الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نتائج تحريض دعاة الرولكس

طارق الهوا

2023 / 1 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لماذا لم يُحرق المصحف في الغرب قبل خمسين سنة وأكثر؟
اجابة السؤال غير موجودة في هتافات التظاهرات الانفعالية التي حُرقت فيها أعلام دول، ولا في تهديد إردوغان، الانتهازي اللاعب على الحبلين الإسلاموي والأوروبي، : "إن السويد يجب ألا تتوقع دعم تركيا لملف عضويتها في حلف شمال الأطلسي، بعد احتجاج قرب السفارة التركية في ستوكهولم مطلع الأسبوع تخلله حرق نسخة من القرآن". تصريحه السياسي يتفق تماماً مع رمزية حرق المصحف السياسية وليست الدينية، فلم يحدث أن منع الغرب المسلمين من بناء مساجد أو ممارسة شعائرهم أو التبشير في أي دولة غربية.
اجابة السؤال تحتاج شحذ العقل المُغيَّب نتيجة التحصين والنهي عن استعماله، بسبب تحريض مستمر من دعاة الخمسين سنة الماضية أدى إلى غيبوبة جماعية سواء في بلادهم، أو في دول الغرب التي ذهب المسلم إليها مهاجراً من تخلّف بلده أو الحروب فيها، وتلقفه دعاة "صناعة التحريض" لأسباب سياسية وليست دينية لأستاذية العالم، من خلال تشجيعه على الغزو السكاني المتعاظم، وحشر المتأسلمين بقوة النفوذ أو المصالح الاقتصادية في مفاصل الدول الغربية التعليمية، ونجاحهم في وضع الشريعة في البنية التشريعية لبعض الدول، على أساس أن الاسلام دين له ثقافته وخصوصيته، وليس ديناً يسعى القيمون عليه اليوم، نظرا لضعفهم العسكري، لأستاذية العالم أولا ثم لحكمه في مرحلة لاحقة.
أصحاب "صناعة التحريض" الهادفة إلى انفصال المسلم عن الوطن الذي يعيش فيه في الغرب، يشبهون إلى حد كبير أصحاب "صناعة الحديث" التي ازدهرت في العصرين الأموي والعباسي، حتى يقف الإسلام الوليد على المستوى نفسه من الدينين السابقين، بعدما يتكىء على نفس أساليبهما في التنظيم والهيكلية والتدوين واللاهوت، ثم يستقل بنفسه بعيداً عنهما.
لكن الفرق أن محترفي "صناعة الحديث" عاشوا وماتوا على كفاف إحسان الخلفاء، بينما دعاة "صناعة التحريض" يعيشون ويموتون أصحاب ملايين ويحملون لقب "دعاة الرولكس"، بل رُفع بعضهم إلى مستوى العصمة من الخطأ تماماً مثل الله والأنبياء، رغم جهل بعضهم باعترافهم أنهم لم يقرأوا كتاباً آخر سوى المصحف.
استغل دعاة "صناعة التحريض" الحرية وتقبّل الغرب للآخر، وبنوا بنيتهم التحتية، وكانت بدايتها مساجد التحريض الديني وليس مساجد العبادة، مستغلين تلك الحرية.
وبلغت سطوة مساجد التحريض الديني حد تجاوز قانون الزوجة الواحدة في الغرب، فأصبح بعض المسلمين يتزوجون مواطنة بمجرد وصولهم إلى أي دولة غربية للحصول على الجنسية، وبعد ذلك يطلقوها في أغلب الاحيان للزواج قانونياً من فتاة مسلمة، ثم يتزوجون غيرها شرعياً في المسجد بعيدا عن سلطة الدولة المدنية، المُشركة كما يُلقن المسلم في خطب الجمعة، وهذه المرأة غير المتزوجة قانوناً يعتبرها الغرب "أماً عزباء" وتنال المساعدات لها ولأولادها، وهكذا تربي الدولة هؤلاء الاطفال ولا يتحمل مسؤوليتهم المالية أو التعليمة الوالد اللاعب على قوانين الدولة المُشركة وتسامحها، الذي يعتبره حماقة.
البنية التحتية للإسلام السياسي لا تبالي كثيرا بالفتاوى التي تمنع المسلم من السفر لدول أعجمية حتى لا يُفتن في دينه، لأن أستاذية العالم ثم حكمه تبرر تعريض هذه الفتاوى وتتجاهلها تماماً في خطب الجمعة.
ولأن أصحاب نظرية أستاذية العالم يدركون أنه ليس بالتبشير وحده ينتشر الدين، بل بتأثير المال والنفوذ السياسي وشراء الذمم، ينخرطون بفضل تمويلاتهم في دور العلم لنشر "ثقافتهم"، وفي النقابات والاحزاب السياسية ليكون لديهم قوة زرع الشريعة في البنية التشريعية للدول المدنية، كما في بريطانيا وكندا وغيرها، وحث الحكومات على سن قوانين ضد الاسلاموفوبيا، كما طالبت إلهان عمر في أميركا، أمّا في كندا فقد أصبح هناك وزارة ووزيرة للإسلامبوفوبيا بفضل ليبرالية رئيس الوزراء الكندي ترودو.
ساهمت البنية التحتية للإسلام السياسي في خلق الحالة الانفصالية المعنوية للمسلم عن البلد الذي يعيش فيه، من خلال تلقينه أنه يعيش في بلد مشرك حرام عليه الانتماء لثقافته أو مخالطة أهله أو مشاركتهم في أعيادهم أو مناسباتهم، وهو ما أعلن عنه الرئيس الفرنسي ماكرون صراحة "الإنفصال عن الجمهورية"، واعترض عليه إردوغان، لإثارة الشارع الاسلامي الذي يسمع بأعصابه التالفة بسبب ثقافة الازدحام، بمقاطعة الجبنة والمعلبات الفرنسية، لكنه لم يطرد فروع مصانع "رينو" الفرنسية للسيارات من تركيا!
بسبب هذا التلقين طُرد بعض "دعاة التحريض" من دول غربية. نحن أمام حالة سياسية كما هو واضح بدأت تنتبه إليها وتكافحها بعض الدول، مثل فرنسا والنمسا وألمانيا التي استفاقت بعد رحيل صديقة المهاجرين غير الشرعيين ميركل، وهذه الحالة السياسية الانفصالية بدأ يشعر بها المواطنون الغربيون في المدرسة والشارع والعمل والسكن والسوبرماركت والتمييز في الملابس التي لم يكن المسلمون يرتدوها منذ نصف قرن، ولاحظها الغربيون أيضا في الكراهية وعدم الانتماء التي يشعرون بها من معظم المسلمين.
ظاهرة "أستاذية العالم" إذا لم تعالجها دول الغرب، كما تعالجها دول الشرق الأوسط ذات الأغلبية المسلمة، ستزداد سوءاً وقد تشعل حرائق متنوعة في المستقبل.
الظاهرة عواقبها وخيمة لأن حكم الدين عنصري، ونظرة إلى الدول الاسلامية مثل أفغانستان وإيران وتركيا/إردوغان ودولة "حزب الله" في لبنان وآخر نسخة من الخلافة في العراق تؤكد هذا الأمر، وادعاء "دعاة التحريض" بأن حكم الاسلام أو الخلافة هو الأفضل مجرد كذبة سياسية كبيرة، يصدقها الذين يسمعون من "دعاة الرولكس" ولا يقرأون التاريخ، فأحفاد محمد نفسه ذبحهم خليفة مسلم ولم يذبحهم الصليبيون، وحروب ومكائد الخلفاء أدت إلى قتل الخليفة لأخيه أحيانا.
ثم أن زمن غزو شعب لشعب والاستيلاء على أرضه وأسر رجاله ونساءه انتهى، فما الذي يريد الأساتذة تحقيقه؟ ولماذا يتباكون دينياً عندما يضربون سياسياً، ألم يستعملوا الدين لأغراض سياسية؟
ليتحملوا كرجال!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف


.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية




.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك