الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ فرنسا 12 – الملك الأسير جان

محمد زكريا توفيق

2023 / 2 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفصل التاسع عشر

الملك الأسير جان الثاني (يوحنا)، 1350-1364.

إذا كان عهد فيليب السادس، عبارة عن حرب واحدة ممتدة، فالأمر هو نفسه مع ابنه جان الثاني. الذي كان يعتبر نفسه، فارسا شجاعا شريفا، بالرغم من اقترافه أعمالا شريرة وقاسية.

مملكة نافارا الصغيرة، في جبال البرانس، قد انتقلت من ابنة لويس العاشر، إلى ابنها شارل، المعروف ب " شارل السيئ". كما أنه قد ورث لقب والده، وأصبح كونت ديفرو. أراد أن يشغل أعلى منصب يمكن أن يصله نبيل فرنسي، وهو منصب كونستابل فرنسا.

الكونستابل، يقود جميع الجيوش، وكان أقوى شخص في المملكة بجوار الملك. وعندما أعطى الملك جان الثاني، المنصب إلى اللورد شارل دي لا سيردا، انتابت شارل السيئ، حالة من الغضب وخيبة الأمل، جعلته يفكر في دس السم للكونستابل الجديد.

قيل أيضا أنه، حاول تسميم وريث العرش، الملقب ب "الدوفين شارل". وبالرغم من فشل محاولة القتل هذه، إلا أنها دمرت صحة الشاب، وتسببت في موته المبكر.

بسبب دوفين شارل، تم القبض على شارل السيئ. دعاه لتناول العشاء، في جو ودي للغاية. ولكن أثناء المأدبة، ظهر الملك جان مع فرقة من الجنود، وقام بالقبض على شارل السيئ، ملك نافارا، وأودعه السجن.

لكن، شارل السيئ كان ذكيا. وكان لديه العديد من الأصدقاء، الذين غضبوا من سجنه. فانضموا إلى جانب ملك إنجلترا ضد فرنسا.

ادوارد، أمير ويلز، الذي كان في بوردو، عاصمة جاسكوني، انتهز هذه الفرصة، وتقدم في الأراضي الفرنسية. فجمع الملك جان، جيشه لملاقاته وإيقافه عند حده.

وقعت المعركة في بواتييه. كان جان هناك مع أبنائه وأخيه وكل خيرة فرسانه. كانت المعركة طويلة وعنيفة. وكان أداء الفرنسيين أفضل بكثير من أدائهم في كريسي.

لكن الإنجليز، كانوا يفوقونهم في القوة، بالرغم من شجاعة الملك جان، الذي كان يضرب بشدة بفأسه القتالي. وكان ابنه الأصغر، فيليب، بالقرب منه، يقوم بتحذيره وتوجيه ضرباته.

"بهذه الطريقة، يا أبي! " أو "بتلك، يا أبي! "، " إلى اليمين! "، " إلى اليسار! ". لكن في النهاية، وجد الأب والابن نفسيهما وحيدين تقريبا، بعد أن تشت كل الرجال من حولهما، ولم يبق سوى الأعداء.

كان الملك جان قد خسر خوذته، وأصيب بجروح طفيفة، وكان مجهدا بشكل كبير. لذلك، بحث وسط جنود أعدائه عن رجل تتسم ملامحه بالطيبة. فوجد، دينيس دي موربيكي، وقام بالاستسلام له.

أحضر إلى أمير ويلز، الذي عامله بمنتهى اللطف والمجاملة، وبذل قصارى جهده لتخفيف عن ألمه، وذل الأسر عليه.

كان دوفين شارل، وريث العرش، قد فر في وقت مبكر من اليوم، وكان يعتقد أنه السبب في الهزيمة. فسقط كل شيء، وأصبح في حالة يرثى لها. وكان وريث العرش مكروها ومحتقرا، ولم يكن لديه السلطة على الإطلاق.

حكم أمير ويلز، أراضي جاسكوني الإنجليزية القديمة في بوردو. وبالرغم من وجود هدنة بين الملكين، إلا أن قوات الجنود الإنجليز، أو الصحابة الأحرار، كما كانوا يطلقون على أنفسهم، قاموا بنهب وسرقة كل ما يستطيعون نهبه في كل مكان في فرنسا.

بينما كان الملك الفرنسي، جان، سجينا في إنجلترا، كان في باريس، مواطن يدعى ستيفن مارسيل، تم اختياره لكي يكون عميدا. فقام بقيادة جميع السكان، والضغط على الحكومة لكي تستجيب لكل طلباتهم.

كانت علامة أتباعه، غطاء رأس، نصف أحمر ونصف أزرق. واعتقادا منه أن أصدقاء وريث العرش، قد أساءوا النصيحة له، هرع مارسيل إلى مكان الوريث، على رأس مجموعة كبيرة من الباريسيين، يرتدون هذه الألوان، وسأله:

"هل ستضع حدا للمتاعب، وتقوم بتوفير الدفاع عن المملكة؟
أجاب وريث العرش: "هذا ليس دوري، بل جزء من مسؤولية أولئك الذين يتلقون أموال الضرائب".

فأشار مارسيل إلى أتباعه، الذين قاموا بقتل اثنين من النبلاء، كانوا يقفون بجانب الوريث. فركع الأمير وهو في حالة رعب على ركبتيه، وتوسل للبقاء على حياته.

فأحكم مارسيل، غطاء الرأس الأحمر والأزرق على رأسه، ثم اندفع لكي يخبره، وهو يشير إلى الجثتين:

"أطلب منك، باسم الشعب، الموافقة على موتهما، لأنه قد تم بإرادة الشعب".

وافق وريث العرش، لكنه سرعان ما لاذ بالفرار، وحمل السلاح ضد مارسيل. شارل آخر، من نافارا، تم إطلاق سراحه من سجنه، وأخذ يقاتل في جنوب فرنسا. شارل دي بلوا، تمت فديته، وصار يحارب في بريتاني.

بعد كارثة الطاعون الأسود، ب عشر 10 سنوات، التي تسببت في مقتل نحو ثلث سكان القارة الأوروبية، كسب الفلاحون الفرنسيون مكانة هامة. نظرا للحاجة إليهم، للاعتناء بالأراضي التي أهملت زراعتها بسبب الوباء.

لكن تمت إساءة معاملتهم من قبل النبلاء، فقاموا بثورة ضدهم في عام 1358، حملت اسم "الثورة الجاكية"، نسبة لاسم "جاك"، أو "رجال يعقوب الطيبون".

لكن كان هذا فظيعا، لأن الفلاحين، كانوا شبه متوحشين. وكلما استطاعوا مفاجأة قلعة أو بلدة، قتلوا كل من فيها. وأقاموا ملكا، من بينهم. وسرعان ما قام مائة ألف منهم في بيكاردي وشمبانيا.

لكنهم كانوا مسلحين فقط بالمناجل والفؤوس. لذلك، قام النبلاء بإخماد ثورتهم بسهولة. وتم الانتقام منهم بنفس الوحشية التي كانوا عليها.

ملك الثورة الجاكية، تم وضع تاجا من الحديد الساخن لدرجة الاحمرار على رأسه، ثم إعدامه شنقا. الباقون، تم اصطيادهم، واحد تلو الآخر، مثل الوحوش البرية، وقتلهم في كل مكان. لكن، لم يتم فعل أي شيء لتقليل من البؤس الذي جعلهم يتمردون.

حاصر وريث العرش باريس. وعندما وجد مارسيل، أنه لا يستطيع الصمود، طلب من ملك نافارا المساعدة. لكن قائدا آخر، كان يكره ملك نافارا، اتفق على مهاجمة مارسيل بينما كان يقوم بتغيير الحرس، فقتله وستة من أصدقائه، ونقل جثمانه إلى باريس.

كان هذا هو أول الأحداث الصاخبة، التي لطخت مدينة باريس المسالمة بالدم. كان الملك جان الثاني حريصا جدا على إطلاق سراحه والعودة لبلده، لدرجة أنه وعد بالتخلي، للملك إدوارد الإنجليزي، عن كل البلاد التي كان يحوزها هنري الثاني، وقلب الأسد.

لكن وريث العرش وجنرال الولايات الفرنسية، لم يوافقا على اقتراحه. وكان من رأيهما، تركه في السجن، أفضل من إضعاف فرنسا بالتنازل عن أراضيها.

فقام إدوارد بغزو فرنسا مرة أخرى. وسار بجيشه، حتى كاد أن يصل إلى باريس، وهو يهدف إلى خوض معركة أخرى.

بسبب الحرب وانتفاضة الفلاحين، كانت البلد كلها عارية من السكان أو الماشية أو المحاصيل. الجيش الإنجليزي كان على وشك الهلاك تقريبا من الجوع، بسبب هبوب عاصفة مخيفة، ألحقت الكثير من الضرر بالمحاصيل.

فوافق إدوارد أخيرا على السلام، وأطلق سراح جان، ملك فرنسا الأسير، بشرط أن يترك اثنين من أبنائه رهائن، حتى يتم سداد فدية كبيرة، وأن يتنازل عن جزء كبير من مقاطعة أكيوتان لإنجلترا.

عاد الملك جان، لكنه وجد المملكة في حالة يرثى لها من البؤس والفاقة. فلم يستطع جمع المال اللازم للفدية، وتحرير ولديه الرهينين.

كان مسموحا لهما، بالعيش في كاليه، والقيام برحلات قصيرة إلى فرنسا. لكنهما لم يكنا سعداء بهذا الوضع وبالغربة. وكان جان، الأب، يشعر بحزن وخجل شديدين، ويقول بأن الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يفعله، هو العودة، وتسليم نفسه كسجين. لأنه لم يستطع الوفاء بشروط إطلاق سراح أبنائه.

ثم قال متوسلا: "أين يجد الشرف ملاذا، إن لم يكن في صدور الملوك؟" ثم ذهب إلى لندن لتسليم نفسه. حيث تم الترحيب به كصديق للملك إدوارد. وهناك توفي عام 1364.

ترك أربعة أبناء: وريث العرش، دوفين شارل، لويس دوق أنجو، جون دوق بيري، فيليب الذي تزوج وريثة بورجندي، وأصبح دوق تلك المقاطعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا، أي تداعيات لها؟| المسائية


.. الاتحاد الأوروبي يقرر فرض عقوبات جديدة على إيران




.. لماذا أجلت إسرائيل ردها على الهجوم الإيراني؟ • فرانس 24


.. مواطن يهاجم رئيسة المفوضية الأوروبية: دماء أطفال غزة على يدك




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا الحربية أغارت على بنى تحتية ومبان