الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة المشعشعية ومذبحة شوشتر

سنان نافل والي

2023 / 1 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في الربع الأول من القرن الخامس عشر ( 1436 ) ظهرت حركة شيعية في الأهوار بزعامة شخصية عراقية من مدينة واسط في جنوب العراق ، يدعى محمد بن فلاح الملقب بـ (المهدي أو المهدي المنتظر ) (*) الذي استطاع أن يفرض زعامته وبشكل سريع على منطقة واسعة ، امتدت الى الأحواز لتكون الحويزة هي مركز هذه الدولة الناشئة التي امتد نفوذها الى أغلب المناطق الإيرانية في عهد المولى علي المشعشعي واستولت كذلك على البصرة والجزائر لمدة وجيزة ولفترات معينة وحاولت الاستيلاء على بقية أجزاء العراق حتى وصلت الى أسوار بغداد بعدما ضربت المواقع الحربية التابعة لدولة المغول في واسط العراق والنجف والحلة وبغداد (1) ومن المؤشرات التي تعكس قوة وفعالية هذه الدولة حينها هي قدرتهم على سك عملتهم الخاصة بهم في شوشتر سنة 914 هجرية وفي الحويزة سنة 1085 هجرية (2) استطاع محمد المهدي من السيطرة على مدينة واسط في الربع الأخير من القرن الخامس عشر ومن ثم احتلال الحويزة إضافة الى استمرار القتال بين مناصريه وبين القوات النظامية الحكومية في مدن العمارة والبصرة وسوق الشيوخ وغيرها من المناطق العراقية مما تسبب حينها بمقتل العشرات من المندائيين نتيجة تلك الحروب الدائرة وهروب العديد منهم الى داخل المناطق الإيرانية مثل شوشتر وديزفول بحثا عن الأمان فيهما الى أن وصل المشعشع وأحتلهما ليفرض هيمنته وزعامته على تلك المدينتين أيضا . وقد عانت الأقليات الدينية الموجودة في المناطق التي كان يسيطر عليها الى اضطهادات مختلفة من قتل وتعذيب وتشريد ، إذ عرف عنه كرهه الشديد لكل ما هو غير مسلم وكان يعتبر أن غير المسلمين أنما هم من فئة الكفار وبالتالي واجب قتلهم يقع على عاتق كل مسلم حريص على دينه . في عهد السلطـان محسن ابن محمد المهدي المشعشعي والذي كان حاكما على مدينة العمارة " الجزيرة " و ابنه فياض الحاكم في مدينة شوشتر آنذاك ، تعرض المندائيون لإحدى أسوأ وأكثر الحوادث إيلاما وقسوة في تأريخهم والتي عرفت بمذبحة شوشتر. وما تزال تلك الذكرى يتردد صداها لديهم حتى يومنا هذا من خلال التدوينات المتعلقة بها في العديد من "الإزهارات" (التذييلات) التي روت تفاصيل تلك الحادثة , إلا أن الوثيقة الأصلية الأولى التي جاءت على ذكرها وبتفاصيل كثيرة ودقيقة كانت تلك التي تعود الى عام 1480 م والتي كتبها (يوهنا شتلان ابن الرباي زكي شتلان) الذي يعتبر والده (زكي شتلان) أحد رجال الدين الذين نجوا من تلك المذبحة الرهيبة (3) . بدأت الحادثة في أول أيام السنة المندائية والمسمى بـ ( كنشي وزهلي ) عندما أرادت إحدى النساء المندائيات الذهاب الى النهر لجلب الماء ، عندها قامت مجموعة من العرب الذين كانوا حينها مجتمعين في قواربهم الراسية على ضفة النهر بمحاولة الاعتداء عليها وخطفها وما أن وصل الخبر سريعا الى أهلها حتى هبوا لنجدتها وإنقاذها من هؤلاء الرجال ليتطور الامر سريعا الى قتال وصراع عنيف بين الجهتين , بعد فترة قليلة من هذه الأحداث المتسارعة ، وصل خبر القتال الى الحاكم محسن بن محمد المهدي فقرر الوقوف الى جانب العرب المسلمين وإعلان الحرب ضد المندائيين وبعث بقوات مدربة من الجيش لتقوم بقتلهم وسحقهم بكل وحشية حيث قامت بقتل أي مندائي تراه أمامها ولم يسلم حينها حتى الأطفال والنساء منهم والذين تم ذبحهم علانية وأمام الناس وكذلك ذبح العديد من رجال الدين ، وتبين لنا تلك الوثيقة حجم الفاجعة التي حلت بهم من خلال ذكرها لعدد المندائييـــن قبل الحادثة وبعدها ، حيث تذكر أنه كان يوجد في شوشتر أربعة آلاف عائلة ( بحدود 20000 ألف مندائي إذا اعتبرنا أن كل عائلة تتألف من خمسة أفراد ) ليصل هذا العدد بعد المجزرة الى خمسين عائلة فقط ( 250 مندائي ) ليبقى المجتمع المندائي بعد ذلك ولفترة طويلة ، يشعر بالانكسار نتيجة تلك الإبادة التي تعرض لها . (4) وقد وصفت دراور هذه الحادثة التي حصلت على تفاصيلها مدونة في مخطوطة يمتلكها الشيخ دخيل ابن الشيخ عيدان باسم " التأريخ” بأنها كانت (كارثة) أصابت المجتمع المندائي حينها في الصميم والتي مازالت عالقة في ذهنه حتى يومنا هذا (5) ونقرأ تفاصيل دقيقة لما جرى من الوثيقة المترجمة (وثيقة مجزرة شوشتر) التي دونت تلك الأحداث حينها:
... ثم يا إخوان الذين تأتون من بعدنا : أنا عبدكم " سام يهانا بر ربي بهرام " كتبت هذا التأريخ من كتابة الربي (لقب ديني) رام زهرن بر ربي سام بهرام ، كنيانا ( اللقب ) عزازي وهو كتبها نقلا عن كتابة يهانا شتلان بر ربي زكي شتلان بر ربي سام يهانا بر سروان بهران بر آدم بختيار بر سام بهران بر يهيا بر زمي بر يهانا ولقبه بهير الذي كتب هذا التأريخ " وهو بتأريخ سنة ثمانية وثمانون وخمسة بالتأريخ العربي الهجري " وكان الحاكم العربي سلطان محسن بن مهدي بن سيد حسان من المنطقة - أي المحافظة - وكان الحاكم في شوشتر فياضبن محمد ... يا إخوان الذين تأتون من بعدنا : كان في شوشتر " أربعة آلاف بيت مندائي .. وأربعمائة ترميدي (درجة دينية) وخمسون كنزورا " ( درجة دينية ) .. الذي كان عليهم الحساب يعني كثيرين .. وتسلطوا عليهم وأمروا بقتلهم ... والذين بقى منه " الذي نجا"، قسم هرب للجبال وقسم صوب الأنهار ومنهم " أربعة كنزوري ، واحد اسمه يهيا رام يهانا والثاني بهرم بر ربي سام يهانا والثالث ربي بهرم يهانا بر يهيا زكي سابوري والرابع يهيا سام بر سام زهرن .. " وبقوا في الجبال أربعة أشهر لم يذوقوا الطعام وأكلهم كان من نبات الأرض ، مات ثلاثة منهم بالجبال وبقي واحد منهم ترميذا اسمه ربي زكي شتلان بر ربي سام يهيا بر سروان بهران بر آدم بختيار بر سام بهران بر يهيا زكي بر يهانا ولقبه " بهير " .. ومقدار الذي نجا من المندايي في شوشتر خمسون بيتا قسم منهم ماتوا في بيوتهم.. وحتى في الحويزة نفس الشيء وبقوا أربع سنوات ما عندهم ترميذي ... " (6) من سخرية القدر ربما ، أنه بعد خمسون عاما تقريبا على وقوع هذه المجزرة ، يقوم أحد الحكام من سلالة المشعشع وهو سيد سجاد بن بدران بتوفير الحماية واللجوء لأكثر من 12000 مندائي في بغداد وذلك بعد أن هاجمت القوات العثمانية المدينة واستولت عليها . وقد ذكرت التفاصيل حول تلك الأحداث منقوشة على أحد الأحجار وهو الذي استشهد به المستشرق " بيترمان " في روايته عن ذلك الحدث و الذي أكدته أيضا بعض الإزهارات المستنسخة من قبل عدد من رجال الدين المندائيين المعاصرين حيث تم وصف هذا الحاكم بشكل إيجابي قياسا لما كان عليه أجداده من تعصب ووحشية في التعامل مع المندائيين . وقد جاء في هذا النقش كلاما لأحد المندائيين ، واصفا فيه الطريقة التي تعامل بها هذا الحاكم مع اللاجئين الوافدين عليه :
" ... كنا نستطيع الدخول الى مجلسه ، وكنا نحظى منه بالدعم والاحترام ولم يحاول أن يهيمن أو يسيطر علينا " (7) *

المصادر والهوامش
* يذكر عباس العزاوي في كتابه " تأريخ العراق ج3 .ص109 ، أنه قد ولد في بغداد وليس في مدينة واسط ) وأيضا كان يلقب ب ( المشعشع )، قيل عن سبب هذه التسمية أن الناس كانت تنظر إليه فترى أن وجهه يشع نورا بينما يذكر جاسم حسن شبر في كتابه " تأريخ المشعشعيين وتراجم أعلامهم . ص13 أن سبب هذه التسمية التي عرفت بها فيما بعد سلالته التي حكمت لأكثر من ثلاثة قرون ، إنما تعود على ما ذكر صاحب (جامع الأنساب ) نقلا عن ( مكارم الآثار في أحوال الرجال ) لمؤلفه ميرزا محمد على : أنه كان عندما يطالع العلوم الغريبة التي اقتبسها من أستاذه أحمد بن فهد الحلي ، يتشعشع بدنه ويهتز طربا )
(1) جاسم حسن شبر : تأريخ المشعشعيين وتراجم أعلامهم . ص12. (19) المصدر السابق ص 7-12 .
(2) ماجد فندي المباركي : المندائيون سر البقاء والحياة منتصرة . ص147
(3)Charles G. Häberl : Dissimulation´-or-Assimilation ? The Case of the Mandaeans .P 597
(4) الليدي درارور: الصابئة المندائيون في العراق وإيران. ص 56-57.
(5) حامد نزال السعودي: حقيقة الصابئة المندائيين. ص255
(6) Buckley , Journn J. : The Great Stem of Souls : Reconstructing Mandaean History . P.32
(7) Ursula SCHATTNER-RIESER, Les Mandéens ou disciples de Saint Jean. P: 245)

* توجد في مكتبة بودليان في أكسفورد ، مخطوطة لإحدى الإزهارات " تذييلات "للناسخ المندائي" آدم فرج "وهو يتهم فيها الوالي سيد مبارك خان بأنه قام بعزل رجال الدين من مناصبهم القيادية والدينية المندائية وأنه قتل العديد من المندائيين . أنظر :
Buckley , Journn J. : The Great Stem of Souls : Reconstructing Mandaean ) History : P. 92
Charles G.Häberl : Dissimulation´-or-Assimilation ? The Case of the Mandaeans : (P. 600
Charles G.Häberl : Dissimulation´-or-Assimilation ? The Case of the Mandaeans : (P . 603








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف