الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن تزايد العمليات الفلسطينية الفردية

راتب شعبو

2023 / 1 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


تتزايد العمليات التي يقوم بها فلسطينيون أفراد ضد إسرائيليين بشتى السبل والإمكانيات الفردية المتاحة من السلاح الناري إلى السلاح الأبيض إلى الدهس. وتستهدف هذه العمليات إسرائيليين من الجيش أو الشرطة أو من المدنيين. من الواضح أنه، في المجمل، لا يوجد خط أحمر لدى المنفذين الفلسطينيين في استهدافاتهم. كان آخر هذه العمليات العملية التي نفذها طفل فلسطيني (13 سنة) بسلاح ناري، أوقعت جريحين إسرائيليين، بعد يوم واحد من عملية نفذها شاب فلسطيني بمسدس أوقعت ثمانية قتلى إسرائيليين وجرحت عدداً آخر. ينتهي المنفذ عادة مقتولاً بالرصاص الاسرائيلي، ما يجعل هذه العمليات شبيهة بعمليات انتحارية يدل تزايدها على أزمة إسرائيلية أكثر مما هي فلسطينية.
تشير هذه الظاهرة إلى الصعوبات التي تواجهها التشكيلات العنفية أو شبه العسكرية الفلسطينية المنظمة، في الوصول إلى العمق الإسرائيلي لتنفيذ عملياتها. هذا مما لا يصعب فهمه، وحتى توقعه، ذلك لأن هذه التشكيلات تجد نفسها مع الوقت أسيرة بنية عسكرية كلاسيكية تشبه الجيوش النظامية، وتخوض حروباً تشبه حرب الجيوش، وتجد نفسها، والحال هذه، عاجزة بالكامل عن مواجهة الجيش الإسرائيلي المتفوق بما لا يقاس، على كل المستويات. أي إن هذه التشكيلات تنجر أكثر فأكثر إلى الميدان الذي يتفوق فيه عدوها، ويصبح النصر الذي تتغنى به، هو مجرد بقائها على قيد الحياة، أي مجرد فشل الجيش الإسرائيلي في تحطيمها. كما أن التشكيلات العسكرية الفلسطينية تحتاج إلى دعم مالي وتقني كبير وتصبح، نتيجة ذلك، خاضعة لمصالح وسياسات الداعمين، ومعرضة للاختراقات الأمنية، هذا فضلاً عن مشاكل الصراعات البينية بين التشكيلات وما يترتب عليها من حسابات مستقلة عن، وأحياناً متعارضة مع مقاومة الاحتلال.
لا يهم أن تتبنى جهة سياسية أو عسكرية هذه العملية أو تلك من العمليات الفردية، المهم أن هذه العمليات لا تحتاج سوى إلى فرد يضع روحه على كفه مقابل أن يسبب الأذى للمعتدي، أي أذى كان. هؤلاء الأفراد يتزايدون، ومن المنطقي أن يتزايدوا في ظل التفوق الإسرائيلي الكاسح، والسياسات الإسرائيلية التمييزية التي تميل أكثر فأكثر إلى العنصرية الصريحة وتطرد الفلسطينيين أكثر فأكثر إلى الهامش.
المفارقة التي يمكن ملاحظتها أن التنظيمات شتت الشعب الفلسطيني ومهدت للصراعات الداخلية والانقسام، في حين تعبر العمليات الفردية التي بدأت تزداد منذ 2014، كما تقول التقارير، عن مقاومة قاعدية، هي مقاومة لا تتغذى بالسياسة بل بروح شعب مظلوم بظلم مستمر ومتفاقم.
يخطئ من يعتقد أن زيادة القمع وزيادة التحصينات يمكن أن تحل مشكلة هذا النوع من المقاومة الفردية. قد تجد هذه التسمية من يعترض عليها، ولكننا نسميها مقاومة لأنها تعبير عن رفض واحتجاج على الواقع الذي يفرضه العالم، وليس فقط إسرائيل، على الفلسطينيين، بازدراء للعقل والأخلاق والإنسانية، وعلى الضد أيضاً من القوانين الدولية. من غير الممكن لشعب أن يستسلم لظلم صريح وفاجر، طالما يمكنه أن يقاوم. حين تفشل السياسة (اتفاقات أوسلو) ويفشل التنسيق الأمني، وحين تفشل المقاومة المسلحة وتتحول بيئة المقاومة إلى صراعات سيطرة بين الفلسطينيين، سيجد الفلسطينيون، كشعب وكأفراد، وسائل بديلة، إن لم تكن هذه الوسائل قادرة على تحرير الأرض، فهي قادرة على تنغيص حياة المحتل.
لا يعني هذا أننا نرحب بقتل مدنيين إسرائيليين، إننا لا نرحب بهذا بأي شكل. على العكس من ذلك، إننا ندينه ونصدر في قولنا عن تضامن فعلي مع المدنيين في كل مكان، لأنهم عزل، وعن تضامن فعلي أيضاً مع العسكريين الواقعين ضحية سياسات إسرائيلية عدوانية ستجد، مهما سار بها الطريق، أن وجهها إلى الحائط.
لا يغيب عن الإسرائيليين، ولا شك، أن المشكلة الأصلية لإسرائيل هي في مجرد وجود الفلسطينيين، لأن مجرد وجودهم يطرح التحدي والسؤال على وجود إسرائيل الحالية كما هي عليه من توسع وتمييز. يفترض بنا أن لا نطابق بين إسرائيل الحالية أو الفعلية، أي التي تتمدد وتقيد حركة الفلسطينيين وأنشطتهم وتصادر أملاكهم وتهينهم على المعابر وتتحكم بحياتهم ... الخ، وبين إسرائيل كما هي في الأمم المتحدة، أو حتى كما هي قبل 1967 (رغم كل التجاوز الذي تم بين عام 1948 وعام 1967). ما يحاوله العدوانيون من الإسرائيليين هو المطابقة بين هاتين الاسرائيليتين، بين إسرائيل "الشرعية" كما هي في الأمم المتحدة، وإسرائيل الحالية التي تبتلع حقوق الفلسطينيين يومياً. والجسر الذي يريدونه أن يربط بينهما يقوم على دعامتين هما "الأمن القومي الإسرائيلي" و"محاربة الإرهاب". غير أن هذا الجسر، مهما جرى تعزيزه من القوى الكبرى في عالمنا، لا يمكنه أن يطابق بين إسرائيل هذه وتلك، إلا إذا تمكن العالم من إقناع الفلسطينيين بأن إسرائيل الحالية لم تستول على أراضيهم وتسلب حقوقهم التي يفترض أنها مصانة دولياً.
ولا حل لهذه المشكلة الأصلية إلا على الطريقة الأمريكية أو الاسترالية، أي إبادة السكان الأصليين. الإبادة فقط يمكن أن تكتم التحدي والسؤال. غير أن هذا غير ممكن واقعياً، وحتى لو أمكن، علي سبيل الافتراض، إبادة الفلسطينيين، فلهؤلاء امتداد عربي تصعب إبادته. هذه هي المعضلة العميقة التي يواجهها ويفاقمها المتطرفون الإسرائيليون الذين طالما عبروا عن مأزقهم هذا بالقول إن "العربي الجيد هو العربي الميت".
يخطئ من يعتقد أن التفوق العسكري لإسرائيل يمكن أن يحل هذه المشكلة الأصلية الكامنة. لا يمكن لإسرائيل أن تحصن نفسها من أمثال عدي التميمي وخيري علقم ومحمد عليوات، الطفل الذي هاجم إسرائيليين بالرصاص ويعلم أنه سيقتل وهو لم يتجاوز الثالثة عشرة من العمر. هذا يقول بعبارة بليغة إن القوة مهما بلغت، وإن السياسة مهما تفننت في التقسيم والمناورات وشراء الضمائر، لن تحقق الأمان لمعتد ثابت على عدوانه واحتقاره لحقوق شعب آخر. وإن صيانة حياة المدنيين والعسكريين أيضاً، لا تكون من خلال الاكتفاء بإدانة قتل المدنيين، دون إدانة دوافع هذه الأفعال، كما يكرر مسؤولو العالم، بمن فيهم مسؤول يحتج، عن حق، ليلاً نهاراً على ضم روسيا لمناطق من أراضي بلده، ويتضامن في الوقت نفسه مع إسرائيل التي ضمت، عن غير حق، أراضي فلسطين وغيرها.
صيانة حياة المدنيين تكون في العمل على تحقيق قدر معقول من التوازن والعدل، لأن وسائل المقاومة لانهائية ولا يمكن مصادرتها. والدرس الذي يكرره التاريخ ويسعى الطغاة إلى صم آذانهم عنه هو أن الاستسلام فعل فردي ولا يمكن لشعب أن يستسلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال


.. أوروبا تسعى لشراء أسلحة لأوكرانيا من خارج القارة.. فهل استنز




.. عقوبات أوروبية مرتقبة على إيران.. وتساؤلات حول جدواها وتأثير


.. خوفا من تهديدات إيران.. أميركا تلجأ لـ-النسور- لاستخدامها في




.. عملية مركبة.. 18 جريحًا إسرائيليًا بهجوم لـ-حزب الله- في عرب