الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السُّعُودية مناهضة أبدية لوحدة واستقرار اليمن!

منذر علي

2023 / 2 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


من الواضح للمتابع السياسي للشأن اليمني أنَّ الدول التي تستهدف اليمن كثيرة، ولكن لماذا نفترض أنَّ السُّعُودية هي الأخطر من بين الدول التي تستهدف اليمن، وأنَّ هذا الاستهداف ليس مؤقتًا وعابرًا، ولكن له طابع الديمومة؟ ما هي الشواهد التاريخية التي تؤكد أنَّ السُّعُودية هي الأخطر التي كانت ومازالت تسعى لتقويض الاستقرار في اليمن، وترفض بقوة وحدة اليمنيين السياسية وقيام دولة يمنية مستقلة، وموحدة، وديمقراطية ومتقدمة وقوية؟
***
الجواب عن الأسئلة السالفة يسير للغاية، وهو أنَّ السُّعُودية تدرك أنَّ قوة الدولة اليمنية وتطورها ينبع من وحدتها واستقرارها وتنظيم إدارتها السياسية والاقتصادية على أسس عقلانية حديثة، والسعودية لا تحبذ أن ترى اليمن مستقرًا وموحدًا وقويا، لأنَّ الوحدة، كما ترى، تمثل مصدر قوة لليمن، ولكنها تمثل مصدر تهديد لها. ولذلك، كانت المملكة العربية السُّعُودية دائما وستبقى معارضِة لوحدة اليمن. هذه حقائق يعرفها الكثيرون، من اليمنيين ومن غير اليمنيين، ولكن ثمة من يميل إلى الزَّيف ويتجاهل الحقائق، و لذلك، منعًا للتزييف والتجاهل، واستباقًا للسقوط والوقوع في الأخطاء والخطيئة، ورغبة في تلاحم القِوَى الوطنية في بلادنا وإنقاذ الوطن، اسمحوا لي أن أعرض عليكم بعض الشواهد التاريخية التي تؤكد التوجه السعودي العدواني شديد الْخَطَر ضد وطننا.
‎ ***
عقب استقلال الشمال اليمني من الاحتلال التركي سنة 1918، سعى الإمام يحيى حميد الدين، مع نزعته الطائفية الضيقة، لتوحيد اليمن، فأصطدم بالسعودية من جهة الشمال، وأصطدم بتدخل المستعمر البريطاني من جهة الجَنُوب. في الشمال تدخلتِ السُّعُودية، وناصرت ذوي التوجهات الانفصالية، كالإدريسي المدعوم من السُّعُودية، ونشبتِ الحرب بين حكومة الإمام يحيى حميد الدين والنظام السعودي، واحتلتِ السُّعُودية جيزان ونجران وعسير، ومن جهة الجَنُوب، وبالتنسيق مع السُّعُودية، تدخلت بريطانيا الاستعمارية، بشكل مباشر، لصد قوات الإمام في قعطبة والضالع وشبوة وغيرها، وقدمت دعمًا للسلاطين المواليين لها، وحالت دون تحرير المقاطعات الجنوبية من البلاد، وتوحيد الوطن. لقد كانت مصالح الرجعية السُّعُودية وما فتئت متناغمة مع مصالح القِوَى الاستعمارية والإمبريالية ومتصادمة مع المصالح الوطنية للشعب اليمني والمصالح القومية للأمة العربية.
***
وعندما قامت ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر في مطلع الستينيات من القرن الماضي في اليمن، تناغمت جهود النظام الرَجْعي السعودي مع نظام السلطات الاستعمارية البريطانية في عدن في مواجهة الثورة اليمنية. وعلى الرغم من أنَّ إرادة الشعب اليمني انتصرت على الإرادة السُّعُودية والنزعة الاستعمارية، إلاَّ أنَّ المؤامرات الرجعية والاستعمارية ظلتا متواصلتين بدأب لا يكلُّ لتقويض الثورة اليمنية في الشمال والجنوب. ولئن كان الجَنُوب اليمني، بفضل تضافر جهود الوطنيين اليمنيين، قد تحرر من الاستعمار في 30 نوفمبر سنة 1967، إلاَّ أنَّ الثورة في الشمال اليمني، كانت، بفعل تضافر جهود القِوَى الرجعية والدعم السعودي، قد مُنيت بنكسة كُبرى، قُبيل استقلال الجَنُوب بثلاثة أسابيع، حيثُ تمكنت السُّعُودية وعملاؤها المحلين من أسقاط النظام الجمهوري الوطني في الشمال اليمني في 5 نوفمبر 1967.
***
وعقب سقوط الثورة في الشمال وصعود الثورة في الجَنُوب، عمدتِ السُّعُودية إلى احتواء النظام الرُجْعِيّ في صنعاء ولا سيما بعد اتفاقية جُدَّة القهرية سنة 1970، وعودة الملكيين إلى صنعاء، ومشاركتهم بالسلطة وإدماج المكونات القبلية في السلطة، تم تجيير النظام في صنعاء لمواجهة النظام الوطني التقدمي في الجَنُوب، وترتب على هذا المخطط السعودي الماكر، حروبًا كثيرة بين النظامين الْيَمَنِيَّيْنِ في الشمال والجنوب، اصطف خلالها الرجعيون اليمنيون، الشماليون والجنوبيون، الذين حازوا على دعم رَجعي سعودي وغربي إمبريالي، ضد النظام الوطني التقدمي في الجَنُوب، وفي المقابل، أصطف التقدميون اليمنيون، الشماليون والجنوبيون، الذين حصلوا على دعم من المعسكر الاشتراكي، ضد النظام الرَجعي في الشمال، وحالت الصراعات السياسية والعسكرية بين النظامين الْيَمَنِيَّيْنِ المتناقضين، في ظل الحرب الباردة، دون تحقيق وحدة الشعب اليمني.
***
ولقد توفرت ظروف مواتية بين 1974 - 1977 في ظل زعامة الرئيس إبراهيم الحمدي في الشمال، الذي سعى، من جهة، لتبني سياسية وطنية مستقلة عن المحور السعودي، وفي ذات الوقت انتهج خطًا سياسيًا جديدًا تجاه وحدة الوطن، ولكن تم تصفيته من قِبل السُّعُودية والطغمة الموالية لها في حكومة صنعاء، وعلى وجه التحديد من قبل وزير الدفاع، المقدم أحمد الغشمي والملحق العسكري السعودي في صنعاء، صالح هُديان، في 11 أكتوبر سنة 1977، قُبيل زيارته المرتقبة إلى عدن في اليوم التالي للمشاركة في احتفال الذكرى الرابعة عشرة لثورة أكتوبر المجيدة، حيثُ كان من المتوقع أنْ يلتقي الحمدي بالرئيس سالم ربيع علي في عدن، و يعلنا خطوات مهمة على طريق الوحدة اليمنية.
***
وكرد فعل انتقامي لمقتل المقدم إبراهيم، جرى تصفية القاتل أحمد الغشمي في 24 يونيو 1978، وأتهمَ في ذلك الرئيس سالم ربيع علي، وتوترت العلاقات بين النظامين في شطري اليمن. وفي وقتٍ لا حق، حدث ما كان متوقعًا، وهو تصفية القائد الشعبي والوطني واليساري سالم ربيع علي في 26 يونيو 1978 في عدن من قبل العناصر اليسارية المتطرفة، والعناصر الموالية للسعودية، بحجة أنه أقترف عملًا غير قانوني ورفض الانصياع لتوجيهات القيادة الجماعية للحزب.
لكن تصفية الرئيس سالم ربيع لم يخفف من التوترات التي أعقبت مقتل الغشمي، لأنَّ السُّعُودية كانت تدفع بقوة للصدام بين النظامين اليمنيينِ، فدخل النظامان الشطريان في صراعات دامية بين 1978 -1980.
وفي محاولة لإرضاء المِزَاج السياسي السعودي المعادي لليمن الديمقراطية، جرى إزاحة الأمين العام للحزب الاشتراكي، عبد الفتاح إسماعيل في 21 أبريل سنة 1980، وتسلم قيادة الحزب والدولة، علي ناصر محمد، وسعى لتطبيع الأوضاع مع السُّعُودية و دول الخليج ومع النظام في الشمال اليمني، بقيادة علي عبد الله صالح الذي حلَّ محل الرئيس الغشمي، وحققت السلطة في الشمال بعض الاستقرار وتجاوزت بعض الصعوبات السياسية التي أعقبت مقتل الحمدي، بل واستطاعت أن تعزز بنيتها السياسية، وتوسع صلاتها السياسية الخارجية على الصعيدين العربي والعالمي.
***
ولكن النظام في الجَنُوب دخل منذ عام 1981 في صراعات سياسية حتى أنفجر من الداخل سنة 1986، وانقسم الحزب الاشتراكي الحاكم في الجَنُوب، وأنضم الجناح المهزوم إلى السلطة في الشمال، وسيطر الجناح المنتصر على السلطة في الجَنُوب، ولكنه لم يحظ بالمساعدة اللازمة من المعسكر الاشتراكي بسبب الأوضاع السياسية الجديدة التي انبثقت عن التغييرات الليبرالية العاصفة في الاتحاد السوفيتي في عهد الرئيس السوفيتي الراحل ميخائيل جوربا تشوف. وعقب أحداث 13 يناير، 1986 غُذي الحزب الاشتراكي اليمني وأجهزة الدولة المختلفة في الجَنُوب بالعناصر القبلية، قليلة الفعالية والقدرة، والموالية للخط السعودي والخليجي، التي لا تمت بصلة للقيم الوطنية الوحدوية، فضلاً على القيم الأممية للفكر الاشتراكي. كان الهدف من هذا التغييرات السياسية الميكانيكية عقب أحداث يناير 1986، هو تعويض الذين نزحوا إلى الشمال أو سقطوا قتلى في الأحداث الدامية. وبصرف النظر عن المنتصر والمهزوم في تلك الصراعات المأساوية، فقد نجم عن الأحداث 1986 تغييرات مهمة في بنية السلطة في الجَنُوب، تشبه في جوانب كثيرة منها التغييرات التي جرت في بنية السلطة عقب انقلاب 5 نوفمبر 1967 في الشمال.
***
لقد أسفرت أحداث 13 يناير عن مقتل ما لا يقل عن 12 ألف قائد حزبي وسياسي وعسكري، وجرى تغيير بنية الدولة الوطنية الديمقراطية، بعناصر قبلية وغير تقدمية، حيث أصبحت نسبة العناصر اليسارية العقائدية والفعَّالة محدودة في قيادة الحزب وقوامه التنظيمي، وفي أجهزة الدولة المختلفة. وبالإضافة إلى ذلك، بل وبسبب ذلك، ازدادت الضغوطات السياسية على الدولة، و تضاعفت الأزمات الاقتصادية، وأصبح الحزب الاشتراكي اليمني ضعيفًا وكسيحًا، وبالنتيجة غدت الدولة متهالكة، وسهُل ابتلاعها في وقت لاحق. وهذا هو ما سعت إليه السُّعُودية وخططت له منذ قيام الدولة الوطنية التقدمية في الجَنُوب اليمني سنة 1967.
***
وعندما سقط الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية في شرق أوربا، توفرت ظروفًا إقليمية مواتية لتوحيد الوطن اليمني، تمامًا كما توفرت ظروفًا مواتية على الصعيد العالمي، سمحت بتوحيد ألمانيا الغربية مع شقيقتها الشرقية. لقد كانت الرغبة في الوحدة اليمنية جارفة لدي الشعب اليمني، وكانت قيادة الحزب الاشتراكي اليمني، ترى أنَّ الوحدة هي خير ما يمكن أن تقوم به في ذلك المنعطف التاريخي الفريد، ولاسيما بعد أحداث 13 يناير 1986 المأساوية، وتفاقم الأزمات الاقتصادية، وبروز شواهد حقيقية على انشقاقات وصراعات جديدة في بنية الدولة في الجَنُوب، وسقوط المعسكر الاشتراكي سنة 1990.
***
ولكن على النقيض من الرغبة الكُلْيِّة الجامعة لليمنيين، كانت السُّعُودية والقوى الرجعية المحلية في شمال اليمن وجنوبه، تتملكها ميول عدوانية مناقضة لرغبة الشعب اليمني، وكانت معترضة بقوة على الوحدة اليمنية حتى لو تمت في ظل قيادة طيعة، غير وطنية وغير تقدمية. كانت السُّعُودية تخشى قيام كيان سياسي كبير على حدودها الجنوبية، وكانت القِوَى القبلية والدينية الرجعية في الشمال، ترفض الوحدة مع النخبة الاشتراكية الحاكمة في الجَنُوب، خَشْيَة أن تفقد نفوذها المترسخ في بنية السلطة في الشمال منذ انقلاب 5 نوفمبر 1967 على الرئيس عبد الله السلال. وكانت القِوَى القبلية وأبناء وأحفاد السلاطين وأتباع القِوَى الاستعمارية في الجَنُوب، يتناغمون بقوة مع موقف السُّعُودية، ويرفضون الوحدة لأنَّ النظام الموحد لن يتيح لهم العودة إلى الجَنُوب وإحياء سلطناتهم وإماراتهم التي تم إسقاطها عقب الاستقلال في 30 نوفمبر سنة 1967. ولذلك فهم يفضلون سقوط النظام في عدن، بالحيلة أو بالقوة، على أيديهم، وبمساعدة السُّعُودية ودول الخليج، لكي يتمكنوا من العودة إلى الجَنُوب وإحياء الأنظمة التي كانت سائدة في جَنُوب اليمن قبل الاستقلال والتربع عليها، ثم الانضواء في المنظومة السُّعُودية الخليجية. وهذا كان هدفًا في الماضي ومازال قائمًا في الحاضر، وقد تمكنوا من ترسيخ مواقعهم في الحِقْبَة الأخيرة، وأصبحوا على مقربة من تحقيق أهدافهم الرجعية المناهضة لأهداف الشعب الوطنية.
وبصرف النظر عما آلت إليه الأمور اليوم، فقد كان السؤال الجوهري حينذاك هو: هل كان على الشعب اليمني أنْ يستسلم لرغبة القِوَى المعادية ويرفض الوحدة، أم يتحدى المؤامرات الرجعية الإمبريالية ويختار الوحدة؟ هذا ما سنناقشه في مقال آخر قريبًا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟