الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من القبيلة إلى الدولة... من أين يبدأ الطريق (2-5)وجهة نظر سوسيو- سياسية

احمد يعقوب ابكر
قاص وناقد

(Ahmed Yagoub)

2023 / 1 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


لعلّ الفاعلية السّياسيّة لإحداث تغييرٍ وتشكيل الدّولة الوطنيّة في بلادنا؛ تقْتضي في المقام الأول معرفة مُجتمعاتنا وتأريخ تطوّرها وحركتها وتأثيراتها في كل المناحي بالاضافة لدراسة بِنيتها. اشتغال مُتعاطي السّياسة بدراسة المُجتمعات هو أمر المهم؛ إذ لا يمكن للعمل السّياسي أن يُحدث تأثيراً بنيوياً دون علم اجتماع، فلقد شخّص الاكاديمين والسّياسيين واقعنا ولكنهم اغْفلوا جانباً مُهماً وعُنصراً أساسياً في اشكالنا السوداني وهو دور القبيلة أو تنظيمات ما قبل الدّولة في عملية تشكُّل وبناء الدّولة الوطنية. والعجز الذي يُلاحقنا اليوم في بناء الدّولة الوطنيّة (دولة المواطنة )يتلخّص في العجزعن؛ تشخيص واقعنا الاجتماعي الذي أدى الى العجز في تغييره وذلك بسبب الخلل في فهم الآليات الفاعلة في مُجتمعنا والتّقصير في ادراك ما يتحكّم فيها، بجانب مُساهمة الاستبداد السّياسي وتدخل الخارج في القرار الوطني والذي ادى إلى تعميق العجز وتعطيل التّحول المنشود؛ وهو ما يفسّرقيامنا بثوراتٍ ثلاث (1964-1985-2018)وتكاد النتائج تتشابه.
وليس من قُبيل المُبالغة حين نقول أن الثّورات الثّلاث التي قامت في بلادنا لا تكْمن جذور قيامها في العوامل الاقتصادية والسّياسية فقط؛ فهذه الثّورات بما فيها ثورة ديسمبر ليست بمعزل عن تأثير العوامل الاجتماعية والثقافية المُرتبطة أساساً بالظاهرة القبلية ومع اختلاف السياقات والتداخلات بين ماهو اثني وما هو قبلي ففي كل الأوقات فان البنى التقليدية والمؤسسات الاهلية ما زالت تؤثر في وجهة الاحداث السياسية والاجتماعية؛ بل ان ثورة ديسمبر وبما اتاحته من مناخ للحريات فقد أظهرت مكامن الخلل البنيوي في الدّولة التي تتحكم فيها القبائل بشكل كبير وظهرت عورة الانظمة التي جعلت القبيلة حكومة ظل ومؤثرة في كل فتراتها؛ والمناخ الذي اظهرته ثورة ديسمبر جعلت تنظيمات ما قبل الدولة تستعيد مكانتها مرة أخرى؛ وذلك يتبدى من خلال الصوت القبلي العالي الذي نسمعه الان والعنف الذي يصاحب خطاب القبيلة بجانب الاصطفاف الذي ينتظم صفوفها، وهذا من محاسن الثورة التي اظهرت خلل بنية الدولة وعلّتها الرئيسية بجانب اختلالات عديدة تنتظر منّا الكثير لفهمها وتغييرها؛ إذ ان العجز في تقديري ينبع من عدم قدرتنا على فهم الظاهرة والاستعجال في تغييرها دون استيعابها.إن الثورة الحالية وعبر حراكها استطاعت ان تفتح افاقا جديدة للمجتمعات اذ أخرجتها من العجز والخوف ومن مرحلة الولاء الى زمن السياسة التي ترفع شعاراتها بكل وضوح ويُرى ذلك بوضوح في شرق السودان والاعتصامات القبائلية المتعددة التي تتناسل كل يوم.
نشأة الدّولة الحديثة في بلادنا وتشكُّل مؤسساتها؛ كانت في إطار مجتمع يتسم بتركيب إجتماعي قبلي فاعل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً؛ فقد لعبت القبيلة كبنية والتي تعد من الخصائص السوسولوجية لمجتمعنا كصفة متميزة ؛ لعبت أدواراً كبيرة في عملية التحام المُجتمعات وانقاساماتها بجانب دورها المعروف في مقاومة الاستعمار وانشاءها لتحالفات لتأدية الغرض نفسه ( مقاومة الاستعمار) والنّاظر للتاريخ السوداني يمكنه أن يسمي العديد من القبائل التي قاومت الاستعمار؛ نفس هذه القبائل ولعوامل تأريخية لعبت أدوراً في تشكل الدولة ومؤسساتها.وفي وقت ما حافظت القبائل ولا يزال بعضها ببنيتها السياسة والاقتصادية بل والعسكرية فكان ما يمكن تسميته . وفي الاقاليم بالذات حافظت القبيلة على بنيتها وكيانها كبنية نفسية وثقافية تؤطر الافراد والجماعات.
وما أطرحه هنا يجب ان يفهم في سياق ضرورة انهاء سيطرة القبيلة وتأثيرها السياسي والاقتصادي وتفكيك الوضعيات التأريخية لصالح قيام دولة مواطنة؛إذ يستحيل قيام الدولة الوطنية وبناء المشروع الوطني دون أن تكون السلطة في يد الدولة بجانب احتكارها لكل الاليات في سبيل المواطنة.
تطرح مسألة القبيلة وتأثيراتها الكبيرة على صناعة او شكل القرار في الدولة؛ مسائل أخرى تتعلّق بخطابات الفاعلين السياسين ومؤسساتهم الحزبية؛ وإلى أي مدى ساعدت هذه الخطابات في تغلغل القبيلة بشكل كبير في مفاصل الدولة بجانب أطروحاتها كبديل للدولة نفسها فعلياً من خلال سيادتها على الارض وتنفيذها للقوانين الخاصة في الجغرافيا التي تحكمها والاستنفار الذي تقوم به حال نشوب اي نزاعات مع القبائل الاخرى وهي عناصر رئيسية للدولة الحديثة. ومدى الالتفاف والتجاوب الذي يلقاه خطابها والذي يوظفه السياسين بشكل كبير في صراعاتهم السياسية وفي عملية التعبئة الاثنية لبرامجهم واستخدامه لاغتيال خصومهم معنوياً ومادياً.
هنالك حضور باهت للمسألة القبلية في خطابنا السياسي واحسب انه لا يعرف أهميتها وخطورتها في آن. موضعة القبيلة في الخطاب السياسي تأثر بالنزعات الايدلوجية وانتهازية الساسة والفاعلين سياسياً، أما موقعتها في الخطاب الاعلامي فقد ارتبط بالأزمات الاجتماعية والسياسية والتي تحدث حين تبرز الاحداث القبلية كتعبيرات احتجاجية مطلبية وهو تحدي يفشل ويعجز فيه المشتغلون بالسياسة ومنظمات المجتمع المدني في تفسير آليات اشتغال التركيبة الاجتماعية والثقافية للمجتمع فهناك تحديث دون حداثة ونمو دون تنمية.
لعل ابرز عناصر الخطاب السياسي السوداني المخاتل دوماً هو؛طرحه لخطاب القومية والتماسك والّلُحمة الوطنية وهو خطاب عام يبثّ في المنصات الحزبية والرأي العام، ولكن الوجه المخاتل له هو الخطاب الخاص في الدوائر المغلقة وأعني بها القبيلة المعينة التي تشكل رأس الرمح للتنظيم السياسي كأتباع او جماهير ويمكن ان نستلف مصطلح الحاكورة لنصف به تنظيمات سياسية تنشط فيها القبيلة كفئة مؤثرة في مركز اتخاذ قراراها.
نواصل........
مراجع:
محمد نجيب بوطالب :الظواهر القبلية والجهوية في المجتمع العربي المعاصر- دراسة مقارنة للثورتين التونسية والليبية 2012 : المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات.
عبدالمنعم أبو ادريس "مدخل الى القرن الافريقى. القبيلة والسياسة" دار العربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران