعض الشيء ، وتقدم الكائن الغريب الثالث من دادو وابارا ، ثم قال : نحن نشكركما ، ونعتذر إذا كنّا قد ضايقناكما ، خلال هذه المدة من الزمن .
ورمقت ابارا دادو بنظرة سريعة ، ثم نظرت إلى الكائن الغريب الثالث ، وقالت : لا .. أبداً .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : والآن ، نريد بعد إذنكما ، أن نخرج ، ونرى ما جرى لأغنامنا .
فقال الكائن الغريب الثاني : اطمئنا ، أغنامكم ترعى في أماكنها ، كما تركتماها بالضبط .
وابتسم الكائن الغريب الثالث ، وقال بصوته الآلي : وحتى الحمل ، الذي استدرجناكما بصوته إلى هنا ، عاد يرعى مع الأغنام الأخرى .
وران الصمت مرة أخرى ، فتقدم منهما الكائن الغريب الأول ، وقال : ستعودان الآن إلى حيث كنتما ، قبل أن نستضيفكما في مركبتنا هذه ، ولن تشعرا مطلقاً بفارق الزمن ، وكأن كلّ ما حدث مجرد حلم عابر .

" 9 "
ــــــــــــــــــــ
فجأة وجد دادو وابارا نفسيهما ، حيث كانا بين أشجار الغابة ، قبل أن يحتجزهما الكائنات الغريبة الثلاثة ، داخل الطبق المعدني الكبير .
وتلفتا حولهما مذهولين ، وقد اختلطت عليهما الأمور ، ماذا جرى ؟ وحدق أحدهما في الآخر ، لكنهما لم يتطرق إلى ما حدث لهما بكلمة واحدة .
وتلفتت ابارا حولها ، وقالت ربنا لتبتعد عما يساورها من شكوك : دادو ، الحمل ليس هنا .
وبدوره تلفت دادو حوله ، وردّ قائلاً : لقد سمعت صوته ، كان صادراً من هذا المكان .
وقالت ابارا حائرة : لا أدري ، ربما كنا مخطئين .
وهزّ دادو رأسه ، وقال : وربما كان هنا ، وعاد إلى حيث ترعى الأغنام .
وحدقت ابارا فيه حائرة ، كأنها تتساءل بينها وبين نفسها ، ماذا يعنيه دادو بخلال هذه المدة ؟ أية مدة يعني ؟ يا للآلهة ، هذا أمر يثير الجنون .
واستدار دادو ، وسار أمام ابارا ، وهو يقول : لنعد من حيث جئنا ، يا ابارا ، أرجو أن تكون أغنامنا مازالت ترعى في أماكنها من المرج .
ولحقت ابارا به ، وقالت : لا عليك ، يا دادو ، الحمار معها ، وكذلك الكلب .
وسارا صامتين ، كلّ يسرح في عالمه ، وإن كانا ـ ودون أن يعلما ـ يسرحان في عالم واحد ، لا يبعد كثيراً عن عالم ، الطبق المعدني الكبير .
وقالت ابارا : دادو .
وردّ دادو : نعم ، ابارا .
فقالت ابارا : أظنّ أن ما قلته لي ، عن الطبق المعدني الكبير ، الذي رأيته يطير في السماء أكثر من مرة ، يمكن أن يكون فيه شيء من الصحة .
وقال دادو ، دون أن يلتفت إليها : بل هو صحيح تماماً ، ياابارا .
وتوقفت ابارا ، وحدقت فيه ، وقالت : صحيح ؟
وتوقف دادو بدوره ، وحدق فيها ملياً ، ثم قال : ماذا تقولين أنتِ ، يا ابارا ؟
وهزت ابارا رأسها ، واستأنفت سيرها ، وهي تقول : من يدري ، ربما هذا صحيح ، لقد رأيت ما يشبه الحلم في المنام ، حول هذا الطبق المعدني الكبير ، والكائنات الغريبة ، التي تتواجد فيه .
ولحق دادو بها ، وقال : أنا أيضاً شاهدت ما يشبه هذا الحلم ، يا ابارا .
والتفتت ابارا إليه ، والسؤال الحائر يدور في عينيها القلقتين ، وقالت : الحلم !
وواصلت ابارا سيرها ، وهي تقول : وأي حلم .. وصمتت ابار لحظة ، وقد توقفت ، ثم قالت : لقد احتجزتني كائنات غريبة داخل هذا الطبق المعدني الكبير ، فدخلت أنت الطبق ، تريد أن تنقذني .
وتوقف دادو على مقربة منها ، وقال : يا له من حلم ، لقد رأيته أنا أيضاً ، وعشته لحظة بلحظة .
وهنا رفعت ابارا رأسها ، وراحت تنظر مذهولة ، وهي تتمتم : دادو ، انظر .
ورفع دادو رأسه إلى أعلى ، ونظر حيث تنظر ابارا ، وقد اتسعت عيناه دهشة ، فقد كان هناك طبق معدني كبير ، يطير فوق الأشجار ، وسرعان ما انطلق كالبرق ، وغاب في أعماق السماء .


1 / 2 / 2019








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | على الهواء.. الفنان يزن رزق يرسم صورة باستخدا


.. صباح العربية | من العالم العربي إلى هوليوود.. كوميديا عربية




.. -صباح العربية- يلتقي نجوم الفيلم السعودي -شباب البومب- في عر


.. فنان يرسم صورة مذيعة -صباح العربية- بالفراولة




.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان