الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأجهزة الامنية في خدمة النظام

جلال الصباغ

2023 / 1 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


يعد العراق من أكثر البلدان على مستوى العالم في أعداد القوات الامنية، ورغم عدم وجود احصائيات شفافة وحقيقية عن أعداد المنتسبين للقوات الأمنية، الا ان التقارير الصحفية وبعض التسريبات تشير الى وجود أكثر من مليون وثلاثمائة ألف يتوزعون بين 310 الاف منتسب في الجيش وأكثر من 650 الف منتسب في الداخلية، بالاضافة الى 160 الف منتسب في مليشيا الحشد الشعبي و 160 الف منتسب في قوات البيشمركه في اقليم كوردستان، فيما يقارب تعداد جهاز مكافحة الأرهاب 16 ألف منتسب، بالاضافة الى الاف المنتسبين في جهازي الامن الوطني وجهاز المخابرات وجهاز الاسايش، هذا اذا تم استثناء المليشيات غير المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي.

إن محاولة تفسير الزيادة في الأعداد الكبيرة للاجهزة الامنية بمختلف صنوفها وخصوصا في وزارة الداخلية تبين بشكل جلي الأهداف الحقيقية وراء هذه الزيادات بالاعداد، بالاضافة الى ان من يريد معرفة ميزانيتها يجد انها تكلف مليارات الدولارات بشكل سنوي إذ تقدر ميزانية وزارتي الدفاع والداخلية عام 2021 بأكثر من ثمانية عشر مليار دولار، فيما يقدر ما تم صرفه على الأجهزة الأمنية خلال الفترة الممتدة من 2003 ولغاية 2021 بـ 100 مليار دولار، وتشير هذه الميزانيات الانفجارية الى تركيز النظام في العراق وداعميه الإقليميين والدوليين على مسألة واحدة وجوهرية وهي الحفاظ على النظام بأية وسيلة ومهما كلف ذلك من أموال.

الجميع يعلم ويشاهد ويرى تردي الوضع الامني الذي ينعكس بشكل واضح على حياة الملايين من الناس، فارتفاع نسب الجرائم المنظمة يتناسب طرديا مع الارتفاع الكبير في أعداد القوات الامنية بمختلف صنوفها. وجرائم القتل والخطف والمتاجرة بالنساء والأطفال وجرائم تجارة المخدرات تزدهر في جميع مدن ومحافظات البلاد، وليس لهذا العدد الهائل من العناصر والاجهزة الامنية اي دور حقيقي في محاربة هذه الجرائم. كما ان عصابات التهريب والسيطرة على المنافذ الحدودية والمليشيات التابعة لاحزاب وقوى داخل النظام وما تقوم به من عمليات تصفية وخطف للناشطين والمعارضين، وما تمارسه من عمليات نهب وسرقة واستيلاء على الاموال العامة، يبين بشكل جلي ان القوات الامنية انما وجدت لخدمة النظام والحفاظ عليه، وليس من اجل توفر الامن للجماهير وحماية مصالحها.

الغالبية العظمى من العاملين في الاجهزة الامنية سواء من العسكريين او المدنيين، انما انخرطوا في هذه الاجهزة من اجل تأمين عيشهم، خصوصا وان الدولة في العراق لم توفر فرص العمل والتعيينات لملايين الشباب المعطلين عن العمل، ورغم ان هؤلاء دائما ما يكونون من مناطق ومدن خالية من الخدمات والبنى التحتية الملائمة، كما أنهم يعانون كبقية سكان البلاد من تدهور الخدمات الصحية والتعليمية وبقية الخدمات الضرورية الاخرى، إلا انهم مرغمون أو يتم خداعهم ليقوموا بالدفاع عن هذه المنظومة.

دائما ما يحاول الاعلام ومؤسسات الدولة المختلفة بالاضافة الى المؤسسة الدينية والعشائر، بالإضافة الى بعض المثقفين تصوير الاجهزة الامنية وكأنها الحامي والمنقذ للجماهير، ودائما ما يتم وصف الجيش والشرطة والاجهزة الاخرى بأنهم الابطال الذين لولاهم لراح كل شيء ادارج الرياح، وبالفعل فأن كل شيء يخص بقاء النظام وديمومته سوف يذهب ادراج الرياح، فيما إذا كفت هذه الاجهزة عن الدفاع عن النظام.

تعد الرواتب التي يتقاضاها افراد الاجهزة الامنية من اعلى الرواتب التي يتقاضها العاملون في المؤسسات العامة للدولة في العراق، وهذا الامر طبيعي كون هذه الاجهزة هي المعنية بالدفاع عن النظام، وشاهدنا كيف انها استقتلت في قمع الانتفاضة، فمختلف صنوفها شاركت في عمليات تصفية واعتقال وملاحقة المنتفضين ابان انتفاضة أكتوبر التي انطلقت نهايات عام 2019. فلا يمكن ضمان ولاء قيادات هذه الاجهزة ومنتسبيها دون اغرائهم في المرتبات الجيدة والمكانة الاجتماعية، وكذلك حمايتهم من اية ملاحقة قضائية قد تطالهم في حال ارتكابهم لاية جريمة، وهذا ما حصل ويحصل مع كل حادث، كما حصل في مجازر مول النخيل والسنك وجسر الزيتون في الناصرية وساحة الصدريين في النجف وعشرات الجرائم الاخرى التي شاركت فيها هذه الاجهزة من جيش او شرطة او حشد، او الجرائم التي تقترفها اجهزة الاقليم الامنية من البيشمركة او الاسايش، ولا تزال الأجهزة الأمنية تعتقل وتقتل كل معترض على النظام سواء في بغداد او أربيل او البصرة او اية مدينة أخرى.

ان المؤسسة الامنية بمختلف أجهزتها وفي مختلف الدول إنما هي واحدة من أهم أدوات الحكومات والانظمة في ادامة الحفاظ على الدولة البرجوازية وضمان بقاء سيطرة طبقة الملاكين والمستفيدين، ولا يهمها في المحصلة النهائية سوى الدفاع عن هذه الطبقة ومصالحها، والمؤسسة الامنية في العراق لا تخرج عن هذا التصنيف، فهي ومنذ تأسيس الدولة الحديثة في العراق تعمل على ضمان بقاء الهيمنة للطبقة البرجوازية المتمثلة بالقوى والأحزاب السياسية وكل أصحاب رؤوس الاموال والحفاظ على مصالحهم، في مقابل قمع واضطهاد وافقار الكادحين وعامة الجماهير. والعراق اليوم يتحول بهذه الاعداد الكبيرة والميزانيات الانفجارية للأجهزة الامنية الى دولة عسكرتارية، ولكن ليس بمعنى الدولة العسكرتارية التي كانت في زمن البعث وصدام حسين والتي كانت تهدد الجيران وتشن الحروب ضدهم بالإضافة الى قمع الجماهير في الداخل، انما هذه الدولة توجه قوتها الأمنية نحو المجتمع، وتحاول قمعه واسكاته واخماد اية حركة احتجاجية تهدد بقاء النظام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل