الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ثقافتنا العامة معرقلة لتقدمنا؟

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2023 / 1 / 30
المجتمع المدني


للثقافة العامة دور مهمّ في العديد من العلوم الإنسانيّة المختلفة خاصّة العلوم الاجتماعيّة، مثل: علم الإدارة، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم الأنثروبولوجيا الثقافية، ويُعدّ العالم الاجتماعيّ تايلور هو أوّل من وضع تعريفاً للثّقافة العامّة، حيث عرّفها بأنها: (الكلّ الّذي يتضمّن العقيدة والمعرفة والأخلاق والفن والعادات والتقاليد، بالإضافة إلى القدرات التي يكتسبها الإنسان بوصفه فرداً في المجتمع) وللثقافة العامة دور محوري في المجتمع وفي تحفيز النهوض الاقتصادي أو تثبيطه. تحدَّث العلماء عن السمات البارزة للبيئة الاجتماعية المثبطة للنهضة، والعوامل التي تسببت في التعثر أو النكوص مرة بعد أخرى، وهي جميعاً ذات صلة بالثقافة السائدة.
والثقافة بصفتها رؤية الانسان لواقعه وللعالم، وهي نوع من الوسائل والطرق والتفكير التي يتبعها الانسان، وصراعه من أجل تغيير واقعه المتخلف إلى واقع أفضل، وهي كذلك حالة من النضج العقلي الذي يستبعد فيه العقل اللامعقول، ويعيد صياغة واقعه في صورة يقبلها العقل تمكنه من تحقيق التنمية الشاملة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الخ يخضع فيها ربما المستحيل لقدرات وطاقات العقل والابداع والابتكار، فالتقدم يحتاج الى قوة عقلانية مبدعة خلاقة، فالثقافة العامة تلازمه وتحيط به.
إرادة الانتصار على معوقات الحياة باستخدام العقل ثقافة. يقابلها الاستسلام للأمر الواقع وقبوله ثقافة، الأولى هي جزء من ثقافة التقدم، والثانية هي ثقافة تعوق التقدم. ثقافة التقدم أيضا هي القوة الدافعة للتقدم. هي الحل لتجاوز ً الواقع الحالي المعاش بكل مشاكله وسلبياته، وثقافة الاستسلام والاستسهال والتواكل التي تعوق التقدم تبحث عن حلول المشاكل في الماضي.
في ثقافة التقدم أن من صنعوا مشكلة التخلف والتراجع ليس لديهم تصور فاعل للحل، ولا يمكن أن يصنعوا التقدم لأنهم لا يملكون ثقافته، بل يملكون ثقافة معوقة له، التقدم يحتاج إلى تغيير ثقافي إلى جانب تغيير كل الكوادر التي عجزت عن أحداثه بكوادر جديدة تمتلك طرق وأساليب وأدوات ورؤى مستمدة من المعاصرة والعقلانية، وبعيدة كل البعد عن أي تصورات أو رؤى أيديولوجية تستمد من الماضي والأهم أن تؤمن بمحاور ومكونات وأبعاد ثقافة التقدم. إذا كنا جادين في إحداث التقدم لمجتمعنا.
ويهمنا في هذا المقال المتواضع، التصريف الآيديولوجي للمشكلات، والمقصود بالتصريف الآيديولوجي هو تفسير ظواهر اجتماعية أو تاريخية بناءً على قربها أو بعدها عن مقولات آيديولوجية معينة، أو إرجاعها إلى التفسيرات الخاصة بتلك الآيديولوجيا. هذا يتضمن -بالضرورة– إغفال العوامل المساهمة فعلياً في تكوين تلك الظواهر وتفسيرها العلمي.
من ذلك مثلاً ما وصفه بعض المختصين بالغلوّ الاقتصادي، أي التفسير الماركسي الذي يُرجع كل حراك حيوي إلى عوامل اقتصادية، بما فيها الثقافة السائدة ومنظومات القيم والعلاقات الداخلية، بل حتى الفكر المدرسي والآداب والفنون، التي عدّها الماركسيون واجهة خارجية للبنية التحتية للنظام الاجتماعي، أي الاقتصاد السياسي وأنماط الإنتاج. إن هذا التصريف قد حوّل الفكر إلى نوع من ميكانيكية اقتصادية، بدل أن يُعرف كنشاط حيوي قادر على أن يكون مستقلاً، وبالتالي ناقداً للوضع الراهن ومشيراً إلى المستقبل.
والغلو السياسي في التيار القومي، الذي عدّ الوحدة العربية شرطاً وحيداً أو أساسياً لنجاح التنمية الاقتصادية، ثم أغفل أي عامل لتحقيق الوحدة غير التغيير في النخب السياسية، أي إنه عدّ هذا التغيير تمهيداً ضمنياً لتحقيق التنمية. وقد رأينا في التجارب العربية كثرة التحولات في النخب، بشكل طبيعي أو قسري، وكيف أن هذه التحولات أفضت إلى المزيد من الشقاق والفشل، بدل الوحدة أو النمو. نعلم بطبيعة الحال أن المدافعين عن الرؤية القومية سيشترطون نوعاً خاصاً من التغيير، لكنّ هذا أقرب إلى «شرط يوتوبي» منه إلى مطالعة واقعية في التحولات الاجتماعية والسياسية التي يعرفها عالم اليوم.
العلمانيون والتنويريون والمتطرفون، كلهم يمثلون عبئًا على الفكر النقدي للتراث وعلى ثقافة مجتمعاتنا، ومحاولة غربلة من كل ما يشد للوراء، أو يبقي على الجمود، هم ظاهرة ضجيجية صوتية أكثر منهم مدرسة علمية رصينة، وهم عبء كذلك على العلمانية وتحرير العقل وحرية الإنسان وكرامته، واضيف لهم الهمج الرعاع وتجار الدين والوطنجيون والثورجيون المشعوذون والمتملقون لكل من بيد الحكم والمال
نحتاج الى ملايين من اطنان الكلور لتنظيف عقولنا مما رسخ بها من فكر خرافي وما استورده العلمانيون والتنويريون من افكار لا تتماشى مع ثقافة مجتمعنا وتقاليده وعاداته
... ومن حيث هم يرفعون شعار الحداثة، فإنهم يمثلون جانبًا من أزمة الحداثة والتجديد، حيث إن أسلوبهم وطريقتهم وضآلة التحصيل العلمي ومهاجمة كل ما له علاقة بالدين لا تجعلهم قادرين على خلق بيئة مواتية لهم، أو لفت انتباه الجمهور العام لهم.
وفي ظل هذه المآسي يتنامى الظلم والجهل واللصوص والتعدي على حقوق المواطنين
حرروا العقول يتحرر الإنسان.
ويقال الشيء نفسه عن تفسير التيار الديني لمشكلات التخلف السياسي والاقتصادي الاجتماعي، التي عدّها انعكاسا للبعد عن الدين الحنيف. وبناءً عليه عدّ تحكيم للشريعة حلاً حاسماً وفورياً لتلك المشكلات. ونذكر جميعاً شعار «الإسلام هو الحل» الذي رفعه التيار الديني في مصر والسودان والجزائر بعدهما. ثم رأينا مصائر الحل السوداني في الفترة بين 1989 و2019، فضلاً عمّا جرى في أفغانستان وإيران، مما لا يخفى على اللبيب وما جرى كذلك في الجزائر خلال العشرية الدموية، مما لا يخفى على اللبيب
حشر الحياة في عباءة الاقتصاد عند الماركسيين، مثل ربط القوميين للتنمية بالوحدة العربية، وربط الإسلاميين للنهضة بالعودة إلى الدين الحنيف، كلها تصريفات آيديولوجية، بمعنى أنها تنطوي على إغفالٍ للوقائع القائمة وإلغاءٍ لدور العلم الوصفي والتفسيري، وإحالة الواقع بقضه وقضيضه إلى صندوق المحفوظات. في هذا الصندوق لا توجد حلول، بل قوالب وعباءات قادرة على تأطير كل شيء وتغطية كل شيء، لكنها ليست قادرة على علاج شيء.
المشكلة في كيف نحترم هذا الدين ونطبقه على الوجه الصحيح على أنفسنا أولًا في تعاملنا ومعاملاتنا؟ وكيف نقدم صورة أخرى للعالم عنه وعنا غير صورة بن لادن والظواهري والزرقاوي والبغدادي والقرشي والقاعدة وداعش وحركة الشباب وبوكو حرام وغيرها من تنظيمات وجماعات التشدد والتطرف والإرهاب.
كيف نقدم صورة مغايرة لصور الاستبداد والقمع والحروب الأهلية والدماء والفقر والمجاعات والتشرد والتهجير والفساد في البلدان العربية والإسلامية، وأن نتوقف عن الحديث في فكرة المؤامرة الخارجية علينا، فنحن المتآمرون على أنفسنا، وهذا العنف والتخلف والجهل ينبع من بيئاتنا لأسباب سياسية اقتصادية اجتماعية فكرية ثقافية تراثية.
مهما تآزر تيار الهدم تحت عنوان التجديد والعقلانية، فلن يحرك وتدًا في الدين من مكانه.
والآخر الأجنبي خاض معارك شرسة فكرية وثقافية وتشكيكية وعسكرية ضد المسلمين في بلادهم خلال تاريخ طويل، ومع هذا لم ينكسر الإسلام، الذي ينكسر هم المسلمون، فقد صارت شعوبه الكثيرة والكبيرة مجرد كثافة عددية بلا أثر أو تأثير في حركة العالم وصناعة الحضارة.
سؤال الحقيقة: هل نحن المسلمون نرغب في الخروج من التخلف القاتل إلى التحضر المشرق أم لا؟ وهل نريد أنوار الحرية، أم نبقى في ظلمات الجهل، بعيدًا عن تُرّهات القمني ومن يشبهه؟
بالفعل، نحن بحاجة ماسة إلى تجديد حقيقي يقوم بغربلة التراث والنهج والفكر والممارسات والتفسيرات والمنتج البشري التاريخي، وليس التشكيك في الدين والعقيدة والمقدسات والثوابت والسماء وكل ما أفاضت به على الأرض من وحي وخير وسلام للبشرية.
علاج المشكلات كلها، صغيرها وكبيرها، يبدأ بفهم الواقع واستعمال العلم في تفسيره والبحث عن علاجاته. وقد رأينا أن أولى مشكلاتنا، بل ربما أخطرها، هي هذه الثقافة الكسيحة، التي تميل بشدة للتفسيرات الجاهزة والمعلبة، بدل التفكير المتأني واستعمال مناهج العلم في فهم الواقع ومالاته وعلاجاته.
وفشلنا حتى في تحليل فشلنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التحرر من الادلجة يحرر الثقافة
د. لبيب سلطان ( 2023 / 1 / 31 - 05:00 )
سيدي الكاتب
استمتعت بقراءة مقالتكم وطريقة فهمي لما طرحتموه هي دعوة لتحرير العقل العربي من الادلجة التي كلسته وجعلته محبوسا في قفص مقولاتها ( ماركسية اقتصادية، دينية ، قومية مفتعلة ) بدلا من الابداع في اكتشاف الواقع ومنه اسس ثقافافاتنا الوطنية وتطويرها كجامع اجتماعي يخلق قيما
ثقافية عامة لدى المجتمع تعزز انتمائه ووحدته وتطور مستقبله
ارجو ان يكون فهمي صحيحا
أشد على ايديكم في كتابات اكثر
مع افضل التحيات

اخر الافلام

.. هاجمه كلب بوليسي.. اعتقال فلسطيني في الضفة الغربية


.. تغطية خاصة | الفيتو الأميركي يُسقط مشروع قرار لمنح فلسطين ال




.. مشاهد لاقتحام قوات الاحتلال نابلس وتنفيذها حملة اعتقالات بال


.. شهادة فلسطيني حول تعذيب جنود الاحتلال له وأصدقائه في بيت حان




.. فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي