الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كي لا تتحول (خليجي 25) الى عملية تدجين للوعي !

عبدالله صالح
(Abdullah Salih)

2023 / 1 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


بداية أود القول بأن الهدف من وراء كتابة هذا المقال ليس الاستصغار أو التقليل من أو التشويه على البهجة والسرور والفرحة التي عمّت ارجاء العراق بعد فوز منتخبها لكرة القدم ببطولة خليجي 25 التي أقيمت في البصرة أوائل كانون الثاني 2023 واستمرت حتى 19 من الشهر نفسه، فعشاق هذه " الساحرة المستديرة "، وأنا منهم ، يعطون لأنفسهم الحق بالتعبير عن فرحتهم بما تحققه لهم كرة القدم من لحظة سعادة، خصوصا وان المشاركة في الفرحة لا تقتصر على فئة عمرية معينة أو جنس معين فالكل تجمعهم هذه البهجة، انهم تواقون لوحدة تجمعهم ، وها هي كرة القدم تحقق لهم ذلك ولو لفترة وجيزة، والسبب الآخر لا يكمن بـ " السحر " الذي تحمله هذه اللعبة كما يُقال، وانما الفرحة بالفوز و"الانتصار المعنوي"، خصوصا في دول ما يسمى بـ " العالم الثالث " ذلك الفوز الذي غاب أو غُيّب عنهم في شتى مجالات الحياة ! فيجد المواطن كرة القدم كتعويض له عن أشياء حُرم منها في حياته اليومية وكمتنفس تُنسيه همومه وتحقق له "العدالة" التي فقدها بمجرد انتصار الفريق الذي يشجعه وبالأخص منتخب بلاده!!
أما في العراق فأثر تعاقب الحكومات والسلطات البرجوازية الرجعية على تولي دفة الحكم، عملت على تكبيل المواطن بشتى الوسائل القهرية والقمعية كالتفقير والتوهين وتكميم الافواه أو الزج به في الحروب ثم السجون والمعتقلات والاعدامات، أو بالوسائل الناعمة كالرياضة، ولعبة كرة القدم في مقدمة تلك الوسائل، حيث أقدمت هذه الحكومات على استغلال الانتصارات الرياضية للتغطية على كل السلبيات الناجمة عن جبروت سلطتهم ومحاولة جعلها أمرا يوميا واقعا كي يعتاده الناس ويتقبلوه عن رضى!.
يقول الكاتب الفرنسي اتييان دو لا بواسييه في كتابه العبودية الطوعية :( 1)
((عندما يتعرض بلد ما لاستعمار وغزو واغتصاب وقمع طويل تنشأ أجيال من الناس لا تحتاج إلى الحرية وتتواءم مع الاستبداد والذل والعبودية. ويظهر فيه ما يمكن ان نسميه بـ" المواطن المستقر" ))
رغم تحفظي على بعض ما يقوله هذا الكاتب، إلا أن العبارة التي استوقفتني هي" المواطن المستقر " حيث يمكن للسلطات الحاكمة استخدام عشق الجمهور لكرة القدم، في خلق هذا" المواطن المستقر " لأنها ببساطة تلهيه عن قضاياه المصيرية ومشاكله الداخلية ، ولو لفترة وجيزة ، ثم يعود كل شيء كما كان. هذا بالإضافة الى الوسائل الأخرى كنشر الأفكار الدينية والاستسلام لها كونها "إرادة الخالق " ولا مرد لها ، أو عن طريق التفقير والتجويع وإجبار المواطن على الهرولة وراء لقمة العيش .
هذه البطولة لم تغّير في مدينة البصرة أية أوضاع اقتصادية واجتماعية وسياسية ، بل، وبالنسبة لسكان المدينة على وجه الخصوص وسكان العراق عامة ، يمكن القول بانها كانت شبه " مخدرٍ" جعلهم ينسون المعاناة التي رافقت حياتهم منذ عقود، خصوصا بعد تولي الحكومة الطائفية القومية مقاليد السلطة عام 2003، و تماشيا مع هذه الحقيقة وتأكيدا لها، يمكن طرح جملة من الاسئلة ومنها : هل ساهمت هذه البطولة في الحد من سطوة الميليشيات التابعة لهذه الجهة أو تلك؟ هل لَجمَت عشائرها التي تتقاتل بالأسلحة الثقيلة على أتفه الأسباب ثم تنهي صراعاتها و مشاكلها بعدد من النساء "كفصلية"!!؟ وهل وفروا الماء الصالح للشرب بدلا من المياه الملوثة؟ هل بنوا، لا بل عمروا مدرسة؟ هل أزالوا العشوائيات التي كانت تحيط بملعب (جذع النخلة) كي يُسكنوا أصحابها في مساكن لائقة، هل بنوا مستشفى يليق بهذه المدينة المعطاة !!؟ وهل .....
ان مدينة البصرة تعتبر أسوء نموذج للإدارة في العراق، فهي فاقدة لأبسط الخدمات الإنسانية، لذا فان هذه السلطة الطائفية الفاسدة لا تريد أن يخرج هذا المواطن من عالمه الضيق ويثور ضد "استقراره" المزيف بشتى الوسائل وتريد استغلال هذه المناسبة لتحقيق هذا المأرب!! ما نراه اليوم من فرحة على وجوه الجماهير بهذه المناسبة ، تحاول هذه السلطة ، وحتى رجال الدين ، سرقتها واستغلاها عن طريق استقبال اللاعبين والمدربين والاداريين واعطائهم الهدايا السخية من أموال سرقت منهم أصلا وها هم يعيدونها اليهم كمِنة وكهبات شخصية، وهنا لابد من الإشارة الى انه كان الأجدر والأولى بهذا المنتخب، أولا وقبل أية زيارة لاي مسؤول، أن يتوجه الى بيوت من ضحوا بحياتهم من أجل مشاهدة هذه المباريات وتشجيع هذا المنتخب وبالأخص ضحايا الحافلة التي كانت آتية من الناصرية لهذا الغرض وتقديم واجب العزاء والمواساة لهم! هذه الزيارات والولائم السخية ليست سوى ترقيعات مزيفة ومحاولة لإظهار صورٍ عن وطن لا ينقصه أي شيء سوى الظفر بالبطولات الرياضية .
وأخيرا لابد من الأشارة الى حقيقة لاتخفى على كل من يتابع أخبار كرة القدم في العالم، وهذه الحقيقة تظهر من خلال طرح السؤال التالي :
لماذا لاتولي الدول " المتقدمة" تلك الأهمية المبالغ فيها بهذه اللعبة، بل ينصب همها، بشكل أو بآخر، على توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها وتوفير نوع من العيش والحرية بحيث لا تُقارن بما هو موجود في البلدان المهتمة بمنتخباتها، ولا تهتم كثيرا بالفوز في البطولات مقارنة بالدول " الفقيرة " أو المحكومة من قبل الديكتاتوريات!؟ فالمنتخب الإنكليزي مثلا، والذي على أرضه تم اختراع لعبة كرة القدم مازال بعيدا عن جني الكؤوس العالمية ، الحديث هنا ليس عن النوادي التي تحولت الى مؤسسات رأسمالية تَدرْ بالملايين على أصحابها بل عن المنتخبات. اما الدول الاسكندنافية، فنظرة بسيطة الى موقع هذه الدول في سلم ترتيب "المنتخبات الوطنية" وحتى نواديها تؤيد حقيقة ما نقول .
1 - نص مقتبس من كتاب( العبودية الطوعية) للكاتب الفرنسي إيتيان دو لا بويسي – الناشر مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت الطبعة الأولى 2008
26 / 1 / 2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي