الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدور كتاب إشكالات الواقع اليمني: الثورة الشعبية والحرب، الهوية الوطنية وبناء الدولة للباحث عيبان محمد السامعي

عيبان محمد السامعي

2023 / 1 / 30
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


صدر كتاب:

"إشكالات الواقع اليمني..
الثورة الشعبية والحرب،
الهوية الوطنية وبناء الدولة"

عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر بالقاهرة.

يقع الكتاب في 557 صفحة، وهو متاح حالياً في معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي انطلق في 25 يناير 2023.
يتناول الكتاب قضايا وطنية راهنية؛ قضايا الثورة الشعبية والحوار الوطني والحرب وأزمة الهوية الوطنية وبناء الدولة، كما يلقي الكتاب بأضواء على الطبقة العاملة اليمنية وحركتها النقابية، وقضايا المرأة والشباب.


وفيما يلي نص التقديم الذي كتبه الأستاذ عبدالباري طاهر نقيب الصحافيين الأسبق للكتاب..



تقديم الكتاب (*)

الأستاذ عبدالباري طاهر (**)




يشتمل كتاب (إشكالات الواقع اليمني: الثورة الشعبية والحرب، الهوية الوطنية وبناء الدولة)، للباحث الأستاذ عيبان محمد السامعي… على مباحث مهمة تتعلق بثورة الشباب في فبراير: الحدث، والدلالة. والاقتصاد السياسي للثورة، ومنظور الثورة للثقافة. ويكرس الفصل الثاني للحوار الوطني، وبناء الدولة، ويقرأ في الثالث الهويات الفرعية، ويدرس في الفصل الرابع الحرب، وجرائم الاغتيال، والسيادة الوطنية، ومقولة: السياسة استمرار للحرب، ويتناول في الخامس تاريخ الحركة الوطنية، ويدرس جانبًا كبيرًا من البحث لقضية المرأة والشباب في الفصل السادس. وتكون فاتحة الكتاب:

يمانيون قبل أن يتمادي… في غباءٍ شوافعٌ وزيودُ

يمني أنا وأنت يمان… رعتنا سهولها والنجود

والبيتان من قصيدة طويلة للشاعر الكبير يوسف الشحاري.

قرأت قبلاً بعض مباحث الكتاب، ولكن عند قراءة الكتاب شعرت بخجل شديد لتقديم بحوث علمية غاية في عمق التحليل، ومنهجية البحث، ونفاذ الرؤية واستشرافها؛ فأدواتي القرائية والمعرفية تفيد من مباحث بهذا المستوى العلمي أكثر من القدرة على الإفادة.

المؤلف باحث يتقن أدوات البحث، ويمتلك المنهج العلمي، ويدرك قوانين وطبيعة الصراع الاجتماعي، ويميز ما بين طبيعة تركيبة، وبيئة المجتمعات الصناعية الأوروبية، وطبيعة المجتمعات الزراعية فيما اصطلح على تسميته “العالم الثالث”، ويتمتع الباحث بسعة الاطلاع الثقافي، وعمق المعرفة.

في المقدمة يشير إلى المرحلة الدقيقة والحساسة من تاريخ الوطن الذي كتبت فيه الأبحاث تحت نير حرب أهلية إقليمية مزدوجة منذ ثمان سنوات، مؤكدًا على التحول والتغيير، وعلى المضي للأمام رغم النكوص والتراجع، داعيًا إلى البحث والتغيير كبديل لليأس في مواجهة حال البلدان العربية واليمن. وتكون المقدمة مدخلاً للكتاب بفصوله السبعة.

تمثل قضية المرأة، وثورة الشباب 11 فبراير الجزء الأكبر، والمتن الأساس للكتاب. والفصل الأول مكرس لــ 11 فبراير: الحدث، والمآل. فعنده لحظة الثورة لحظة الحقيقة، وتجاوز مظاهر اليأس والعجز والسلبية في تغيير مكثف يكشف عن أشواق الجماهير. ويرى أن سياسات الحكم قسمت المجتمع إلى قسمين: طبقة مسيطرة، وطبقات شعبية. الأولى: لا تتجاوز الــ 5%، لا تنتج شيئًا، وتسيطر على كل شيء، وتأخد كل شيء، والثانية: تنتج كل شيء، ولا تأخذ شيئًا، فالثورة نداء الشعب نحو الحرية.

يدرس فساد نظام صالح، ويسرد المظاهرات التي اجتاحت مدن اليمن، ويقرأ الشعار الرائس: “الشعب يريد إسقاط النظام”، ويقرأ مشاركة مختلف فئات الشعب والقوى السياسية في الثورة. الثورة في قراءته ليست أماني مختزنة، أو أحلام طوباوية، بل عملية اجتماعية تاريخية تجتر النضال، وتمتلك البديل الثوري، متناولاً اختراق النظام لشباب الثورة، واختزال المطالب في تنحية صالح، كإعادة لما قام به أسلافهم في حصر مبادئ وأهداف سبتمبر في مطلب إبعاد بيت حميد الدين في الثورة السبتمبرية.


ويتناول الأزمة الناجمة عن المبادرة الخليجية. والحقيقة أن اختراق السلطة، ومعارضتها الآتية منها، والمبادرة الخليجية هما حقيقة الثورة المضادة.

يدرس الباحث الاقتصاد السياسي للثورة الشبابية؛ آتيًا على دراسة الأوضاع الاقتصادية، وتصنيف المنظمات الدولية لليمن كواحدة من أكثر البلدان فسادًا. والدراسة – فيما قرأت – أول بحث علمي يتسم بالعمق والشمول للوضع اليمني قبل الثورة، معززًا بالأرقام، وبمنهج علمي يدرس أوضاع المحافظات، ومظاهر الفساد في السلطة، والأزمة البنيوية، ونهج الباب المفتوح، وقبول اشتراطات البنك الدولي والصندوق، ويصنف الفئات الطفيلية ورموزها، منتقدًا حرية السوق، والانسحاب من المجال الاجتماعي؛ مما عمق الفوارق الطبقية.


يربط الباحث الفقر الشامل بعوامل عديدة، ويتناول الاغتراب كحالة من حالات عجز الإنسان، ويدرس الثقافة من منظور ثورة فبراير الشعبية، فيربط نشأة الثقافة بالزراعة، ويتعمق في قراءة مفهوم الثقافة في التعريفات الكاثرة، ويدلل تتبعه على عمق معرفته واهتمامه بالثقافة بدلالاتها وأبعادها المختلفة. ويأتي على علاقة الثقافة بالصراع السياسي، وهو ما يقوم به أيضًا المفكر ياسين الحاج صالح في كتابه “الثقافة كسياسة”. ويتساءل: الثقافة والثورة أية علاقة؟ رابطًا بين عفوية الثورة، وتفجرها الاجتماعي، والوعي، فالثقافة والسياسة متلازمان تلازم الروح والجسد.

يدين تجريف النظام منظومة التعليم، وإلغاءه منظومة الثقافة، والدأب على تدجين المثقف، والسيطرة على المجتمع، واستلاب وعيه، ويشير – محقًّا – أن كل الناس مثقفون. مفردة الثقافة في اللغة العربية، وفي العديد من اللغات الحية لصيقة بالعمل. ثقف السيف: صقله، وثقف الأرض: فلحها، وثقف الفرس: روضه. وتثقف: تهذب، فجذرها الأساس الفعل.


قرأ الباحث صور المثقف وأدواره، فالأنتلجسيا – كما يرى – ليسوا كتلة واحدة، ولكل طبقة مثقفوها. يدرس إدوارد سعيد في كتابه “صور المثقف” ألوان الطيف المجتمعي للثقافة، والصور الكاثرة للمثقف وعلاقته بما حوله. ويقرأ الباحث مثقف السلطة، وصورة الانتهازي والشعبوي، كما يدرس الأساطير الثقافية والاستشراقية.

يقيم الباحث دور الأحزاب من واقع تجربة الثورة، واستشراف الثورة الثقافية، داعيًا إلى إعادة بناء الثقافة الوطنية.

يدرس الحوار الوطني، وبناء الدولة في الفصل الثاني، متبنيًا خيار الفيدرالية – خيار غالبية الشعب.. وميزة الباحث استقراء آراء المواطنين في العديد من القضايا، ومنها خيار الفدرالية. يدرس بتوسع وعميقًا مفهوم الفدرالية، والمفاهيم المرتبطة به، وطرائق النشأة بأشكالها المختلفة ونماذجها العديدة، وسيرورة التطور في اليمن، آتيًا على قراءتها في اليمن القديم والعصر الوسيط، وصولاً إلى الحديث والمعاصر. والمبحث تأصيل مهم للفدرالية اليمنية. وحقًّا، فقد أدرك الباحث بنافذ بصيرة أساس تكوّن الدولة، والحضارة اليمنية التي تأسست على تشارك اليمنيين كجهات وقبائل، ومكونات اجتماعية في بناء الدولة. ويدرس مدى احتياج اليمن إلى الفدرالية، وتجربة الدولة البسيطة في اليمن في المستويات المختلفة الاجتماعية الاقتصادية السياسية، ويقرأ مدى قدرة الفدرالية على حل المشكلات الراهنة، ويتناول الفدرالية في وثيقة مخرجات الحوار الوطني، ومسودة دستور اليمن الاتحادي، ويدرس إشكالية الأقاليم، والمواقف المختلفة، ومواقف المكونات إزاءها، آتيًا على الاستنتاجات والتوصيات.

إشكالية الدولة والمجتمع في اليمن

لعل المبحث الأهم دراسة الباحث إشكالية الدولة في اليمن، وأسلوب توزيع الثروة، وتعثر بناء الدولة، فهو يرى بإدراك وعمق تحليل أنه “لم يتبلور بعد بما يضمنه من حتمية وجود كيان سياسي مؤسساتي قانوني قوي يحتكر أدوات القوة، ويستند إلى شرعية شعبية، وحالة الرضا العام”.

هذه الرؤية الثاقبة القائمة على معرفة معنى الدولة في تعريفها العلمي وقراءتها في واقع سلطة المتوكلية اليمنية، والإدارة البريطانية في المستعمرة عدن والسلطنات تؤكد ما ذهب إليه الباحث، والأخطر أن ذلك هو ما يفسر التعثر القائم حتى اليوم في بناء الدولة بالمفهوم العلمي، فالجهة والطائفة والقبيلة في اليمن كانت ولا تزال هي الأجلى. والغريب الحديث عن دولة عميقة في اليمن، ويربط الباحث بهذه العصبيات المقيتة إيغال منظومة الحكم في استخدام الحروب كوظيفة اقتصادية وسياسية.


يتناول الانتقال التاريخي، والبعد الدستوري، والبناء الهيكلي والوظيفي، والبعد الديمقراطي والقانوني، والبعد الاقتصادي والاجتماعي، ويدرس أسس بناء الدولة المدنية الديمقراطية في وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل.

في الفصل الثالث: يقرأ أزمة الهويات الوطنية، وانبعاث الهويات الفرعية في أربعة عناوين: هل ستفلت اليمن من القبضة الطائفية؟ تعز بين الدعوات الجهوية، وأزمة الهوية الوطنية؟ بلقنة اجتماعية أم متحد وطني؟ في خطأ القول بالهاشمية السياسية. تعليق عابر حول القومية اليمنية.

ويطرح لغز أبي الهول: هل ستنفلت اليمن من القبضة الطائفية؟ يدرس وضع المنطقة العربية الواقعة بين رحى الأزمات السياسية، والانقسامات الأهلية بما يدفعها للمستنقع الطائفي، ويتساءل: هل تدفع اليمن إلى الطائفية؟ ويتساءل: ما مفهوم الطائفية؟ وكيف تتشكل؟ وبأي شروط وظروف تتحقق؟ وما أسبابها وعوامل تفجرها؟ وهل هي حالة أصيلة، أم سابقة على التنظيم الاجتماعي، أم ناتجة عنه؟ ما صلة الماضي بها؟ وما شكل علاقاتها بالحاضر؟ وهل هي حالة ثقافية دينية، أم أنها أشمل من ذلك؟ والأسئلة والإجابات شاهد عمق البحث، وجدية الباحث.


ويتفجع وهو يقرأ توريط تعز للدخول في سوق منافسة الجهويات، ويتساءل: بلقنة اجتماعية أم متحد وطني؟ ويدرس مفهوم الهوية كقيمة موضوعية خاضعة لشروط التطور الاجتماعي، فهي – كما ينقل عن محمود أمين العالم – مشروع متطور مفتوح على المستقبل، داعيًا إلى إعادة بناء الهوية الوطنية، وهناك سيل جارف من الكتابات الطائفية والسلالية، أو المتقمصة لبوس الوطنية، في حين تستبطن العمق الطوائفي والسلالي.

يدرس خطأ مصطلح الهاشمية السياسية. يقوس بحذر شديد على الهاشمية والهاشميين، فالأنساب في رأي الدين حاسم، وهي لا تصمد أمام معيار التقوى في القرآن، وفي الحديث: كلكم لآدم وآدم من تراب، ووهم كقراءة ابن خلدون. النسبة للأم قطعية، وللأب ظنية في الفقه الإسلامي، والديانة التوراتية. المرء مصدق في نسبه، ولكن الخطيئة وأبشع خطيئة العنصرية، والتمييز القائم على الأعراق أو الأجناس أو الألوان أو الاصطفاء، أو أن يكون الحاكم نائبًا عن الله، أو ظلاً له.

أخطر ما درسه الباحث التدمير الأخلاق والمعنوي للحرب في رؤية اليمن لنفسه من خلال الهويات القزمية أو القاتلة، كما يسميها أمين معلوف. يقرأ الباحث فريقي القول بـ”الهاشمية السياسية”. يركز القراءة على مستخدمي المصطلح بوعي؛ لأغراض ليست بريئة.

إن الهاشميين – كما يشير الباحث – من المنظور السوسيولوجي لا يشكلون فئة شريحة اجتماعية واحدة ومنسجمة. وحقًّا، فقد رفض الفقهاء من مذاهب مختلفة، ومنهم ابن خلدون في “المقدمة” مصطلح فقه آل البيت؛ باعتبار هؤلاء موزعين على المذاهب المختلفة، وليسوا شيئًا واحدًا، وهم موزعون على الخارطات الطبقية في عدة دول، ولكن السؤال أيضًا من أين أتى المصطلح؟

الصهيونية جعلت من اليهود الموزعين في شتى بقاع الأرض أمة واحدة، وشعبًا واحدًا، ورغم خرافية الفكرة إلا أن تحالف الإمبريالية والصهيونية خلق من الخرافة دولة إسرائيل. مفردة الهاشمية آتية من القرشية، وصراع فرعي عبد مناف وعبد شمس، والقرشية التي حكمت عدة قرون آتية هي الأخرى من مضارب عدنان وقحطان، وهما إخوان، أو خرافتان. المفكر الفلسطيني أنيس الصايغ – رئيس مركز دراسات فلسطينية يدرس موقف الحكام الهاشميين في العراق وسوريا والأردن من قضية فلسطين، كما يدرس موقفهم من الثورة العربية الكبرى، ويدرس الباحث سيد محمود القمني صراع الحزب الهاشمي في مرحلة الصراع الباكر لأحفاد قصي بن كلاب، أما الرسول الكريم، فقد اعتبر العصبية منتنة، وكتيب كارل ماركس “المسألة اليهودية” كشف علمي لتأله رأس المال في المسألة.

ويناقش الباحث المواقف المختلفة للهاشميين إزاء الحكم، ومن التعسف اختزال الصراع اليمني في منطقة، أو لحظة، أو جماعة. يخلص الباحث إلى أن المصطلح مخاتل، ويفضي إلى بناء مواقف خاطئة.

وينتقد الدعاوى القومية اليمنية الزائفة. والواقع أن دعاة الحرب ومموليها هم من يتبنى مثل هذه الدعاوى.

يدرس في الفصل الرابع الحرب وتداعياتها الجهنمية. يفكك ظاهرة جريمة الاغتيال السياسي. ميزة الباحث المقدرة على دراسة المفاهيم والمصطلحات دراسة علمية بعيدًا عن الانشداد للماضي، أو الهوس بإغراءات المكنة الإعلامية الاستعمارية، ويفضح المفاهيم والمصطلحات الزائفة.

يدرس معنى الأيديولوجيا والدوغما، مميزًا ما بين الوعي الصادق، والوعي المفارق. يقدم العصر ثلاثة نماذج للمصطلح: النموذج السلفي، وكتاب المصطلحات الأربعة للمودودي. المصطلحات الأربعة هي: الإله، الرب، العبادة، الإيمان – هو المرجعية لكتاب “معالم على الطريق،” لسيد قطب، و”جاهلية القرن العشرين”، لمحمد قطب. ومن اصطلاحات هذه الكتب توالدت عشرات التيارات التكفيرية. مأزق السلفي الوقوف عند الحقيقة الشرعية، ورفض أي تطور.

والنموذج الثاني: ما دونه علماء الكلام، ومختلف فروع المعرفة والعلم، وأما الثالث: فمما تقذفه المكنة الإعلامية الاستعمارية في كل لحظة: الشرق الأوسط، صراع الحضارات، نهاية التاريخ، والجنوب العربي والأقاليم الستة.

يتناول مسالة السيادة الوطنية في السياق اليمني الراهن دراسة تحليلية نقدية، ويدرس الإطار المفاهيمي: مفهوم السيادة الوطنية، وتحولاته، العولمة، وانحسار السيادة.

ويدرس الأطماع الخارجية، وأدوار الفاعلين الإقليميين والدوليين، كما يدرس التبعية والارتهان للخارج، ويحدد الفاعلين: إيران، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، وقطر، والكويت، ومصر، وتركيا، والولايات المتحدة، وإسرائيل، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا.

يدرس ويتتبع علاقات هؤلاء الفاعلين سلبًا وإيجابًا باليمن بدقة وموضوعية، ورصد علاقات هذه الدول باليمن. يساعد على رؤية وقراءة الأحداث في اليمن. والصراع والتطورات العامة في اليمن ليست معزولة عن التأثير الخارجي. ويقينًا، فإن ضعف البنية الداخلية وهشاشتها يجعلها أكثر قابلية للاستعمار كقراءة المفكر الإسلامي ابن نبي، شأن الصراع الداخلي أو الاستبداد كرؤية ابن خلدون والبردوني والسقاف.

الفصل الخامس: يدرس تاريخ الحركة الوطنية، والطبقة العاملة، وفتيات عدن في مواجهة الاستعمار، وعن الثلاثة الكبار عبدالله وعلي وأبو بكر باذيب، وهي دراسة وتوثيق مهم وإنصاف لثلاثة من أهم قيادات اليسار كانوا المداميك الأساسية في الحركة الوطنية، والتنوير والتحديث.

المدخل النظري: جدل الطبقات، والطبقة العاملة في البلدان النامية، ومنها اليمن تمثل حالة اجتهاد سياسي، ورؤية فكرية تتخفف من حمولة بعض مظاهر المركزية الأوربية كرؤية الدكتور أبو بكر السقاف، ودراسة المفكر المصري أحمد صادق سعد، وإلياس مرقص اللذين لا يرون حتمية المراحل الخمس، ويلحظون ميوعة وتداخل الطبقات والحدود في المجتمعات الزراعية، شأن رسائل ماركس وانجلز.

يشير الباحث إلى خطأ وقع فيه الاتحاد العام لعمال اليمن: استبعاد نقابة الصيقل، واسمها الحقيقي “النقابة العامة للعمال”، وكان أعضاء من حزب اتحاد الشعب في قيادتها عبدالله الصيقل، ومحمد مثنى، والشاعر أبو القصب الشلال، وعبده حبيلي وآخرين، وكانت صحيفة الأمل تتابع نشاطها، ودفاع أعضائها عن المطالب العمالية في الحديدة.

جرى التحاور مع عبده محمد البيضاني، العضو المكلف من قِبل الاتحاد، وكنت أمثّل النقابة، وهو ما حصل أيضًا في لقاءات متكررة مع الأستاذ عبده سلام الدبعي أثناء الاحتفاء في الحديدة، ولكن تسارع أحداث القمع، وربما اتساع عضوية ونشاط الاتحاد العام قد حال دون تحقيق الاندماج.

دراسة الباحث عن الطبقة العاملة هي الأوسع والأشمل. دراسة الجاوي تناولت الصحافة العمالية النقابية، ودرس النقابي العمالي عبدالله مرشد تاريخ الحركة النقابية في مرحلة زمنية معينة، أما مبحث الأستاذ عيبان، فيغطي كفاح الطبقة العاملة في المراحل الممتدة منذ التأسيس منتصف خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم، وفي مختلف مدن اليمن، والأهم دراسة القمع، وفداحة الظلم، والتشريعات الجائرة، والملمح الأهم دراسات التشريعات.

يدرس الدستور، وتعديلاته، والمواد المتعلقة بالعمال، وتنظيم علاقة العمل، آتيًا على الثغرات، وأوجه القصور في المواد الدستورية، وأخطر ما كشف عنه الباحث في المادتين 24، حيث استخدم لفظ المواطنين، وأهمل لفظ المواطنات. أما المادة الثانية 29، فتنص: “وينظم القانون العمل النقابي والمهني، والعلاقة بين العمال، وأصحاب العمل”. يضيف الباحث: لقد مثلت الإحالة إلى القانون إحدى الآليات التي يتم عبرها إفراغ مضامين الدستور، وتقيّد الحريات والحقوق، حيث يستغل المشرع عمومية النص، وانعدام وجود ضمانات ومحددات في الدستور.

ملاحظة الباحث غاية في الأهمية والذكاء، وغاية في الدهاء والمكر من المشرع. والواقع أن هذه المشكلة عامة في الصياغة الدستورية، فما يعطيه الدستور باليمين، يأخذه القانون باليسار، وأحيانًا تجهز اللوائح التنفيذية، وفساد القضاء على ما تبقى.

يقرأ في المادة 42 من دستور دولة الوحدة: لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتكفل الدولة حرية الفكر، والإعراب عن الرأي بالقول، والكتابة، والتصوير في حدود القانون. فالتقيد بحرية القانون في هذه الجملة الخبرية المكونة من ثلاث كلمات قد نجم عنها وترتب عليها قانون 25 لسنة 1991، وتحديدًا الباب الخامس من قانون الصحافة: محظورات النشر، والأحكام الجزائية. وهذه المحظورات، على كثرتها وشموليتها، تجعل حرية الرأي والتعبير محظورة، كقراءة مائزة للمحامي أحمد الوادعي، وكانت مشكلة الصحفيين والأدباء والكتاب في عموم اليمن، كذلكم الترخيص المسبق، ووقف الصحفيون ضد المحظورات، والترخيص المسبق داعين للاكتفاء بالإبلاغ عن تأسيس الحزب أو النقابة أو الصحيفة كما كان الحال في المستعمرة عدن.

المبحث الأول: دراسة متقصية وموضوعية للمسار العمالي، ويدرس مختلف جوانب هذه الطبقة في طول اليمن وعرضها لما يزيد عن ثلثي قرن، داعيًا في نهاية البحث الحزب الاشتراكي لإجراء مراجعة فكرية نقدية تستند إلى دراسات علمية لواقع تحولات البنى الاجتماعية والاقتصادية، ومن ثم تحديد طبيعة المهام والآليات الملائمة للعمل في أوساط الطبقة العاملة وسائر الكادحين.

وعن دور المرأة يدرس الباحث أدوار فتيات عدن في مواجهة الاستعمار، فيرى أن المتتبع لمسار النضال التحرري ضد الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن 1839 – 1967 سيلحظ تعدد الأدوار البطولية التي اضطلعت بها الحركة النسائية اليمنية بمختلف تياراتها منذ مطلع خمسينيات القرن الفارط.

يدرس العوامل الاجتماعية والتاريخية لنشوء الحركة النسائية: انتشار التعليم الحديث، ظهور الأحزاب السياسية والنوادي والجمعيات، ويتناول الأحزاب السياسية: الجمعية العدنية، ورابطة أبناء الجنوب العربي، والجبهة الوطنية المتحدة، والاتحاد الشعبي الديمقراطي، وحزب الشعب الاشتراكي، والجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل.

كما يدرس نشأة النقابات العمالية، والصحافة العدنية، وتأثيراتها التنويرية والثورية، وسياسات الاستعمار القمعية، وتزايد الغليان الاجتماعي، كما يدرس التأثيرات الناجمة عن المد القومي والثوري في المنطقة والعالم.

يدرس تطور الحركة النسائية واليمنية شكلاً ومضمونًا. يتناول أهم التنظيمات النسائية: نادي نساء عدن، جمعية المرأة العدنية، جمعية المرأة العربية، القطاع النسائي التابع للاتحاد الشعبي الديمقراطي، الرابطة النسائية التابعة للجبهة القومية، القطاع النسائي التابع لجبهة التحرير.

ويدرس الأدوار الثورية للحركة النسائية اليمنية: النشاط السياسي والنقابي، تنظيم المظاهرات والاعتصامات والإضرابات، النشاط في صفوف النقابات العمالية والطلابية، دعم ثورة 26 سبتمبر الخالدة، المشاركة في الكفاح المسلح.

ويأتي على سيرة الثلاثة الكبار: عبدالله، وعلي، وأبو بكر باذيب، وللثلاثة الكبار أدوار ريادية ومشهودة في التأسيس لليسار التقدمي، فالمفكر الكبير عبدالله عبدالرزاق هو الرائد للاشتراكية العلمية، ولعلي دور في غرس الوعي السياسي الديمقراطي، وكتابه “لماذا الجبهة الوطنية؟”، ودوره الريادي في القصة القصيرة الحديثة “ممنوع الدخول”، والأستاذ أبو بكر هو من الآباء التربويين، ومن القيادات المؤسسة للتعليم الحديث والترجمة، وللثلاثة الكبار حقًّا، كوصف الباحث عيبان، دور ريادي في التنوير والتحديث، والتأسيس للصحافة والحريات، والمقاومة الوطنية.

يكرس الفصل السادس لقضايا المرأة، والشباب. يدرس المرأة اليمنية: التحدي، والاستجابة، الأبعاد الاجتماعية للاشتراطات المقيدة لحصول المرأة اليمنية على جواز السفر، التمكين الاقتصادي للمرأة في تعزيز مشاركتها في مواقع صنع القرار خلال الفترة 2011 – مدينة تعز أنموذجًا.

دسترة حقوق المرأة في وثيقة مخرجات الحوار الشامل.
الشباب في سياق الثورة والتحول الديمقراطي.
الأبوية السياسية وأزمة الأحزاب السياسية.

يواصل الباحث دراسة قضايا المرأة، والاضطهاد، والانتقاص والقمع الذي تعيشه المرأة، ومعارك التنوير، ودعوات تحرير المرأة منذ القرن الماضي في مصر على يد الداعية قاسم أمين، ووضعية النظام الأبوي. يربط عميقًا ما بين الانحطاط السياسي، ولجوء النظام الرسمي إلى فرض قوانين تعسفية.

يقف إزاء العنف ضد النساء في اليمن كعنف مقنن ومنظم.
يقدم عينة أو أنموذجًا من الأمثال الشعبية المهينة والمميزة ضد المرأة. وللدكتور سلطان الصريمي مبحث مهم يدون ويدرس فيه الأمثال الشعبية ضد المرأة، ويخلص الباحث إلى أن قضية المرأة قضية المجتمع ككل.
يدرس صعوبة حصول المرأة على جواز سفر، ويأتي على التراجع في التشريع عن المساواة، كما في دستور دولة الوحدة، والتعديل الجائر والرافض للمساواة بصيغ إنشائية تعني إلغاء المساواة.
يدرس دور التمكين الاقتصادي للمرأة في تعزيز مشاركتها في مواقع صنع القرار خلال الفترة 2011 إلى 2021، ومدنية تعز هي الأنموذج.
يأتي على قراءة الدراسات السابقة على مبحثه، كما يدرس مفهوم التمكين، ويدرس دسترة حقوق المرأة في وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل، كما يتناول الأبوية السياسية، وأزمة الأحزاب السياسية اليمنية.


دراساته شاهدًة على مقدرة الباحث، ومدى تمكنه عميقًا في الحفر في المصطلحات والمفاهيم والمقولات السائدة. مقولة الحرب امتداد للسياسة تطغى على التفكير كمسلّمة من المسلمات التي يلوكها اليمين واليسار. ذكاء الباحث، ومقدرته العلمية كشفا له نقطة الضعف في هذه المقولة، وهشاشة موضوعيتها، وغياب صدق دلالتها.

التحية للذائقة النقدية التي يسميها بليخانوف نقد النقد. وتجدر الإشادة بحفر الباحث عميقًا في النص وتفكيكه، وكشف عرى الالتباس، ونقاط الضعف في المقولة السائرة مسيرة الأمثال والمسلم بها حد البداهة.


الكتاب جهد علمي رفيع، وأدب سياسي راقٍ ومعرفة هي القوة، حسب الفيلسوف بيكون، ويجيء الكتاب البحثي المهم في ظل غياب الأحزاب السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني، ودور الجامعات ومراكز البحث.


* تنويه: تم تعديل عنوان الكتاب، إذ كان العنوان السابق (تحولات المجتمع والسياسة في اليمن المعاصر) وقد كتب الأستاذ عبدالباري طاهر عن هذا العنوان، غير أن جرى تغيير العنوان قبيل ذهاب مسودة الكتاب إلى المطبعة إلى (إشكالات الواقع اليمني: الثورة الشعبية والحرب، الهوية الوطنية وبناء الدولة)

** نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت