الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على جبل يشكر… قراءة انثرو-سوسيولوجية

اكرم هواس

2023 / 2 / 3
الادب والفن


على جبل يشكر…
قراءة انثرو-سوسيولوجية


ما زال معرض القاهرة الدولي للكتاب يقدم الكثير من فضاءات ثقافية جميلة … و رغم عدم حضوري الشخصي هذه السنة لاسباب خارجة عن ارادتي الا اني سعيد جدا بعودة الندوات الى جدول نشاطات المعرض و لعل مناقشة الاعمال الروائية تثري كثيرة من قيمة الفضاء الثقافي .. و هكذا فان رواية "على جبل يشكر" للدكتورة رباب كساب تمثل نموذجا جميلا في هذا الاطار..

الفكرة الاولى التي جذبتني لهذه الرواية هي العنوان نفسه.. و كنت اتسائل ..هل هناك جبل اسمه "يشكر" ام ان هناك شخصا ما يجلس على جبل ما و يشكر ..… ثم الشكر لمن .. هل هو لله او لشخص او قيمة او.. او…. او ربما الجبل ذاته… او شيء اخر..؟؟..

كان بامكاني ان احصل على اجوبة لهده التساولات من الروائية الدكتورة رباب كساب حيث التقينا مرة منذ سنوات في المقهى الثقافي في معرض القاهرة الدولي للكتاب منذ سنوات و هناك تواصل بيننا بشكل بسيط لكني ارتايت ان احترم حق الراوية في الاحتفاظ بهذا السر "اي العنوان" فهو قد يختزل بنية الرواية و فكرتها و لذلك فلابد من الحصول على الرواية ذاتها و محاولة اكتشاف مكمن الحيرة من خلال قراءة الرواية و تفكيك عناصرها .. او هكذا كنت اعتقد..

ولكن مع بداية قراءة الرواية فان اول ما يمكن ان يثير القاريء هو مصطلح " الرب في داخلي"… و لا ادري ان كان ذلك مجرد نزوة استعلائية للخروج من ازمة ما…مستخلصة من ارث نيتشة و موت الاله ..او ربما انعكاس لفكرة التقمص بين الانسان و الاله .. الاب و الابن…. و تحولها الى "انت في داخلي " في الصوفية الاسلامية ..؟؟.. او لعبة طفولية حيث تختلط فكرة الاب و الاله في صيرورة صانع القرار ..؟؟..

لكن مع الولوج اكثر في حبكة بنية الرواية فاننا نصطدم بشخصية "رقية" صانعة "الاسطورة" ليس فقط من خلال حكاويها التي لا تنتهي بل في قدرتها في خلق ذهنية مجتمعية مبنية على "اللا واقعية" .. او فضاء الخيالات المفتوحة… اي شيءٍ يستند الى تصورات ذاتية عن التصورات العامة عن واقع غير مرئي و غير قابل للتحقق منه…

و يبدو من خلال تتابع ظهور الشخصيات المختلفة ان حالة التعايش مع الخيال هي العنصر الاهم في خلق "التماسك" بين الشخصيات و مسارات حياتهم … و هكذا نرى ان اهم ما يشغل فكر و احلام الشخصية الرئيسية و صديقاتها هو "الحديث " عن حبيب غاب فجأة او اختفى او هاجر .. او .. او …

بكلام اخر … ان الفكرة المركزية هنا ليس الحبيب نفسه انما "الحديث" عن هذا الحبيب الذي لا يظهر ابدا و ليس له اي دور حقيقي… انما صورته "الخيالية" هي التي تحتل مساحة الفعل في حبكة الرواية ..

و هذا يعيدنا الى فكرة "الرب في داخلي" فالحبيب يختزل وجوده في صورته الذهنية او التصورات الذاتية في مخيال المرأة… شخصيات الرواية… عنه ( اي الرجل)… فالرجل هو لغز اخر في في هيكلية " الاسطورة" و الكلام عنه "الحكاية" اهم من وجوده الفعلي .. لان وجوده الفعلي سينهي الحكاية التي تحرص "رقية" ان تستمر بلا حدود .. و لذلك فلا مكان لظهور الرجل … و لذلك ايضا فان "حكايتي تشبه حكايتهم" و كل واحدة من الصديقات تحرص ان تتكلم هي عن "حكايتها" … اي ان كل واحدة من الشخصيات .. تحاول ان تتقمص دور "رقية".. و هكذا تستمر الاسطورة في الهيمنة على عالم الرواية ..

و اعتقد ان الراوية الدكتورة رباب كساب قد نجحت بشكلٍ كبير في خلق تواصل ذهني بين تاريخ الجبل و واقع التطور المجتمعي …. فالاسم "يشكر".. يعود الى رجل يقال ( لاحظ الغموض في كينونة الرجل و انتمائه التاريخ ) بانه كان شيخ قبيلة جاءت من الجزيرة العربية ( منطقة الخليج) فاستولت على هذا الجبل و حولته الى ثكنة عسكرية ترمى منها المنجنيق على الاعداء (؟)… ثم جاء ابن طولون من اقاصي الارض ليحول المعسكر الى مسجد عظيم يبقى يحمل اسمه حتى لو غرقت القاهرة و انتفى وجود الانسان فيها… المهم تبقى الاسطورة تحافظ على ديمومتها في ذاكرة الناس .. و هذه فكرة "بيت الرب" … و "الرب" هنا قد يكون الله كما صورت لنا رغبات ابن طولون .. او قد يكون "الفرعون … و الجبل هو صرحه الذي طلبه من هامان .. و "فرعون" هنا يمثل " الانا الطاغية" .. او المجهول الذي في داخلنا و الذي يخلق لنا تصوراتنا عن العالم لكن دون نراه او نعرف شيئاً عنه في واقعنا اليومي .. و هذه عودة اخرى الى "الاسطورة" و مخيالها .. و حالة التوهان التي لا تختلف عن حالة الشخص القادم الى مدينة معقدة الاوصال و العلاقات العصية على الفهم .. و هكذا تبدو الضبابية اكثر تعبيراً عن التواصل الذهني مع الواقع …

عموما…الرواية غنية بالكثير من العناصر و الرموز و لو استمر في تحليلها جميعا لتحولت هذه المقالة الى مجلدات … و لذلك اتوقف هنا و ربما تكون انا عودة في مقالة اخرى…

لكن… حتى نضع الاعمال الادبية و منها الروايات في اطار قراءة مجتمعية فانه من الممكن ان نعتقد ان كل النتاجات الفكرية هي في النهاية انعكاس للوضع في مجتمع ما و كثيراً ما تعبر عن لحظة تاريخية تخلق لدى المؤلف/المؤلفة تصورات يضعها في مجموعة افكار و طروحات تمثل مخيالاً تفسيرياً او رؤية للخروج الى عالم ما بعد تلك اللحظة ..

في العالم العربي لدي الكثير من الاصدقاء من المثقفات .. شاعرات و روائيات وووو… و كثيراً ما تحصل النقاشات بيننا حول التطور المجتمعي مما يثبت لدي فكرة عامة و هي انه ليس هناك شيء اسمه الادب النسائي بشكل اختزالي … لان المرأة .. و ان كانت لديها عالمها الخاص مثل اي كائن اخر في هذا الكون… لكن خروجها الى سوق العمل و تواصلها المباشر مع الواقع المجتمعي العام قد وضعها في تماس فكري مع الحدث اليومي في مجتمعها و هكذا فان نتاجها الادبي لا يختلف عن نتاجها في سوق العمل و الادارة المجتمعية .. و لعل الروائية هنا تقدم مثالاً حيويا تدعم هذه الفكرة حيث ان السيدة رباب كساب هي موظفة تذهب الى عملها كل يوم و هكذا تعايش ظروف و قصص الصعوبات و المشاكل اليومية التي تواجه كل الباحثين عن تامين حياتهم بهذا الشكل او ذاك..

ختاما.. الرواية موضوعة هذه المقالة ربما تعبر بشكل ما عن هذه التحديات اليومية و محاولة فك طلاسمها حتى و ان كان ذلك من خلال خلق تصورات ما وراء الواقع …

تمنياتي للدكتور رباب و كل الروائيات و المثقفات و المثقفين التوفيق و لمعرض القاهرة الدولي للكتاب الديمومة و النجاح…حبي للجميع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في


.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/




.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي