الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المهجرون: مشروع سياسي ومدني وحضاري من -سلامة الجليل- إلى الترانسفير

محمد بركة

2006 / 10 / 15
القضية الفلسطينية


كنا مجموعة من الشباب الجامعيين - طلابا ومحاضرين- غالبيتنا من اليهود التقدميين المعادين جذريا للاحتلال، منهمكين في إنجاز التحضيرات النهائية للمظاهرة التي دعونا إليها باسم "لجنة التضامن مع جامعة بير زيت"، في الذكرى السنوية الخامسة عشرة للاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس وهضبة الجولان السورية، وذلك في ساحة المتحف في تل أبيب.
اليوم كان يوم السبت، الخامس من حزيران 1982
نشرات الأخبار بعد ظهيرة ذلك اليوم تناقلت أخبار قيام إسرائيل بشن حرب على لبنان، عرفت في ما بعد بحرب لبنان، وفي ما بعد بعد باسم حرب لبنان الثانية.
حكومة إسرائيل، برئاسة مناحيم بيغن من جهتها أطلقت على الحرب اسم "حملة سلامة الجليل"، لمدة 72 ساعة، ولكنها امتدت في نهاية الأمر إلى 18 عاما، ولعمق 40 كيلومترا، ولكنها وصلت في نهاية الأمر إلى بيروت، من أجل أن تهدأ البلاد 40 عاما، ولكنها في نهاية الأمر لم تحقق يوما واحدا من "الهدوء".
بطبيعة الحال فقد تحول محور المظاهرة، في ذلك اليوم، إلى المطالبة بوقف الحرب على لبنان، علمأ أن طبول هذه الحرب كانت تدق منذ زمن طويل، دون أية علاقة بمحاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، أرغوف، وكنا قد حذّرنا من مخططات الحرب على لبنان على مدار شهور طويلة، ونظمنا ضمن ذلك مظاهرة قوية وصاخبة جرت في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1981، أمام مقر الحكومة في القدس، وانتهت باعتداء وحشي على المتظاهرين من قبل الشرطة وأجهزة الأمن وانتهت باقتيادنا، عربا ويهود إلى معتقل المسكوبية في القدس.
عندما اعتليت المنصة في المظاهرة اياها في 5 حزيران 1982 لإلقاء كلمتي، أنا اللاجئ في وطنه، إبن صفورية التي تعج مخيمات لبنان بأبنائها، كان يدوي الغضب في رأسي على الحرب، ويدوي القلق في قلبي على أهلي وأقاربي وأبناء شعبي، وكانت تدوي في ضميري التسمية الاستفزازية لهذه الحرب: سلامة الجليل.
بدأت كلمتي بالتساؤل عن سلامة الجليل، فسلامة الجليل هي سلامتي، فأنا هو الجليل... هل فكرت فعلا حكومة بيغن بسلامتي عندما شنت حربها على أهلي، هل ذهبت لتقتل أهل الجليل الذين هُجّروا إلى لبنان من اجل سلامة جليلهم؟!.
بعد ذلك بأيام وارتباطا بالحرب وبسلامة الجليل، وسلامتي أنا الجليل الحقيقي، كتب صديقي الشاعر التقدمي الشجاع يتسحاق لاؤور إحدى قصائده الجميلة، التي استفزت المؤسسة الشعرية الإسرائيلية، لأنها اعترضت على الرواية الصهيونية الأساس، ولأنها لم تتمالك- اي القصيدة - نفسها دون أن تبصق في وجه المؤسسة حيث أنهاها صاحبها بهتافه: "تفو عليكم.. أقول لكم تفو عليكم".

**********

هذه الرواية الآنفة، تجري عند عدد من الخطوط الفاصلة: بين خطابنا التقدمي والوطني من جهة وبين خطاب المؤسسة الاسرائيلية من جهة اخرى، وبين مواطنتنا "الاسرائيلية" وبين هويتنا الفلسطينية، وبين هويتنا الفلسطينية، وبين تميز حالتنا، قياسا لأبناء شعبنا.
لذلك فقضية المهجرين، اللاجئين في وطنهم، كمشروع وكحق مضطرة للتعاطي مع هذه الخطوط وما يقع على جانبيها.
لقد توقفت في مقالتي المنشورة في شهر أيار/ مايو، من مجلة "حق العودة" عند ضرورة "التحيز لمسميات المكان التي هي أصله وهويته في وجه التغريب" وان القضية الصهيونية ليست الهوية الديمغرافية اليهودية في فضاء المكان وحسب، إنما "سبغ" الهوية الصهيونية على المكان ذاته.

ان التحيز لاصل المكان يحدد مقتضيات "المشروع الحضاري" للمهجرين بمعنى حراسة هوية المكان ومسمياته، بمعنى التمسك بدور الشاهد الحي على ملامح التاريخ وعلى هوية المكان في وجه الانتحال والتزوير وفي وجه شاهد الزور.
لقد سمحت دولة إسرائيل لمواطنيها الفلسطينيين بدعوة أقاربهم اللاجئين من الدرجة الأولى لزيارتهم في إطار ما يسمى بزيارات لم الشمل، وفي هذا الإطار قام الآلاف من اللاجئين بزيارة مسقط رؤوسهم والتقاء من بقي من أهلهم وأحبتهم وما بقي من اطلال بيوتهم.
اليوم بعد أكثر من 57 عاما على النكبة، فإن الجيل الذي يشكل القرابة الأولى آخذ بالتلاشي، وفي اعتقادي فإنه في غضون 15عاما ونيف سينتهي جيل القرابة الأولى، الأمر الذي يضيف مسؤولية اكبر على أبناء جيل النكبة وأحفادهم، وأحفاد أحفادهم، وبالأخص المهجرين منهم، في ما يتعلق بإحاطة ذاكرة المكان بالمزيد من الحماية في وجه الانتحال والتغريب.

أما المشروع السياسي للمهجرين فهو يدخل ضمن مشروع حق العودة للمجموع العام للاجئين الفلسطينيين.
عندما يجري الحديث عن أسرى الداخل ضمن اتفاقيات محتملة لتبادل الأسرى تنتفض إسرائيل الرسمية وتستشيط غضبا لكون هؤلاء الأسرى مواطنين إسرائيليين وقضيتهم "قضية إسرائيلية داخلية" ولذلك لا يمكن ان يكون موضوعهم ضمن عملية التفاوض.
والحديث بذاته يدور وسيدور عن أية إمكانية للحديث عن المهجرين، اللاجئين في وطنهم، ضمن الحديث العام عن قضية اللاجئين، ولكن لا شيء يغير حقيقة ان ملابسات وتداعيات ومؤامرات تهجير جزء من الشعب الفلسطيني إلى خارج وطنه، هي الملابسات والتداعيات والمؤامرات ذاتها التي قادت الى تهجير جزء من أبناء الشعب الفلسطيني في داخل وطنه، فكيف يصبح التهجير قضيتين: قضية لاجئين وقضية "مواطنة".

ورغم ذلك فإن موضوع المهجرين في وطنهم يحمل أيضا مشروعا مدنيا لا يتناقض مع المشروع السياسي أو المشروع الحضاري الوطني، وهو بذاته يمتد على احتمالين متلازمين غير متصادمين يقودان إلى ضرورة وشرعية المطالبة بعودة المهجرين إلى قراهم الأصلية من منطلقات مدنية ايضا.
الاحتمال الأول: إن إسرائيل تعلن في صلب القانون الإسرائيلي عن نفسها كدولة يهودية وديمقراطية...
ونحن نعلم ان في كل تصادم بين يهوديتها وبين ديمقراطيتها، وما أكثر هذه التصادمات، تكون الغلبة محتومة ليهوديتها.
اسرائيل تشهر رفضها لحق العودة للاجئين الفلسطينيين لان من شأن ذلك ان يؤثر على الطابع الدمغرافي للدولة ويسبب اختلالا ليهوديتها...
لذلك ما دام المهجرون هم مواطنون في دولة إسرائيل، ويدخلون في تعداد سكانها ومواطنيها فعودتهم من أماكن سكناهم الحالية في داخل حدود إسرائيل إلى قراهم المهجرة داخل حدود إسرائيل لا يسبب اختلالا اضافيا ليهودية الدولة، بل ان حظر عودتهم يشكل خرقا فظا لديمقراطيتها.
طبعا نحن لسنا على هذا القدر من السذاجة، نحن نعرف ان المعركة هي على الديمغرافيا ولكنها أيضا على مسميات الجغرافيا.
أما الاحتمال الثاني، فمعروف أن إسرائيل محكومة لرأسمالية متطرفة إلا في موضوع الأرض، فإن 97% من مساحة إسرائيل تقع في ملكية الدولة، وهذا لا يعود إلى ذهنية اشتراكية في موضوع الأرض إنما لحقيقة ان الدولة كمشروع قامت على أساس مصادرة الأرض وانتزاع ملكيتها من العرب.
هذه الحقيقة الكونيالية أدت إلى نشوء حالة غريبة إذ أن العرب الفلسطينيين الذين يشكلون 17% من المواطنين في اسرائيل لا يملكون أكثر من 3,5% من مساحة الدولة، الأمر الذي يقود إلى أزمة خانقة في احتياطي الأرض لأغراض التطور ولاستيعاب الزيادة الطبيعية لدى المواطنين العرب.
وإذا كنا بعد يوم الأرض في العام 1976 قد خضنا نضالا ضد مصادرة أراضينا، فقد أطلقنا شعارا في العام 2002، أن المعركة لم تعد ضد المصادرة، لأنه لم يتبقّ ما يصادرونه من أرض ، إنما المعركة هي على استعادة الأرض المصادرة من اجل حقوقنا الإنسانية كمواطنين ومن اولى من المهجرين للعودة الى قراهم لاصلاح غبن تاريخي وغبن مدني.

*****

إن ملف المهجرين الفلسطينيين اللاجئين في داخل وطنهم هو جزء من ملف التهجير الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني، إلا أنه يشكل إدانة أكثر حدة للمشروع الصهيوني الاقتلاعي.
إن حقيقة وجود أكثر من 300 ألف مهجر فلسطيني يحمل المواطنة الإسرائيلية (أكثر من 25% من المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل) مع كل ما يحمله ذلك من أبعاد حضارية ووطنية سياسية ومدنية هي لائحة اتهام ضد المؤسسة الإسرائيلية.
لقد حاولت السلطات الرسمية في اسرائيل على الدوام طمس قضية المهجرين سواء بالتنكر لحقوقهم في قراهم او بابرام صفقات تبادل اراضي او بيع بصورة قسرية او وهمية او بتفصيل قوانين رسمية على مقاس سياسة السلب والاقتلاع او حتى بالتنكر لتنفيذ قرارات صريحة لمحكمة العدل العليا الاسرائيلية جاءت في صالح المهجرين كما في القرار الخاص بأعادة اهالي قريتي كفربرعم واقرث الى بيوتهم .
لقد حاولوا اغلاق الملف ولكن اهل الملف اعادوا فتحه على مصراعيه.

22-9-2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة