الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسار- العدد 72

الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي
(The Syrian Communist Party-polit Bureau)

2023 / 1 / 30
مواضيع وابحاث سياسية




العدد /72/ كانون الثانييناير2023
---------------------------------------------------------------------------------
الافتتاحية: تحول إسرائيل إلى دولة فاشية

كانت دولة إسرائيل عند إنشائها في 14أيار1948دولة مستوطنين أتوا وهاجروا عن طريق الهجرة من بلدان الأرض المختلفة إلى أرض فلسطين، وهم من خلال الاستغلال لوعد بلفور وماتبعه من انتداب بريطاني على فلسطين استطاعوا إقامة منظمات سياسية وعسكرية قامت بتهجير الفلسطينيين من أرضهم وإقامة تلك الدولة.
في البداية كانت دولة إسرائيل دولة استيطانية مارست العنصرية والتمييز القومي وحققت أهدافها بالقوة وهي من أكثر الدول تمرداً على القانون الدولي وأكثر دولة تلقت إدانات من منظمات هيئة الأمم المتحدة. حاول حزب العمل الذي حكم إسرائيل حتى عام1977، أن يوحي بأن إسرائيل دولة علمانية وليست دينية وأن كونها "وطناً قومياً لليهود "، وفق منطوق وعد بلفور، لايعني أنها دولة دينية بل "اليهودية "هي "قومية "وفق تعريف تيودور هرتزل واليسار الصهيوني العمالي واليهود هم "شعب "له "أرضه التاريخية في فلسطين "، وحتى بن غوريون تراجع في الخمسينيات عن وصفه لإسرائيل بأنها "دولة اليهود "، بل اعتبر أنها "دولة لكل مواطنيها "، وهو كان يفكر بضرورة أن لايقود هذا التعريف إلى اضطهاد اليهود في بلدانهم خارج دولة إسرائيل أواحراجهم.
وفي عام2018عندما تبنى الكنيست الإسرائيلي أن إسرائيل هي دولة "يهودية "كان ينقل التعريف الصهيوني من "العلمانية "إلى "الدولة اليهودية "، وبالتالي يضرب مفهوم "المساواة بين مواطني دولة اسرائيل"الذي كان يقول به أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل دافيد بن غوريون ومن خلفه، ولوأن التمييز ضد المواطنين العرب في دولة إسرائيل، وهم خمس السكان، كان صارخاً في الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية منذ عام1948.
تعريف2018نقل إسرائيل من "دولة قومية للشعب اليهودي "إلى "دولة دينية تقوم على أتباع ديانة محددة "وتمارس التمييز ضد باقي المواطنين خارج هذا الدين، وبالتالي تحولت إلى دولة دينية تمييزية تمارس التمييز الديني إضافة إلى التمييز العنصري القومي ضد غير اليهود من المواطنين العرب بل يمكن القول بأنها قد أصبحت وربما أسفرت عن وجهها في عام2018الذي كان منذ تأسيسها قبل سبعين عاماً من قانون الكنيست المذكور، هذا الوجه الديني-القومي العنصري.
عندما فازت أحزاب الصهيونية الدينية في انتخابات 1112022بأربعة عشر مقعداً من أصل 120مقعداً هي مقاعد الكنيست الإسرائيلي كان هذا يمثل ظاهرة سياسية غير مسبوقة في دولة إسرائيل ،ولكن قانون2018يتيح فهم المجال الدستوري الذي يُشرِع الصعود السياسي لهذا التيار الذي يستند إلى كتلة اجتماعية كبرى في إسرائيل ترى اندماجاً عقائدياً بين الصهيونية والدين اليهودي بخلاف رأي مؤسس الصهيونية هرتزل الذي كان ملحداً أوبن غوريون الذي لم يكن متدينا وعندما نجد أن زعيمي الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش،وهو من مواليد 1980في مستوطنة بالجولان وأبوه حاخام أوكراني الأصل،وايتامار بن غفير وهو من أصول عراقية قد أصبحا وزراء في حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة التي تشكلت في الأسبوع الأخير من العام الماضي يمكن أن نتلمس أن التركيبة الحالية للحكومة الإسرائيلية الجديدة ،أي يمين قومي صهيوني مع حزب الليكود وله اثنين وثلاثين مقعدا وحزبي اليهود المتدينين(الحريديم):شاس وديكل هاتوراة ولهما ثمانية عشر مقعدا زائد الصهيونية الدينية، توحي – أي هذه التركيبة الحكومية- بأن إسرائيل قد تحولت إلى دولة فاشية تريد من خلال الاضطهاد الديني- القومي العنصري وعبر القوة تحقيق الأهداف الموضوعة في بناء أيديولوجي معلن،كماحصل مع نظامي هتلر وموسوليني،ولوأنهما لم يكونا أصحاب أيديولوجية دينية- قومية عنصرية بل اقتصرا على الأيديولوجية القومية العنصرية ولكنهما أقاما دولتين كانتا مثل إسرائيل تمارسان القوة والتوسع الجغرافي مصحوباً بالتهجير والقتل على أساس الهوية والاستيطان.
أيضاً ،توحي الحكومة الإسرائيلية الجديدة ،التي في تركيبتها تعبر عن اتجاهات أكثرية المجتمع الإسرائيلي وخاصة من فئة الشباب ،بأنه لم يعد من مجال لوهم عربي وفلسطيني عاش طويلا اسمه "حل الدولتين "،وأن لامجال حتى لتطبيق اتفاقية أوسلو بنظر نتنياهو وسموتريتش وبن غفير،بل هناك مشاريع إسرائيلية معلنة منذ الآن لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية ،اعترف إسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي ،عند توقيع اتفاقية أوسلو في 1391993مع ياسر عرفات، بأنها أراضي فلسطينية من أجل إقامة دولة فلسطينية عليها ،هذا غير مايمثله ومايعنيه وجود شخص في الوزارة الاسرائيلية الجديدة مثل ايتامار بن غفير الذي يكرر اقتحاماته قبل الوزارة وبعدها للمسجد الأقصى والذي يعتبره هذا الصهيوني الديني بأنه "الهيكل اليهودي "القديم الذي يجب أن يشيد من جديد على أنقاض المسجد الأقصى، وهو للعلم أحد الورثة الأيديولوجيين لرحبعام زئيفي الذي اغتالته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في عام2001،والذي نادى بالترانسفير- الترحيل للفلسطينيين من كل الأراضي التي بين البحر والنهر من أجل إقامة الدولة اليهودية هناك والدولة الفلسطينية في شرق الأردن وفق الاقتراح القديم لإرييل شارون ،وكان مازال جنرالاً لم يتعاقد من الخدمة العسكرية ويدخل مضمار السياسة،في أيلول1970أثناء أحداث الأردن بين الملك حسين والمقاومة الفلسطينية.
لن تكون منطقة الشرق الأوسط هي نفسها بعد تحول إسرائيل إلى دولة فاشية مع تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة في 29122022، ويبدو أن هذا سيؤكد من جديد مقولة أن الصراع العربي مع دولة إسرائيل هو صراع وجود وليس صراعاً على الحدود.
من جهة أخرى هذا سيقضي على أسطورة أن إسرائيل هي "واحة الديموقراطية في المنطقة "، وربما سيقود هذا الطابع الفاشي إلى تخفيف التأييد لإسرائيل في العالم الغربي الأوروبي-الأميركي أويضعه موضع تساؤل في أوساط اجتماعية واسعة وحتى من الممكن أن تقود سيطرة الصهيونية الدينية والأحزاب الدينية اليهودية إلى تناقضات وصراعات بين يهود أوروبا والولايات المتحدة الأميركية،حيث يغلب الاتجاه اليهودي الإصلاحي على التدين ،وبين الفئات الحاكمة في دولة اسرائيل، وإلى تخفيف التأييد لها بينهم.
من جانب ثالث،حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يائير لابيد من تحول إسرائيل إلى "ايران ثانية "مع سيطرة الصهيونية الدينية والأحزاب الدينية على حكومة نتنياهو الجديدة حيث يملكون نصف مقاعد الكتلة البرلمانية لها،وهو وضع مسبوق مع وزارات الليكود وحزب العمل السابقة حيث كان حزب رئيس الوزراء دائماً ما يملك الحصة الكبرى من الكتلة البرلمانية للحكومة في الكنيست وهذا ما سيجعل نتنياهو "أسيراً لها "وفق تعبير لابيد،ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق في الوقت الذي يشير إلى أن هذا سيقود إلى صراعات بين المتدينين والعلمانيين في اسرائيل،فإنه يغفل أن اليمين القومي الصهيوني ممثلاً في حزب الليكود لم يعد علمانياً بل أصبح أيديولوجياً وليس فقط سياسياً في تقاطع مع الصهيونية الدينية ومع الأحزاب اليهودية الدينية وهذا ما سيزيد من قوة التيارات الإسلامية عند العرب والمسلمين وسيزيد من مخاطر تحول الصراع العربي- الإسرائيلي إلى صراع إسلامي- يهودي.


---------------------------------------------------------------------------------------------- الكيان الصهيوني من منظور آخر
دأبت أدبيات الحركة الماركسية اللينينية وبعض القوى المناهضة للمشروع الصهيوني الامريكي على اعتبار الكيان الصهيوني قاعدة عسكرية متقدمة للامبريالية الامريكية يمكن التخلي عنه في مفترق تاريخي ما.
اذا كانت هذه النظرة تصح للكيان الصهيوني منذ انتقال الرعاية له من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الامريكية في القرن الماضي، فإن هذه النظرة تفقد صحتها التاريخية في العصر الحال، وذلك لسبب الرابطة العضوية التي اصبحت بين الاقتصاد الصهيوني والامريكي، ويمكن القول أن اعادة انتاج المركز الامبريالي الامريكي لذاته مرتبط ارتباطا عضويا بمصالح اللوبي اليهودي، فاضحى هذا اللوبي جزءا عضويا من بنية الاقتصاد الامبريالي الامريكي، فاصبح استمرار وجود الكيان مرهون باستمرار اعادة انتاج الامبريالية الامريكية كمركز امبريالي، باعلى من درجة اعادة انتاج الرابطة بين المركز والاطراف.
وفي الوقت الحالي، مع تفجر الازمة الهيكلية للنظام الراسمالي العالمي التي كانت بداياتها مع اجراءات كورونا، يمكن القول بان القيادة الجديدة المتطرفة للكيان الصهيوني، ايذانا بتصعيد امبريالي جديد في المنطقة، قد يؤدي الى حرب اقليمية، واقتسام جديد للنفوذ والسيطرة الجغرافية السياسية لقوى الهيمنة الدولية والاقليمية.
هذا التصعيد مرتبط بتفجر الازمة الهيكلية الجديدة للنظام الاقتصادي الدولي وبنية العلاقات الدولية، وحصار الصين، ومستقبل الحرب الاوكرانية الروسية، اضافة لمستقبل الاتفاق النووي الايراني، والتسوية في اليمن واتفاقات الهدنة.
لن يكون بعيدا من شن حربا على غزة ولبنان وسوريا وخاصة بعد التدريبات العسكرية التي تحاكي الجنوب السوري واللبناني.
في الخلاصة، لا يمكن الفصل بين مشروع امريكا والكيان الصهيوني، وبين مستقبل الامبريالية الامريكية ومستقبل الكيان الصهيوني، ولا يمكن فصل السياسة الصهيونية عن تحولات وتبدلات النظام الاقتصادي الدولي الخاضع للهيمنة الامريكية.
------------------------------------------------------------------------------------------------

التمرحل والتغيير

بعد مسار طويل استغرق عقدا من الزمن للمأساة السورية،تخللها أحداثا مفصلية وذات أثار طويلة المدى على المجتمع السوري، تفقد المعارضة الخارجية المرتهنة أية مصداقية سياسية، ويمكن القول أنها لم تستفد من فرص التغيير، مما دفع الشعب السوري أثمانا كان في غنى عنها، أما المعارضة الديمقراطية الممثلة بهيئة التنسيق وبعض القوى الأخرى التي تلتزم بمصالح المواطن السوري فإنها مهمشة إعلاميا، ومحصورة بين مطرقة السلطة والتحشيد الإعلامي والشعبي ضدها، من قبل أطراف المعارضة، والإفادة فانها لم تلعب دورا محوريا في استراتيجية التغيير وكانت محصلة عملها للآن شبه صفرا، إذا استثنينا طرحها للتسوية السورية في بدايات الأزمة السورية كبديل مناسب لتدهور الوضع السوري ولآليات تدويله وأقلمته، وتجاوزا لبحر الدماء ولفقدان الرابطة الوطنية.
تطرح على المعارضة السورية الديمقراطية مهمة المراجعة الدقيقة لمسار الأزمة السورية والمواقف الصادرة عنها في كل مرحلة، لنستطيع إرجاع علاقة الثقة بين الفئات التي لها مصلحة في التغيير والقوى السياسية الديمقراطية من جهة أولى، وصولا لوضع استراتيجية التغيير المتفق عليها في دراسة دقيقة للتحولات السياسية وعوامل القوة التي يمكن استثمارها ولتجاوز حالة الترهل والكساد والعجز السياسيين، وصولا لوضع تكتيكات قادرة على دفع العملية السياسية للأمام.
وبسبب التدهور الحاصل للمجتمع السوري، فان قضية الثقة والمصداقية السياسية يكسبان أهمية كبيرة في برمجة العمل السياسي المعارض وفق أساليب نضالية مدنية سلمية، وبإلمام للوضع السياسي والاقتصادي الراهنين.
ومنطق التاريخ هو طريق حلزوني وليس مستقيما، والفشل هو اعظم مدرس لإنجاز هدف ما، ويجب على قوى المعارضة المرتهنة والديمقراطية أن تعترف بأخطائها وتشخص وضعها التنظيمي والنضالي وتقدم كشف حساب عن أعمالها وأهدافها ورؤيتها ومطالبها وعرضها أمام الشعب السوري، اذا أرادت المعارضتين تكوين قاعدة اجتماعية قادرة على إنجاز التغيير والتي تبنى من خلال ما أشرت أعلاه بالصدق السياسي مع الفئات التغييرية والشعب عموما واستقلالية القرار المعارض، اذا كانوا يريدون أن يشعروا بالآلام التي يعاني وعانى منها المواطن السوري في كل الاصطفافات.
التغيير برنامج عمل تراكمي تنضجه عوامل موضوعية وذاتية، ولا يمكن أن نظل كشعب تحت حكم استبدادي، فمنطق التاريخ لا يعرف الجمود والركود، وأنظمة الإدارة تتطور باستمرار، والتشريعات تتغير وفق حاجات المجتمعات في كل مرحلة تمر بها، ولا يمكن إنجاز التغيير قبل انضاجه.
------------------------------------------------------------------------------------------------


الحلول المطروحة على مسار الأزمة الرئاسية اللبنانية

- يوسف الطويل -

لم يكن لبنان ذو دور ثانوي في قضايا المنطقة، بل كان في لب التفاعل الحي معها، وانعكاسا لها في التوازنات الداخلية، والعلاقات بين القوى السياسية فيه. يمر لبنان بازمة اقتصادية وسياسية عميقة، هما آتيان بسبب التوجهات الدولية او منظور القوى الكبرى لموقع لبنان من جهة اولى في السوق العالمية ومن جهة ثانية لموقعه الممكن في قضايا المنطقة والعالم، ولا يمكن فصل الازمات الاقليمية والدولية عن الحراك السياسي في لبنان والعلاقات بين القوى السياسية الكبرى فيه. وفي هذا الاطار تطرح السعودية وفق مصادر العماد جوزيف عون كرئيس للبنان في شبه تفويض امريكي لها، وتطرح فرنسا سليمان فرنجية بعد تفويض امريكي لها، وبين هذا وذاك، تلعب ايران دورها من خلال حزب الله وحركة امل او الثنائي الشيعي، في ظل انقسام في البيت المسيحي الماروني حول الرئيس الجديد، وفي ظل هذه النقاشات والتفاعلات والرؤى المطروحة من قبل دول اقليمية وعربية ودولية، يقدر بعض السياسيين ان حل الازمة الرئاسية سيتم في 23 شباط من العام 2023، وستتوافق مع حل المسألة السورية من خلال اللقاء الثلاثي بين تركيا وروسيا والسلطة السورية، ومع توافق حول حل تسووي للازمة الاوكرانية بين قوى النزاع.
تريد امريكا من خلال الحرب الاوكرانية اضعاف الاتحاد الاوروبي، وجعله بموقع التابع وليس بموقع قطبي تابع لها، فهي تريده منفذ لاجنداتها دون سؤال، وهذا ما انعكس من خلال التفويض الامريكي لفرنسا لطرح رئيس جديد في لبنان، رغم عدم الاتفاق في مؤسسات القرار الامريكي حول الرئيس الجديد للبنان ودوره المناط به.
هذه القضايا تطرح من جديد مدى قدرة الواقع اللبناني على انجاز دولة المواطنة المتساوية بدلا من ديمقراطية المكونات الفاعلة فيه؟،وإلى أي مدى يمكن للقوى اليسارية العروبية منها والشيوعية على قدرتها لفرض اجنداتها الوطنية والشعبية على القوى السياسية الكبرى التابعة لاجندات خارجية.
في النهاية، هل لبنان قادر على لعب دور عروبي في السياسة العربية؟ وهل قادر على انجاز تحول في طبيعة ومرتكزات النظام السياسي القائم، وبالتالي في بنية السلطة القائمة نحو واقع جديد يحقق جزءا من متطلبات المرحلة الراهنة لبنانيا وشعبيا ومن حيث التراكم الراسمالي الوطني؟


المتعلقون بأردوغان في المعارضة السورية
محمد سيد رصاص
"وكالة نورث برس"-1112023
لم يكن من الصدف أن يولد "المجلس الوطني السوري"في اسطنبول بيوم2تشرين الأولأوكتوبر2011،وفي نفس السياق أن يأتي "الائتلاف الوطني السوري"بالعام التالي تحت رعاية تركية- قطرية،كماأن مايسمى ب "الجيش الوطني الحر"قد تم تنظيمه وترتيبه في تركيا بخريف2011بعد ثلاثة أشهر من اعلان العقيد رياض الأسعد قيامه.
أتى هذا أولاً من الرباط الأيديولوجي الذي يجمع جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ،وهم قد شكلوا عماد "المجلس" و"الائتلاف"،مع حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رجب طيب أردوغان(رئيس الوزراء التركي2003-2014،ثم رئيس الجمهورية التركية)،ومن تحالف (الليبراليون الجدد) السوريين ،وهم بمعظمهم من خلفيات شيوعية سابقة ،مع (االإخوان المسلمون)،هذا التحالف الذي تبلور منذ (اعلان دمشق) المعلن في تشرين الأولأوكتوبر2005ثم استمر في "المجلس"و"الائتلاف"،وقد قرأ الاسلاميون من زاوية أيديولوجية الرباط التركي فيما قرأه الليبراليون الجدد السوريون،وكان وعائهم الرئيسي في "اعلان دمشق"ولوأن شكلهم التنظيمي الأساسي كان (حزب الشعب الديمقراطي)الذي أسسه رياض الترك في نيسانإبريل2005،من زاوية مصلحية مادامت مؤشرات "الربيع العربي" في عام2011كانت تعطي اتجاهاً عند واشنطن لتبني "النموذج الاسلامي الأردوغاني" نحو القبول الأميركي بتولي الاسلاميين الأصوليين الإخوانيين للسلطة في تونس ومصر ومشاركتهم السلطة في ليبيا واليمن ،وكان هناك عند هؤلاء المعارضين السوريين قراءة بأن مطالبة الرئيس الأميركي من الرئيس السوري بالتنحي في يوم 18آبأغسطس2011تعني بأن هناك سيناريو ليبي سيطبق في سوريا ،وليس صدفة في هذا المجال أن يسمى مجلس اسطنبول على غرار"المجلس الوطني الليبي"برئاسة مصطفى عبدالجليل ،الذي تولى السلطة بعد أن كانت عملية اسقاط نظام معمر القذافي من خلال تدخل عسكري خارجي لحلف الأطلسي كان رأس حربتها الفرنسيون،وكان يأمل هؤلاء المعارضون أن تضع واشنطن أردوغان بسوريا في مكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالعملية الليبية،وهو ماطالب به علناً ،بمؤتمر صحفي في اسطنبول، المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين السوريين رياض الشقفة بيوم 18تشرين الثانينوفمبر2011.
عندما حصل التفارق الأميركي- التركي في3تموزيوليو2013مع دعم واشنطن لانقلاب الفريق عبد الفتاح السيسي على حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر،فإن هؤلاء المعارضين السوريين الذين تعلقوا بأردوغان وراهنوا عليه،المشار لهم آنفاً،لم يخف رباطهم بأنقرة،مادام أردوغان لم ينعطف نحو حلول تسووية للأزمة السورية،بخلاف مافعلت واشنطن التي اتجهت للتنسيق مع موسكو باتجاه تلك الحلول ، بداية من اتفاق7أيارمايو2013في موسكو بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف لتفعيل "بيان جنيف1"الذي يقول بحل انتقالي تسووي للأزمة السورية ،ثم عبر القرار الدولي2118في أيلول2013الذي تبنى نص "بيان جنيف1"بالكامل وكانت في نصه الدعوة إلى عقد "جنيف2"كمؤتمر تفاوضي لحل الأزمة بين السلطة السورية والمعارضة.
في تلك الفترة الفاصلة بين تاريخين،7أيار2013وحتى استدارة أردوغان نحو موسكو في لقائه مع بوتين بيوم9آبأغسطس2016،كانت تركيا معارضة للجهد الأميركي- الروسي نحو تسوية الأزمة السورية والذي تجسد مع ذروة بيوم18كانون الأولديسمبر2015اسمها القرار2254والذي انعقد على أساسه مؤتمر "جنيف3"في الشهر الأول من عام2016،وهي من خلال معارضين سوريين ،مثل رياض حجاب وفاروق طيفور وجورج صبرا وسهير الأتاسي،كانوا في "الهيئة العليا للمفاوضات" أفشلت "جنيف3"من خلال اعلان رياض حجاب توقيف المفاوضات في 18نيسانإبريل،وهي مفاوضات كانت محددة مدتها بستة أشهر تنتهي بنهاية تموز،حيث كانت المؤشرات على أن هناك حلاً أميركياً- روسياً ،إن لم يتفق السوريون،سيفرض على المفاوضين السوريين،على غرار الحلول"الفوقية التفاوضية"التي جرت في اتفاق الطائف اللبناني عام1989وفي اتفاق دايتون عام1995الخاص بيوغسلافيا،وهو أمر كانت تخشاه تركيا التي كانت علاقاتها آنذاك متوترة مع كل واشنطن وموسكو،حيث كانت المؤشرات على أن حل الأزمة السورية لن يكون لصالح أنقرة،لذلك قامت بقلب الطاولة عبر "عصابة الأربعة: حجاب- طيفور- صبرا- الأتاسي"الذين كانوا يتحكمون ب"الهيئة العليا للمفاوضات".
ولكن منذ لقاء بوتين-أردوغان ،المشار إليه والذي أتى بعد عدة أسابيع من محاولة الانقلاب العسكرية الفاشلة ضد أردوغان والتي اتهمت أوساط تركية مقربة من أردوغان واشنطن بالضلوع بها،اتجه الرئيس التركي نحو بيع المعارضة السورية المسلحة،و قد بدأ بيعه للمعارضين المسلحين في شرق حلب نهاية عام2016مقابل أن يأخذ الأتراك خط جرابلس- الباب- إعزاز،ثم مقابل مسلحي الغوطة وحوران أخذ الأتراك منطقة عفرين عام2018،ثم بالتعاون مع موسكو أخذ أردوغان خط تل أبيض- رأس العين (سري كانيه) في خريف2019.
منذ خريف2022هناك دلائل على أن أردوغان يتجه إلى بيع المعارضة السورية السياسية الموالية له في "الائتلاف"مقابل أن يتعاون الروس والسلطة السورية معه في انشاء خط أمني يمتد من إدلب حتى رأس العين (سري كانيه)على أن تضم له مناطق تل رفعت ومنبج وعين العرب(كوباني)،وهناك مؤشرات على أن السلطة السورية لاتريد هذا الخط تحت سيطرة الأتراك ولاأن يشاركوا السيطرة عليه بل تريد انسحاباً تركياً عسكرياً من الأراضي السورية،وربما هي تفضل انتظار نتائج انتخابات الصيف القادم التركية،الرئاسية والبرلمانية،حيث إن فازت المعارضة التركية وهزم أردوغان فسيكون هناك اتجاه تركي نحو النأي عن الأزمة السورية،بخلاف مافعله أردوغان منذ عام2011.
كتكثيف:ظهر أردوغان في الأزمة السورية،البادئة مع درعا 18آذارمارس2011،كتاجر سوق الهال،الذي يتلهف للبيع لمن يدفع أكثر،كماظهر من تعلق به ،في "المجلس"ثم "الائتلاف"وفي المعارضة السورية المسلحة،كأناس بلاإرادة ولارؤية ولاقدرة على تلمس الوقائع التي تحدث معهم ولاعلى استشراف ماذا سيحدث . وهم الآن على الأرجح لايملكون الجرأة على اعلان خيبتهم وفشل مراهناتهم على أردوغان،ولاعلى استخلاص العبر والدروس من وصولهم إلى تلك النتيجة الصفرية.
------------------------------------------------------------------------------------------------
من زوايا الذاكرة لشيوعي مدمن

- الدكتور جون نسطه -


بدأت تظهر بين صفوف المكتب السياسي للحزب ،الذي انتخبته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي)المنبثقة عن المؤتمر الرابع(كانون الأول1973)، خلافات وتباينات في وجهات النظر. من أسبابها الرئيسية الموقف من النظام والموقف من السوفييت ،في تلك المرحلة كان بعض الأعضاء من المكتب السياسي أكثر قرباً سياسياً للجنة المنطقية والتي كان يرأسها الرفيق حنين نمر الدمشقي الأكثر قرباً الى الناس والجماهير. وهو شاب ذكي وصاحب قلب أبيض ،محبوب،محترم،وذو لسان طليق تلتف حوله أغلبية أعضاء اللجنة المنطقية وأغلب الكوادر والنشطاء الحزبين الذين يضعون ثقتهم به ،وكان موضع محبة زملائه في العمل وكذلك في حيه القصاع، أما الرفيق رياض الترك فلم يكن يتمتع بهذه الصفات ،له احترامه عامة ولكن ليس محبوبا كالرفيق حنين.
وأيضا كانت اللجنة المنطقية هي الجهة الأكثر قربا من مكتب المثقفين حيث تقوم بدعمه وتوجيهه وحضور اجتماعاته.
أما الجريدة المركزية:"نضال الشعب" التي تصدر شهريا فغالبا هي خالية من أخبار الاتحاد السوفياتي وبقية الدول الاشتراكية، بل كانت أحيانا تقوم بتلميح نقدي للسياسة السوفياتية في لاوس وافغانستان.والأهم من ذلك كله خلو كامل الجريدة من زاوية ثقافية تشرح النظرية الماركسية اللينينية. أما افتتاحيات الأعداد فأصبحت تزداد نقدا للنظام وتتهمه بترتيب البيت الداخلي السوري استعدادا منه لتغيير سياسة النظام لصالح التفاهم مع الغرب والتصالح مع أميركا أو التسريع به.
وبعض تلك الافتتاحيات كانت شديدة اللهجة تجعلنا نشعر بخطر الاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية، مما يستدعيني للنوم خارج البيت أحيانا، ونقل أوراقي وبعض المطبوعات الحزبية الأخرى إلى بيوت الجيران أو إلى بيوت بعض الأصدقاء.
كانت في هذه الفترة تتدفق على البلاد، بعد حرب ألف وتسعمائة وثلاث وسبعون أموالا طائلة
حيث بدأ معها ارتفاع هائل في أسعار الأراضي والمباني والعقارات وارتفاع متصاعد في أسعار وسائل المعيشة ،وكان ذو الهمة عيسى شاليش لا يزال يتردد بزياراته إلى بيتي ،وقد طلب مني يوما أن أقوم بالتعرف على شقيقه رياض شاليش ،فذهبنا بسيارته إلى غوطة دمشق ،وهناك وجدنا رياض يعمل بيده في صنع بلوكات أو خفان البناء على مكابس بدائية عادية والعرق بتصبب منه ،فتعجبت في نفسي كيف يقوم بهذا العمل وخاله حافظ الأسد ،وقدرت له عصاميته واعتماده على نفسه ولم يمض وقت طويل على هذأ اللقاء ،حتى جاءني ذو الهمة يطلب مساعدتي في عدم إغلاق مصنع رياض لأن محافظة ريف دمشق طلبت منه ذلك بحجة أنها أي الغوطة منطقة زراعية وليست صناعية. كنت أعرف محافظ ريف دمشق ابن الغوطة بواسطة العقيد الطبيب مصطفى سلاخو، وكنت قد جالسته عدة مرات على طاولة الشراب الذي يحتسيه بشراهة. لم أتردد بالمساعدة فذهبت إلى المحافظ رياض بدون تردد، وشرحت له الأمر، ابن اخت رئيس جمهورية عصامي يعمل بيديه وبعرق جبينه حتى يُحصل قوت يومه، وأنتم تهددوه بإغلاق معمله الصغير هذا. أرجوك بإن توعز إلى المختصين بان يغضوا الطرف عنه. والمحافظ رجل شهم طيب الخلق وعدني بتنفيذ ذلك.
ورياض شاليش هذا أصبح فيما بعد من أغنى رجال أعمال سوريا حيث يملك أساطيل في البحار وقصور في البر.
وبقي ذو الهمة عيسى شاليش يداوم على زيارتي يوميا ويأكل على موائدي من الطعام البسيط والرخيص من حمص وفلافل وفول، وعندما كنت أضع(بسطرما) على الطاولة، كان يبدي فرحا كبيرا، وقد صار معروفاً للعلن بأنه من معارفي بمن فيهم إخوته وأقاربه وأصدقائي المقربين.
اذكر هذا لأن حادثة غريبة جرت معي، في إحدى الأمسيات وكنت في عيادتي، رن جرس الهاتف وكان معي على الطرف الآخر من الخط العميد مصطفى النابلسي، مساعد وزير الإدارة المحلية، صديقي وشقيق صديقي محمد سعيد النابلسي. كان صوته متهدجا ملتاعا وهو يقول لي( دخيلك) ،(ايدي بزنارك) يا أبو فائز أنقذ أبني أحمد من القتل ،فقد تورط بمشاجرة مع حرس أحد بيوت رفعت الأسد المقابل لبيتنا في حي الروضة ،المخصص لإحدى زوجاته المدللات من آل الخير ،على ما أذكر ،وهم يطلقون الآن الرصاص على بيتنا ،وأنت الوحيد الذي يستطيع ردعهم والا قتلوا أحمد .سألت بعد أن أغلق من هو المشرف على فريق الحرس قالوا لي العقيد أو الرائد محمد شاليش ،فتكلمت معه فورا على الهاتف وبدون معرفة شخصية سابقة معه ،وقلت له بصوت عال ،(ولك انتم لا تستحون )تهاجمون بالرصاص بيت احدى الشخصيات الوطنية البارزة ،صاحب الأفضال العديدة على الوطن وتهددون ابنه بالقتل ،سألني عن اسمي قلت له الدكتور جون نسطة ،فقال تمهل لعدة دقائق وسوف أنهي الموضوع. وبالفعل لم تمضي ربع ساعة وإلا هاتفي يرن وصوت العميد مصطفى يشع فرحا وهو يقول شكراً جزيلاً يا أبو فايز على ما قمت به من إنقاذ ابني وابنك احمد فقد توقف كل شيء.
هذه حادثة لا أنساها طوال عمري ولم افهم أسبابها إلى اليوم وكنت وقتها طبيبا مغمورا في دمشق وعضو حزب معارض ايضا.وحادثة أخرى مماثلة جرت معي أرغب بروايتها للقارئ الكريم. مع بداية تواجدي في دمشق جاءني صديقي المفضل والأبهى والأوفى مصطفى شاكر وقال أريد أن أعرفك على شاب بعثي ظريف ولطيف اسمه عبد حداد وهو يعمل صحفي في وكالة سانا ويتردد على القيادتين القومية والقطرية ويعرف أغلبية أعضاؤهما وهو شاب فقير من ريف الرقة ويقف معنا سياسياً.
وبالفعل تعرفت على هذا الشاب الودود اللطيف وصاحب جرأة ليس لها مثيل، وأصبح يتردد يوميا على عيادتي وبيتي عارضا خدماته على زوجتي الإنسانة المتواضعة الحنونة، وبعد سنوات من المعرفة حاولت فيها أن أشجعه على الدراسة والحصول على الشهادة الثانوية العامة واشتريت له الكتب وقلت له ندرس سوية ونتقدم للامتحان سوية وندرس في الجامعة سوية، كان شابا ذكيا يلتقط الأسماء والأشياء المعقدة، ولكنه لا يملك القدرة على الدراسة.
صار عبد فرد من أفراد الأسرة، يأخذ أولادي منى وفايز في نزهات خارجية ويلعب معهم ويدخل إلى المطبخ ليغلي الشاي مشروبه المفضل، ويأكل ما حضر.
وعندما سافرت زوجتي والأولاد إلى ألمانيا بقصد متابعة دراسة الاختصاص، أصبح ينام عندي هو وصديقي سعد النابلسي ونحيي الليل بالسهر.
كنت أعتقد أن عبد رجل صاحب عزوة عند نظام الأسد وله باع طويل عند أجهزته الأمنية ويشكل حماية لي نظرا لمحبتي ومعاملتي الجيدة له. كان رفاقي في الحزب يشكون في إمرة ويطلبون مني الجذر تجاهه. وكنت أصرح لهم دائما أن الآية معكوسة عند عبد فهو لا يتجسس على بل يتجسس على حزبه لصالحي وينقل لي أخبار القيادتين القومية والقطرية وصراعات الفرقاء فيهما. في إحدى الأمسيات كنت أعالج أحد المرضى وإذا بجرس الهاتف يرن وعلى الطرف الآخر كان صوت عبد يجهش بالبكاء وهو يقول (قتلوني وضربوني وجرحوني) فسألته من منهم فقال مجندون عسكريون كنا سوية ضيوفا عند أحد الأصدقاء وبعد ملاسنة بسيطة قاموا بضربي ضربا مبرحا وأسالوا دمي. أدهشني الأمر الذي شكل لي مفاجأة غير متوقعة ولم يكن في يدي حيلة فأنا لا اعرف أحدا من رجال السلطة ولكني فجأة وانا معه على الهاتف تذكرت الأمس حين كنت أمشي في شارع خالد بن الوليد وسط العاصفة تقابل وجهي مع وجه شاب كنا ندرس سويا في الصف التاسع في مدرسة البطركية في شارع الزيتون ورغم مرور سنوات طويلة، استطعنا التعرف على بعضنا بكل وضوح، شاب أبيض الوجه شعره أحمر شركسي يدعى أديب ونسيت للأسف إلى اليوم أسم عائلته وأخذنا بعضنا بالأحضان، وبعد حديث قصير فهمت منه إنه اصبح عقيدا في الشرطة العسكرية وفي قيادة موقع دمشق وقام بتسليمي كرت تعريفه عليها أرقام هواتفه، طالبا الاتصال به بدون إي حرج حين احتاج أي مساعدة . أغلقت مع عبد واتصلت مباشرة بالعقيد الصديق أديب موضحا عنوان عبد بدقة وأخبرته ما حصل. فأرسل مباشرة دورية عسكرية قامت بواجبها على أكمل وجه. ارتفعت أسهمي كثيرا عند صديقي عبد وأصبح يعتقد إنني من أصحاب النفوذ ولكن تواضعي يغطي ذلك.
كانت اجتماعاتنا في مكتب الإشراف على المثقفين منتظمة ونشأت بين أعضائه صداقات متينة لايزال بعضها مستمر إلى اليوم مثل صداقتي مع الاقتصادي اللامع فؤاد اللحام والمهندس بسام العبيسي على سبيل المثال لا الحصر.
وأصبح بيتي ملتقى للكثير من الرفاق القياديين أمثال الرفيق العزيز محمد ديب الكردي أبو دياب والرفيق يوسف نمر والرفيق نبيه جلاحج والرفيق فايز الفواز وأبو فهد خليل الحريري وغيرهم الكثير.
يوسف نمر كان وطنياً عروبيا ومتسامحا مع سياسات النظام، وهكذا بدأت ترشح رويدا رويدا الخلافات بين أعضاء المكتب السياسي وكانت في جوهرها ومنذ البداية تدور حول الموقف من السلطة والموقف من السوفييت. بالإضافة للموقف من العمل المشترك مع رابطة العمل الشيوعي وقول الرفيق رباض بان حزبنا مصاب بالجبن والخوف ويجب التحرر منهما بأسرع وقت ممكن.
كانت القيادة ممثلة بالمكتب السياسي تضم في البداية ثلاثة عشرة عضوا وأصبحوا في نيسان1976بعد وفاة نوري حجو الرفاعي من حمص اثنا عشرة. مقسومون إلى كتلتين سبعة وخمسة أعضاء.
كان صديقي العزيز الدكتور نايف بلوز كثيرا ما يؤكد ويكرر القول بان هذه القيادة ليس فيها رفيقا واحدا يستطيع أن يقود هذا الحزب بمفرده وأن يسد الفراغ الذي تركه خالد بكداش، ولكنهم إذا عملوا بشكل جماعي ومتعاون يستطيعوا أن يسدوا هذا الفراغ وان يتجاوزوه نحو الأفضل.
كان هناك رفيقين قيادين فقط لا يترددوا على عيادتي أو بيتي إلا فيما ندر وهما الرفيق ميشيل عيسى والرفيق بدر غزي الطويل، والأخير كان يتمتع بخبرة سياسية وتنظيمية واسعتين بالإضافة إلى سلاح أيديولوجي ماركسي قل مثيله.
------------------------------------------------------------------------------------------------

المحطة الخامسة من حياة عبد الله الديرعطاني
في رحاب جمهورية المانيا الديموقراطية
- عبد الله حنا - (من صفحته على الفيسبوك) -

استقليت الطائرة السويسرية من بيروت إلى زوريخ. وبتّ ليلة في أحد فنادقها الفخمة على حساب الشركة. وأثناء العشاء سألني نادل المطعم أي نوع من النبيذ ارغب في شربه. وفي أقل من ثوان أجبت بالاعتذار عن شرب الخمر. فقد مرّت في مخيلتي حالة المعتقلين من رفاقنا في سجن المزة وهم يسامون مرّ العذاب، ومن العار أن أشرب النبيذ وهم في السجون. في الفراش الوثير لم أستطع النوم بعمق، لأنني لم اعتد على هذا النعيم المباغت، بعد سنة ونيّف من الشقاء. وفي الصباح استقليت الطائرة من زوريخ إلى مطار براغ. وهنا تنفست الصعداء بأنني أصبحت في مأمن من مخابرات عبد الحميد السراج. ولم يطل الانتظار في مطار براغ لاستقلال الطائرة الذاهبة إلى برلين.
استقبلني بوجه بشوش في مطار برلين مندوب العلاقات العامة في النقابات الألمانية الحرة وذهبت بصحبته في السيارة إلى منتجع دولكنبروت للنقابات الواقع في وسط غابات وعلى ضفة إحدى البحيرات الكثيرة إلى الشرق من برلين. هناك وجدت ثلاثين شابا شيوعيا من مختلف الأعمار وصلوا تباعا من بيروت إلى المنتجع، وكنت آخر القادمين. والجميع كانوا مسجلين في المنتجع طلابا لبنانيين. والسبب أن جمهورية ألمانيا الديموقراطية كان لها علاقات اقتصادية قوية مع مصر، ولها علاقات دبلوماسية بمستوى قنصلية، وخوفا من تعكّر العلاقات مع الجمهورية العربية المتحدة، سُجّل الضيوف السوريون الهاربون من جحيم الملاحقة والتالي السجن طلابا لبنانيين.
الثلاثون " طالبا لبنانيا "، وهم الطلاب الشيوعيون السوريون الهاربون من سورية إلى لبنان أرسلهم الحزب إلى ألمانيا للخلاص من عبئهم في لبنان، ولإتمام دراستهم في ألمانيا والعودة فيما بعد إلى سورية كوادر مثقفة. وقد علمتُ أن الحزب الشيوعي أرسل أيضا العشرات إلى الدول الاشتراكية القائمة آنذاك.
اسجّل فيما يلي الظواهر التالية:
- أكثرمن نصف هؤلاء الطلاب ، أو بالأصح التلاميذ ، لم يكن قد حاز شهادة الدراسة الثانوية. فقد جرت ملاحقتهم، بسبب نشاطهم، وهم لا يزالون في المرحلة الثانوية.
- ثلثهم كان طالبا في الجامعة ، والبقية حملة بكالوريا.
- نصفهم كان مسيحيا بالولادة ، والنصف الآخر مسلمون سنة ، منهم كرديان من الجزيرة. لم يكن ثمّة بينهم علويون أو دروز أو إسماعيليون.
- جاء القسم الأكبر منهم من حمص وحلب ، ولم يكن بينهم دمشقي.
- عندما أتت لجنة من وزارة التعليم العالي لتسجيل رغبة هؤلاء "الضيوف" في الدراسة ، كانت الأكثرية الساحقة ترغب في دراسة الطب. كاتب هذه الأسطر سعى لدفعهم لدراسة الهندسة أو الاقتصاد بهدف العمل فيما بعد في صفوف الطبقة العاملة كما كان يحلم.
- مع اقتراب انتهاء سنوات الدراسة ، كان من الملاحظ أن قسما منهم لم يكن يرغب في الرجوع إلى سورية ، وبعضهم عاد مرغما. وبعضهم لم يعد وبقيَ في ألمانيا إلى " الأبد "
- قسم منهم وبخاصة الأطباء عادوا ، بأساليب مختلفة ، بعد إقامتهم مددا مختلفة في سورية إلى ألمانيا ليتمتعوا بالامتيازات ، التي توفّرها مهنة الطب.
لم أكن في أعماقي مرتاحا إلى هذه النسبة الكبيرة من المسيحيين في هذه المجموعة الهاربة من سورية، والتي وصلت إلى ألمانيا، وهي مؤشر على تركيبة الحزب الشيوعي في خمسينيات القرن العشرين. وهذه النسبة الكبيرة للمسيحيين كنت ألاحظها قبل 1958. وكانت قد ترسّخت لديّ قناعة أثناء نشاطي السياسي السابق خلاصتها:
إن الحزب الشيوعي، (المنتشر عموما بين المسيحيين الأرثوذكس والأكراد، وبنسب محدودة بين المسلمين العرب) لا يمكن أن يصبح حزبا جماهيريا إذا لم يستطع كسب أفئدة الشباب السنة، فهم أكثرية المجتمع، وبدونهم سيبقى الحزب ضعيفا لا يمكنه التغيير والسير نحو الاشتراكية.
هذا الاتجاه استقيته من ابن عمي خليل حنا وسرت على خطاه. خليل كان مدرّساَ للرياضيات عام 1956 في ثانوية الميدان في الحي الشعبي إلى الجنوب من دمشق. وقد حقق نجاحا في كسب قلوب عدد من طلابه، وشارك في حفلتيّ ذِكِر في الميدان، منطلقا من قناعته بالتقرب من المؤمنين المسلمين وكسبهم في مسيرة النضال من أجل الاشتراكية. وهكذا سرتُ على خطاه.
أذكر هنا على سبيل المثال واقعتين:
الأولى جرت عام 1957 عندما طلب مني الحزب أن أقود منظمة حي القصاع المسيحي. فرفضت وأجبت المسؤول قائلا: سيضيع وقتي في العمل بين المسيحيين سدى، وإذا لم تؤيد " أمة لا إله إلا الله " الحزب فلا جدوى من العمل. فاقترح عليّ العمل في أحياء باب الجابية وباب السريجة وباب مصلى، فوافقت فورا، وأطلقت على نفسي بين شيوعيي تلك الأحياء وكان عددهم محدودا اسم " عبد الله الخليل " حاذفا اسم " حنا " المشير إلى أنني مسيحي. وكانت فترة العمل في تلك الأحياء منعشة لآمالي في تحقيق الغاية، التي أصبو غليها في كسب المسلمين للحزب.
المثال الثاني جرى في ربيع 1957 عندما قام الطلاب الشيوعيون وأنصارهم برحلة إلى الأردن استغرقت ثلاثة أيام ورمت إلى توطيد العلاقة مع الوطنيين الأردنيين وفي مقدمتهم الشيوعيين. زرنا في أريحا قبر الطالبة رجاء حسن أبو عمّاشة، التي سقطت صريعة برصاص الشرطة أثناء مشاركتها في إحدى المظاهرات الوطنية المناهضة للاستعمار. طُلِبَ مني إلقاء كلمة أمام القبر. وبعفوية، ودون تفكير مُسبق، دعوت المستمعين إلى قراءة الفاتحة على روح الشهيدة.

شعور الاتجاه للعمل بنشاط في صفوف المسلمين لكسبهم إلى الاشتراكية لم يفارقني طوال نشاطي السياسي أو الفكري. ويبدو أن هذا الشعور تجلى بأشكال مختلفة أثناء إلقائي لدروس التاريخ. ذات مرة من عام 1967 دخلت لإلقاء الدرس على طلاب البكالوريا في ثانوية موفق الشرع في درعا. وقبل أن أبدأ الدرس رجاني أحد طلاب الصف أن أقرأ ما هو مكتوب على السبورة. فالتفت إلى السبورة المكتوب عليها بخطِ كبير:
"هل أنت مسلم أم مسيحي يا أستاذ ؟".
لا أذكر كيف تهرّبت من الإجابة بوضوح تاركا الأمر في إجابتي مبهما، محتميا بالعروبة والانتماء إلى الحضارة العربية الإسلامية. والواقع أنّ دروسي أوقعتهم في حيرة من أمر " ديني " بسبب المنهج الذي اتبعه وطريقة الإلقاء واستخدام التعابير الإسلامية مازجا بين الإسلام والعدالة الاجتماعية وبالتالي السير لتحقيق الاشتراكية. ولهذا وقعوا في حيرة من " دين هذا الأستاذ ". وزاد الأمر غموضا عندما سألوا مدرّس التشريح عني (وكان في عقله وشّة) فأجابهم: كان مسيحيا وأسلم ولم يستطع تغيير كنيته فغيّر اسمه.
وغالبا ما أشكل اسمي على الكثيرين، الذين يظنون أن اسم عبد الله " اسم مسلم ". وأثناء مؤتمر تاريخي اجتماعي في عدن دُعيت إلى لقاء تلفزيوني. وبعد تسجيل اللقاء جلست مع أربعة يمنيين وأثناء الحديث، نظر إليّ أحدهم متسائلا باستغراب تركيبة اسمي. فعبد الله حسب معلوماته اسم مسلم وحنا اسم مسيحي، وبادرني بالسؤال: ما هو دينك؟ فأجبته على الفور: بلهحة تحمل الجدّ والهزل " مسلم روم ".
***
نعود إلى الحديث عن المجموعة الشيوعية، التي حلّت في ألمانيا الديموقراطية، وبعض ما جرى لي معها في ضوء تفكيري المذكور قبل قليل وأنا المسؤول حزبيا عنها. لم أهتم كثيرا بالمسيحيين، وتركّز اهتمامي على المسلمين والمؤهلين منهم ككوادر ناشطة بعد الدراسة والعودة إلى سورية. وحسب اجتهادي وقع اختياري على اثنين وهما: سلطان أبا زيد من درعا وكمال زبيدة من حلب. وفيما يلي نبذة عنهما:
سلطان أبا زيد المولود في درعا عام 1936 امتهن التعليم بعد حصوله على الشهادة الثانوية. وانتسب إلى الحزب الشيوعي على يد قريبه المعلم عبد الكريم أبازيد وهو من المؤسسين الأوائل للحزب في حوران. وعندما كشّرت المباحث السلطانية عن أنيابها أيام الجمهورية العربية المتحدة، التجأ إلى بيروت ومنها إلى ألمانيا. بعد أن أنهي أبا زيد دراسة الطب عاد فورا إلى الوطن مقدما النموذج للكثيرين، الذين فضلوا البقاء في ألمانيا بذرائع مختلفة. ارتبطت حياة الطبيب سلطان أبا زيد ارتباطا وثيقا بنشاطه الشيوعي. كانت المباحث السلطانية (الأسدية) بالمرصاد لسلطان ونشاطه البارز في حوران وهو طبيب وينتمي لعشيرة معروفة في درعا. اضطر سلطان للتخفي واللجوء إلى لبنان ومنها إلى الجزائر فألمانيا وفرنسا. فُجع سلطان وهو في باريس، متزعما مع المحامي أحمد محفل الشيوعيين (جناح رياض الترك)، بوفاة أخيه تحت التعذيب في أيار 1988 في سجون المباحث السلطانية. ورغم الظروف القاسية، التي عاشها لم ينكس علم النضال في مختلف المراحل. ولكن مرض السرطان لم يمهله طويلا، وفارق الحياة في باريس أواخر 2006. أثناء صراعه مع المرض كتب أو أملي مذكراته، التي رأت النور بعد وفاته تحت عنوان: " ذاكرة الوطن والمنفى ". هذه المذكرات أعدتها وحررتها السيدة فادية فضة المقيمة في برلين. وكان سلطان وهو على فراش المرض قد فوّضها بنشر المذكرات بالصورة التي تراها مناسبة.
كمال زبيدة وهومن حلب. تعرّفت عليه عام 1957 أثناء دراسته الحقوق في الجامعة السورية. هرب إلى لبنان ومنها إلى ألمانيا. وكان تقديري له يشبه تقديري لسلطان أبا زيد. فهو مرتبط بالحركة الشيوعية مسلم متزن فعقدت عليه الآمال في المستقبل بعد رجوعنا إلى سورية. درس كمال في كلية الاقتصاد في برلين وعاد فور تخرجه إلى سورية وعمل موظفا في وزارة التخطيط، ومن ثمّ انتقل كخبير اقتصادي للعمل في مجلس الوزراء، وأخيرا حطّ الرحال في مدينته حلب مشرفا على المنطقة الحرة، التي أنشأتها الدولة. لم ينقطع عن النشاط السياسي وكانت له عليّ أياد بيضاء في مشروعي الهادف إلى جمع المعلومات من أفواه الحرفيين والنقابيين والشيوعيين القدامى. وهو الآن (ربيع 2015) مقيم في منزله في حي السبيل بحلب يعيش المأساة السورية بعامة، وهو يعاني مع أسرته مصاعب الحياة في حلب المقسّمة، والمدمّرة أسواقها التاريخية بسبب الحرب الهمجية. هذه الأسواق كان كمال (ابن حلب) يشرح لي ولزوجتي سكريد الألمانية، التفاصيل الدقيقة عن هذه الأسواق كلما زرنا حلب.
ضمّت المجموعة أيضا كلا من محمد عطري، الذي كان وجها طلابيا ناشطا في الجامعة السورية أثناء دراسته في كلية الحقوق. وبعد هربه إلى بيروت فألمانيا كان من المقربين إلى قلبي. وهو شهم مخلص " وشيخ شباب "، ولكنني كنت أجده " فوضويا ". درس عطري الصيدلة وعاد فورا بعد تخرّجه إلى حلب مسقط رأسه. وهناك افتتح صيدلية، وكان ناشطا، وعندما ضاق عليه حبل خناق المخابرات السلطانية الأسدية التجأ إلى ألمانيا وافتتح عيادة في هامبورغ إلى حين بلوغه سنّ التقاعد.
ولا بد من ذكر طيب التيزيني، وهو من مجموعتنا التي أرسلها الحزب، والحاصل على البكالوريا، ولم يكن طالبا جامعيا عند هربه من سورية إلى لبنان. انتسب تيزينيي إلى كلية الفلسفة وبعد الإجازة حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة، وعاد إلى سورية. وكان واضحا أنه كشيوعي وحامل شهادة الدكتوراه في الفلسفة " سيموت من الجوع " لأن النظام لن يقبل دخوله الجامعة. لم يكن تيزيني وهو من حمص معروفا بأنه شيوعي. ولهذا سار بعد عودته في طريق مسايرة اتحاد الطلاب وإلقاء محاضرات فلسفية في إطار نشاطات البعث. ولم يكن الخط الإيديولوجي العام لتيار البعث وبخاصة اليساري منه معارضا، بل محبّذا لهذه المحاضرات. وعن طريق الشباب اليساري في البعث، وتكتمه عن ماضيه، تمكّن تيزيني من دخول جامعة دمشق مدرسا ثمّ أستاذا فيها. وله دراسات وكتب نالت الشهرة. ونشاطه العلمي والبحثي لا يشقّ له غبار. ولكن لم يسلم تيزيني من الناقدين له وفي مقدمتهم الماركسي عبد الرزاق عيد، الذي وصفه بالعبارة التالية: وهو " ممن يعيشون من خبز السلطان ويتنعمون بزهو العصيان ".
------------------------------------------------------------------------------------------------


أول عشرين دولة في انتاج الغاز الطبيعي
(تعود التقديرات إلى العام ٢٠٢١.)

الإنتاج السنوي بالمتر المكعب (مليون) الدولة الترتيب
٩٣٤,٢٠٠ الولايات المتحدة الأمريكية ١
٧٠١,٧٠٠ روسيا ٢
٢٥٦,٧٠٠ إيران ٣
٢٠٩,٢٠٠ الصين ٤
١٧٧,٠٠٠ قطر ٥
١٧٢,٣٠٠ كندا ٦
١٤٧,٢٠٠ أستراليا ٧
١١٧,٣٠٠ السعودية ٨
١١٤,٣٠٠ النرويج ٩
١٠٠,٨٠٠ الجزائر ١٠
٧٩,٣٠٠ تركمانستان ١١
٧٤,٢٠٠ ماليزيا ١٢
٦٧,٨٠٠ مصر ١٣
٥٩,٣٠٠ إندونيسيا ١٤
٥٧,٠٠٠ الإمارات العربية المتحدة ١٥
٥٠,٩٠٠ أوزبكستان ١٦
٤٥,٩٠٠ نيجيريا ١٧
٤٧,٤٦٠ هولندا ١٨
٤٠,٨٧٠ ترينيداد وتوباغو ١٩
٤٠,٦٠٠ بريطانيا ٢٠
------------------------------------------------------------------------------------------------
حوار عن المرحلة الراهنة
- مازن كم الماز -

أعتقد أن الحوار حول سمات المرحلة الحالية ليس فقط مطلوبًا ، إنه ضروري لأنه نقطة الانطلاق في فهم الواقع و مواجهته … و أعتقد هنا أن افتتاحية العدد ٧١ من المسار قدمت لنا أكثر من نقطة مركزية لمقاربة الواقع و التعامل معه : قضية الوحدة الوطنية في مواجهة الخطر الخارجي و قضية الثورة الديمقراطية التي تعني فيما تعنيه أيضًا تحقيق الوحدة الوطنية لكن من أسفل ، عبر حراك أو ثورة شعبية … أعتقد أن تحديد الموقف التقدمي أو الصحيح ، اليوم كما في عام ١٩٤٨ ، هو عملية معقدة و من المضر اختزالها في مقاربات باللونين الأبيض و الأسود … لا أعتقد مثلًا أن وجود مصطفى السباعي في صفوف جيش الإنقاذ عام ١٩٤٨ يكفي لاعتباره موقفًا تقدميًا ، إذا صح هذا على السباعي فهو أيضًا يصح على كل من شارك في جيش الإنقاذ كأديب الشيشكلي مثلًا ، ديكتاتور سوريا القادم ، من بين ضباط آخرين يمكن بكل سهولة وصفهم بالمغامرين أو المهووسين بالنظام العسكري و إعطاء الأوامر و افتراض الطاعة العمياء فقط من المرؤوسين … أشعر بالحاجة لبعض التحفظ في التعامل مع أولئك الذين نحكم بأنهم اتخذوا مواقفًا صحيحة أو تقدمية بالصدفة ، بدون وعي أو تعمد ، لدواعي مختلفة جذريًا عن الالتزام بمصالح شعوبهم … إن الحديث عن تقدمية الاصطفاف مع عبد الناصر و ضد عبد الكريم قاسم لصالح وحدة تضم العراق و مصر و سوريا لا أعتقد أنه يكفي للحديث عن رجعية الشيوعيين العراقيين مقابل ، مثلًا ، تقدمية الأخوين عارف و البعث العراقي … رغم كل مواقفهم القومية المعلنة و التي استخدموها لقمع خصومهم الشيوعيين و للقفز على السلطة في حركات عسكرية دموية في أكثر الأحيان ، لم يهب القوميون العراقيون و لا السوريون الذين عارضوا الانفصال للوحدة مع مصر عبد الناصر و انتهى كل هؤلاء بأن كانوا مسؤولين عن هزائم تاريخية مدمرة بحق الشعوب و الأوطان و الجيوش التي حكموها … نقد موقف الشيوعيين من الوحدة السورية المصرية المحق يجب ألا ينسينا أن الوحدة قد انهارت من الداخل لا بفضل مواقف الشيوعيين السوريين و المصريين منها … من الأكيد أن وضع عسكر و دبابات و طائرات أكثر بإمرة عبد الناصر و عبد الحكيم عامر كانت ستجعل هزيمة ٦٧ أضعف احتمالًا ربما و لو أن الواقع يفترض أن يكون الجيش المصري قادرًا بمفرده على صد العدوان أو على الأقل ألا ينهار و يهزم بالطريقة التي جرت في حزيران ٦٧ ؛ عدا عن أن دول المواجهة إضافة إلى العراق كانت قد استنفرت جيوشها و حشدتها في نفس الوقت على الحدود مع إسرائيل دون أن يمنع ذلك من هزيمتها مجتمعة في خمسة أيام … كان نقاش جاد قد بدأ بعد هزيمة ٤٨ و أخذ منحى أكثر عمقًا بعد هزيمة ٦٧ لكن هذا البحث الجدي عن أفضل سبل المواجهة و أشكالها قد توقف و يكاد ينسى اليوم على أهميته خاصة بعد أن أضيفت إلى هزائم الأنظمة و جيوشها المتلاحقة تلك الهزيمة الفادحة التي لحقت بالربيع العربي ، بالجماهير الثائرة و بالقوى التي حاولت تصدر المشهد بعد الزلزال الذي أصاب النظام العربي الرسمي … وطنيون و يساريون فلسطينيون حملوا جزءً مهمًا من المسؤولية عن هزيمة ٤٨ إلى تهافت القوى الطبقية و الاجتماعية التقليدية التي قادت المجتمع الفلسطيني يومها و التي كان هاجسها الأول هو الحفاظ على امتيازاتها الطبقية و على هيمنتها على الجماهير و استهانت بالخصم و لجأت لأساليب فوقية و غير علمية في تلك المواجهة الحاسمة مما سهل وقوع الهزيمة … ياسين الحافظ في نقده الجريء : الهزيمة و الأيديولوجية المهزومة توقف عند دور تأخر العرب في هزيمتهم … كان مصطفى السباعي يريد محاربة الخطر الصهيوني لكنه كان في نفس الوقت يريد تعزيز كل ما من شأنه تكريس تخلف العرب ، بالنسبة للحافظ و آخرين كانت تلك مجرد وصفة لهزائم قادمة فقط … و يجب هنا أن نتوقف لدقيقة فيما يخص عبد الناصر و وحدة ٥٨ أو الوحدة المرتقبة مع العراق ؛ ما يصح على عبد الناصر هنا يصح على غيره ، على كل من أراد و يريد "توحيد" المشرق أو أية شعوب عربية بقصد بناء قوة أكثر قدرة في مواجهة الخارج المتربص ، داعش أيضًا أرادت توحيد الشرق و وحدت بالفعل أجزاء" واسعة" من سوريا و العراق و كان لها امتداداتها في مصر و ليبيا و اليمن و حتى لبنان ، و داعش تزعم و ربما كان زعمها صحيحًا ، أنها أكثر أمانة في محاولتها إعادة إحياء الدولة ، الإمبراطورية ، العربية الإسلامية القروسطية من القوى القومية التي تنطعت لهذه المهمة منذ الخمسينيات … هل قيام داعش بتوحيد أجزاء من سوريا و العراق و ربما غيرهما هو عمل تقدمي بغض النظر عن داعش نفسها ، عن أسبابها و عن أهدافها من هذا التوحيد ، عن كيف ترانا كشعوب و ما تريد فعله بنا و بجيراننا و بخصومنا … تعرض نظام عبد الناصر و أشباهه لنقد لاذع بعد ٦٧ خاصة من قبل اليسار العربي و القوى التي انضمت إليه قادمة من صفوف القوميين و حتى الناصريين مركزة على ممارسات و سياسات النظام الناصري التي لم تسمح له بالاستفادة القصوى من الطاقات البشرية و المادية التي كان يتحكم بها ، هذا بينما كان الفيتناميون يواجهون عدوًا أخطر و أكثر قدرة ، عدوًا يعتبر القوة الأكبر في العالم و ما يزال بإمكانيات أكثر تواضعًا مما كان بتصرف عبد الناصر و رفاقه … لمواصلة النقاش مع المقال يمكنني الإضافة هنا أن مشكلتي مع نصر الله ليس عمامته و أن مظاهر الحداثة عند سمير جعجع لا تعنيني ، المشكلة مع الرجلين هي أنهما رمزين ، قائدين طائفيين ، جزء من منظومة أو نظام يقوم على المحاصصة بين زعماء الطوائف و الميليشيات إلى جانب البرجوازية المالية و الكومبرادورية ، منظومة أفقرت اللبنانيين من كل الطوائف و حولتهم إلى مجرد أتباع لهذا الزعيم أو ذاك و أبقت لبنان على حافة صدامات و توترات طائفية لا تنقطع قابلة للانفجار دومًا في حروب عبثية مدمرة كرمى زعماء الطوائف و أسيادهم و هيمنتهم … أشك في أن انتصار ديكتاتور ما على الخطر الصهيوني سيأتي بالخير على العرب ، يكفي أن نذكر المماليك الذين ردوا المغول في عين جالوت ثم أكملوا تحرير المشرق من الصليبيين ، بعد ذلك أصبح حكمهم القائم على النهب و السلب بلا منازع و بلا معارضة عمليًا خاصة بعد أن قبلوا بتقاسم الهيمنة على مجتمعاتنا مع المؤسسة الدينية الرسمية : يسيطر الأولون على العباد و يسيطر الأخرون على عقولهم في تعايش عجيب بين المؤسسة الدينية المنغلقة و التي تجتر ما أنتجه أسلافها محاربة أي تجديد آو كل فكر مستقل ، مع فساد و نهب المماليك المستمر للبلاد و العباد … كانت الدولة المملوكية استمرارًا للانحطاط العربي الطويل و تكريسًا له و لن يتغير الأمر إلا مع جحافل جيوش نابليون تطرق القاهرة عام ١٧٩٨ … تعالوا لنتخيل موقف أولئك الذين كانوا في سجون ستالين في عام ١٩٤١ و كان عليهم أن يشاهدوا جحافل النازيين تهاجم بلادهم ، أي خيار كان أمام هؤلاء : هتلر أم ستالين ؟ هل كان التصدي للنازيين ليبرر الاصطفاف خلف ستالين؟ هل كان قيام هتلر بإعادة توحيد ألمانيا مع النمسا نصف الألمانية و استعادة الأراضي التي سلبت من ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى مبررًا كافيًا لاصطفاف الألمان خلف الرجل الخ الخ … قاد الثاني ألمانيا إلى مجزرة عالمية و بنتيجة تردد الأول و حساباته الخاطئة و استهتاره بحياة جنوده ، قضى الملايين من الجنود و من المدنيين حياتهم … بعد انتصاره في حطين كانت معارضة صلاح الدين أمرًا مستحيلًا ، من كان ليعترض على إعدام مهرطق كالسهر وردي أو على غزو جماعات متهمة بالخروج عن الملة مما يعني بالضرورة الاتهام بالعمالة و الخيانة أو المغامرة بحياة الآلاف من الجنود و المدنيين في معارك هرمجدونية … من يستطيع اليوم، في القرن الواحد والعشرين، أن ينتقد صلاح الدين.
________________________________________
إلى أين وصلت الأحوال الاقتصادية في سوريا؟
وكالة أسوشيتد برس
512023

وصل الاقتصاد السوري إلى أدنى مستوياته منذ اندلاع الثورة ثم الحرب التي تلتها قبل نحو 12 عاما، مع تصاعد التضخم وتهاوي قيمة الليرة السورية والنقص الحاد في الوقود في كل من المناطق سواء التي يسيطر عليها النظام أو التي يسيطر عليها المعارضة.
وقد وصلت الحياة في دمشق إلى طريق مسدود. فالشوارع خالية تقريبا من السيارات، وبالكاد يصل التيار الكهربائي لبضع ساعات ومتقطعة يوميا في أحسن الأحوال، كما ارتفعت أسعار الطعام والضروريات الأخرى بشكل كبير.
أدت الأوجاع الاقتصادية المتزايدة إلى احتجاجات في المناطق التي تسيطر عليها قوات بشار الأسد، والتي قوبلت أحيانا برد فعل عنيف.
في هذا التقرير نلقي نظرة على سبب تفاقم الوضع الاقتصادي وتأثيراته المحتملة.
ما مدى سوء الأزمة؟
سجلت الليرة السورية أدنى مستوى لها على الإطلاق عند سبعة آلاف ليرة للدولار الأمريكي في السوق السوداء الأسبوع الماضي قبل أن تتحسن إلى نحو ستة آلاف ليرة. وهو ما لا يزال يمثل هبوطا كبيرا، نظرا لأن المعدل كان حوالي 3600 قبل عام واحد. ورفع البنك المركزي سعر الصرف الرسمي من 3015 إلى 4522 يوم الاثنين، في محاولة على ما يبدو لإغراء المواطنين لاستخدام السعر الرسمي بدلا من السوق السوداء.
مع نقص الوقود، رفع النظام أسعار البنزين والديزل. بالسعر الرسمي، يصل ثمن الـ 20 لترا (5 غالونات) من البنزين الآن إلى ما يقرب من راتب شهر كامل لموظف حكومي متوسط، وهو حوالي 150 ألف ليرة سورية، أي 25 دولارا بسعر السوق السوداء. وتوقف بعض الموظفين عن الحضور إلى العمل لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف النقل.
قال جوزيف ضاهر، الباحث السوري-السويسري والأستاذ بمعهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا، إن الأجور لا تقترب من تغطية تكاليف المعيشة، وعليه فإن معظم الناس "يعيشون على التحويلات، ويعيشون على وظيفتين أو ثلاث وظائف وعلى المساعدات الإنسانية".
وذكر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، لمجلس الأمن الدولي في 21 ديسمبر/ كانون أول أن تلبية "احتياجات الشعب السوري وصلت إلى أسوأ المستويات منذ بدء الصراع".
اندلعت الاحتجاجات في بعض المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام، لا سيما في السويداء ودرعا في الجنوب. وفي السويداء الشهر الماضي قتل متظاهر وضابط شرطة بعد أن تحولت مظاهرة إلى أعمال عنف.
ما أسباب التدهور؟
بصرف النظر عن سنوات الحرب والفساد المستشري، شهد الاقتصاد السوري سلسلة من الصدمات منذ عام 2019، بدءا من انهيار النظام المالي اللبناني في ذلك العام.
قال ناصر السعيدي، وزير الاقتصاد اللبناني السابق إنه "بالنظر إلى الحدود المفتوحة بين سوريا ولبنان وكلاهما اقتصاد قائم على النقد بشكل متزايد"، فإن أسواقهما مرتبطة بشكل وثيق. وتابع أن انهيار العملة ورفع الدعم في لبنان أدى إلى انخفاض قيمة العملة وارتفاع الأسعار في سوريا.
تضررت سوريا أيضا من الانكماش الاقتصادي العالمي الناجم عن جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية في أوكرانيا، التي أدت إلى ارتفاع أسعار الوقود وغيره من السلع عالميا.
لكن محللين قالوا إن العامل الأكثر أهمية هو التباطؤ الأخير في شحنات النفط من إيران، التي كانت المصدر الرئيسي للوقود لدمشق منذ السنوات الأولى للصراع. فقبل الحرب، كانت سوريا دولة مصدرة للنفط، والآن يسيطر تنظيم قوات سوريا الديمقراطية-قسد بدعم من الولايات المتحدة على أكبر حقولها النفطية في شرق البلاد، لذا يتعين على دمشق استيراد النفط.
وأشار جهاد يازجي، الخبير الاقتصادي ورئيس تحرير "سيريا ريبورت"، إلى أن دمشق تشتري النفط من إيران بالدين، لكن "عندما يبيعون النفط في الأسواق... يبيعونه نقدا"، لذا فإن تراجع إمدادات النفط تقلل أيضا المورد النقدي للحكومة.
وألقى وزير النفط السوري بسام طعمة في حديث للتلفزيون الرسمي في نوفمبر/ تشرين ثان باللوم في نقص الوقود على العقوبات الغربية والتأخيرات الطويلة في إمدادات النفط، دون أن يوضح أسباب التأخير.
ولم يرد مسؤولون إيرانيون على طلب للتعليق.
ما الوضع في المناطق الخاضعة للمعارضة؟
يعاني سكان مخيمات النزوح المؤقتة في آخر معقل تسيطر عليه المعارضة بمحافظة إدلب شمال غربي البلاد في كل عام من العواصف والطقس المتجمد.
ويقول محللون إنهم عانوا من الأزمة الاقتصادية في تركيا المجاورة هذا الشتاء، فضلا عن ارتفاع الأسعار، وتقلص المساعدات بسبب الحرب في أوكرانيا.
وشهدت إدلب تشكل صفوفا طويلة من أجل الحصول على الوقود.
في غضون ذلك تدور معركة في الأمم المتحدة بين روسيا ولاعبين دوليين آخرين حول السماح للمساعدات بعبور الحدود من تركيا إلى شمال غربي سوريا.
ومن المقرر أن ينتهي تمديد الستة أشهر لـ "آلية المساعدة عبر الحدود" في العاشر من الشهر الحالي، مع تصويت مجلس الأمن على تجديدها قبلها بيوم.
تطالب روسيا بوصول المساعدات عبر دمشق بحجة أن المساعدات القادمة من تركيا تستغلها جماعات مسلحة، وتقول إن المجتمع الدولي لا يقدم مساعدات كافية لسكان المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
لكن منظمات إنسانية ترسم "صورة مفزعة" لعواقب قطع المساعدات عبر الحدود.
فتقول تانيا إيفانز، المديرة القطرية للجنة الإنقاذ الدولية في سوريا، إن أسعار الوقود والغذاء آخذة في الارتفاع بينما يتقلص تمويل المساعدات الإنسانية.
وأضافت أن هذا الأمر، إلى جانب الطقس وتفشي الكوليرا، "سيكون مزيجا مميتا في حال أغلق شريان الحياة الوحيد المتبقي لهذا الجزء من سوريا".
هل يمكن اندلاع ثورة أخرى؟
يقول محللون إنه في حال استمرار الأزمة الحالية، من المرجح تنظيم المزيد من الاحتجاجات.
لكنهم استبعدوا إلى حد كبير إمكانية اندلاع انتفاضة جديدة مناهضة للحكم على مستوى البلاد مثل تلك التي اندلعت عام 2011.
وأشار ضاهر إلى أن الاحتجاجات الأخيرة كانت "متشرذمة ومحلية"، مضيفا أن البلاد تعيش بالكاد في الوقت الحالي على المساعدات والتحويلات المالية من الخارج.
وذكر ضاهر أن السوريين، الذين شملهم الاستطلاع ضمن دراسة ستنشر قريبا، أفادوا بأنهم يتلقون ما بين 100 إلى 200 دولار شهريا في المتوسط من أقاربهم في الخارج.
وتابع قائلا "السكان منهكون للغاية، ويفكرون في البقاء على قيد الحياة قبل كل شيء. لا يوجد بديل سياسي لترجمة هذا الإحباط الاجتماعي والاقتصادي إلى سياسي".

كير ستيرمر ممثلاً "للنخبة" البريطانية في دافوس ورسالته لنخب رأس المال: هل يعيد كير ستارمر بريطانيا إلى السوق الموحدة؟
- رامز باكير -
عندما صوتت المملكة المتحدة على البريكست 2016 اختلف السياسيون على كيفية وآلية الخروج، فالبلاد لم تعد في السوق الموحدة أو حتى الاتحاد الجمركي الأوربي، لا أصبحت تحكم علاقاتها الاقتصادية مع الاتحاد الاوربي اتفاقية تجارة حرة عامة جداً و بحدودها الدنيا. ومع حلول أزمة كورونا التي عصفت بالاقتصادات العالمية ولم تسلم منها اقتصادات دول المركز، والحرب على أوكرانيا التي أربكت اسواق الطاقة و أدت إلى ارتفاع نسب التضخم، بدأت الآن تظهر الملامح الكارثية لبريكست على المملكة المتحدة.

و في دافوس، المكان الوحيد الذي تجتمع فيه نخب رأس المال العالمي و نخبه السياسية والذي جاء في وصفه الدقيق بأنه "تجمع المليارديرات" على لسان زعيم حزب العمال السابق جيرمي كوربين، كان كير ستيرمر في مهمة ضرورية لاعادة بناء الثقة مع الاتحاد الاوربي و جهات التمويل العالمية، لانقاذ اقتصاد بات الاسوء أداءاً بعد الاقتصاد الروسي في مجموعة الدول الثمانية, واعلان ستيرمر الصريح والعلني فشل صفقة مابعد بريكست و الضرر التي ألحقته باقتصاد المملكة.
وقال ستيرمر و مستشارة حكومة الضل ريتشيل ريفيز بتصريح لهما لصحيفة الفاينانشال تايمز "سنعيد بناء الاقتصاد على حجر سياسة مالية وضريبية ذات مسؤولية، ومن خلال علاقات وثيقة مع التحاد الأوربي".
كما وقابل ستيرمر و ريفيس مستشارين وكبار المدراء التنفيذيين من عمالقة القطاع المالي العالمي، غولدمان ساكس، مورغن ستانلي، جي بي مورغن و بلاك روك. وعبر الاثنين بشدة عن انتقادهما لامتناع رئيس الوزراء ريشي سوناك عن حضور المنتدى في الندوة العلنية. وانتقدا خصمهما رئيس الوزراء السابق من حزب المحافظين بوريس جونسون على اتفاقية مابعد بريكست مع التحاد الاوربي والتي كلفت المملكة المتحدة خسارة ٤ بالمئة من ناتجها الاجمال المحلي على المدى المتوسط.
وفي المقابل، اتهم رئيس الوزراء ريشي سوناك كير ستيرمر بالتراجع عن قراره بعقد استفتاء ثاني لبريكست.

ومن أهم ما توجه به زعيم حزب العمال كير ستارمر ومستشارة الظل ريتشل ريفز إلى المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) في دافوس بين توضيحات وإيماءات للطبقات الرأسمالية الحاكمة، بأن "حزب العمال عائد بقوة" و أن أيام الكوربينية "الجامحة" وخطرها لم تعد موجودة، وأن الكوربينية قد تم وأدها في مهدها، و بأن الحزب سيكون اليد الآمنة لإدارة الرأسمالية البريطانية، بدلاً من المحافظين الذين فقدوا مصداقيتهم على نحو متزايد، ولم يعودوا قادرين على الإلتفاف على مطالب الطبقة العاملة، في ظل أزمة اقتصادية وازمة معيشة، وموجة من الإضرابات لم تشهدها البلاد منذ حوالي النصف قرن.
لكن حملة ستارمر وتطميناته لجذب الطبقة الرأسمالية قد أتت ثمارها، حيث تجاوزت التبرعات الجديدة من الأفراد الأثرياء للحزب المليونين جنيه إسترليني، و شهد الحزب زيادة مماثلة في التبرعات من الشركات.
ومن المهم الإشارة إلى أن الكثير من هذه التبرعات جائت من جهات كانت قد تبرعت سابقاً للمحافظين وقامت بقلب ولائها مع تغير مجريات الأزمة.
ولحسم مسألة البريكسيت يقول زعيم حزب العمال "إن العودة إلى السوق الموحدة من شأنه أن يخلق مزيدًا من عدم اليقين ، نريد بدلاً من ذلك "بريكست أفضل"."
فبنظر ستارمر العودة إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي لن تعزز النمو الاقتصادي في المملكة المتحدة ، بل ستخلق "سنوات من عدم اليقين" للشركات البريطانية ، والتي ستكون أسوأ من الروابط التجارية الوثيقة التي قد تأتي من خارج الاتحاد. فأمر الخروج قد تم حسمه، ولكن السؤال هو عن كيفية الخروج.

من الواضح أن ستارمر هو حاليّاً الممثل المختار و قد يكون الوحيد للطبقة الحاكمة البريطانية، ويُتوقع أن يتولى السلطة بعد الانتخابات القادمة، لذلك كان يُظهر التزامه بأنه رجل دولة عالمي. أما في أوروبا ، أعتقد أنه لا يريد إعادة فتح ملف بريكست لأنه ليس له مصلحة فيه، ولهذا السبب يواصل القول إنه يوافق على نتيجة الاستفتاء ؛ لكنه أيضاً يفهم جيداً مدى أهمية الوصول للسوق الموحدة من قبل الرأسمالية البريطانية ، ويدعمه في ذلك القسم الأكبر من الطبقة الحاكمة.
و كما هو الحال دائمًا ، فهو يحاول إجراء عملية موازنة ستكشف لنا الأيام القادمة مدى صعوبتها وتعقيداتها.
------------------------------------------------------------------------------------------------















زوروا صفحتنا على الفايسبوك للاطلاع و الاقتراحات على الرابط التالي
http://www.facebook.com/1509678585952833- /الحزب-الشيوعي-السوري-المكتب-السياسي
موقع الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي على الإنترنت:
www.scppb.org

موقع الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي على (الحوار المتمدن):
www.ahewar.org/m.asp?i=9135








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س