الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف ننظم الحركة الإحتجاجية الطلابية في إقليم کوردستان العراق

نادر عبدالحميد
(Nadir Abdulhameed)

2023 / 2 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


مقدمة
استؤنفت الإحتجاجات الطلابية في إقليم كوردستان العراق، مع بداية الموسم الدراسي (٢٠٢٢٢٠٢٣)، حيث أعطى الطلاب مهلة لـ(حكومة الإقليم)، كي تستجب لمطالبهم وإلا سيعودون كالسنوات السابقة إلى الإضراب والمسيرات والمظاهرات.
بعد عدم استجابة الحكومة لمطالبهم، بدأ الطلاب ومنذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر (٢٠٢٢) بالإضراب والمظاهرات في مختلف الجامعات والمعاهد؛ من (السليمانية) و(حلبجة) و(رانية) و(قلعةدزة)، إلى (جمجمال) و(كويسنجق) و(كلار)، أي في المنطقة الخاضعة لسيطرة (الإتحاد الوطني الكردستاني)، مطالبين بحقوقهم المشروعة في الحصول على:

 اولا: الإعانات الشهرية أو المنحة المالية للطلاب، المعروفة بإسم (مخصصات الأقسام الداخلية)، وإضفاء الصفة القانونية عليها من قبل الحكومة.
 ثانيا: تحسين ظروف السكن والخدمات في الأقسام الداخلية.
 ثالثا: خفض تكلفة التعليم الموازي للجامعات.

الخلفية التاريخية
أوقفت (حكومة الإقليم) منذ (٢٠١٤) المخصصات المالية الشهرية للطلاب في جميع جامعات ومعاهد الإقليم، مع تقليص الخدمات للأقسام الداخلية، وذلك جنبا إلى جنب العديد من القرارات الجائرة بحق العمال والموظفين في القطاع العام، كخفض الرواتب ووقف الترقيات والعلاوات والمكافئات، تحت ذريعة الأزمة المالية ونقص الإيرادات، بسبب قطع حصة الإقليم من الميزانية العامة من قبل الحكومة المركزية، ومنذ ذلك الحين، تصاعدت، وبوتيرة أسرع إحتجاجات الطلاب والعمال والموظفين والمتقاعدين، ...إلخ، ضد (حكومة الإقليم) لاستعادة حقوقهم المسلوبة.

ففي عام (٢٠٢١)، ومن خلال المظاهرات والاحتجاجات، تمكن الطلاب من إجبار (حكومة الإقليم) على دفع مخصصات مالية لهم لعدة أشهر، رغم أنها كانت على حساب ملاحقة نشطاء حركتهم الاحتجاجية واعتقالهم وتعذيبهم من قبل الأجهزة الأمنية.

وكما أشرنا أعلاه، وفي مستهل العام الدراسي الحالي (٢٠٢٢٢٠٢٣)، استأنف طلاب الجامعات احتجاجاتهم على شكل مسيرات في الشوارع والقيام بالمظاهرات، وبدلاً من الاستجابة لمطالبهم المشروعة من قبل (حكومة الإقليم)، تعرضوا للهجوم والإعتداء من قبل قوات الأمن التابعة للـ(إتحاد الوطني الكردستاني) التي حاولت إنهاء المظاهرات والمسيرات باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والضرب بالهراوات الكهربائية، فضلا عن خطف واعتقال وتعذيب عشرات الطلاب.

يعاني الطلاب أيضا في المنطقة الخاضعة لسيطرة (الحزب الديمقراطي الكردستاني) من نفس المشاكل المالية، وسوء الخدمات السكنية في الاقسام الداخلية، وعبء الرسومات الدراسية، مما أسهم في تراكم قدر كبير من السخط والغضب بين الطلاب، لكن رغم ذلك لم يتمكنوا حتى الآن من التعبير عن أنفسهم وطرح مطالبهم من خلال تجمعات طلابية إعتراضية، وذلك بسبب القمع البوليسي الشديد والممنهج الذي تتبعه الأجهزة الأمنية والميليشية التابعة لهذا الحزب، ضد أي نوع من التجمعات والمسيرات والمظاهرات في المنطقة الخاضعة لسيطرته، وهو ما رأيناه في مثال إحتجاز الناشطين والصحفيين في هذە المنطقة ومحاكمتهم لاحقا بتلفيق تهم زائفة لهم وفرض أحكام قاسية عليهم، لذا يبدوا إنفجار الاحتجاجات الطلابية قد أجل لحين تغير موازين القوی في هذە المنطقة.

إن الممارسات القمعية الحالية للقوات المسلحة التابعة للـ(اتحاد الوطني الكردستاني) هي حصيلة سياسة مدروسة ومخططة لقادة هذا الحزب، لفرض نفس سياسة القبضة الحديدية التي يمارسها الحزب المتحالف معه في (حكومة الإقليم)، لإسكات الجماهير المعترضة وفرض "الهدوء" علی المجتمع عبر القمع البوليسي. هكذا، فإن كلا الحزبين الحاكمين لا يجدان بقاءهما إلا في ظل فرض الاستبداد علی المجتمع، وقمع واضطهاد الجماهير، بعد أن فرضا عليه البطالة والجوع والتهميش.

لا توجد في الوقت الحاضر (٢٠٢٢)، ذرائع سنة (٢٠١٤) لقطع المخصصات المالية للطلاب، وخفض رواتب العمال والموظفين ووقف ترقياتهم، وذلك لأنها؛ علاوة علی حصول (حكومة الإقليم) مجددا علی حصة الإقليم من الميزانية العمومية، فقد زادت عائداتها عدة مرات مقارنة بما کانت عليه سنة (٢٠١٤) نتيجة ارتفاع أسعار النفط والزيادات الهائلة في عائدات الرسوم الجمركية وفرض شتی انواع الضرائب على المواطنين.

هذا وقد ألغيت سياسة التشغيل المركزي من قبل (حكومة الإقليم) وليس في نهج وزارة تخطيطها طرح أية‌ خطة لتوظيف الخريجيين، ولا توجد فرص عمل في السوق لدی القطاع الخاص لمن يكمل الدراسة الجامعية ويحصل علی الشهادة، لذا سينضم معظمهم إلى جيش العاطلين عن العمل.

السياسة الاقتصادية المخططة والهادفة
هذا الوضع الاقتصادي والإجتماعي السياسي المفروض علی الجماهير في هذا الإقليم، خلافًا للآراء السائدة في المجتمع، وخلافًا للأطروحات الفكرية والسياسية للمفكرين النيو-ليبراليين الموالين للغرب، وكذلك خلافًا لأعلام أحزاب المعارضة القومية والإسلامية، ليس نتاجًا لعدم كفاءة المسؤولين الحكوميين وقادة الأحزاب الحاكمة وغياب التخطيط لدی (حكومة الإقليم)، بل بالعكس هو نتاج سياسة اقتصادية واعية، هادفة ومخططة، تبنتها الأحزاب الحاكمة منذ تربعها علی السلطة وتنفذها عبر حكومتها في الإقليم، وبدعم من (الويلات المتحدة الأمريكية) والدول الإمبريالية الغربية، ومؤسساتها المصرفية والمالية الدولية، وكان ذلك واضحا في المؤتمر المشترك الذي عقد في (أربيل)، تحت عنوان "الإصلاح في إقتصاد إقليم كوردستان"، في (٣٠٥٢٠١٦)، لـ(حكومة الإقليم) و (البنك الدولي)، وبمشاركة (الأمم المتحدة)، حيث وضعت أهداف وسياسات وخطط شاملة لقولبة‌ إقتصاد الإقليم داخل هذا النهج الاقتصادي النيو-ليبرالي، والذي باركه رئيس الإقليم آنذاك مسعود البرزاني برسالة دعم له في (٩٦٢١٦). وفيما يتعلق بالكابينة التاسعة الحالية لـ(حكومة الإقليم) فمثل سابقاتها، دفعت وبشكل حازم عجلة هذا النهج بأسرع ما يمكن.
هذا النهج الإقتصادي النيو-ليبرالي، وهو نفس النهج الذي تبنته الحكومة المركزية في العراق، تحت اسم "الورقة البيضاء".

ماهية النيو-ليبرالية الإقتصادية
تجد هذه السياسة النيو-ليبرالية نفسها في وقف التشغيل والتوظيف في القطاع العام للدولة، مع تقليل عدد العمال والموظفين فيه، وتسليمه للقطاع الخاص والشركات التي كل واحدة منها مرتبطة بطريقة ما بإحدى الأحزاب الحاكمة.

وهي في جوهرها نهب للثروة العامة للمجتمع، وبسط لدائرة الفساد، وتخلي لتقديم الخدمات الأساسية؛ مثل الصحة والتعليم والكهرباء والمياه من جانب (حكومة الإقليم)، هذا ومن جانب آخر هي فرض للبطالة والفقر والضرائب المرتفعة على المواطنين.

وهي التي تشكل الأفق والأجندة الاقتصادية للأحزاب الثلاثة الحاكمة (الديمقراطي الكردستاني)، (الاتحاد الوطني) و(حركة التغيير). تشترك كذلك أحزاب المعارضة القومية والإسلامية أي (الجيل الجديد) و(الاتحاد الإسلامي) و(جماعـة العدل) الإسلامية في هذا الأفق والأجندة الاقتصادية.

المشكلة الحقيقية، غياب الوعي
الطلاب والطالبات وشبيبة كوردستان عموما هم جزء من ضحايا هذا النهج الرأسمالي النيو-ليبرالي الذي تطبقه بوعي وحسب خطة مدروسة سلطة البرجوازية القومية في (حكومة إقليم كوردستان).

لا ينقص الوضع احتجاجات وتظاهرات الطلاب والشبيبة والشرائح الاجتماعية الأخرى المنتمية للطبقة العاملة، فتزامنا مع احتجاجات الطلاب في هذە الأيام، قام المعلمون ذوي العقود المؤقتة، بإضراب عن الدوام والقيام بالتجمعات الإعتراضية، مطالبين الحكومة بتوظيفهم على الملاك الدائم وصرف مستحقاتهم غير المدفوعة‌، هذا ونشهد بين حين وآخر إضرابات عمال البلديات وعمال وموظفي قطاع الصحة عن العمل، مع الوقفات الإحتجاجية للمتقاعدين والمعلمين ضد تأخر رواتبهم وقطع أجزاء منها، ... الخ.

لا توجد شريحة أو فئة إجتماعية من الطبقة العاملة في إقليم كوردستان العراق لم تتعرض لضغوطات (حكومة الإقليم) ولم تتضرر من سياستها النيو-ليبرالية، أو لم تعترض ولم تقُم بمواجهة (حكومة الإقليم) ولم تقدم الضحايا، ليس فقط في شكل الإعتقال والسجن، بل وفي الاغتيال والقتل في ساحات الاعتراض أيضا.

إذن فالوضع الاجتماعي والسياسي في الإقليم، لا ينقصه الإحتجاجات والتضحيات، ما ينقصه هو الوعي لدی الطلاب والشرائح المختلفة للعمال والكادحين بهذا النهج الاقتصادي النيو-ليبرالي لـ(حكومة الإقليم)، وبالتالي رص الصفوف بهذا الوعي والأفق لمواجهته والتصدي لتطاولات (حكومة الإقليم) وإفشال سياساتها النيو-ليبرالية.

تأسيس التنظيمات المهنية وتشكيل إتحاد عام
بقدر ما يتطور الوعي بنهج (حكومة الإقليم) وبجوهر سياساتها الاقتصادية النيو-ليبرالية لإفقار الجماهير وتهميشها، وما يتطلبها من قمع وخنق فكري وسياسي علی صعيد المجتمع، نعم بقدر ما يتطور هذا الوعي بين صفوف الطلاب والمعلمين وعمال البلديات والمستشفيات والنساء الكادحات والمتقاعدين وأبناء وبنات الأسر العمالية، ... وينظمون أنفسهم بهذا الوعي في مهنهم الخاصة، وينجحون في إنشاء اتحاد عام لمنظماتهم المستقلة، وتَخرج كل شريحة وفئة في حركة تضامنية لدعم إحتجاج ومطالب شرائح وفئات أخرى تابعة لطبقتها، وبالتالي تطرح نفسها كحركة طبقية علی صعيد المجتمع، نعم وبنفس القدر سوف تبلور وتجسد إرادة الجماهير ضد إرادة البرجوازية القامعة والمنظمة في (حكومة الإقليم)، وسيكونون قادرين ليس فقط في فرض التراجع عليها وإجبارها علی الرضوخ لمطالبهم الفورية، بل ويمكنهم من إتخاذ خطوات جدية للتخلص من هذا النظام وبنيانه الاقتصادية الرأسمالية النيو-ليبرالية.

طرد التوهم بالإصلاحات المبتورة
إن العمل علی دحض التوهم بالإصلاحات المبتورة لـ(حكومة الإقليم)، وفضح التفاؤل بالوعود الفارغة للأحزاب الحاكمة، وكذلك العمل علی إرتقاء الاحتجاجات المتقطعة والمؤقتة والموسمية للطلاب والمدرسين وعمال قطاع الصحة والبلديات والمتقاعدين وغيرهم إلى مستوى حركة موحدة ومنظمة، اليوم وقبل كل شيء، مرهون بتعزيز وبسط الأفق الإشتراكي الثوري علی الحركات الإحتجاجية للجماهير الكادحة والمضطهدة، ضد الرأسمالية وشكلها المعاصر من النيو-ليبرالية، التي تفرضها السلطات البرجوازية القومية الكوردية على حياة ومصير هذە الجماهير، بما في ذلك علی حياة ومصير طلاب وطالبات الجامعات والمعاهد.

مهام نشطاء الحركة الإحتجاجية الطلابية
تتمثل المهمة الفورية لنشطاء الإحتجاجات وقادة الطلاب الواعين والمقدامين، وذلك أثناء تنظيمهم وقيادتهم للإحتجاجات الطلابية، في الالتفاف حول بعضهم البعض وتشكيل لجان نضالية بمثابة نواة لإنشاء منظمات طلابية جماهيرية واسعة ومستقلة عن الحكومة والأحزاب الحاكمة، وكذلك مستقلة عن أحزاب المعارضة القومية والإسلامية التي تتماشى مع الأجندة الاقتصادية النيو-ليبرالية لـ(حكومة الإقليم).

من مهام الشيوعيين
تكمن المهمة الأساسية للشيوعيين داخل الحركات الإحتجاجية وهنا الحركة الطلابية، في العمل الجاد والصبور كي تتمكن هذە الحركات من تبني الأفق الإشتراكي الثوري، والعمل مع النشطاء لإنشاء منظمات جماهيرية بهذا الأفق، كما وتكمن مهمتهم الاوسع في ربط هذه الحركات والتنظيمات الجماهيرية بالحركات والتنظيمات الجماهيرية المستقلة في عموم العراق، لتجسيد حركة طبقية موحدة علی صعيد العراق، قادرة على النزول إلى ميدان المعركة ضد سلطة المحاصصة المتكونة من التيارات البرجوازية القومية والإسلامية.

وهذا يتطلب بالتأكيد وجود حزب شوعي جماهيري مقتدر لقيادة هذە العملية الثورية، وهو بدوره يستلزم خوض نضال فكري وسياسي لطرد الأفكار والتقاليد والسنن غير العمالية وغير الثورية وغير الشيوعية في مجری النضال الطبقي، لتوحيد وتنسيق جهود الماركسيين والاشتراكيين الثوريين والقادة العماليين ونشطاء الحركات الجماهيرية في حزب ثوري بروليتاري.
ديسمبر ٢٠٢٢








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار