الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالةٌ إفتراضية..

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2023 / 2 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


---------------
أرسلَ لي صديقٌ غضوبٌ رسالة مُقتضبة، يُسائلني فيها :
إلى متى سيبقى الناس رهناء مُخلصين للتفكير الديني ؟
ولماذا لا يرى هؤلاء الناس أثر العلم، رغم أنهم ينتفعون - في كلّ دقيقة - بمنجزات التفكير العلمي وفضائله الجمّة على حيواتهم .؟
قائلاً لي : أنت تعلم جيداً ، أنّه في رياض التفكير العلمي و سياق منطق العلم يُمكن للمرء بسهولة، إثبات أيّ خطأ فكري أو حسابي أو تجريبي ..
بينما في سياق فهم الدّين و أنموذج التفكير الديني ، فأنت لا تستطيع مجرّد التصدّي لأبسط أضاليل التفكير الديني البيّنة، أو حتى تفنيد خرافاته الفاقعة ..
وانْ انتَ فعلت ، فسينبري لك جيش من المؤمنين الحمقى والموتورين والمغيّبين ، ليقذفوا في وجهك، ألافاً مؤلفة من الأعذار والأسباب والمُغالطات و التبريرات غير المنطقية.
فأجبته بما يلي ، بعد مُطالبته بأن يُهدأ من روعه قليلاً ، كي يفهم جوهر المقال :
لا شك لديّ يا صديقي العاقل ، في أنّ طريقة التفكير الديني وطريقة التفكير العلمي هما طريقتان مختلفتان لفهم وتفسير العالم.
فالتفكير الديني مثلا ، يعتمد على الإيمان والمعتقد ، وغالبًا ما يُركز على فهم الجوانب المتعالية للحياة، والتفكير فيما وراء الطبيعة والوجود ، مثل طبيعة الله أو أو الروح ، والغرض من الحياة ، ومكان الإنسان في الكون..الخ
و أنت تعلم جيدأ ان مظاهر التفكير الديني تُعبرُ عن نفسها في الطقوس والاحتفالات والصلاة والتأملات وبعض أساليب الحياة كالزهد والتصوف، والفن والأدب و حتى في نمط التفكير الفلسفي الديني .
أما التفكير العلمي فهو يعتمد اسلوب البرهان، و على الملاحظة والتجريب والأدلة .
وبالتالي هو يهدف إلى اكتساب فهم اعمق للقوانين والعمليات الطبيعية في العالم ، من خلال البحث والتحليل المنهجي. وبالتالي الحصول على المعرفة الموضوعية ، وتطوير النظريات والنماذج القائمة على الأدلة.
لكن أعلم جيداً ، أنه قد يتساءل معك كثيرون :
تُرى أيّهما أفضل لتنمية الحياة الانسانية وتطوير الوعي و التقدم في فهم الحياة؟
في الحقيقة - حسب فهمي المنطقي - منْ غير الممكن - للاسف- أن نُطلق على هذه المسألة العقلية حكم قيمة ، وأن نتوخى -في ذات الوقت - الصواب التام فيه .
فالموضوعية تقتضي منا ياعزيزي القول أنه
من الصعب تحديد أيّهما أفضل للتنمية البشرية والوعي و التقدم في فهم الحياة.
لأن ذلك يعتمد - في تقديري - على طبيعة المعتقدات ونوعية التجارب الشخصية معاً وكثير من الأمور الأخرى.
اذ يمكن أن يُساهم كلٍ من التفكير الديني والتفكير العلمي في التنمية البشرية والوعي والحياة.
كما يمكن أن يُساعد الدّين في إعطاء معنى وتوجيه لحياة الناس ، وتقديم الدعم في المحن و الكوارث أو في الأوقات الصعبة، و بالتالي يعمل على تعزيز الشعور بالتواصل مع الآخرين.
بالاضافة أنه يمكن أن يُساعد الدين أيضًا في تطوير البوصلة الأخلاقية للمجتمع الانساني، وتعزيز التعاطف والرحمة بين افراده، رغم صراع المصالح وتنازعها.
كما لا انسى في المقابل ، يمكن أن يساعد التفكير العلمي في الحصول على معرفة موضوعية للعالم، وتطوير فهم للقوانين والعمليات الطبيعية.
يمكن أن يؤدي ذلك إلى التقدم التكنولوجي والمجتمعي ، الامر الذي يساعد في حل المشكلات وتحسين مستويات المعيشة.
ومع ذلك ، منَ المُهم جداً ، أن تُدرك أن التفكير الديني والتفكير العلمي ليس بالضرورة أن يكون بينهما حرب وجود ، أو أنْ يكونا معاكسين لبعضهما البعض. نافياً أحدهما للأخر بالضرورة.
فالملاحظ المُنصف ، يرى أنه يُمكن أنْ يكونا كلاهما معاً في مجرى الواقع ، وأنْ يكمل بعضهما البعض في فهم وتفسير العالم.
من المهم جدا - في زعمي - أن يكون المرء أولاً متفتّح الذهن، صادق الطوية ، يؤمن بالتعددية ، وأنْ يدرك جيداً ، أنه يمكن أن توجد في الواقع ، وجهات نظر وتفسيرات متعددة.
بمعنى أن الأمر في حقيقته، متروك لأفهام الناس ، لتحديد تأثير الدين والعلم على حياتهم ، وما هو جوهر التوازن الذي يريدون الحفاظ عليه بين هذين التأثيرين.
أخيراً وليس آخراً :
لا أريدك أن تنسى أبداً يا صديقي العاقل، أنّه لطالما هناك حياة، سيكون هناك صراع على نحو ما . وقد يأتي ذاك الصراع الأبدي ، بجديد كلياً ، لا يوافقنا جميعاً ..
zakariakurdi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو