الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الدينار العراقي قرار سياسي بامتياز!

عامر رسول

2023 / 1 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


شهدت الكثير من دول العالم وفي ظل الظروف الراهنة التي يشهدها العالم موجة كاسحة وضربة موجعة لعملاتها المحلية وهبوطها إلى أدنى المستويات وانخفاض قيمتها وعدم المحافظة على قوتها الشرائية بنسبة كبيرة مقارنة بالدولار الأمريكي باعتباره هو المعيار النقدي والمقياس الاول لكل العملات، وقائمة الدول التي تعاني من هبوط في سعر الصرف وتحديدا في السنوات الاخيرة تطول تبدأ من الصين، الارجنتين، تركيا، مصر، لبنان، العراق و..... غيرها.
تعددت الأسباب والنظريات التي يروج لها مفكري ومنظري الرأسمالية عن الأسباب التي تؤدي الى تغيير سعر الصرف والفرق في قوة وقيمة العملات، الا ان السبب الرئيسي هو وجود النظام الرأسمالي نفسه كونه نظام اقتصادي قائم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وخلق السلع والخدمات لأجل الربح من خلال هيمنتها على مقدرات ومصير شعوب العالم من خلال مؤسساتها وشركاتها المتعددة الجنسيات، في اخضاع الدول الى قرارتها وتوجهاتها بما يتناغم مع مصالحها الاستراتيجية وتأمين ارباح أسواقها. وتلعب العملة في هذه القضية دورا الحاسمة في رسم سياسات الدول المهيمنة على الاقتصاد والسياسة العالمية، وتمثل أمريكا هذا الدور بامتياز في خلق فوضى عارمة في زعزعة الاقتصاد العالمي منذ قرابة أكثر من 80 عامًا أي بعد الحرب العالمية الثانية من خلال هيمنة الدولار، بعد أن أصبحت أقوى دولة في العالم اقتصاديًا وعسكريًا، وبإمكان أمريكا وقف او إيجاد عراقيل في تحويلاتها النقدية الى البنوك المركزية العالمية متى ما تشاء وفق ما تقتضي مصالحها، وهذا يعني انها قادرة على عزل واستنزاف اقتصاد أي دولة تريدها وبالتالي انهيار الدولة ذاتها. وتستخدم هذه الالية القذرة في وجه اية دولة تحاول ان تخرج عن فلك السياسات التي ترسمها أمريكا وما تسمى بالدول المارقة، وتستخدم الدولار كسلاح اقتصادي للدمار الشامل على حد قول مدير البنك المركزي الهندي.
ان السياسات التي تنتهجها الولايات المتحدة في معظم دول العالم تختلف في الآلية والأسباب الموجبة لكل دولة التي تدفعها لخفض عملتها المحلية، ولكنها في الجوهر تصب في مسألة واحدة هي الاخضاع والتذليل. لا يمكننا الحديث عن الجوانب المختلفة لكل دولة على حدة وبشكل مستقل في هذا المقال، ولكن من المفيد ان نعرج قليلا على نموذج هبوط الدينار العراقي والتحري عن اسبابه التي وصلت نسبة هبوطه الى %10 في الأشهر الثلاثة الأخيرة تقريبا. حصلت هذه التقلبات في الوقت الذي تخطت الاحتياطيات الأجنبية للعراق من الدولار الامريكي ما يُقارب 100 مليار دولار ووصول حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي الى اعلى مستوياته مستفيدا من ارتفاع أسعار النفط التي شهدت قفزة كبيرة خلال العام الماضي في ظل تداعيات الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة في العالم، وهذا يعني بالمفهوم الاقتصادي مؤشر إيجابي لاستقرار سعر صرف العملة المحلية ولكن ما حدث هو العكس تماما.

اذن السؤال المطروح ما هي الأسباب التي أدت الى هبوط الدينار العراقي؟؟
نعلم بان بنية النظم الاقتصادية والمالية في العراق مبنية وفق رؤية صندوق النقد الدولي التي تعتمد في محاورها الرئيسية على التوجهات الرأسمالية ولاسيما بعد ٢٠٠٣، حيث فتحت السوق العراقية على مصراعيها امام الاستثمارات العالمية مع تحرير حركة العملة من خلال العرض والطلب عليها كونها سلعة كأي سلعة اخرى والتي تتأثر بمجموعة من المسائل منها قوة واقتصاد الدول وموقعها الاقتصادي عالميا وتسليم كل الوحدات الإنتاجية والخدمات الى القطاع الخاص والتخلي عن حقوق الشرائح المسحوقة في المجتمع من خلال سياسات التقشف واستقطاع الأجور والرواتب العمال والموظفين الى ان وصل استقطاع رواتب المتقاعدين الى نسبة 27٪ وفرض الادخار الاجباري أيضا على الموظفين. وفي المقابل زيادة نسبة فواتير الكهرباء والماء والخدمات الاخرى المترتبة على المواطنين، وهذا ما كان في الاجندة السياسية لحكومة الكاظمي المتمثلة بمشروع "الورقة البيضاء" حيث قررت حكومته في نهاية 2020 رفع قيمة الدولار مقابل الدينار العراق من 1200 دينار لكل دولار إلى 1450، لتغطية العجز في موازنة 2021 من قوت العمال والموظفين ودخل القرار حيز التنفيذ، حيث تم تثبيت انخفاض العملة من قبل البنك المركزي العراقي بشكل قانوني وساري مفعوله لغاية 2025 أي ان هذا التوجه والعمل وفق معايير صندوق النقد الدولي ليس بالحدث الجديد في المسألة الأخيرة فيما يتعلق بهبوط سعر صرف العملة، وهذا النهج مستمر عليها كل الحكومات المتعاقبة.
النقطة الثانية فيما يخص تقلّب الدينار العراقي تتمثل في تضخيم موضوع تهريب العملة الى خارج العراق منها إيران وسوريا ولبنان، وإيران خصوصا حيث تعاني عملتها من هبوط مستمر جراء العقوبات الاقتصادية الأمريكية. ان ظاهرة التهريب وغسل الأموال موجودة في كل العالم ومنها العراق وتهريب الدولار الى الدول اخرى مثل إيران ولبنان ليس بظاهرة جديدة ولا تؤدي الى هذه النتائج الكارثية لسعر العملة العراقية، ان هذا الادعاء ما هو في الحقيقة الا غطاء وهمي لأصل المسالة على الرغم من صحتها.
نعتقد بان هذه المسألة وفي هذه المرحلة بالذات غير مرتبط بقرارات البنك المركزي العراقي ولا بسياسات الحكومة العراقية، وعندما نتفحص ونرجع بالذاكرة قليلا الى الوراء ونستذكر قانون رقـم 56 الصـادر عـن سلـطة الائتـلاف المـؤقتـة بقيادة بول بريمر الحاكم العراقي في عام ٢٠٠٤ الذي ينص على فك ارتباط البنك المركزي العراقي عن الحكومة تحت غطاء الاستقلالية التامة وهذا يعني المرحلة التمهيدية لارتباطها بالبنك الفيدرالي الامريكي والتحكم الامريكي بجميع مفاصل الدولة العراقية عن طريق تحكمها بالمؤسسات المالية والاقتصادية. وجاء القرار اصلا متناغما مع قرار مجلس الأمن الدولي المرقَّم 1483، والصادر في الثاني والعشرين من أيار/مايو 2003 الذي ينص على إيداع عائدات النفط العراقي في البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، في حساب خاص أُطلق عليه صندوق تنمية العراق (DFI). تم تصفية وانهاء الحسابات والديون المترتبة على العراق ومن ضمنها ديون الكويت، ولكن أبقت أمريكا تحكمها بالعائدات العراقية بحجة حصانة الأموال العراقية من الدائنين على الرغم من عدم وجود ولا دائن واحد لم يحصل على تعويضاتها طيلة العقود الماضية واخرها الكويت.
فالمسألة اذن مرتبطة بالأساس بسياسة أمريكا في العراق من خلال إجراءات البنك الفيدرالي الأمريكي، حيث تم حظر 80% من تحويلات الدولار اليومية، التي بلغ مجموعها في السابق أكثر من 250 مليون دولار يوميا، وفقا لما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال".
من خلال استخدام الدولار كورقة ضغط على الحكومة الجديدة لـ محمد شياع السوداني والتي تزامنت ازمة العملة مع تاريخ تسنمها سلطة رئيس الوزراء وتعتبر إشارة سياسية مبكرة للحكومة الجديدة المدعومة من قبل كتلة الإطار التنسيقي التي تضم الأحزاب والفصائل المسلحة الإسلامية الشيعية الموالية لإيران، فإن أمريكا قلقة من تشكيل حكومة عراقية من قبل أحزاب وفصائل الإطار التنسيقي الموالية لإيران، لذا تحاول ان تلعب بكل الأوراق السياسية المتاحة لترويض حكومة السوداني لتأمين مصالحها في العراق. وفي المقابل هناك علامات استجابة من حكومة السوداني على إرضاء أمريكا في هذه المرحلة التي تمر بها إيران من احداث داخلية التي انصرفت انشغالاتها الى الشأن الداخلي. وكذلك نرى بوضوح تحركات السوداني فيما يتعلق بالاتفاقيات التجارية والصناعية مع المانيا واتفاقات استراتيجية مع فرنسا حول الطاقة والامن بهدف إرضاء أمريكا مقابل بقائهم في السلطة. وان ادعاءات أمريكا فيما يخص تهريب الدولار الى إيران كاذبة ومبررات خادعة، لان أمريكا هي نفسها فسحت هذا المجال لغسيل الأموال والتهريب والفساد وذلك لسبب بسيط وهو ان أمريكا هي من استثنت العراق منذ عام ٢٠٠٣من معايير نظام التحويلات الدولي (سويفت)، وبالتاكيد تخلق بيئة مناسبة لدولة تبقى تعاني من الفساد او تحول حكوماتها الى منظومة فساد كاملة.
وهناك نقطة هامة اخرى يمكننا اضافتها الى أزمة هبوط اسعار العملات المحلية للدول مقابل الدولار وهي ارتباطها الوثيق بسياق الاحداث والصراع الجاري بين الأقطاب الرأسمالية العالمية وما يمر به العالم من أزمة اقتصادية خانقة في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة. تختلف ادوات الصراع والمواجهة حسب المصالح الاستراتيجية وتوازن القوى بين تلك الأقطاب حيث الكل يريد الحصول على موطئ قدم وتثبيت انتصاراته في بقعة معينة في حدود مناطق نفوذها، وان أحد اهم سياسات امريكا في العراق ابعاده بشتى الوسائل والطرق من إيران والقطب الصيني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء