الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترانيم رباب (مختارات شعرية) كمال سحيم

رائد الحواري

2023 / 2 / 3
الادب والفن


ما يحسب للمختارات أنها يتم انتقائها بعناية، كما أنه تعطي القارئ صورة وافية عن أعمال الكاتب/الشاعر/المفكرة، فهي لا تقتصر على موضوع/ناحية بعينها، بل تأتي ضمن رؤية شاملة لأعمال الكاتب/الشاعر، من هنا نجد في هذه مختارات "ترانيم رباب" أكثر من موضوع، وأكثر من شكل أدبي، كما نجد قصائد طولية وأخرى جاءت على شكل ومضة.
سنحاول التوقف عند بعض ما جاء في المختارات ونبدأ من قصيدة "المنيرة في حلمها الثاني" وهي أول قصيدة:
" ...
يا من رأى قمرا يسير
وردا وليلكة تطير
قلبا تناثر كالحرير
يا من رأى وطنا يسير" ص8.
هذا المقطع تم تكراره في ست مرات في القصيدة، واعتقد أنه يشكل المحور المركزي في القصيدة، وإلا ما تم تكراره، واللافت في هذه المقطع حضور الاستحالة، فليس هناك قمرا يسير، ولا وردا تطير، ولا قلبا تناثر، ولا وطنا يسير" وكأن الشاعر بهذه الحقائق يريد أن يؤكد تمسكه بالواقع، بالحياة الطبيعية والسوية.
هذا على صعيد الفكرة، أما على صعيد الفنية فنلاحظ أن "السير متعلق بما هو مكون من تراب وصخور "القمر، الوطن" والطيران بما هو روحي جميل، والتناثر بما هو عاطفي/إنساني" وهذا (التغريب) في إعطاء الصفات للأشياء، يأخذنا لنتوقف قليلا عندها، وإعادة تشكيلها بصورة صحيحة، فالتناثر مفترضا أن يكون للتراب وللصخور، القمر، للوردة، (تناثر الورد)، ويمكن أن نقول مجازا: "قلبا طار من الفرح" اعتقد أن عمليه (الغريب) التي جاءت في المقطع المكرر اردنا الشاعر أن نعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، وأن لا نمر على ما يجري/ما يقال مرور الغافلين، وإذا علمنا أن صياغة المقطع تعطي مدلول الاستحالة، نصل إلى أن الشاعر يتحدث بطريقة منطقية وعقلية، وهذا ما يريده منا.
"... والنار تشعل دمي
وإلى دمي يسري الصقيع
يأتي جميع الأدعياء لغربتي
يبنون لي مقتي الجديد
يرمون في وجهي السؤال
بنهرة
ماذا تريد؟
ماذا تريد؟" ص10.
استخدام مفردتين متناقضتين "النار، الصقيع" يشير إلى فكرة الصراع، وبما أن التناقض جاء مقرونا "بدمي" فإنه يأخذنا إلى فكرة الصراع الداخلي، نفسي، من هنا نجد أيضا ألفاظ متناقضة "غربتي/الجديد، يبنون/يرمون" وما تكرار السؤال "ماذا تريد؟" إلى تأكيدا لحالة الإجبار/الإكراه التي يريدون فريضها على الشاعر.
وإذا ما توقفنا عند مدلولات الأفعال: "تشعل، يسري، يأتي، يبنون، يرمون" سنجدها متعلقة بحالة الفلسطيني منذ النكبة عام 1948 وحتى الآن، ففي البداية (اشتعل/احترق) بيته وهجر منه، وهذا ما جعل حركته بطيئة "يسري"، ثم جاءوا إليه "يأتي" طالبين منه التكيف مع الواقع وقبول بالأمر الواقع، دولة الاحتلال، بعد أن بنوا/ "يبنون" له المخيمات، وبعد أن رفض القبول بالبناء الجديد أخذوا يرمون/يعاقبوه بالسؤال: " ماذا تريد؟".
وهذا ما يجعلنا نقول أن الشاعر لا يقدم طرحه/فكرته عن الواقع بطريقة مباشرة، وإنما يترك مجالا أمام المتلقي ليفكر ويتأمل ويستنتج ما وراء الكلمات، وهذا له علاقة بالمقطع (المُغرب) المكرر.
العربي/الفلسطيني بطبعه يميل إلى القضايا الوطنية والقومية، وما جرى في العراق بعد الحصار الأمريكي من احتلال آلم كل مواطن عربي، فكان لا بد من تناول هذا الحدث الذي يعد أكثر وجعا عربيا من الشاعر:
""...ها أطلقوا خيل القبيلة
أسدلوا الذكرى على شمس العراق
ما عاد في أرضي الجميلة
من خيول تستريح اليوم
من تعب السباق ص11، اللافت في هذا المقطع أن الشاعر يقدم الألم بصورة (ناعمة/هادئة) بحيث لا نجد أي لفظ قاسي، فحتى "أسدلوا، تعلب" لا يحملان القسوة، فهما يشيران إلى الحركة البطيئة/الهادئة، وهذا يأخذنا إلى حرص الشاعر على مشاعر المتلقي، الذي لا يريد أن يزيده هما وغما، فوجد هذا الشكل الهادئ ليوصل فكرة ألمه وألم العرب على ما جرى، فرأى بهذا الشكل ما يوصل الفكرة دون أن يسبب إزعاج/الم ـ قدر الإمكان ـ وفي الوقت ذاته يوصل حجم المأساة التي حدثت في العراق ولأهل العراق.
ألم الغربة يبقى حاضرا في الإنسان رغم مرور السنين، خاصة إذا كانت هذه الغربة ناتجة عن عملية أكراه، يحدثنا الشاعر عن الغربة وحنينه لوطنه في هذا المقطع:
"شوقي يطيل مسافتي يتمي،
ويغرقني طويلا بالعويل
فيحيلني ثلجا نديا
فوق أهداب الجليل" ص13و14.
نلاحظ وجود ألفاظ قاسية: "يتمي، يغرقني، بالعويل" وإذا ما قارنا هذا السواد بما جاء في وصف حالة العراق، التي قدمت بصورة (مخففة/هادئة) نجد الفرق واضحا، فرغم أن وجع العراق أكبر من وجع فلسطين، إلا أنه قدم بصورة لا تتناسب وحجم المأساة، فنجد ألفاظ الحركة في العراق جاءت تعبر عن التعب: "أسدلوا، تستريح، تعب" بينما في وصف حالة الشاعر نجدها متصاعدة ومستديمة: "يطيل مسافتي، ويغرقني طويلا"، وهذا يثير تساؤل القارئ، إذا كان الشاعر قد قدم مأساة العراق بصورة مخففة، هادئة، فأين التخفيف في وصف مأساته كفلسطيني؟
نجيب من خلال المقطع الأخير، حيث هناك بياض مطلق:
" فيحيلني ثلجا نديا/فوق أهداب الجليل"
فهذا المقطع محى/أزال مسافات يتمي، ويغرقني بالعويل، فالتحول الغرق إلى "ثلجا نديا" وتحولت مسافات يتمي إلى أهداب الجليل"، بمعنى الماء أصبح ثلجا نديا، والمسافة أوصلته إلى الجليل، فالمقطع متداخل ومتشابك ومتكامل، فالسواد الذي كان تحول إلى فرح وبهجة.
جميل أن نرى القصيدة ممزوجة بالأسطورة، خاصة إذا كانت هذه الأسطورة فلسطينية/سورية، في قصيدة "قوام الشهيد" نجد هذا المزج:
"(2)
هناك انتشرت
على الأرض عشبا
وحول السنابل
أقطاب ماء
هناك امتزجت
بلون التراب الذي في عيوني
فصرت الهضاب
هناك اجتمعنا
على تل رمل
وكان العناق
تفجرت من صخر عينيك نبعا
وكان الذي فوق كل التصور
لملمت كل الشتات القديم
ويممت وجهي صوب المقابر
كي استريح" ص33.
إذا ما توقفنا عند الألفاظ المستخدمة نجدها متعلقة بالطبيعة: "الأرض، عشبا، السنابل، ماء، التراب، الهضاب، تل، رمل، صخر، نبعا" وعندما نعلم أنها جاءت متعلقة/مقرونة بالشهيد، نجد الرابط بين حضور الشهيد وحضور البعل وما يحدثه من خصب ونماء وجمال في الطبيعة وما عليها.
ونجد حضور المرأة/عشتار من خلال: " هناك اجتمعنا، عينيك نبعا" وبما أن البعل وعشتار يمثلان الطبيعة، الربيع والخريف، الفرح والحزن، الحياة والموت، فد كان للحزن مكان أيضا: "المقابر" وبما أن المقطع جاء بصيغة أنا المتكلم، فقد منح القارئ شعورا بأنه أمام أحداث ملحمة البعل.
وعن الوحدة وما تسببه من الم للشاعر، يقول في قصيدة "وحيد أنا":
"وحيدا أنا
لا فرق بين أن أعود
أو لا أعود
أخوتي ليسوا معي
كذلك الماء الذي يجرف ريقي
ليس معي.." ص103.
فكرة الوحدة حاضرة في القصيدة، فالمعنى ليس بحاجة إلى شرح أو تفصيل، لكن الشاعر الحقيقي لا يكتب القصيدة، بل القصيدة هي من تُكتب الشاعر، لهذا نجد العقل الباطن حاضرا فيما يكتبه، فكثرة الحروف والكلمات القصيرة تخدم فكرة الوحدة التي يمر بها: "أنا، لا، فرق، بين، أن أعود (مكررة)، أو، لا، معي، كذلك، الماء، الذي، يجرف، ريقي" إذا ما توقفنا عند هذه الألفاظ سنجدها بمجملها تتشكل من أربعة حروف أو أقل، وهذا له علاقة بمضوع/فكرة القصيدة، فابتعاد الشاعر عن الاستخدام كلمات/ألفاظ كبيرة يشير إلى الوحيدة التي يمر بها، فجاءت ألفاظ القصيدة انعكاس لما يمر به ويعانيه.
قلنا أن هذه المختارات تجمع أكثر من شكل، فعناك القصيدة الطويلة والومضة، نأخذ "تكوين" نموذجا لتنوع أشكال الإبداع عند الشاعر:
"البرد فكرة الغابة
حين أيقظتها الوحوش
وهي تركض أمام الصيادين" ص133.
نجد أن كافة الألفاظ متعلقة بالغابة: " البرد، الغابة، أيقظتها، الوحوش، تركض" وهذا يشير إلى التكثيف والاختزال عند الشاعر، ففكرة الومضة "الغابة" حاضرة من خلال "الوحوش، الصيادين" والمحرك/الحركة جاءت من خلال "أيقظتها/تركض" وهذا يعطي مدلول الاستعداد والقسوة. وبما أن الشاعر قدمها من خلال (سرد خارجي) فهذا يعطيه صفة المراقب الذي يصف مشهد دون أن يتدخل فيه، لكنه وجد فيه ما هو مهم فأراد تقديمه لنا لنعتبر ونتعلم منه.
الديوان من منشورات اتحاد الكاتب الفلسطينيين، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى 2021.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا